آليات إصلاح المجتمع الإسلامي في نهضة الإمام الحسين (ع)

نبيل نعمه الجابري

 وضع الإمام الحسين (ع) - ومنذ اللحظة الأولى لإنطلاقة نهضته الإنسانية المباركة- أمام ناظريه معادلة (المجتمع الإسلامي كهدف أسمى للنهضة) وكيفية إرجاع الروح الإسلامية الى جسده الميت، نتيجة الكثير من العوامل الظاهرة- والموجودة في المعسكر المقابل- التي كانت تعيق إيصال رسالة الإمام الحسين(ع) في إعادة الروح الى جدث الأمة الإسلامية وإرجاعها الى المجتمع بصورة لا شائبة فيها.

فالأمة الإسلامية في نهضة الإمام الحسين(ع) تمثل فرصته السانجة التي من خلالها أراد- الإمام الحسين(ع) لمشروعه الإصلاحي المتكامل- أن يعيد عملية البناء على أسس سليمة أو بمعنى آخر إرجاع  البناء الى قواعده الأساسية واعني بها القواعد المحمدية التي شهدت اندراسا كاملا مطلع العام 61هـ حينما وصل المشروع الأموي الهدام الى آخر درجات الانحطاط وصلت معاوله الهدامة الى ذروتها .

من أجل ذلك أعلن -عليه السلام - إن خروجه النهضوي لـ: (طلب الإصلاح في امة جده رسول الله (ص)....)،ذلك إن الاصلاح الاجتماعي هو السبيل الاوفى لثورة الإمام الحسين (ع) لبناء ما هدمته الفئة المنحرفة وابتعادها عن جادة الصواب.

اما اليوم  ونحن نعيش تجدد الذكرى لا يسعنا من هذه النهضة إلا أن نأخذ العبر الشاملة في جميع أبعاد الحياة وبالخصوص منها الجانب الإصلاحي الاجتماعي لان هذه النهضة اصبحت محط انظار الافراد في العالم اجمع بغض النظر عن لونهم وجنسهم ومذاهبهم، فهذا غاندي قائد الثورة الهندية في ثورتة البيضاء اعلنها علانية على ان النصر الذي حققه في الهند والذي قاده بالتالي الى تحريرها من السيطرة الانكليزية التي دامت اكثر من خمس قرون لم تتحقق الا بفضل إستيعاب الدرس الحسيني المتمثل في الموقف الصلب بوجه العتاة  الظالمين فقال قولته التي طبقت الافاق (تعلمت من الحسين كيف اكون مظلوما فانتصر).

وقبل الخوض في تجزءة مكونات الإصلاح والدخول في المحور الرئيس الذي سنتكلم عنه وهو محور (الإصلاح الاجتماعي) لا بدّ لنا من دراسة واضحة لشخصية الإمام الحسين(ع) ودوره الإصلاحي  بعدّه المحور الرئيس للإصلاح الشامل وتحديد أهمية تطبيق هذا المفهوم من خلال النتائج المستقاة من ثورة الإمام الحسين(ع)....؟

إن الإصلاح في الثورة الحسينية يعني توعية الأمة  في عدم ابتعادها أو انحرافها عن الخط المستقيم الذي يمثل جانب الحق، وهو منهج من مناهج الإسلام الأخلاقية التي خطها الرسول (ص) وأهل بيته من بعده، فنهضة الإمام الحسين(ع) كلُ لا يتجزأ، وإنما عمدنا لدراسة جانب واحد منها هو لغرض التسهيل ليس إلا، فقول الإمام الحسين(ع): ( إني لم اخرج اشراً ولا بطر، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي رسول الله محمد ص لآمر بمعروف وانهى عن منكر)، تعني أنه هو الشخصية المؤهلة لقيادة الواقع في كل قضايا الأمة ومنها الإجتماعية لشدة ما كان يثق بنفسه من جهة وشدة ثقة المجتمع به من جهة ثانية حتى ولو كان على المستوى البعيد، فتغيير القيادة الفاسدة إلى قيادة صالحة تطبق الإسلام كله وتتحرك على أساس العدل كله، وتطرد الفساد في جميع مجالاته من الحياة هي: نهضة اجتماعية، وهي بكل مكوناتها وأسبابها ونتائجها موجودة في نهضة الإمام الحسين(ع)، الامر الذي جعل احد علمائنا الذين اغنوا المشهد الحسيني بالمزيد من الكتب والبحوث والدراسات وهو الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي(قد) الى قول: (إن فلسفة الحركة الحسينية في عاشوراء تكمن في أنها إحياء الإسلام، وإرجاع القرآن إلى الحياة)(1)، وهذا يعني أن الحركة الحسينية بالنسبة للإمام الشيرازي لم تكن مجرد حركة منبثقة عن معركة حامية الوطيس بين الإمام الحسين (ع) ويزيد اللعين، وإنما هي حالة صراع بين تيارين يمثلان كمال الخير وكمال الشر، فالإمام الحسين)(ع) هو الدين الكامل والقانون الشامل الذي يضمن للإنسان الارتقاء بإنسانيته إلى مستوى تحمل المسؤولية الفردية أمام ما تقتضيه المسؤوليات والواجبات الجماعية في ظل تعاليم خاتمة الرسالات الموجهة إلى بني آدم أجمعين.

