بعد الفوضى التي احدَثَتها في المنطقة: الادارة الامريكية تشهد خريف العمر

شبكة النبأ: ابتداءا من تعثر عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين ومرورا بالأزمة اللبنانية التي تزداد تعقيدا تحت تاثيرات اقليمية ودولية، وانتهاء بمحاولات انهاء الحرب في العراق وافغانستان ومساعي التحشيد ضد ايران، تواجه السياسة الامريكية صعوبات متزايدة في كل من هذه المحاور الاستراتيجية بالنسبة لها.

ومن هنا تأتي اهمية زيارة نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني الى المنطقة حيث تحاول الادراة الامريكية فيما تبقّى لها من الوقت لملمة الاوراق واعادة الترتيب على خلفية الفوضى السائدة الان.

فقد وصل تشيني الى افغانستان بعد زيارة مفاجئة الى العراق ومحطة في سلطنة عمان في اطار جولة في الشرق الاوسط وتركيا، على ما افاد مراسل لوكالة فرانس برس.

وقال احد معاوني نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني الذي وصل الى افغانستان ان الاخير سيجري محادثات مع الرئيس الافغاني حميد كرزاي تتمحور حول مكافحة المتطرفين وليس تحضيرا لشن هجوم عسكري على ايران.

وهذه الجولة لا تتمحور حول التحضيرات لشن هجوم عسكري على ايران التي تتهمها واشنطن بمساندة حزب الله اللبناني الذي تعتبره منظمة "ارهابية" وبدعم الطالبان من خلال تزويدهم بالسلاح خصوصا.

وقال احد معاوني نائب الرئيس الاميركي لصحافيين طالبا عدم كشف هويته ان "المحادثات لا تتعلق بهذا الموضوع".

وقالت المتحدثة باسم نائب الرئيس الاميركي لي آن ماكبيرد ان تشيني ""سيجري محادثات حول الشراكة الاستراتيجية بين افغانستان والولايات المتحدة وكذلك حول كيفية مواصلة الجهود في اطار الحرب على الارهاب".

وسيلتقي تشيني اثناء الزيارة كرزاي "لبحث التقدم في افغانستان الديمقراطية لكن ايضا العمل الذي ما زال يتوجب انجازه خصوصا في جنوب البلاد" على ما اضافت المتحدثة. ولاسباب امنية لم يعلن مسبقا عن هذه الزيارة.

فاثناء زيارته الاخيرة الى كابول في شباط/فبراير 2007 وقع هجوم انتحاري عند مدخل القاعدة العسكرية الاميركية في باغرام (60 كلم الى شمال كابول) حيث كان تشيني موجودا مما ادى الى سقوط عشرين قتيلا.

ايران محور زيارة تشيني لسلطنة عمان

وأجرى تشيني محادثات مع السلطان قابوس بن سعيد والقادة العمانيين تتعلق خصوصا بالملف الايراني. وكان تشيني وصل الى مسقط في اطار جولة في الشرق الاوسط قادما من العراق.

واستعار تشيني من مضيفه السلطان قابوس بن سعيد يخته الذي يبلغ طوله 18 مترا "كينغفيش الاول" لصيد السمك قبالة سواحل عمان المعروفة بتنوع اصنافها.

وكان مسؤول اميركي صرح ردا على سؤال عن برنامج محادثات تشيني في السلطنة ان زيارة تشيني الى عمان ستهيمن عليها قضية ايران التي تقع مقابل السلطنة عند مضيق هرمز الذي يمر عبره نفط الخليج والحرب الاميركية على الارهاب.

واضاف هذا المسؤول "انهم (العمانيون) في عين العاصفة في هذا الجزء من العالم ويراقبون ويشاركون في الوقت نفسه في كل القضايا الكبرى" في المنطقة.

وتابع المصدر نفسه ان تشيني سيشكر سلطان عمان على "دعمه غير المعلن لكن المتين" لقضايا العراق وافغانستان والحرب على الارهاب التي اطلقت بعد اعتداءات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة.

