الوثيقة العربية للإعلام: تكميم الأفواه بعد السيطرة على المعارضة

شبكة النبأ: ضمن ردود الافعال المتباينة على وثيقة الإعلام التي فرضتها بعض الدول العربية النافذة إعلامياً مؤخرا، نشرت صحيفة إنترناشيونال هيرالد تريبيون الامريكية مقالة لرئيس تحرير "تقرير واشنطن" عن ميثاق البث الفضائي العربي، وهذه ترجمة للمقالة:

أثار تبني وزراء الإعلام العرب لوثيقة "البث الفضائي" الجديدة في الثالث عشر من فبراير الماضي (2008) خلال اجتماعهم الاستثنائي بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، موجة من الغضب في الأوساط الإعلامية، ومنظمات حقوق الإنسان العربية الناشطة في مجال الحريات الإعلامية وكذلك نظيرتها الدولية، كمنظمة هيومان رايتس ووتش التى دعت الأنظمة العربية لرفض تلك الوثيقة.

وتزايد النقاش والجدل حول الوثيقة الجديدة باعتبارها صفعة جديدة للحريات الإعلامية والصحافية بعد الحصار المفروض عربياً على الإعلام المكتوب، ومن شأنها فرض المزيد من السيطرة الحكومية على المحطات الفضائية. فتُطلق يد الحكومات العربية في استصدار ما يعن لها من تشريعات لإعمال المبادئ والقواعد التى تُنظمها الوثيقة، واعتماد ما تراه من تدابير بحق القنوات الفضائية التى تخرق القواعد بما في ذلك مصادرة أجهزة البث وسحب أو وقف أو إلغاء تراخيص البث.

ويضيف الكاتب، صياغة الوثيقة وبما تتسم به من غموض بنصها على"عدم الإضرار بالتناغم الاجتماعي أو الوحدة الوطنية أو القيم التقليدية"، إلى جانب عدم توجيه أي انتقاد للحكام العرب، يمنح الحكومات العربية ضوءاً أخضر لإغلاق أي محطة تراها غير مناسبة من وجه نظرها، في ظل غياب معايير تحدد متى تُخل المحطة الفضائية بالتناغم الاجتماعي والوحدة الوطنية، ومتى يُشكل انتقادها للأنظمة الحاكمة ورؤسائها إخلالاً بالأمن العام.

ومن غير المثير للدهشة أن نجد مصر والمملكة العربية السعودية، اللتين تمتلكان القمرين الصناعيين المسئولين عن جميع محطات البث الفضائي العربية ـ حيث تمتلك مصر القمر الصناعي "نايل سات"، بينما تمتلك السعودية القمر الصناعي "عرب سات" ـ وراء المبادرة بإصدار هذه الوثيقة الجديدة، التي حظيت بموافقة 20 دولة من إجمالي 22 دولة عضو بجامعة الدول العربية. واللافت للنظر أن لبنان كانت الدولة الوحيدة التي صوتت بالرفض، بينما امتنعت قطر، التي يوجد بها المقر الرئيسي لقناة "الجزيرة" عن التصويت.

وتُعطي الوثيقة العملاقين السياسيين، القاهرة والرياض، حق حرمان أي محطة تلفزيونية من البث من خلال قمريها الصناعيين لإخلالها بالمعايير الإعلامية الجديدة، علاوة على منع مواطنيهما من مشاهدة أي قناة حسب رغبتهما. وبذلك يتضح أن الوثيقة تُشكل تهديدًا حقيقيًا للإعلام العربي والمعايير المهنية الآخذة في التنامي على هذا الصعيد.

وفي الوقت الذي اختفت فيه المعارضة الحقيقة أمام الأنظمة العربية لأسباب عديدة منها وضع العراقيل القانونية و إتباع سياسات قمعية، أضحت المحطات الفضائية العربية الخاصة قوي المعارضة الحقيقة الوحيدة أمام الأنظمة العربية. وباتت تلك المحطات المنفذ الوحيد للأصوات "القليلة" الداعية للتغيير المجتمعي. وبذلك أصبحت المحطات الفضائية منبراً للتعبير عن وجهات النظر السياسية المتعارضة والمتنوعة، فضلاً عن تغطيتها المحايدة والصادقة للعديد من مظاهر الاعتراض الشعبي على سياسات الأنظمة الحالية، والتي تتنوع ما بين إضرابات العمال والتظاهرات والاعتراضات الطلابية، وهي قضايا لا تتناولها القنوات التلفزيونية الخاضعة لسيطرة الدولة (القنوات الحكومية).

ويضيف كاتب المقال، وفي واقع الأمر، اضطلعت وسائل الإعلام العربية بدور جوهري في خلق مناخ مفتوح وشفاف تدار فيه مناقشات سياسية جادة، وهي حقيقة تُدركها الشعوب العربية جيدًا، فأضحت البرامج الحوارية المهتمة بمناقشة وتحليل التغيير السياسي والقضايا الحساسة، وتلك التي تستضيف أفراداً معروف عنهم انتقادهم للنظام الحاكم، على النقيض من القنوات الحكومية التي تحظر استضافة أي شخصيات تنتمي إلى المعارضة، هي البرامج الأكثر شعبية وجذباً للجمهور العربي كبرنامج "العاشرة مساءً" بقناة "دريم"، و"القاهرة اليوم" بـ"أوربت"، و"90 دقيقة" بـ"المحور" التى تحتل أكبر نسبة مشاهدة جماهيرية داخل مصر من جميع أطياف الشعب المصري؛ لمناقشتها قضايا تغيب من على أجندة نظيرتها الحكومية.

ويضيف الكاتب، ربما كانت هذه الوثيقة لتمر بسلام دون إثارة أي جدل أو نقاش في عصر سيطرة الدولة على الإعلام كما كان إبان العهد السوفيتي، لكن الطفرة الحادثة في الإعلام العربي خلال العقد الماضي، والازدياد الهائل في عدد القنوات الفضائية العربية المتنافسة على جذب المشاهد العربي، والتي وصل عددها إلى ما يقارب 250 قناة حين كان عددها في بداية ومنتصف التسعينيات لا تتجاوز أصابع اليدين، وما صاحبها من انتشار شديد في أطباق استقبال بث الأقمار الصناعية حتى على أسطح المباني المتهالكة، علاوة على انتشار الانترنت، جعلت الشعوب العربية معتادة على مستوى معين من الصراحة والنقاش.

يختم الكاتب مقاله، أخيرا ستتوقف حرية الفضائيات العربية على ما ستسنه الأنظمة العربية من تشريعات تنفيذاً لما جاء في الوثيقة، تُعد الوثيقة محاولة لتقويض فرص وسائل الإعلام العربية لتكون منفذاً لتحقيق الحرية بالعالم العربي. فبعد نجاح الأنظمة العربية في القضاء على المعارضة السياسية، وسيطرتها على أحزاب المعارضة، تحولت بأنظارها نحو العدو الوحيد القوي الباقي أمامها، المتمثل في القنوات الفضائية الخاصة التي باتت تُشكل تحدياً حقيقيا لمصالح الأنظمة العربية الحاكمة.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 20 آذار/2008 - 12/ربيع الاول/1429