من سياسة العَزل الى نهج الإحتواء: امريكا تغير النَبرة مع حماس

اعداد/صباح جاسم

شبكة النبأ: تواجه وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس ضغوطا منذ شهور للتعامل مع حماس، وفي الاسبوع الماضي أومأت لمصر كي تتفاوض مع الحركة لانهاء العنف في قطاع غزة.

ويرى محللون ان هذه أول علامة على ان ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش قد تغير نهجها مع حماس من العزل الكامل الى تشجيع دول حليفة مثل مصر كي تتعامل مع الجماعة الاسلامية اذا كان الهدف من ذلك هو انقاذ محادثات السلام التي ترعاها الولايات المتحدة.

فقد بدأت مصر محادثات مع زعماء في قطاع غزة من حماس والجهاد الاسلامي في اطار مساع تدعمها الولايات المتحدة لترتيب هدنة بين الجماعتين واسرائيل لوقف العنف في القطاع الذي تديره حماس والذي أخرج محادثات بشأن الدولة الفلسطينية عن مسارها.

وأثناء زيارة للضفة الغربية واسرائيل الاسبوع الماضي رفضت رايس أن تدعو رسميا الى وقف لاطلاق النار وفضلت بدلا من ذلك أن تشير الى " تهدئة" كي يتسنى للمحادثات أن تعود الى مسارها.

لكنها أوضحت لاحقا أن واشنطن تؤيد المهمة التي تضطلع بها مصر لترتيب هدنة وهو مؤشر على أن دور الوساطة الذي تقوم به القاهرة مقبول اذا كان في وسعه انقاذ المحادثات التي بدأت في أنابوليس بولاية ماريلاند في نوفمبر تشرين الثاني الماضي.

وقالت رايس في مؤتمر صحفي في بروكسل حيث تحضر اجتماعا لوزراء خارجية الدول الاعضاء في حلف شمال الاطلسي "تحدثت مع المصريين ونتوقع أن يقوموا بالجهود التي قالوا انهم سيقومون بها لمحاولة تحقيق تهدئة في المنطقة وتحسين الوضع في غزة."بحسب رويترز.

وأضافت "كما تعرفون.. مصر حليف جيد في هذه الجهود لمساعدة (عملية) أنابوليس (السلام بين اسرائيل والفلسطينيين) وانا على ثقة أن ما يفعله المصريون يتفق تماما مع هذا السياق."

ورفضت رايس الخوض في تفاصيل المحادثات لكن الضوء الاخضر لمصر جاء اثر ضغوط قوية من حلفاء أوروبيين وعرب من بينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بضرورة التحرك لعمل شيء ما بشكل عاجل لكبح العنف.

ويقول محللون متخصصون في شؤون الشرق الاوسط ان الاستراتيجية تقضي بعدم دفع حماس لان تشعر بأنها أكثر استهدافا وانما باشراكها في العملية.

وقال البروفسور شبلي تلحمي وهو خبير في جامعة ماريلاند "في النهاية اذا وجهت رسالة بأن اللعبة هي تدميرها فانها ستتحرك (بالعنف) في كل مرة يكون هناك احتمال للمضي قدما في المحادثات."

وقال ان الولايات المتحدة يجب أن تشجع الدول العربية على أن تقوم بوساطة بين حماس وحركة فتح التي يتزعمها عباس.

وقال المفاوض الاسرائيلي السابق دانييل ليفي ان رايس لا تستطيع أن تغفل أن حماس قد تتحرك كطرف يسعى لافساد المحادثات التي تأمل ادارة بوش أن تؤدي الى اتفاق بشأن دولة فلسطينية بنهاية العام.

وأصاف ليفي الذي يعمل الان مع مركز أبحاث نيو أمريكا فاونديشن "انكم تخاطرون بتجاهل غزة وحماس."

وتابع قائلا انه من غير المرجح أن تنحسر قدرة حماس على التأثير على المفاوضات سواء باطلاق صواريخ من غزة على اسرائيل أو بأي أعمال أخرى.

وقال "المسار الاكثر ترجيحا هو أن حميع الاطراف ستنتظر ببساطة التصعيد التالي الذي سيأتي حتما وأن عملية أنابوليس الجديدة للسلام ستعاني من موت بطيء."

