أحداث الجنوب الدامية: إهمال حكومي أم فراغ فكري؟

أحمد جويد/ مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

لا يمكن لعاقل أن يتصور بأن العراق سوف يكون في منأى من العبث والتدخل الاقليمي والدولي بعد أن تم اسقاط نظام صدام في العام 2003م، وهذا الامر بدى واضحا ً جلياً من خلال تدفق جند القاعدة وجموع التكفيرين والارهابيين الى العراق عبر حدود مفتوحة وحملات منظمة ودعم خارجي كبير من قبل مؤسسات ودول بدوافع آيدلوجية أو عقائدية.

    فمنذ أن بدأت الاستراتيجيات التي تقف خلف تنظيم القاعدة تأخذ منحى آخر في اسلوب العمل بعد أن عجزت عن تحقيق أهدافها في إثارة الفتنة الطائفية ولو بشكل مرحلي، أخذت تلك الجهات تفكر باسلوب آخر تستطيع من خلاله إختراق الجسد الشيعي بعد كان عملها منصباً على إثارة النهج الطائفي في الجسد العراقي، وكانت الالتفاتة الكبيرة لأبناء العشائر في المناطق الغربية والصحوة الحقيقية في كشف مخططات تنظيم القاعدة والعمل على استأصال الجسم الغريب الذي نشأ في مناطقهم -والذي كانوا يظنون فيه خير في يوم من الايام- الاثر الكبير في تهدئة الوضع الامني في عموم العراق.

   وأصبح لابد من وجود نهج جديد لتلك القوى التي فشلت في مخططاتها السابقة، ليأتي هذه المرة وينفذ من خلال أصحاب الثقل الكبير والاغلبية السكانية في العراق، فمدن الجنوب والفرات الاوسط هي من أهم المدن التي تعتمد عليها الاحزاب المتنفذة في الحكومة العراقية في الوقت الحاضر، ولهذه المدن ثقل اقتصادي كبير متمثلا بالاحتياطي الكبير للنفط في هذه المنطقة والموقع المتميز الذي يعتبر المنفذ البحري الوحيد للعراق مع دول العالم بجانب الثقل السكاني، وإذا ما سلطنا الضوء على تلك المناطق وبخاصة الجنوبية منها وجدنا ما يلي:

1-إن ابناء تلك المناطق هم أكثر من عانى وضحى وقاتل الحكومات المستبدة، ونتيجة لتلك الصراعات بقيت تلك المناطق عرضة للاهمال والتخريب وتفشي البطالة وكثرة الفقر والفاقة.

2-سكان تلك المناطق يتطلعون الى التغيير والتجديد دائماً، ولذلك نجد أن تلك المناطق هي أول من يحتضن ويتبنى الافكار الجديدة بهدف الحصول ولو على شيء بسيط من حقوقهم.

3-أبناء تلك المناطق وبخاصة الجنوبية منها تثقفوا بثقافة استخدام السلاح، وعلمتهم الحياة الصعبة والظروف القاسية التي مرة بهم بأن الحق لا ينتزع إلا بقوة السلاح.

4-قلة الاهتمام بسكان تلك المناطق من قبل المؤسسات الفكرية والتوعوية والدينية، وعدم مجابهة الافكار الدخيلة عليها بأفكار تقوم بتفنيدها بحجج عقلانية وترك كل من هب ودب يطرح أفكاره عليهم دونما عين رأت أو اذن سمعت.

5-تحول منابر الجمعة الى مؤتمرات صحافية دون التطرق الى الجانب العقائدي والاهتمام به وتوضيح ما يمكن توضيحه في زمن أضحت الفتن فيه على قدم وساق وإختلاط الحابل بالنابل.

   وبذلك استطاعت بعض الجماعات ومن خلال استخدام مسميات عقائدية أن تجد لها أرضية خصبة كي تنشر أفكارها بين البعض من أصحاب المعرفة الدينية السطحية وإغراء البعض من المتعلمين بواسطة الاموال، واستغلال الانتقادات الموجهة للاداء الحكومي وتفشي ظاهرة الفساد المالي والاداري في الدوائر الحكومية والسخط الواسع من استئثار بعض الاحزاب السياسية بالوظائف الحكموية وحرمانهم من ابسط فرص العيش، بالاضافة الى الفراغ الفكري وعدم مواجهة الافكار المنحرفة.

 كل تلك العوامل ساعدت على تقبل مثل تلك الدعوات الداعية الى قتال القوات الحكومية ومن يساندها من مرجعيات دينية.

إن من يقف وراء تلك الحركات ودعمها بالمال والسلاح جهات ليست بعيدة عن تلك التي كانت تقف وراء تنظيم القاعدة وتدافع عنه وتدعو الى اسقاط العملية السياسية في العراق، وهي نفس الجهات التي تدعو إلى إسقاط المشروع الفدرالي والعودة الى النظام المركزي بحجة عدم قدرة ابناء محافظات الجنوب على ادارة محافظاتهم إلا من خلال المركز، ولا نستبعد بعض الجهات والمؤسسات التي تهدف الى التشويه والتشكيك بقضية الامام المهدي(عج) وبكل داعية الى تلك المسألة العقائدية.

   فما حدث في الأيام الماضية لا يتحمل نتيجته من غرر به وقام بفعل القتل فقط، بل إن المسؤولية مشتركة وتقع على الجميع، وبذلك يتوجب على من يهمه الامر ان يقوم بالاتي:

1- على الحكومة إعادة حساباتها بصورة كبيرة فيما تتغافل عنه من إهمال وقلة خدمات وعدم إهتمام بجوانب توفير فرص العمل وتعويض من تضرروا نتيجة لممارسات النظام السابق في مناطق الجنوب.

2- العمل على تطهير أجهزة الدولة من العناصر الفاسدة والمفسدة في دوائر الدولة والاجهزة الامنية، وبخاصة ممن كانوا مرتبطين إرتباطاً مباشراً بنظام البعث القمعي ولا زالوا الى الان متنفذين في أجهزة الدولة أمام مرئى ومسمع أبناء سكان تلك المناطق المحرومين.

3- العمل على بناء منتديات علمية وفكرية وثقافية، تهتم بالجانب الفكري والتوعوي لأبناء تلك المناطق، والاهتمام بالجانب التعليمي من خلال الاهتمام بالمدارس التي تعد أبنيتها من طراز الانسان القديم وبخاصة في القرى والارياف ومناطق الاهوار.

4- على الجهات الدينية أن تركز في عملها على الجانب العقائدي وبالخصوص بكل ما يتعلق بمسألة ظهور الامام المهدي(عج) والتصدي لكل فكر يخالف ماورد في النصوص والروايات التي جاءت عن النبي(ص) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وعدم ترك الافكار الدخيلة على هذا المفهوم تنفذ الى عقول الناس بحجة الترفع عن من يدعو لها أو من يؤمن بها.

5- أن تلعب الاحزاب الاسلامية دورا أكبر في لم شمل أبناء تلك المناطق من خلال التأكيد على اللحمة الواحدة لأبناء هذا الشعب بغض النظر عن ولاآتهم الحزبية، وعدم جعل التنافس والمكاسب السياسية هي الشغل الشاغل لها.

6- يجب أخذ العبرة من هذه الحادثة والاستفادة منها بكل ماتحمله من مرارة وألم في النفوس، وعدم إحتسابها حدثاً عابراً، فإنها ليست الاولى ولا الاخيرة من هذا النوع.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 3 شباط/2008 - 25/محرم/1429