
شبكة النبأ: ينقسم العراقيون بين شكوك
متأصلة ازاء عدوّهم القديم ايران وارتياح من ان الروابط معها في طريقها
للاصلاح بعدما اختتم الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد زيارة لبغداد
يوم الاثنين الماضي.
ونجاد أول رئيس ايراني يزور العراق منذ خاضت الجارتان حربا استمرت
ثمانية أعوام في ثمانينيات القرن الماضي قتل فيها مليون شخص. بل انه
اول رئيس على مستوى العرب والدول الاسلامية قد حط الرحال في بغداد
وعقدَ اتفاقات ثنائية كبيرة، بغض النظر عن الاهداف المعلنة والخفية
لزيارته.
واستقبله القادة العراقيون بحفاوة بالغة في دلالة على الروابط
الوثيقة بين الجارتين اللتين تقودهما حكومتان شيعيتان. لكن رغم ما
للعراق وايران من روابط تاريخية اقتصادية وسياسية وثقافية فان الجروح
المادية والشعورية جراء الحرب غائرة ايضا.
وكتب فوزي الهنداوي مقالة رأي في جريدة الزمان قال فيها انه من جيل
تربى على كراهية ايران حكومة وشعبا رغم حقيقة انه لم يلتق ايرانيين حتى
وقت قريب.
واضاف ان الصورة السلبية التي زرعت في عقله بشأن ايران قوية ومؤثرة
وما زالت مؤثرة حتى بعد نهاية الحرب العراقية الايرانية. بحسب رويترز.
واحتج مئات من الاقلية السنية التي كانت مسيطرة في عهد الدكتاتور
صدام في الفلوجة غربي بغداد على زيارة احمدي نجاد مطالبين ايران برفع "
اياديها غير العربية" عن العراق.
وقال بسام محمد وهو طالب من بلدة تكريت مسقط رأس صدام، وتقطنها
اغلبية سنّية ان كراهية ايران للعراق كبيرة وان كثيرا من النساء فقدن
ابناءهن وازواجهن خلال الحرب العراقية الايرانية. واشار الى ان هذه
الزيارة تخدم مصلحة ايران وحدها.
وقال ابو احمد وهو صائغ شيعي ان الزيارة لن تبرز سوى الانقسامات بين
الطوائف العراقية وايران والولايات المتحدة.
غير ان عراقيين اخرين كانوا مسرورين من تحسن العلاقات التي مثلتها
زيارة احمدي نجاد. فقد وقعت ايران والعراق سبع اتفاقيات لتعزيز الروابط
الاقتصادية والتجارية وقال كثيرون ان روابط وثيقة بين البلدين امر حاسم
بالنسبة لمستقبلهم.
وقال علي قسام وهو موظف سنّي من سامراء يبلغ من العمر 40 عاما انه
يتعين ان تتحسن العلاقات مع ايران. وقال ان بالعراق شيعة وسنة وبايران
كذلك. وقال ايضا، يتعين تسهيل السفر بين البلدين لتنشيط السياحة
والسياحة الدينية.
اما محمد يونس الذي يدير محلا لبيع الملابس النسائية في سامراء
شمالي بغداد فقال انه افتقد النشاط التجاري القادم من ايران على اثر
انقطاع الوفود الايرانية التي كانت تزور مرقدَي الامامين علي الهادي
والحسن العسكري اثر تفجيرهما من قبل مسلحي القاعدة والفصائل السنّية
المسلحة المتعاونة معها.
وقال انه كان يكسب 500 دولار كل يوم عندما كان الايرانيون يأتون الى
العراق وانه لم يعد يكسب سوى 20 دولارا في اليوم بعدما توقفوا عن
المجئ.
وقالت اسامة حسين البالغة من العمر 28 عاما وتمتلك محلا للملابس
النسائية في مدينة النجف الشيعية ان تحسن العلاقات مع ايران فرصة لدفن
العداوات القديمة ولبدء صفحة جديدة.
واضافت، ان العراقيين لا يريدون العودة الى الماضي وتعقيداته داعية
الى فتح صفحة جديدة.
رئيس ايران يطلب من أمريكا الرحيل
عن المنطقة
واستغل الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد زيارته لبغداد ليطلب من
الولايات المتحدة أن تخرج من العراق والمنطقة قائلا ان وجودها لم يجلب
سوى الدمار والانقسام.
وقال أحمدي نجاد في تصريحات تمت ترجمتها "نعتقد أن القوى التي جاءت
عبر البحار وقطعت الاف الكيلومترات.. هذه القوى ينبغي أن تغادر هذه
المنطقة وتسلم زمام الامور للشعوب والحكومات في المنطقة."