واكد المسؤول ان ايران التي تتهمها الولايات المتحدة بالسعي لامتلاك قنبلة ذرية وبدعم منظمات ارهابية "ستحتل حيزا كبيرا" في المحادثات التي تجري قبل ثمانية اشهر من الانتخابات الرئاسية التي ستفضي الى تغيير الادارة الاميركية.

واضاف ان "العمانيين كغيرهم من الناس قلقون من تصاعد التوتر بين ايران والاسرة الدولية ومن بعض النشاطات الايرانية وخصوصا في القطاع النووي وخارج الحدود ايضا".

وتقيم سلطنة عمان حليفة الولايات المتحدة علاقات جيدة مع طهران. وقد زار الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد مسقط في ايار/مايو الماضي.

وتأمل السلطنة في تجنب تصاعد التوتر في الخليج بين ايران والغربيين حول الملف النووي بينما فرضت الامم المتحدة سلسلة جديدة من العقوبات على طهران مؤخرا.

بتريوس يقر بخلافات مع فالون ويحذّر إيران وسوريا

من جهة ثانية أقر أكبر مسؤول عسكري أمريكي في العراق، الجنرال ديفيد بتريوس، بوجود "خلاف" مع قائد القيادة المركزية بالجيش الأمريكي السابق، الأدميرال وليام فالون، الذي يُعد أحد أبرز العسكريين الأمريكيين الذين أعربوا علناً عن معارضتهم شن هجوم "محتمل" على إيران.

ولكن الجنرال بتريوس، الذي هاجم إيران وسوريا مجدداً، لم يوضح طبيعة أو مدى الخلافات مع قائده السابق، إلا أنه ذكر، في تصريحات له الأربعاء، أن الأدميرال فالون يتفق معه بشأن التوصيات التي تتعلق بمستقبل الحرب على العراق، التي دخلت عامها السادس.

وقال بتريوس، في تصريحاته لمراسلة CNN في بغداد، الزميلة كيرا فيليبس: "في الحقيقة، لقد كانت علاقتنا طيبة جداً جداً على مدار الأشهر الستة الأخيرة"، وأضاف قوله: "لقد كان هناك خلاف بيننا في البداية، فهو كان لديه مهام تقتضيها وظيفته، غير مهام وظيفتي."

واستطرد قائلاً: "لقد كانت اختلافات يمكن تفهمها وقبولها، ومثلما يقولون في السياسة والحكومة 101، إنه عندما تتوقف عند قضية ما لبعض الوقت، فإن ذلك يعتمد على المكان الذي ستجلس فيه ضمن الترتيب، ونحن (بتريوس وفالون) كنا نجلس في مقاعد مختلفة."

وكانت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" قد أشارت في عددها الخميس الماضي، إلى أنه كانت هناك "معركة غير معلنة" بين قائد القيادة المركزية الوسطى، وقائد القوات الأمريكية بالعراق، قائلة إن "العداء بين الضابطين الكبيرين، كان عداءً شخصياً."

فمن الناحية السياسية، يعتبر الجنرال بتريوس المفضل لدى الرئيس الأمريكي جورج بوش، إلا أن وجهات نظر رئيسه المباشر، الأدميرال فالون، ساهمت في جعل قائد القوات الأمريكية بالعراق، غير مقرب من مسؤولين كبار في البيت الأبيض، بحسب الصحيفة الأمريكية.

ومن الناحية الإستراتيجية، تتركز مهمة الجنرال بتريوس على كسب الحرب في العراق، في الوقت الذي كان يخشى فيه قائد القيادة الوسطى السابق، من أن تؤثر عمليات زيادة القوات الأمريكية في العراق، على قدرة الجيش الأمريكي في التعامل مع تحديات طارئة محتملة أخرى.

وكان الأدميرال فالون قد أعلن استقالته بصورة مفاجئة في وقت سابق من الشهر الجاري، بعد نحو عام قضاها في المنصب، إثر خلاف مع الرئيس الأمريكي بشأن إيران.

وأرجع الأدميرال الأمريكي سبب استقالته إلى تقارير صحفية وصفها بأنها "غير دقيقة"، وضعته في موقف مغاير لما تنتهجه إدارة الرئيس بوش، بشأن طريقة التعامل مع الملف النووي الإيراني.

