الموضوعية في نقل احداث التاريخ

احمد عبد الامير

 ليس من السهل على الانسان في اي عصر كان ان يستجيب لطبيعة التغيرات التي تطرا على عاداته وقيمه التي تربى عليها والتي توارثها عن ابائه وان كان ذلك التغيير في مكانه الصائب،الا انه يعتبر في الوقت ذاته اختبار لقدرة ذلك الانسان على التمييز بين الخطا والصواب والانصياع لما فيه الحق والخلود.

تضاربت الاقوال والاحوال في قريش عندما جائهم الرسول الاعظم ( صلى الله عليه واله وسلم ) برسالة الخالق يدعوهم الى الاسلام وترك الشرك والاصنام والتوجه لعبادة الله خالق الكون وبات هذاالحدث مشكلة لسادة قريش الذين لا يجدون في مساواة العبد مع سيده من الانصاف في شيء وغيرها من المقارنات والعطاءات التي لاتتناسب وما يحملونه من عادات وتقاليد وقيم تتنافى مع ما جاء به الاسلام والرسالة المحمدية الشريفة.

من هذا المكان يهمنا ويهم كل مسلم ان يعرف وعلى وجه الدقة سلسلة الاحداث التاريخية وصولا للعصر الذي نعيش فيه ليتسنى لنا معرفة طريق الحق وطريق الضلالة. فاعطى الاسلام على سبيل المثال المرأة حقها في العيش وعدم الوأد كما كان سائدا انذاك وغيرها من الحقوق التي كانت مغتصبة منها وجاء باحكام في الحقوق والواجبات  واخرى في الاموال وغيرها الكثير الكثير من الاوامر والنواهي التي تضمن تكافل المجتمع واخذ كل ذي حق حقه. الا ان هذا كله يتعارض مع ما كانت عليه قريش وبالذات يتعارض مع مصالحها الخاصة فكانت النتيجة ان سخط سادة قريش وكذبوا الرسالة وعملوا على قمعها، وكانت مساعيهم في هذا المجال حثيثة وكثيرة ومتنوعة الا ان الحق حق وطريقه واحد لايتغير ولا يتلون على مر العصور والازمان.

ونتيجة لتضارب الافكار والقيم و المبادئ تولد العنف الذي يعتبر نتيجة حتمية لما مر ذكره، ومنذ ذلك الحين بدا الصراع بين القيم والعادات النبيلة وبين المصالح الشخصية المتمثلة بالسلطة الحاكمة عادة.

ودارت المعارك والحروب والغزوات في ذلك الوقت حتى وفاة الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) لتبدا مرحلة جديدة من مراحل التاريخ الاسلامي التي اتسمت بالصراع على السلطة واحقية خلافة المسلمين ليروي لنا التأريخ سلسلة من الاحداث التي يشيب منها شعر الطفل في مهده لما حملته تلك الفترة من حب للجاه والمال والسلطة وعدم الاكتراث للمبادئ والقيم والاساسيات التي جاء بها الاسلام، وعلى هذه الحال توارثنا تاريخنا الذي نحن في صدد الحديث عنه.

وعلى هذه الاسس الواهية عظم تاريخنا المعاصر قادة وحكام في العصور السابقة واعلى من شانهم وجعلهم بمثابة الانبياء والرسل الا ان حقيقتهم كانت العكس من كل هذا تماما فقتل الاب ابنه من اجل الكرسي وسجن الاخ اخيه من اجل السلطة وحكم الباغي والظالم والخمار المؤمنين واعتزل امام زمانه العالم الناصح وغيرها من التناقضات الفظيعة التي يثار العجب من التاريخ الذي يعظم ويبرز دور ومكانة الظالم ويقلل ويحط وقد يلغي احيانا دور المظلوم واحقيته.

لا شك في ان قيم وعادات اي مجتمع تخضع وبشكل كبير لسياسة السلطة الحاكمة التي تملي على مجتمعاتها التمسك باشياء والابتعاد عن اخرى وهذا ما اوضحه تاريخنا العربي وخصوصا في المجتمعات العربية التي بثت تقافة سياسة السلطة الحاكمة بغض النظر عما اذا كانت صحيحة او لا وهذا هو اساس الخراب الذي مهد لغياب حقيقة التاريخ العربي والتمسك بالخطا وتزييف الحقائق التاريخية لتبييض وجهة حكم الحاكم الظالم.    

