الحسن اليماني والمهدوية

دكتور أحمد راسم النفيس

 كشفت الاشتباكات التي دارت رحاها في البصرة والناصرية بالعراق على هامش إحياء ذكرى عاشوراء الإمام الحسين عن ظهور جماعة (أحمد الحسن اليماني) الذي ادعى الإمامة وطالب الناس بالبيعة له بوصفه وكيلا عن المهدي المنتظر معتبرا أن العلماء والمراجع فشلوا في القيام بواجباتهم وأصبح متعينا التخلص منهم وتسليم الأمر لهذا اليماني المزعوم الذي لم يك شيئا حتى التقاه الإمام وقام بتسليمه كل المهام!!.

لم يكن الأمر مفاجئا للمتابعين للساحة العراقية كما أنها لم تكن المرة الأولى ولن تكون الأخيرة في سلسلة أدعياء المهدوية.

يقول المراقبون أن اليماني المزعوم كان فرخا من أفراخ المخابرات الصدامية ثم تلقفته مخابرات دولة خليجية تعمل بجد ونشاط في العراق حيث قامت بدعمه وتمويله.

الدافع المحرك لهذه الأعمال هو تفجير التيار الشيعي في العراق وغير العراق وتقويضه من الداخل عبر إلهائه بصراعات عبثية لا جدوى من ورائها. 

لم يكن ادعاء المهدوية يوما قاصرا على الساحة الشيعية فهو موجود لدى أهل السنة ومن بين هؤلاء كانت حركة جهيمان العتيبي والمهدي السوداني.

الجامع المشترك بين هؤلاء الأدعياء هو استغلال تلهف الناس ورغبتهم في خلاص سريع مريح تهطل به السماء الصافية الخالية ولو من سحابة واحدة لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ومن ضيق الظلم إلى سعة العدل على يد (القائد المخلص) الذي لا يمتلك مؤهلات ولا كفاءات سوى بعض المنامات والتأويلات وأتباع مغيبين هم خليط من الكسالى الواهمين ومن القتلة الانتحاريين فضلا عن المرتزقة الذين يحلمون بمنصب وزاري في دولة لا وجود لها إلا في عالم الأحلام!!.

ادعاء المهدية يأتي دوما كحدث خارج السياق من أناس يفتقرون للحد الأدنى من الكفاءة التي تؤهلهم للقيادة ولكنهم يزعمون أنهم وحدهم ورثة خط الأئمة الأنبياء.

الإشكالية الكبرى التي منعت المسلمين من الاستفادة من منظومة القيم الإلهية التي جاء بها كتاب الله والتي تدعو للعدل والإحسان وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي هي (غياب القابلية) التي تمكنهم من الالتزام بهذه القيم, وليس في غيبة الإمام.

هنا يبدو واضحا كم الدجل الذي يمارسه هؤلاء الأدعياء الذين يعدون الناس بالمن والسلوى بمجرد اتباع (القائد المزعوم) في حين يعتقد الموالون الحقيقيون للمهدي المنتظر أن ظهوره يرتبط باستحضار هذه القابلية الغائبة وإذا كان المسلمون عاجزين عن إقامة نظام سياسي يحقق بعض هذه القيم فكيف يمكن لهم الانتقال دفعة واحدة لتحقيق حلم العدالة الإلهية؟!.

المهدوية عند المدعين إما أن ترتدي لبوس المهدي المنتظر شخصا ودورا أو تكتفي بانتحال دور المخلص الذي تشتاق إليه البشرية ليملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا والذي جاء ليطبق الشريعة الإسلامية ووو ثم تأتي الأحداث والوقائع ليكتشف المخدوعون أن إمامهم الموهوم قد أوقعهم في مزيد من الحفر والمطبات التي يصعب الخروج منها كما أن أزماتهم قد ازدادت تعقيدا بدلا من حلها أو التخفيف منها وأن مخلصهم الموهوم قد أضاع من بين أيديهم حلولا واقعية ربما كانت لتخفف بعضا من آلامهم ريثما يظهر المخلص الحقيقي الموعود!!.

الحديث عن المهدوية وعلاقتها بالواقع المعاصر ليس قاصرا على تلك الحركات التي تصدى لقيادتها من انتحلوا صفة (الإمام المهدي المنتظر) لحما ودما بل يمتد إلى تلك الحركات التي زعم قادتها أو زعم لهم صفات قيادية ومهام كونية جامعة من ذلك النوع الذي يختص به الإمام المهدي.

