أصابت امرأة وأخطأ البدري

دكتور أحمد راسم النفيس

 أما المرأة فهي الدكتورة سعاد صالح التي وجه لها الشيخ البدري إنذارا لأنها أفتت "بأن الرسالة المرسلة بواسطة الهاتف المحمول من زوج لزوجته يكتب فيها باللفظ الصريح "انت طالق"، لا توقع الطلاق حفاظا على بيوت المسلمين بالمخالفة لما أجمعت عليه الأمة". كما ذكر الشيخ في إنذاره النهائي أن "الشيخ فرحات المنجي أنكر عليها قائلا (يا دكتورة الزوج أقر بصدور الرسالة منه) وقصده ايقاع الطلاق، لكنها أصرت على رأيها".

ولذا فقد استحقت غضب الشيخ وإنذاره لها بالاستتابة وإلا!!.

لم يوجه الشيخ إنذاره للدكتور سعاد بالمحمول بل وجهه رسميا ومن المحكمة على يد محضر ليصبح لإنذاره قيمة ومع ذلك فهو يرى أن طلاق الرجل لامرأته هو أسهل من شربة ماء ولا يحتاج إلا لـ sms مجاني أو بثلاثين قرش ولا محكمة ولا يحزنون!!.

إنها إذا جبهة علماء المحمول!!

المحمول هو ذلك الاختراع الذي يمكن من خلاله إيقاع الطلاق وتشريد المرأة أو تحويلها من زوجة إلى أدنى من جارية في بيت رجل قام بتطليقها وهي لا تدري (لأن الشبكة واقعة!!) ورغم ذلك فهو يعاشرها أدنى من معاشرة الإماء اللاتي كفل الشرع لهن حقوقا لا تطمح فيها المطلقة غيابيا!!.

كان من المتعين على شيوخ المحمول أن يبينوا لنا هل تسري هذه الفتوى على خطوط الكارت والبيزنس؟ وهل تمتد لتشمل خدمة الـ sms المجانية أم أن الأمر قاصر على خط الاشتراك؟! باعتبار أن عقد الزواج ملحق بعقد الموبايل؟!.

هؤلاء الشيوخ وجرأتهم على الله

يزعم الشيخ البدري أن الدكتورة سعاد قد خرجت على إجماع الأمة ونحن نؤكد أن شيوخ المحمول خارجون على كتاب الله حيث يقول سبحانه: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاًّ) الطلاق2 ومن هنا فالإشهاد على الطلاق هو أمر قرآني وليس اجتهادا من الدكتورة سعاد ولا من غيرها ولا اجتهاد مع النص.

الأمر يتعلق بنص قرآني يعد الاجتهاد في مواجهته تطاولا على الله عز وجل ومن باب أولى فالزعم بخروج الدكتورة سعاد على ما أسماه الشيخ البدري إجماع الأمة زعم باطل لا دليل عليه.

يصف الإمام علي بن أبي طالب هذا النوع من المفتين بقوله: (فَهُوَ مِنْ لَبْسِ اَلشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجَ اَلْعَنْكَبُوتِ لاَ يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ وَإِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ, جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَالاَتٍ عَاشٍ رَكَّابُ عَشَوَاتٍ لَمْ يَعَضَّ عَلَى اَلْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ, لاَ يَحْسَبُ اَلْعِلْمَ فِي شَيْ‏ءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ وَلاَ يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مِنْهُ مَذْهَباً لِغَيْرِهِ وَإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اِكْتَتَمَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ اَلدِّمَاءُ وَتَعِجُّ مِنْهُ اَلْمَوَارِيثُ إِلَى اَللَّهِ أَشْكُو مِنْ مَعْشَرٍ يَعِيشُونَ جُهَّالاً وَيَمُوتُونَ ضُلاَّلاً لَيْسَ فِيهِمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ مِنَ اَلْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ وَلاَ سِلْعَةٌ أَنْفَقُ بَيْعاً وَلاَ أَغْلَى ثَمَناً مِنَ اَلْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَلاَ عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ اَلْمَعْرُوفِ وَلاَ أَعْرَفُ مِنَ اَلْمُنْكَرِ).

إجماع مزعوم؟!

يزعم شيوخ المحمول أن الأمة قد أجمعت على صحة طلاق الموبايل (في مواجهة النص القرآني المحكم) ونحن نؤكد ومعنا الشيخ سيد سابق عدم وقوع هذا الإجماع الباطل (لا تجتمع أمتي على ضلالة) حيث يقول في كتاب فقه السنة:

ذهب جمهور الفقهاء من السلف والخلف إلى أن الطلاق يقع بدون إشهاد لأن الطلاق من حقوق الرجل ولايحتاج إلى بينة كي يباشر حقه ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ما يدل على مشروعية الإشهاد وخالف في ذلك فقهاء الشيعة الامامية فقالوا إن الإشهاد شرط في صحة الطلاق واستدلوا بقول الله سبحانه في سورة الطلاق وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله " فذكر الطبرسي: الظاهر أنه أمر بالاشهاد على الطلاق وأنه مروي عن أئمة أهل البيت رضوان الله عليهم أجمعين وأنه للوجوب وشرط في صحة الطلاق.