وأضاف "الناس لم تجد أي شيء من هذا الوجود الاجنبي في المنطقة سوى
المزيد من الدمار والانقسام."
ودعا أحمدي نجاد مرارا الولايات المتحدة العدو اللدود لبلاده لسحب
قواتها وعددها أكثر من 150 ألفا في العراق قائلا ان وجودها هو السبب في
العنف الطائفي الذي أودى بحياة عشرات الالاف من العراقيين.
وسلطت زيارة أحمدي نجاد للعراق لمدة يومين وهي أول زيارة لزعيم
ايراني منذ خاض البلدان المتجاوران حربا استمرت ثمانية أعوام في
الثمانينيات الضوء على توطد العلاقات بين البلدين في الوقت الذي ينظر
فيه الى نفوذ واشنطن في العراق على أنه يتراجع.
وتناقضت الحفاوة التي استقبل بها الزعماء الشيعة والاكراد أحمدي
نجاد ومراسم الترحيب به في مستهل زيارته التي حظيت بتغطية اعلامية جيدة
مع السرية والعجلة التي عادة ما تتسم بها زيارات الرئيس الامريكي جورج
بوش. بحسب رويترز.
وقال نجاد ان ايران تريد "عراقا موحدا ومستقلا". وهو تأكيد فنده في
وقت لاحق المتحدث باسم السفارة الامريكية فيليب ريكر حيث قال "النفوذ
الايراني أدى الى عدم الاستقرار.. وليس الاستقرار.. أوضحنا بأن من
الضروري أن تكون هناك علاقة مستقرة بين ايران والعراق. ولتحقيق ذلك
ينبغي على ايران أن تنتهج استراتيجية مختلفة وألا تركز على الكلام."
ورغم انتقاده يوم الاثنين للسياسات الامريكية في الشرق الاوسط بدا
أحمدي نجاد متحفظا بشكل واضح خلال زيارته ربما لكيلا يسبب حرجا
لمضيفيه.
ويتفق محللون على أنه ليس من صالح ايران أن يصبح العراق دولة منهارة
لكنها لا تريد بالضرورة حكومة قوية قد تشكل مصدر خطر عليها من جديد.
وأودت الحرب بين العراق وايران بحياة زهاء مليون شخص من البلدين.
وصرح مسؤولون عراقيون بأنه تم توقيع عشرة اتفاقات ثنائية قبل ان
يختتم أحمدي نجاد أول زيارة يقوم بها رئيس ايراني للعراق.
وقال شروان الوائلي وزير الامن الوطني العراقي انه تم توقيع اتفاقات
باسم وزارة النقل في مجال السكك الحديدية والشحن والنقل البحري.
ما سر ترحيب الأكراد والشيعة بزيارة
نجاد لبغداد؟
وفي مقال للكاتب سامي داغر نشرته صحيفة كريستشن ساينس مونيتور، جاء
فيه: في زيارة وصفها الاصدقاء والخصوم انها تؤكد قوة طهران المتزايدة
في العراق، وتعزز نفوذها في الشرق الاوسط، وصل الرئيس الايراني احمدي
نجاد قبل ايام قليلة الى بغداد.
لكن في الوقت الذي يعرب فيه المسؤولون العراقيون وايضا الامريكيون
عن الامل ان يأتي مع هذه الزيارة التزام ايراني جديد بالتوقف عن مساندة
الميلشيات العراقية، يقول الكثيرمن المحللين السياسيين ان هذا الامر لن
يتحقق على الارجح لان مواقف ايران والولايات المتحدة حول العراق ماتزال
متضاربة بل وهي متنافرة ايضا حول مسائل اخرى مهمة على الساحة الدولية.
يقول سعد الحديثي، وهو اكاديمي يعمل في جامعة بغداد: لن تتوافق
الرؤية الايرانية مع الامريكية في العراق طالما بقي الجنود الامريكيون
فيه، وذلك لان كلا المشروعين الايراني والامريكي يتصارعان على ارضه.
بيد ان كل الزعماء العراقيين من مختلف الانتماءات بل وحتى اولئك
الذين انتقدوا سابقا دور ايران في العراق رحبوا بزيارة احمدي نجاد التي
هي اول زيارة يقوم بها رئيس ايراني للبلاد منذ الثورة الاسلامية في
ايران عام 1979.