مهدي السودان

تحت عنوان (كيف صار مهديا) يقول الدكتور عبد الودود شلبي :

أعلن محمد أحمد أنه المهدي المنتظر وإمام الزمان الذي تجب طاعته على كل البشر في شعبان سنة 1298 الموافق 29 يونيو 1881 حيث جاء في بيان إعلان مهدويته (وحيث أن المهدية المنتظرة أرادها الله واختارها للعبد الفقير محمد بن السيد عبد الله فيجب التسليم والانقياد لأمر الله ورسوله.. وبعد هذا البيان فالمؤمن يؤمن ويصدق لأن المؤمنين هم الذين يؤمنون بالغيب).

ثم يقول الدكتور شلبي: ماذا ينقص محمد أحمد حتى يكون مهديا؟! إنه عالم وصالح وشريف النسب, أفرق الثنايا على خده خال وبينه وبين رسول الله شبه في الاسم وشبه في اليتم (!!).

يقول محمد أحمد: أخبرني سيد الوجود بأن من شك في مهديتك فقد كفر بالله ورسوله كررها ثلاث مرات, وكل ما أخبرتكم به من خلافتي على المهدية فقد أخبرني به سيد الوجود يقظة في حال الصحة خاليا من الموانع الشرعية, لا بنوم ولا بجذب ولا سكر ولا جنون.

وإني لا أعلم بهذا الأمر حتى هجم علي من الله ورسوله من غير استحقاق لي بذلك, فأمره مطاع وهو يفعل ما يشاء ويختار وحكم نبيه كحكمه ولما تكاثرت منه البشائر والأوامر لي امتثلت قياما بأمر الله وقد كنت قبل ذلك ساعيا في إحياء الدين وتقويم السنة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

(التعايشي) والبحث عن مهدي!!

الدور الذي لعبه عبد الله التعايشي (خليفة المهدي) ووارث دولته بعد موته يحتاج أيضا إلى وقفة تأمل إذ أن هذا النوع من الرجال هو آفة من آفات الدين والدنيا.

كان هذا التعايشي تواقا إلى النفوذ والسلطة وقد بذل والده عناية خاصة في تعليم أبنائه ولكنه وجد عناء معه إذ اشتهر بانصرافه عن علوم الدين وحفظ القرآن فكان أن انشغل بالمغامرات والبطولات فانضم للرزيقات في حربهم مع الزبير رحمة باشا ووقع أسيرا في يديه فأمر بقتله لولا أن تشفع فيه الفقهاء ورجال الدين فأرسل إلى الزبير باشا رحمة أنه حلم حلما رأى فيه أنه المهدي المنتظر وأنه أي عبد الله التعايشي سيكون وزيره فزجره الرجل وأمره بألا يعود إلى هذا الدجل!!.

ثم ذهب إلى الشيخ محمد شريف نور الدائم شيخ الطريقة السمانية وقال له: أنت المهدي المنتظر! أي أن الرجل كان يبحث عن أي مهدي منتظر ليكون مستشاره ووزيره (ووصيه ووارثه من بعده!!) وقد رفض الشيخ شريف هذه اللعبة ثم قال له: إن كنت تبحث عمن يقول ذلك فعليك بتلميذي محمد أحمد الذي كان في ذلك الوقت يقيم قبة على قبر شيخه القرشي وكان الشيخ القرشي قد أعلن أن من يختن أولاده ويبني قبة على ضريحه سيكون هو المهدي وبينما هو على هذا الحال إذ وفد عليه التعايشي وخر ساجدا بين قدميه يتمرغ ويبكي وحين سأله محمد أحمد عن سبب ذلك قال: كان لي أب صالح من أهل الكشف وقد أخبرني قبل وفاتي أنني سأقابل المهدي وأكون وزيره فلما حضرت إليك رأيت فيك العلامات التي أخبرني بها والدي فابتهج قلبي لرؤية مهدي الله وخليفة رسوله.

ثم يقول الدكتور شلبي: لقد كان التعايشي هو الذي دفع محمد أحمد للمسارعة بإعلان دعوته وقد حفظ محمد أحمد للتعايشي هذه اليد وجعله الوارث لدعوته وخلافته من بعده وهدد كل من يتناول أعماله وتصرفاته بالنقد (لأن جميع أعماله وأحكامه محمولة على الصواب ولأنه أوتي الحكمة وفصل الخطاب ولو كان حكمه على قتل نفس منكم أو سلب أموالكم ومن تكلم في حقه ولو بالكلام النفسي فقد خسر الدنيا والآخرة...).

انتهى الأمر بمهدي السودان المزعوم كما هو معلوم ولسنا في حاجة لسرد واستقصاء وقائع وأحداث التاريخ فهاهم أحفاده الآن في السودان يتحدثون عن الديموقراطية والليبرالية وعن مهدوية وظيفية لا عن مهدوية حقيقية بعد أن بان المستور وانكشفت حقائق الأمور!!.

ستبقى الساحة حبلى بالدجالين إلى أن يعود للعرب عوازب أحلامهم لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7 شباط/2008 - 29/محرم/1429