وثيقة لترشيد الاحتقان العام

سيد يوسف

 يرى كثير من المراقبين للشأن العام فى مصر أننا حين نطالب الناس بالثورة للخلاص من هذا النظام الغاشم الظالم فإننا نكلف الناس بما تبهظ به همتهم ذلك أن الطبيعة النفسية للمصريين لا تجنح للثورات فضلا عن أن الناس لا تثور من تلقاء أنفسها فلابد لها من قيادة تحركها والذين ينوط بهم تحريك الناس مشغولون بالدفاع عن أنفسهم ضد المحاكمات العسكرية.

وقد طرح بعضهم عدة سيناريوهات للتخلص مما نحن فيه من احتقان تتبدى مظاهره فى عدة ظواهر لا تخطئها عين بصيرة كالاعتصامات والاضرابات والاعتقالات وخنق الحريات والغضب الشعبى ضد التوريث وتراجع الإصلاحات السياسية بشكل مخيف وغير ذلك مما هو مطروح فى كل الصحف وما فى صدور الناس أكثر لا سيما مع زيادة الفقر وغلاء الأسعار.

فقد طرح بعضهم سيناريو الثورة الشعبية بدء بالاعتصامات الفئوية وانتهاء بالعصيان المدنى الشامل، وطرح بعضهم فكرة المصالحة بين النظام الحاكم القائم وبين الشعب عبر سلسلة من الإصلاحات ومقاومة الفساد، وطرح بعض الواهمين فكرة تدخل الجيش لضبط المسار، وطرح بعضهم فكرة الضغط بالاعتصامات والاضرابات لا سيما فى ظل ضعف هذا النظام لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة لكل فئة...ولسنا بصدد مناقشة كل فكرة لكننا نطرح ههنا بعض الخيوط العريضة لتخفيف الاحتقان العام وهاك وثيقة مقترحة من أجل ترشيد هذا الاحتقان – والذى أعلم أن بعض الغُيُر(الغيورين) يرجو زيادته عل الناس تثور – آملين أن تصل لمن يهمه مصلحة البلاد.

ستتركز تلك الوثيقة على المحور الاقتصادى بعضه فقط فى محاولة عساها تسهم فى رسم آلية واضحة الملامح لأصحاب القرار تاركين محاور مهمة كالمحور السياسى والنيابى لما أسهمت فيه بعض الأحزاب والحركات... وذلك لأن الجانب الاقتصادى هو الأهم فى معاناة الناس بينما الجانب السياسى والنيابى يوشك ألا يتصدر المشهد فيه سوى النخب الفئوية.

دعوة لدراسة تلك المقترحات

سنركز الحديث عن البطالة وكيفية زيادة الموارد وزيادة الأجور لا بصورة الأكاديمى لكنها بعرض المراقب العام وتبقى فى النهاية رؤية الأكاديميين الشاملة سواء بالتعديل أو الحذف أو الإضافة.

يمكن التعاطى مع قضية البطالة بشكل موجز من خلال بعض تلك المقترحات على سبيل المثال لا الحصر، وفى رؤية المتخصصين ما يفيد لو توافرت نية الإصلاح:

1/ خصم 1% من مرتب كل عامل فى القطاع العام أو الخاص من أجل تقديم هذا العائد فى استثمار قصير المدى يسمح بتوفير فرص عمل حقيقية على أن تتولى إحدى الهيئات بوزارة القوى العاملة مثلا ذلك مع تقديم كشف حساب كل عام بشفافية كاملة عما تم خلال السنة الماضية.

2/ الاستعانة برجال الأعمال ولجان الزكاة وتبرعات القادرين من أجل تقديم مجموعة من الدورات للخريجين من الجامعات أو الدبلومات الفنية على أن تتولى تصريف تلك الدورات هيئة ما بوزارة القوى العاملة  من ذلك مثلا : دورات تدريبية تنظمها جهات رسمية مثل التدريب المهني أو دورات صناعات غذائية تنظمها كليات الزراعة ومعاهد الكفاية ومراكز متخصصة أو دورات صناعات منزلية مثل الحياكة وأنوال السجاد أو دورات حرفية تخصصية مثل صيانة المحمول – صيانة الكمبيوتر – صيانة الأطباق الفضائية ومستلزماتها، أو دورات تعليمية تكسب صاحبها علما تخصصيا مثل دورات جليس المسن تهيئ صاحبها لمجالسة وخدمة المسن ـ دورات مربى الأطفال ـ  دورات تدريبية في مجال التسويق والعلاقات العامة والإدارة...أو جميع ذلك كله.

4/ اعتماد فكرة مشروعات الخريجين كأحد مشروعات التخرج لطلبة الجامعات، وتقتضى تلك الفكرة أن يتقدم (5: 10) من شباب الخريجين لا سيما الجامعيين بفكرة مشروع( ويمكن لبيوت الخبرة تقديم دراسات جدوى جاهزة) بحيث تتولى الدولة مساندة تلك المشروعات سواء تسويقا أو إنشاء بحيث تصب تلك المشروعات فى صالح الخطة الإستراتيجية للدولة من ذلك مثلا: إنشاء شركات برمجة الكترونية للمهندسين، زراعة واستصلاح أراض جديدة للزراعيين، إنشاء مزارع سمكية أو حيوانية أو دواجن للبيطريين وهكذا مما هو مجاله أفكار شباب الخريجين.

