في بيتنا دولة

ميثم العتابي

يبدو أن المصلحة العليا للدول الكبرى تقتضي بإرساء قواعد التفكك الإجتماعي، منذ التغيير الحاصل في إتباع منهج جديد يقتضي في إنشاء نظام أسري جديد، أسرة وعائلة وفق المنظور (الأمريكي) لها من مقومات التحلل و(التحرر) ما يساعدهم على إحتواء ـ كما يقولون ـ وإستيعاب العالم الداخلي الأمريكي، بالتالي لاقت فكرة التحرر هذه رواجا في أمريكا لدى علماء الاجتماع وأصحاب النظريات العبثية لتغيير إيقاع العالم من السكون والجمود إلى الديناميكية والتحرك والإيقاع السريع. إضافة الى المعارضة التي تلقتها هذه الأفكار ممن لايزالون يتمتعون بصوت إنساني لا تشوبه عوالق الفكر المنحرف، من الذين يطمحون في بناء النظام الأسري وفق القواعد الصحيحة والمنهجية السليمة.

ومثلما هو معروف فإن الأفكار التي تبدو صغيرة في بدايتها، ستطفو على الساحة بحجم يفوق التصور إن لم تجد هناك ما يوقفها أو يردعها. فها هو نظام العولمة يشق الطريق نحو كل كبير وصغير في حياتنا اليومية، نحن الذين ننأى في الطرف الآخر من الكون، وصل كما العثة إلى آخر ركن في بيوتنا الطينية الصغيرة.

 وربّ سائل يقول ماضير العولمة؟ وعلَّ الجواب يكون أن لا ضير فيها لو احُترمت الخصوصية في ظلها، نتمتع بالهوية الفردية ونحافظ على التجمع الهيكلي الإنساني، ونصبح كلنا كإنسانية في الركب. لا كما يُمهدون له ويطبلون، أن يكونوا هم في الركب ونحن التابعين. وهنا تكمن الكارثة التي تقوض كل ما من شأنه أن يكون ولو بصيص أمل من الإيجاب في هذا الفكر.

ومنذ بدايات القرن الماضي بات النظام العولمي يشق هذا الطريق لفتح أسواق جديدة له في شتى أصقاع الأرض، وهذه الأسواق تتطلب جهدا سياسيا إضافيا، فقام دعاة الديمقراطية الحديثة بإستنهاض التاريخ وإستخراج كل شائبة تعينهم منه، فوجدوا مشروعا غاية في الخسة والقدم وهو(فرق تسد)، هذا المشروع الذي لاقى رواجا لدى السياسيين الكسبة الذين يستأجرون الأعلام (بفتح العين) لإقامة مراسيمهم المؤقتة، فيبيعون بلدانهم بأول صفقة تعرض عليهم دون بذل أي جهد للتفاوض.

وها نحن أولاء في ظل أزمة تلقي بظلالها على العالم أجمع، تحمل رسالتين الأولى إلى الدب الروسي الذي يحاول أن ينهض من سباته الثلجي، متكأ على دول حليفة هي بالتالي تنصب العداء لأمريكا، والثانية وهي الرسالة الأقوى إلى جميع الدول التي تخبئ بين جناحيها أكثر من قومية، والأدهى من ذلك إلى الدول المجاورة لها والتي تحمل الحدود المتاخمة لهذه القومية أو تلك.

وكوسوف التي تشهد استقلالها الأحادي الجانب اليوم لهي خير دليل على ذلك، ونحن هنا لسنا في موقف يسمح لنا أن نتحقق من ماهية الشرعية الممكنة التي ستنالها كوسوفو بعد إستقلالها، خاصة وإننا مازلنا نستجدي الاعترافات بنا كدولة منذ سقوط النظام إلى يومنا هذا، ومن قبل بعض الدول التي نعدها صديقة وشقيقة. فأهم مقومات الاعتراف إرسال السفراء إلى الدولة ذات العلاقة، وهذا ما لم نلمسه على ارض الواقع.

إذن وبعد الصداع العالمي الذي تسببت به كوسوفو وعلى الطريقة الأمريكية، بات من المرجح أن يكشف النقاب عن مطالبين جدد يعتقدون بأحقية المشروع الأمريكي ويخيل لهم الـ (الإنفصال ـ الاستقلال) هو حق مشروع تحت شعارات، التحرر، الديمقراطية، تقرير الشعوب مصيرها، وتحت الوصاية الامريكية طبعا. وفي ظل نظام ديمقراطي تجزئي هدمي، متناسين أن أي دولة كانت جل بناءها وأركان إنشاءها معتمدا على مصاديق أهمها الاقتصاد، والذي يسمح لها بالصمود أمام المتغيرات الدولية. 

وهذا بطبيعة مقتضاه لا يخلق من الديمقراطية الحديثة أو العولمة على طريقة الروك الأمريكية، عالم يعيش فيه الإنسان في قرية صغير يسهل التنقل فيها، بل العكس إنها تزيد الحدود، تضيف الإنقسامات، وبالتالي ينقسم الشيء على نفسه لتصبح الإنسانية إذ ذاك مستعمرة كبيرة متفرقة يسهل خضوعها وجذبها وضربها إن ما استلزم الأمر.

ومن يعلم فقد يطالب العرب بعد حين بفلسطين كدولة مستقلة وينتهي النزاع أو العكس مع إسرائيل. فتعود حقائب سفرائنا العرب ذات الجلد الفاخر غير ذات جدوى.  

ولعلي أستيقظ ذات صباح فأجد أحد أخوتي وهو يعلن استقلاله داخل بيتنا رافعا من أنقاض قماش قديم علم لهذه الدولة التي يطالب بأحقيته فيها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 23 شباط/2008 - 15/صفر/1429