وفيما يتعلق بهذا الملف، قال الجنرال بتريوس في تصريحاته لـCNN إن إيران تواصل تقديم الدعم للجماعات المسلحة الشيعية في العراق، واصفاً الأمر بأنه "خطير للغاية"، رغم نفي طهران مراراً تقديم أي دعم لمسلحي العراق.

كما جدد الجنرال الأمريكي الاتهامات إلى سوريا، قائلاً إن السلطات السورية تسمح بعبور المقاتلين الأجانب حدودها والدخول إلى الأراضي العراقية، للإنضمام إلى الجماعات المسلحة في العراق.

وحذر بتريوس كل من طهران ودمشق قائلاً إن الولايات المتحدة يجب ان تتعامل بكل حسم مع مثل هذه المخاطر، التي تهدد النجاحات التي تحققت بالعراق، والتي من المتوقع أن يتضمنها تقريره الذي سيقدمه إلى الكونغرس الشهر المقبل، والذي ستناول فيه الوضع الأمني، فيما سيقدم السفير الأمريكي ببغداد، رايان كروكر، تقريراً حول الوضع السياسي بالعراق.

تشيني يتهم ايران وسوريا بالسعي لنسف عملية السلام

واتهم تشيني الاثنين في القدس ايران وسوريا ببذل "كل ما بوسعهما" لنسف عملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين وذلك في ختام زيارة استمرت يومين في اسرائيل والضفة الغربية.

وقال تشيني بعد فطور عمل مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت في القدس "ان ايران وسوريا تقومان بكل ما بوسعهما لنسف عملية السلام" بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.

كما جدد تشيني الذي غادر تل ابيب متوجها الى تركيا "التزام الرئيس (جورج بوش) بالمساعدة للمضي قدما بعملية السلام" مضيفا ان وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس ستعود الى المنطقة خلال الاسبوع المقبل.

واكد مسؤول اسرائيلي رفيع المستوى ان رايس ستزور مجددا المنطقة الاسبوع المقبل بعد ثلاثة اسابيع على الزيارة التي قامت بها بغية احياء مفاوضات السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين.

وتشكل تركيا المحطة الاخيرة في جولة تشيني التي قادته الى العراق وافغانستان وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية. وسيلتقي خصوصا الرئيس التركي عبدالله غول ورئيس الوزراء طيب رجب ادروغان.

وقال نائب الرئيس الاميركي في ختام زيارته الى اسرائيل "ان رئيس الوزراء جدد تأكيد التزامه تجاه رؤية الرئيس (بوش) ورغبته في بذل كل ما بوسعه للتوصل الى نتيجة في العام 2008 مع ادراكه تماما للصعوبات".

وكرر تشيني الذي وصل الى اسرائيل خلال عطلة نهاية الاسبوع التي تصادفت مع عيد الفصح وفق التقويم الغربي دعم واشنطن "الراسخ" لامن اسرائيل مطمئنا في الوقت نفسه الفلسطينيين ل"حسن نية" الولايات المتحدة تجاههم. واعتبر ان على الجانبين ان يقوما "بتنازلات اليمة" من اجل وضع حد للنزاع المستمر منذ عقود.

الى ذلك تحدث نائب الرئيس الاميركي ايضا عن "الظلال القاتمة" المقلقة التي تلقيها ايران العدو اللدود لاسرائيل وكذلك سوريا وحركة المقاومة الاسلامية (حماس) التي تسيطر على قطاع غزة بالقوة منذ حزيران/يونيو اثر تغلبها على حركة فتح بزعامة محمود عباس.

وقد امتنع الاخير عن الادلاء باي تعليق بشأن الاتفاق الذي اعلن الاحد وينص على استئناف الحوار المباشر برعاية اليمن بين حركتي فتح وحماس التي تعتبرها الولايات المتحدة والقسم الاكبر من المجتمع الدولي "منظمة ارهابية".

اما عباس فقال من جهته ان السلام المطلوب هو الذي يعالج "كل قضايا الحل النهائي بدون استثناء خاصة قضية القدس واللاجئين".

