زيادة الاجور والرواتب: بين مطرقة تلبية الحاجات وسندان التضخم

 د. احمد باهض تقي/مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

اقرت الحكومة ممثلة بمجلس الوزراء ومن خلال لجنة متخصصة ومنذ فترة ليست بالقصيرة مسالة زيادة الاجور والرواتب لموظفي الدولة العراقية ، وكما تبين من تصريحات السادة الوزراء المعنيين، إن الزيادة تستهدف جميع الموظفين الا ان هذه الزيادة تتوجه نحو اقرار حقوق الشهادة وسنوات الخدمة وموقع العمل والنفقات العائلية، ومن هنا فاننا ازاء قضية في غاية الاهمية الا وهي قضية زيادة الكتلة النقدية في السوق العراقية، وكما هو معروف ان هناك زيادات مضطردة في نسب التضخم في الاقتصاد العراقي قد حصلت في الاشهر الاخيرة ، بالرغم من انخفاض او استقرار سعر الصرف للدينار العراقي وهو الاداة التي عولت عليها السياسة النقدية في الحد من تلك الظاهرة ، الامر الذي جعل من ارقام الرواتب والاجور لاتعني شيئا امام ارتفاع اسعار السلع والخدمات وبالذات الاستهلاكية والغذائية فضلا عن زيادة اجور النقل.

 وكما هو متعارف عليه في النظرية الاقتصادية فان الاثر المضاعف قد بدا واضحا في الزيادات المتتالية في اسعار السلع والخدمات التي اعقبت زيادة اسعار المشتقات النفطية.

سياسة استقرار سعر الصرف هل هي الحل الوحيد ؟  

وعندما نناقش اليوم قضية رفع الاجور والرواتب المزمع تنفيذها فاننا لانطرح عقبات امام هذه الزيادة بل نتساءل كيف هي الاجراءات والخطط التي يجب ان تتخذ للحد من زيادة الاسعار المتوقعة حال حدوث زيادة الرواتب والاجور؟ المفهوم من مجمل السياسة الاقتصادية في العراق والتي اتبعت خلال السنوات الاربع الاخيرة هي ان الكرة في ملعب البنك المركزي العراقي باعتباره المسؤول عن السياسة النقدية  فهو المسؤول اذن عن ضبط عملية التضخم، لكن الملفت للنظر ان الاسعار لم ترتبط بشكل كبير حاضرا بسعر الدولار (وهو احد أهم الأدوات التي استخدمها) مع العلم ان الميزة الايجابية التي حققها البنك المركزي العراقي خلال السنوات الاخيرة هي المحافظة على سعر صرف مستقر للدينار العراقي مقابل الدولار، لكن البنك المركزي لم يستخدم ادواته النقدية الاخرى كالسندات بشكل واسع اوغيرها من الادوات مثل سعر الفائدة وانما بقيت هذه الادوات رهينة بالظروف التي تمر بها البلاد.

 وبعد فاننا اذ نناقش قضية زيادة الاجور والرواتب فهي من ناحية تاتي لتلبي احتياجات الموظف الحكومي من خلال زيادة دخله الشهري، ومن ناحية ثانية فانها ستزيد من حمى ارتفاع الاسعار الذي يحصل في البلاد حاليا، ومع بدء التصريحات حول هذه الزيادة فان الكثير من اسعار السلع والخدمات ذات المساس بحياة المواطن قد بدأت بالتحرك نحو درجات وافاق اعلى من اي وقت مضى، وهنا يتبادر الى الذهن اذا استطاع الموظفون الحكوميون ان يواجهوا الزيادات المتوقعة في الاسعار من خلال زيادة رواتبهم، فما هو مصير الشرائح المجتمعية التي تعمل في خارج الاطار الحكومي؟

 هناك الكثير من العوائل العراقية التي تعمل بالاجر اليومي الثابت تقريبا، والكثير ايضا منها يعتمد على توفر فرص العمل اليومية والتي بالكاد تتوفر في سوق العمل الذي يشهد منافسة حادة وباجور متدنية لكثرة عرض العمالة، ناهيك عن الالاف من العاطلين عن العمل.