لكن ما سر هذا الترحيب؟
ـ يبدو ان الاكراد والشيعة الذين يرتبطون بعلاقات تاريخية مع طهران
يتطلعون الان لتعزيز هذه العلاقات لان مستقبل الوجود الامريكي في
العراق مرتبط على نحو واضح بانتخابات الرئاسة الامريكية المقبلة.
حول هذه النقطة يقول الصحفي والمحلل السياسي امير طاهري المنحدر من
اصل ايراني ويعيش في لندن ليس امام الاكراد والشيعة سوى التحول لايران
في حال غياب الوجود الامريكي الذي يحميهم.
ومن الواضح ان شيعة العراق يعلمون ان العرب السنة سوف يقضون عليهم
اذا لم يكن هناك قوة خارجية تدعمهم كما يخاف الاكراد من الاتراك ايضا
وهذا ما يدفعهم للتطلع الى ايران.
لذا لم يكن غريبا ان يحط نجاد في بغداد وسط مظاهرة احتفالية واضحة
لم يترافق مثلها مع الزيارات التي كان يقوم بها المسؤولون الامريكيون
للعراق ومنهم حتى الرئيس جورج بوش الذي لم يكن يعلن عن زياراته لاسباب
امنية.
لقد نزل الرئيس الايراني من على سلم طائرته النفاثة وهو يبتسم ويلوح
يديه، وقوبل بعناق وقبلات كبار المسؤولين العراقيين ومنهم وزير
الخارجية هوشيار زيباري (كردي)، وتولّت البيشمركة، التي تعتبر افضل قوة
في العراق، مسؤولية الامن عندما توجه موكب احمدي نجاد من المطار إلى
مقر اقامة الرئيس العراقي جلال طالباني.
قال نجاد بعد لقاء قصير مع طالباني: اشكر الله لانه انعم علينا بهذه
الزيارة لالتقي باخوة اعزاء في بلد كان يضطهدهم. ان زيارة العراق دون
وجود ديكتاتور امر يبعث على السرور.
لكن الاكراد والشيعة العراقيين كانوا يجدون مع ايران في نظام صدام
عدواً مشتركاً لهم.
لذا، هم يتطلعون اليوم ـ بعد ان تولوا قيادة العراق ـ إلى ايران
كضامن طبيعي لسلطتهم الجديدة في حال انسحاب القوات الامريكية من
العراق.
عندما سأله البعض عن مغزى زيارة الرئيس الايراني لبغداد، قال الرئيس
بوش انه لا يرى فيها ضربة لجهود الولايات المتحدة لعزل ايران. لكن يبدو
ان الرئيس بوش، الذي يعارض بشدة برنامج ايران النووي، نصح الزعماء
العراقيين، ان يبلغوا الرئيس الايراني انه جار، وهذا يعني ان عليه الكف
عن ارسال اسلحة متقدمة تقتل المواطنين العراقيين.
غير ان نجاد رد على ملاحظة بوش خلال مؤتمر صحفي بعد التقائه مع رئيس
الحكومة نوري الملكي بالقول: بمقدوركم ابلاغ السيد بوش ان اتهام
الآخرين لا يفضي سوى الى تعقيد مشكلات امريكا في المنطقة. ان على
الامريكيين النظر للامور بواقعية فالشعب العراقي لا يحبهم.
غير ان متحدثا عسكريا امريكيا في بغداد كشف ان ايران لاتزال تدرب
وتمول ميلشيات الشيعة في العراق ولاسيما منها ما يدعى بـ»المجموعة
الخاصة« مضيفا ان احد قادة هذه المجموعات المتهمة بمهاجمة قوات عراقية
وامريكية قد القى القبض عليه الاحد الماضي جنوب بغداد. واعترف هذا
القائد انه تلقى تدريبا في ايران على استخدام قنابل خارقة للدروع.
الا ان المالكي امتدح ما وصفه باسهام إيران في تحسين الامن قائلاً:
اقول بصدق ان موقف الجمهورية الاسلامية الاخير كان مساعدا جدا في تعزيز
الامن والاستقرار. ثم حث المالكي الدول العربية، التي ليس لها علاقات
تذكر مع العراق، على التطلع الى زيارة نجاد كمثال.
لكن من الواضح ان الزيارة اثارت استياء زعماء عشائر العرب السنة
الذين دعمتهم الولايات المتحدة لمحاربة القاعدة في محافظة الانبار، فقد
قال الشيخ جابر الفهداوي: إيران عدو العراق الاول، ولو كان بمقدوري لما
سمحت لمثل هذا الرجل (نجاد) بدخول العراق. |