فرنسا تقاوم إغراء التحادث مع حماس، ولكن إلى متى؟

تساءلت فرنسا الرسمية عما اذا كان يجب التكلم مع حماس، وقال احد مستشاري ساركوزي لـ الفيغارو لاشك اننا اخطأنا بفرض ثلاثة شروط قبل الحوار مع حماس، كان يكفي فرض شرط واحد.

وزير الخارجية كوشنير قال، لاشك انه يجب التحادث مع حماس. لكن الان لا يمكننا القيام بذلك. موضحا، نتحدث مع حزب الله لانه جزء من الحل في لبنان، اما حماس فهي جزء من المشكلة في فلسطين.

وتنشغل الكثير من دوائر القرارالاوروبية بهذا القضية التي تثير المزيد من التساؤلات التي قال المحلل الفرنسي جورج مالبرونوانها تتركز في: الم نرفع السقف قليلا لحمل الفلسطنيين على ان يكونوا اكثر اعتداءلا؟ وهل يمكننا ان نفرض على طرف نسعى للتحاور معه معه ان يتخلى عن كل اوراقه قبل بدء المحادثات؟

يعتبر معارضو الاتصال بحماس انه من المستحيل التحدث مع حركة يدعو ميثاقها الى تدمير اسرائيل، لكن مؤيدوه يذكرون بان منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة عرفات عندما وقعت العام 1993 اتفاقات اوسلو، كان ميثاقها يتضمن بندا قاسيا يدعو الى ابادة الدولة العبرية، لم يلغ الا بعد خمس سنوات.

ويذهب هؤلاء الى الابعد باعادتهم الى الذاكرة ان حماس وبعد اشهرقليلة على تأسيسها في اواخر العام 1987، اجتمع احد قادتها محمود الزهار بشمعون بيرس الذي كان انذاك وزيرا للخارجية.

الامريكيون والبريطانيون والفرنسيون حسب ما تؤكده الوثائق التقوا ايضا في ربيع العام 1993 باسلاميين اصوليين في عمان، كما اتصل السويسريون والنروجيون، وبتكتم وسرية اكبر، ايضا الاسبان والسويديون بممثلين عن حماس في دمشق وبيروت، بحسب مالبرونو الذي ينقل عن مقرب من حماس اسفه لان الفرنسيون هم تقريبا آخرمن يرفضون التحادث معنا، على الرغم من انهم كانوا الوحيدين في الاتحاد الاوروبي الذين عارضوا عام 2003 ادراجنا على لائحة الارهاب. بحسب تقرير لجريدة الحياة.

يقول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي باستمرار انه لن يتكلم مع اشخاص يقتلون. ولكننا، لسنا متصلبين في قناعتنا، فإذا تبين ذات يوم انه يجب التحدث مع حماس فسوف نفعل.

الرفض الفرنسي للتحاور مع حماس يستند الى اسباب تكتيكية وايديولوجية في الوقت نفسه، ويرى مالبرونو ان باريس لا تريد ان تضعف الرئيس محمود عباس الذي يرفض اي اتصال مع قادتها قبل ان يعيدوا اليه السلطة في غزة.

الا ان مسؤولا رفيعا في الخارجية الفرنسية لم يخف قلقه من ان عدم التكلم مع حماس سيجعلها اكثر راديكالية قائلا، هذا هو الخطر بالتحديد.

الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي يعتبران حماس منظمة ارهابية لانها تقتل المدنيين الاسرائيليين، ولا يريدان ان يتزحزحا عن موقفهما المطالب بتنفيذها الشروط الثلاثة قبل رفع الحصارالمفروض عليها وهي التخلي عن الارهاب، والاعتراف بإسرائيل، واقرار الاتفاقيات التي ابرمتها السلطة الفلسطينية منذ العام 1994.

من الواضح ان النقاش في باريس حول هذه المسألة سيتواصل مع استمرار تصلب حماس وتمسكها بالسلطة في غزة وبمواقفها المتطرفه مستندة الى دمشق وطهران اللتين يستخدمانها ورقة لتحسين اوضاعهما الاقليمية وفرض مواقفهما دوليا، متجاهلة انها حينما تتعلل بانتصارها الانتخابي، تنسى او تتناسى ان هذا الانتصار يعني ان الناخبين الفلسطينيين حملوها مسؤولية تحسين اوضاعهم في كل المجالات وليس تدميرهم وتصفية كل ما حققوه من مكاسب سياسية واجتماعية واقتصادية والتي كان ثمنها باهظا للغاية.