مرت على مسامعنا الكثير من القصص والحكايا والوقائع التي اخذت على عاتقها نقل صور التاريخ العربي الاسلامي منذ بداية الاسلام والتي تشكل منحى بالغ الاهمية في كيفية تعامل الاجيال اللاحقة مع واقعها. حيث اعتمدت  تلك الاجيال على ما ورد من ثقافة ومعلومات متداولة  في اوساط مجتمعاتها التي تعيشها من الكتب وبالذات على المناهج التعليمية التي تشكل اخطر واهم الاساليب في البناء الفكري لدى الانسان المتعلم والتي على اساسها ينطلق في مواكبة مسيرة حياته.

فنشأ الجيل على حب فلان من الاسلامين والرواة والكتاب والباحثين ولعن وسب فلان منهم وتعظيم دور فلان في تثبيت اسس دينه و علمه ومبادئه وتهميش او الغاء دور فلان، ووفق هذه المعطيات درسنا وتعرفنا على ابطال ومثبتي  الدين وعلى اختراع واكتشاف هذا العلم اوذاك وصرنا نناقش ونتبادل الحديث والسجال مع معارضي فكر المناهج التربوية المفروض على المتعلم تعلمها والتمسك بها والتي تخضع بطبيعة الحال رغم انف كل من ابى الى سياسة الدولة الحاكمة بغض النظر عما سيؤل اليه الوضع والحال متناسين مستقبل ومصير هذه الاجيال في رسم صورة مستقبلهم الذي هو مما لاشك فيه مستقبل بلادهم وامتهم. 

وصرنا اسرى هذا النظام التربوي العاتي طيلة عقود بل اكثر الى ان بدانا نصطدم بحقيقة الوقائع والحقائق التاريخية تدريجيا لانصدق ما نسمع عن هذا ولانعقل حقيقة هذابحكم انه يتنافى جذريا وما درسناه وعرفناه في مراحل دراستنا وما تناقل عن اوساط مجتمعاتنا الداخلية منها والخارجية الى ان بدأنا نستوعب الفكرة  والغاية من كل هذا السرد لتاريخنا العربي والاسلامي الحافل بالابطال والعلماء الذين نذروا انفسهم في خدمة الاسلام والدين وايصال الحقيقة الى الاجيال التي تليهم والتي لبالغ الاسف اصطدمت بقيادات وحكومات كنت لها كل الضغينة والشر واخذت بايدي بلدانها الى الهاوية بعيدا عن طريق الحق والصواب.

الا ان مايثير الدهشة والاستغراب هو تمسك الكثير ممن نشأوا على الوهم والتضليل بالمبادئ والاسس والحقائق التي تعلموها ودرسوها رغم بيان ووضوح كل الحقائق امامهم بالدلائل الملموسة وهذا يضع الكثيرين ممن لم يصل اليقين الى قلوبهم موضع الشك والريبة واخذ موقف الحياد على الاقل وهذا خطر كبير يحتاج الى الكثير من العمل والتواصل في بث الافكار الصحيحة المستندة على دليل وايجاد مروجين لها لياخذ كل نصيبه. 

وتاريخنا حافل بالامثال التي تثبت للقاصي والداني مدى صحة المعلومات والحقائق التي مهما تعرضت لاي نوع من انواع الاقصاء والتهميش فانها خالدة ابد التاريخ.

فالحسين ابن علي (عليهما السلام ) مثلا لم ياتي لجماعة دون اخرى او لقوم دون قوم وانما كانت رسالته للانسانية جمعاء ودروسها وعبرها لكل العالم ورغم كل مالاقاه الحسين(عليه السلام) ابت رسالته ان تصل العالم كله في عصره وصولا الى عصرنا وامتدادا لاخر يوم على هذه الارض لانها رسالة حق ونبراسا يهتدي به كل من لا يعرف طريق خلاصه. 

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19 شباط/2008 - 11/صفر/1429