تحريك عجلة الإنتاج... مفتاح الحل

 من هنا تاتي ضرورة ايجاد السبل الكفيلة لمواجهة الزيادات الجديدة في الاسعار امر في غاية الضرورة والاهمية ،وذلك كي لايقع الاقتصاد العراقي في فخ التضخم المتزايد وحينها لايصبح الحل ممكنا ويسيرا الا من خلال عمليات كبرى تكون عواقبها الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية خطيرة للغاية ، فضلا عن ان التضخم سوف يدفع بالتاكيد الى امتصاص هذه الزيادة في الاجور والرواتب ويصبح من الجلي والواضح والضروري ان يكون هناك خطة محكمة للسيطرة على الاسعار وترويضها  حينها تكون الزيادة في الرواتب زيادة حقيقية وليست شكلية، وليس امام صانعي القرار وراسمي السياسة الاقتصادية في البلاد من حلول سوى ان تسلك الخيارات الاقتصادية الوطنية التي تتلائم وطبيعة المجتمع والاقتصاد المحليين، وهذه الخيارات في جلها يجب ان تصنع في المطبخ الاقتصادي العراقي بعيدا عن مصالح المؤسسات الاقتصادية الدولية وبما ينسجم ايضا مع طبيعة التحول الاقتصادي في العراق وبنفس تعطي الدور المتميز والبناء لهذا الاقتصاد في منظومة الاقتصاد العالمي، وهذا لا يتحقق إلا من خلال:

1. لابد من تحريك ماكنة الانتاج العراقية سواء في القطاع الحكومي او القطاع الخاص والتي تعاني من توقف تام نتيجة لاجتياح السوق المحلية من قبل البضائع الاجنبية بشكل واسع.

2. لابد من وضع خطط عاجلة وسريعة للنهوض بواقع القطاع الزراعي الذي يعاني من انهيار كبير في البنية التحتية مع توقف الدعم المحلي  للانتاج والمتمثل بتوفير البذور والاسمدة والمستلزمات الزراعية الاخرى باسعار مناسبة.

3. لابد من النهوض بواقع الصناعة العراقية من خلال سياسة التحديث التكنولوجي لتخفيض تكاليف الوحدة الواحدة من الانتاج وبالتالي قدرة المؤسسات والمصانع والمشاريع الاقتصادية العراقية المنافسة في السوق المحلية واستمرار انتاجها ومن ثم قدرتها في استيعاب الاعداد الجديدة من العاطلين عن العمل.

4. لابد من توفير الحصانة والحماية اللازمة للانتاج العراقي بكافة اشكاله والاخذ بنظر الاعتبار هذه المسالة عند البدء بمفاوضات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، لان معظم البلدان التي انضمت الى تلك المنظمة استطاعت ومن خلال الحماية التي وفرتها لسلعها ولسنوات طويلة ان تحقق ميزة نسبية لتلك السلع تستطيع بها مواجهة المنافسة المتحققة بعد دخولها منظمة التجارة العالمية من خلال اعتماد مبدأ حرية التجارة، فما بالنا مع الاقتصاد العراقي الذي يعاني من انهيار شبه تام في البنية التنحتية مع تخلف كبير في منظومة الانتاج الصناعي والزراعي والخدمي.

5. لابد من مواجهة الفساد بكل اشكاله كي نعيد الثقة بالاقتصاد العراقي وبالمنتج العراقي وبالتالي نشيع حالة التفاؤل التي يفترض ان تسود في عملية اعادة البناء والاعمار.

وبذلك ومن خلال تلك الخطوات يمكن القول ان عملية تحقيق الهدف الذي نسعى اليه وهو زيادة الدخل الحقيقي وليست زيادة الدخل النقدي هو عملية ممكنة إذ أن الأول يعني القوة الشرائية للدخل والثاني يعني هو كمية النقود المستلمة والفرق بين الاثنين واضح وبين وعلى مخططي السياستين المالية والنقدية ان يسعو جميعا لتحقيق ذلك الهدف خدمة للشعب العراقي وصيانة لاقتصاده.

* مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

http://fcdrs.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 12 آذار/2008 - 4/ربيع الاول/1429