 وهذا هو ما كان يستهدفه الإمام الحسين (ع) من نهضته وشهادته، وذلك لأن الإسلام الذي أنزله الله تعالى في كتابه، ونطق به قرآنه، وبلغ له رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وضحى من أجله أهل البيت عليهم السلام، وخاصة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء يوم عاشوراء، هو الدين الكامل والقانون الشامل الذي باستطاعته في كل عصر وزمان أن يسعد الإنسان والمجتمع البشري ويضمن له التقدم والرقي والتطلع والازدهار.

 من خلال ما تقدم نجد إن المشروع الاجتماعي النهضوي الإصلاحي للإمام الحسين (ع) يكون في تأكيده على مجموعة من النقاط يمكن أن نجملها بالأمور الاتية:

1- النهضة الحسينية هي التجسيد الحقيقي للكثير من المفهومات والقيم الإنسانية النبيلة في الحياة كالتضحية والعدالة والحق والحرية والرفعة الإنسانية من أجل هدف أسمى وأوسع.

2- التأكيد على إن النهضة الحسينية الاصلاحية  قد اتخذت في تحديد غايتها تحقيق مصداق لقول الله سبحانه وتعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)(2) فجهاد الحسين (ع)- كما يؤكد ذلك الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي(قد)- (هو امتداد لحركة الأنبياء الجهادية).(3)

3- أن النهضة الحسينية هي الوريثة الشرعية للرسالة الإسلامية المحمدية، لذلك فأن واقعها الحركي وغاياتها الإنسانية الشاملة حولتها من ثورة إسلامية إلى ثورة عالمية لا تستطيع الحواجز القومية أو الاعتبارات العرقية أن تصمد أمام عنفوانها وأهدافها الإنسانية السامية.

أما عن أهمية الاهداف الاصلاحية التي حققها الإمام الحسين في النهضة الاجتماعية التي قادها سنة 61هـ، فيمكن ان نلمس بقاءها الى يومنا هذا في عدّها:

1- مكون أساسي وأصيل في مسيرة الإمام الحسين(ع) لتحقيق النهضة الشاملة في مجالات الحياة كافة، سواء كانت سياسية أم اقتصادية، فهي محور العمل النهضوي الرسالي، وهي فرصة ذهبية في إصلاح الأمة وإعادتها من الضلال المبين الى الصراط المستقيم.

2- وتكمن اهمية النهضة الحسينية في إستنفار دائم للإنسان كي يعيش في كل لحظة من عمره حالة الإستعداد الدائم لمواجهة الباطل والشر إينما وجد وفي أي عصر كان، لأن الحياة بمتناقضاتها تتطلب من المؤمن الحقيقي أن يكون كل يوم عنده (عاشوراء وأن تكون كل ارض له كربلاء).

3- التأكيد على أن ثورة الإمام الحسين(ع) انطلقت من أجل تصحيح المفاهيم التي انحرفت في أذهان الناس، والتي انحرف الواقع من خلالها مصداقاً لقوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وهذا هو ما أعطى لهذه النهضة الدوام والاستمرار الى يومنا هذا.

4- وتتجلى أهمية الإصلاح الإجتماعي في نهضة الإمام الحسين(ع) في أنه حول هذه النهضة الى مركز لبث الإيحاءات والاشعاعات التحررية - الى الشعوب المضطهدة- التي تدعو الى التغيير والثورة على الواقع الفاسد والتمرد على الإستسلام للواقع حتى إن تطلب ذلك التضحية بالنفس كما فعل الإمام الحسين وأهل بيته (ع) في واقعة كربلاء.

5- واخيراً فأن الملمح الاجتماعي المهم الذي اراد الحسين(ع) في ثورته الاصلاحية تبيانه للعالم اجمع هو أن المؤمنين أخوة لأن نهضته لا تعترف باللون الأبيض ولا الأسود، وحركته لا تعترف بقومية دون أخرى، وإنما كل الألوان وكل القوميات تسقط أمام ثورته وحركته لأن نهضته كانت من أجل الله ومن أجل كرامة الإنسان إينما كان فهو (ع) المحيي لشريعة جده (ص)، وجده بعث للناس كافة وكان رحمة للعالمين.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

.................................

 الهوامش :

 1 - الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رسالة عاشوراء) طبع هيئة محمد الأمين – بيروت ط1/1422هـ ص3.

2- العنكبوت:69

3- الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قبس من شعاع الإمام الحسين –ع-) دار صادق بيروت ط2/2002 ص30. 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 27 شباط/2008 - 19/صفر/1429