وممن ذهب إلى وجوب الاشهاد في الطلاق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعمران بن حصين ومن التابعين الامام محمد الباقر  والامام جعفر الصادق وبنوهما أئمة آل البيت رضوان الله عليهم وكذلك عطاء وابن جريج وابن سيرين رحمهم الله " ففي جواهر الكلام " عن علي رضي الله عنه ٬ أنه قال لمن سأله عن طلاق: أشهدت رجلين عدلين كما أمر الله عز وجل؟ قال: لا ٬ قال اذهب فليس طلاقك بطلاق.وروى أبو داود في سننه عن عمران بن حصين رضي الله عنه ٬ أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته٬ ثم يقع بها ٬ ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال " طلقت لغير سنة ٬وراجعت لغير سنة ٬ أشهد على طلاقها وعلى رجعتها٬ ولا تعد. وفي كتاب (وسائل الشيعة) عن الامام أبي جعفر الباقر عليه رضوان الله قال الطلاق الذي أمر الله عز وجل به في كتابه والذي سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلي الرجل عن المرأة إذا حاضت وطهرت من محيضها أشهد رجلين عدلين على تطليقه ٬ وهي طاهر من غير جماع ٬ وهو أحق برجعتها ما لم تنقض ثلاثة قروء ٬ وكل طلاق ما خلا هذا فباطل ليس بطلاق. وقال جعفر الصادق رضي الله عنه : من طلق بغير شهود فليس بشئ قال السيد المرتضى في كتاب "الانتصار " : حجة الامامية في القول : بأن شهادة عدلين شرط في وقوع الطلاق ٬ ومتى فقد لم يقع الطلاق. لقوله تعالى : " وأشهدوا ذوي عدل منكم ". فأمر تعالى بالاشهاد ٬ وظاهر الامر في عرف الشرع يقتضى الوجوب ٬ وحمل ما ظاهره الوجوب على الاستحباب خروج عن عرف الشرع بلا دليل.

 إذا تبين لك أن وجوب الاشهاد على الطلاق هو مذهب هؤلاء الصحابة والتابعين تعلم أن دعوى الاجماع على ندبه المأثورة في بعض كتب الفقه مراد بها الاجماع المذهبي لا الاجماع الاصولي الذي حده كما في المستصفى: اتفاق أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة على أمر من الامور الدينية لانتقاض الإجماع٬ بخلاف من ذكر من الصحابة والتابعين ٬ ومن بعدهم من المجتهدين وتبين مما نقلناه قبل أن وجوب الاشهاد لم ينفرد به علماء آل البيت عليهم السلام كما نقله السيد مرتضى في كتاب " الانتصار " ٬ بل هو مذهب عطاء وابن سيرين ٬ وابن جريج ٬ كما أسلفنا.  انتهى النقل

إنه إذا إجماع مذهبي وليس إجماعا للأمة ويكفي مخالفة الإمام علي لهذا الإجماع المزعوم ليجعله كأن لم يكن.

لماذا الإشهاد في الطلاق

رغم ثبوت الإشهاد في الطلاق بالقرآن وبمذهب العترة الطاهرة إلا أن الأمر يحتاج إلى شيء من التفصيل.

لا شك أن انفصال الزوجين بالطلاق هو هدم وتصفية لكيان الأسرة وهو ما يحتاج إلى تأن وتؤدة ولا يمكن استرخاصه بهذه الطريقة التي استمرأها البعض وصولا لإباحة طلاق المحمول.

فالرجل الذي يريد أن ينفصل عن امرأته عليه أن يفعل هذا علنا لا سرا وعليه أيضا أن يعطي لهذه المرأة حقوقها وأن يبرأ ذمتها وأن يحفظ عرضها فيكون الانفصال بينهما واضحا كحد السيف.

أما أن يصبح الأمر هزلا فيطلق الرجل امرأته سرا ويبقيها في بيته يعاشرها فتصبح مكانة المرأة أقل من مكانة الجارية فهذا ما لم يرض به الشارع الحكيم ومن ثم فقد أوكلت مهمة الإشراف على الانفصال وضمان حقوق الطرفين وحقوق الأبناء المتنازع عليها للمجتمع ممثلا في شاهدي عدل وليس أي شاهدين من الطريق العام.

[email protected].

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6 آذار/2008 - 27/صفر/1429