هل يمكن عقد اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني من دون حماس؟

في خضم النفي المتبادل من جانب اسرائيل وحماس لوجود اتفاق هدنة طويل الامد تعد له مصر، وجه المحلل الاسرائيلي يسرائيل هرئيل انتقادات لاذعة للحكومة لمحاولتها التفاهم على وقف النار مع حماس، قائلا بأن المسؤولين عن الامن هدفهم هو ادارة الصراع و ليس حسمه.

في اوكتوبر العام الماضي كانت مجموعة من المسؤولين الامريكيين السابقين رفيعي المستوى من الحزبين الجمهوري و الديمقراطي بينهم سكوكروفت و بريجينسكي و لي هاملتون وبول فولكر، نصحت الرئيس بوش ووزيرة الخارجية رايس، بعدم التوهم بأنه يمكن التفاوض على اتفاق سلام اسرائيلي ـ فلسطيني مع محمود عباس من دون مشاركة حماس، مع اقرارهم بان حماس تطرح صعوبات خاصة كشريك سلام محتمل بسبب رفضها الدوغمائي الاعتراف بدولة اسرائيل.

تحول حماس

ويرى مدير مشروع الولايات المتحدة في الشرق الاوسط هنري سيغمان ان التحول الايديولوجي الذي طالبت به الولايات المتحدة و الغرب حماس وجعلهما من اعترافها باسرائيل شرطا للكلام معها لم يكن ضروريا لانطلاق عملية السلام بما ان حماس التزمت السماح لعباس بصفته الرئيس المنتحب، اجراء مفاوضات مع اسرائيل .

ان تولي السعودية كما يقول سيغمان لزمام المبادرة في صوغ اتفاق مكة في 8 فبراير عام 2007 الخاص بتشكيل حكومة وحدة فلسطينية تضم فتح و حماس، كان يهدف الى تشجيع التيار المعتدل في حماس، ولكن ذلك لم يحصل بسبب اصرار واشنطن و تل ابيب على قيام حماس باعلان التزامها اتفاقات السلام التي ابرمتها السلطة الفلسطينية مع اسرائيل.

ويوجه سيغمان اتهامات مباشرة لادارة بوش بمحاولة تقويض حكومة حماس التي تشكلت بعد الانتخابات التي حققت فيها الاغلبية النيابية، مشيرا الى ما ذكرته مجلة  فانيتي فير عن ان بوش كلف رايس ونائب مستشار الامن القومي اليوت ابرامز مهمة التسبب في احداث تطيح فيها ميليشيات  فتح التابعة لعباس في غزة بحكومة حماس، موضحا ان هذا القرار اتخذه بوش بعد وقت قصير من الانتخابات النيابية الفلسطينية في ديسمبر 2006 عندما كانت حماس لا تزال تطبق وقفا للنار.

ومن جانبه اعتبر ديفيد وومسركبير مستشاري الشرق الاوسط سابقا لدى نائب الرئيس تشيني في حديث مع فانيتي فير ان ما حدث لم يكن انقلابا من حماس بقدر ما كان محاولة انقلاب من فتح احبطتها حماس قبل حصولها.

ويرى المحللون الامريكيون ان الادارة لا تؤمن او لاتثق بامكانية اسرائيل و قدرتها على القيام بالعملية الخطرة وهي احتلال غزة و تدمير البنية العسكرية لـ حماس وتسليم القطاع الى عباس.

الاكيد ان واشنطن ضد الحوار مع حماس، كما هي ضد اضعاف عباس، وضد منح المتشددين الاسلاميين اي مكسب مهما كان صغيرا، وبالتالي، فانها تريد جهوزا عسكريا  سياسيا قبل الشروع في اي عملية عسكرية برية في غزة، وبالشكل الذي يحقق الاهداف ولا يقود الى تشكيل لجنة تحقيق جديدة على غرار فينوغراد، اذ ان تكرار ذلك يضر بالمصلحة الامريكية.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 18 آذار/2008 - 10/ربيع الاول/1429