5/ تدوير العمالة من خلال بعض المفردات التالية( تنسب هذه الأفكار ل محمد فكري عبد الجليل وكيل المدير العام بأحد البنوك الوطنية سابقا كان قد عرضها ببريد الأهرام)

* بحث تعديل قوانين المعاشات بحيث تكون هناك عدة مستويات للإحالة للمعاش ـ عوضا عن فكرة المعاش المبكر ـ كأن تبدأ من سن‏45‏ إلي‏65‏ عاما حسب أهمية المستوي الوظيفي ومدة الخدمة المناسبة للإحالة حتى يمكن إحلال آلاف الخريجين محل من تتم إحالتهم للمعاش‏,‏ وهم سيزيدون بالطبع علي المعدل الحالي‏.‏

* تشجيع فكرة العمل نصف الوقت خاصة بالنسبة للسيدات ـ وإحلال آخرين للعمل نصف الوقت الآخر‏.‏

*‏ تعميم نوبتجيات العمل لتشمل العديد من المصالح والمؤسسات علي غرار ما فعلته هيئة البريد بمد العمل إلي فترة مسائية‏,‏ وذلك لمواكبة النمو المطرد في الأعمال‏.‏

* تفعيل بعض التخصصات في جميع المدارس والجامعات بحيث يكون بكل منها طبيب مقيم وهيئة تمريض مساعدة‏,‏ للمتابعة الطبية للطلبة وللعاملين في آن واحد‏، وتصنيع الوجبات الغذائية الطازجة بمقصف كل مدرسة بدلا من النظام الحالي خاصة بعد زيادة الاعتماد المخصص لذلك‏,‏ بحيث تستوعب هذه الأنشطة الخريجين المتخصصين في هذا الشأن‏.‏

*  تخصيص كمساري لكل عربة ـ أو عربتين علي الأكثر ـ بكل قطار بحيث تمتد مسئوليته للمحافظة علي النظام ومتابعة احتياطات الأمن وحل مشاكل الركاب‏..‏ إلخ وسوف ينعكس ذلك علي زيادة عدد المعينين المطلوبين لذلك‏.‏

* التوسع في إقامة الأكشاك والبوتيكات لشباب الخريجين لتقديم سلع أو خدمات تتطلبها مواقع تلك الأكشاك‏.‏

* وتشجيع تأسيس شركات تتولي مراقبة طرق السفر السريع وتأمين الركاب‏.‏

*‏ وإنشاء مرافق لقضاء الحاجة بالمدن والمراكز المزدحمة برسوم محددة ويتولي صيانتها عمال لهذا الغرض‏. انتهى

6/ تشجيع فكرة الأسر المنتجة على أن تتولى المجالس المحلية تسويق تلك المنتجات من ذلك مثلا: حياكة ملابس الأطفال، وملابس النساء، حياكة أغطية المفارش، صناعة المخللات والمربات، صناعة بعض الحلوى، صناعة أغذية نصف مطهية، تطريز لوحات ومفروشات وغيرها.

ويمكن التعاطى مع قضية زيادة الأجور  دون أن نكون بحاجة إلي تدبير موارد جديدة لتغطية رفع الرواتب من خلال ما طرحه أ/ عزت قمحاوى حين كتب: يمكن تمويل رفع رواتب العاملين بالدولة والقطاع العام من مصدرين أساسيين:

الأول: مخصصات الدعم التي تبلغ مائة مليار، وحسب تصريحات رئيس الوزراء مؤخراً، فإن دعم الرغيف والطاقة فقط أربعون ملياراً (١٣ للرغيف و٢٧ للطاقة) وقد زادها الرئيس بقرار جمهوري خمسة مليارات أخري، أي أن إجمالي ما تدفعه الدولة لبندين فقط يساوي ما تدفعه للرواتب ويسمح بمضاعفتها.

والثاني: إعادة توزيع ميزانية الرواتب الحالية (٤٥ ملياراً) وتقليل الفروق بين الوظائف القيادية وغيرها بحيث تساير النسبة المعمول بها في مرتبات الدول، وليس التشكيلات العصابية...ففي مرتبات الحكومات يدور التفاوت في دخل اثنين أعلي وأدني سلم الوظيفة الواحدة حول السبعة والعشرة أمثال، وليس خمسمائة وألف ضعف كما يحدث عندنا، في مختلف قطاعات الدولة، من خلال بنود البدلات المبتكرة...وهذا هو الطريق الوحيد لبناء دولة يحترم موظفوها وظائفهم فيها، ويعملون علي صيانة موارد مؤسساتهم، ويتخلون عن الإضراب الصامت والتكاره، الذي يسود أجواء العمل حالياً...وهي أجواء لا يمكن أن تؤدي إلي بناء دولة. انتهى

وفيما يتعلق بزيادة الواردات فلذلك شروط منها تعديل مناخ الحريات وسن قوانين مرنة توحى بالأمان فى ممارسة حقوق الملكية، وتنظيم قوانين منظمة  للنشاط التجارى كقوانين الإفلاس والرهن، مع وجود إدارة حكومية ذات كفاية، وتنشيط البحث العلمى، على أنى ما زلت أكرر المطالبة بدراسة ربط العملة المحلية باليورو للتخلص من الضغوط الأمريكية، وكجعل رسم مرور الدخول لقناة السويس بالعملة المحلية لزيادة الطلب عليها، وكزيادة الاستثمار فى الدول الإفريقية، وكغير ذلك من مقترحات هى فى مظانها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21 شباط/2008 - 13/صفر/1429