واضاف في المؤتمر الصحافي مع تشيني في مقر الرئاسة بمدينة رام الله ان "الامن والسلام لا يتحققان من خلال التوسع الاستيطاني وإقامة الحواجز والتصعيد العسكري ضد قطاع غزة والاجتياحات المتواصلة لمدن وقرى الضفة الغربية والاعتقالات التي نجم عنها وجود اكثر من 11 الف اسير".

ويفترض ان يتوصل الاسرائيليون والفلسطينيون هذه السنة الى اتفاق سلام كما تعهدا في المؤتمر الدولي الذي عقد في انابوليس بالولايات المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر لكن المحادثات تعثرت خصوصا بسبب استمرار الاستيطان الاسرائيلي ولاطلاق صواريخ من قطاع غزة على جنوب اسرائيل.

امريكا لن تضغط على اسرائيل بشأن الامن

من جهة اخرى قال ديك تشيني إن واشنطن لن تضغط ابدا على اسرائيل لاتخاذ خطوات تهدد أمنها.

وقال تشيني في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت "التزام امريكا بامن اسرائيل دائم وثابت كما هو حق اسرائيل في حماية نفسها دائما في مواجهة الارهاب والهجمات الصاروخية والهجمات الاخرى التي تشنها قوى تكرس جهودها لتدمير اسرائيل."واضاف "الولايات المتحدة لن تضغط مطلقا على اسرائيل لاتخاذ خطوات تهدد امنها."

ووصف فوزي برهوم المتحدث باسم حماس تصريحات تشيني بانها "تحريضية ومنحازة بالكامل مع الاحتلال الاسرائيلي وغير منصفة لحقوق شعبنا". بحسب رويترز.

وقال ان تصريحات تشيني "تؤكد أن أمريكا شريكة مع الاحتلال في جرائمه ضد شعبنا الفلسطيني وقطاع غزة."

وقال اولمرت ان محادثاته مع تشيني ستتضمن بواعث القلق تجاه ايران وسوريا بالاضافة الى "حرصنا على مواصلة مفاوضات السلام مع الفلسطينيين".

وقال تشيني ان دور الولايات المتحدة ليس "املاء نتائج" محادثات السلام التي بدأت في مؤتمر أنابوليس بولاية ماريلاند في نوفمبر تشرين الثاني بهدف التوصل الى اتفاق على اقامة دولة فلسطينية قبل ان يغادر الرئيس الامريكي جورج بوش منصبه في يناير كانون الثاني القادم.

وقال تشيني "التوصل الى الاتفاق اللازم سيتطلب اتخاذ قرارات صعبة وتنازلات مؤلمة من الجانبين لكن أمريكا ملتزمة بدفع العملية للامام."

واضاف "نريد ان نرى حلا للصراع ونهاية للارهاب الذي سبب الكثير من الحزن للاسرائيليين وبداية جديدة للشعب الفلسطيني."

وشددت اسرائيل حصارها الاقتصادي والعسكري لقطاع غزة بعد ان تغلبت حركة المقاومة الاسلامية حماس على قوات حركة فتح الموالية لعباس وبسطت سيطرتها على القطاع في يونيو حزيران.

وقام الرئيس الامريكي جورج بوش بأول زيارة رئاسية له الى اسرائيل والضفة الغربية في يناير كانون الثاني وقال انه متفائل بشأن امكانية التوصل الى اتفاق سلام قبل ان يغادر منصبه. ومن المتوقع ان يقوم بوش بزيارة ثانية قريبا.

ولم تظهر محادثات السلام اي دلالة تذكر على احراز تقدم كما ابطأتها نزاعات بشأن الانشطة الاستيطانية الاسرائيلية بالقرب من القدس وهجمات اسرائيلية على قطاع غزة حصدت ارواح اكثر من 120 فلسطينيا.

وتقول الولايات المتحدة ان الجانبين لم يفعلا ما فيه الكفاية لتنفيذ التزاماتهما بموجب خطة "خارطة الطريق" للسلام المتعثرة منذ فترة طويلة.

وتدعو الخطة اسرائيل الى وقف جميع الانشطة الاستيطانية وازالة المواقع الاستيطانية التي اقيمت في الضفة الغربية دون موافقة الحكومة. كما تطلب من الفلسطينيين كبح الناشطين.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 26 آذار/2008 - 18/ربيع الاول/1429