اساس مقولة ان (التشريع متى توقفت حكمته توقف حكمه)

فارس حامد عبد الكريم

يرى بعض فقهاء القانون ان القانون عـِلم عقلي، يتضمن مجموعة من المباديء المنسقة تنسيقا منطقيا، ويُستنتج منها او يترتب عليها قواعد قانونية لا يتيسر الوصول اليها إلا من خلال عملية مزدوجة هي التحليل والتركيب، والقياس المنطقي هو احد وسائل هذه العملية، فيما يرى آخرون من فقهاء القانون  المحدثين ان القانون علـم وفـن وينبغي ان يُعبر عن غايات متحركة ومتجددة في العالم المعاصر وانه لايمكن الوصول لأحكام جديدة تساير التطور الانساني عن طريق توحيد الحلول وفقا للنموذج المنطقي، وكان ارسطو قد عبر عن ذلك بطريقة اخرى حين وضع اسس علم المنطق، عندما اقر بصعوبة تطبيق التشريعات المجردة على الحالات الواقعية حينما اخذ يتصدى للحالات المستعصية وهي تلك الحالات التي يؤدي تطبيق القاعدة العامة عليها الى نتائج ظالمة فنبه الى مصحح لجمود العدل القانوني الا وهو العدل الخاص او الانصاف بغية اصلاح ما هو ظالم وغير معقول.

وفي ضوء ذلك فان وجود  قواعد القانون واستخدام المنطق في تفسيره لايكفيان لوحدهما لإعطاء حلول ملائمة مع تطورات الحياة الانية والمستقبلية، وانما ينبغي ان يكون للقاضي دور في الملائمة بين حكمة التشريع  والواقع، وكما قال الرومان قديما (ان التشريع متى توقفت حكمته توقف حكمه). 

تعود جذور علم المنطق الى ارسطو، حيث اعتبره فنا واداة في خدمة المعرفة، وفي ضوء ذلك عرفه الفارابي بانه (مجموعة قوانين تستخدم لقياس المعقولات كما تستخدم الموازين والمكاييل في قياس الاجسام). بينما عرفه الغزالي على انه (القانون الذي يميز الحد والقياس من غيره، كإنه الميزان او المعيار للعلوم كلها، وكل ما لم يوزن بالميزان  لا يتميز فيه الرجحان من النقصان  ولا الربح من الخسران).

ويتكون القياس المنطقي من ثلاث مقاطع، مقدمتين كبرى وصغرى، اي عبارتين تؤكدان او تنفيان شيئا ما، ثم نتيجة تتكون من رفع العبارات المشتركة (الحد الاوسط)، وتطبيق القياس في مجال القانون يقتضي اعتبار القاعدة او المبدأ القانوني مقدمة كبرى، واعتبار الواقعة محل الدعوى مقدمة صغرى، لنحصل على الحكم متمثلا بالنتيجة، ومن التطبيقات القديمة، انه اذا اشتكى المدين بان تنفيذ الالتزم العقدي مرهقا له، فباستخدام القاضي القياس المنطقي تكون النتيجة كالاتي: (المقدمة الكبرى التي تمثل المبدأ العام وهي، العقد شريعة المتعاقدين).. (المقدمة الصغرى التي تمثل الواقعة المطلوب الفصل فيها وهي، (الالتزام المرهق ناتج عن عقد) نحصل على النتيجة برفع العبارة المشتركة (الحد الاوسط) وهي كلمة (عقد) التي تكررت في العبارتين فتكون النتيجة المنطقية هي (الالتزام المرهق شريعة المتعاقين) وفي ضوء هذه النتيجة المنطقية يَجبر المدين على تنفيذ التزامه ولوكان مرهقا.

ويعد استخدام القياس المنطقي في علم القانون من اهم تعليمات مدرسة الشرح على المتون او ماتسمى، مدرسة تقديس النصوص، حيث رأت هذه المدرسة في تقنين نابليون المدني (1)،انه قد جمع فأوعى وأحاط بكل شيء، فهو بناء منطقي متكامل، وما على القاضي الا ان يلجأ للقياس المنطقي لتطبيقه، سواء كانت النتيجة عادلة اوغير عادلة، فالقاضي ينبغي ان يخضع للمشرع ويتقيد بالنص. وهكذا استبعد انصار هذه المدرسة عامل التقدير القضائي تماما كعامل من عوامل الحكم القضائي، وجُرد القانون من مضمونه الانساني.

وفي وقت لاحق اعلن كلسن(2) زعيم الوضعية القانونية ان (لاشأن للقانون بعلم الحياة)، وان نظرية القانون يجب ان تتناول القانون كما هو كائن لاكما ينبغي أن يكون، واستبعد فكرة العدالة من مجال القانون، بداعي ان الحكم على القانون بالعدالة او عدم العدالة يتطلب معايير لاتخضع للمعرفة العلمية ودعا الى نظرية محضة في القانون، ومن ثم هاجم نظرية القانون الطبيعي واصفاً اياها بانها حصيلة استنتاج غير صحيح، وبذلك استبعد كلسن وانصاره الحقائق والقيم المطلقة من المنهج القانوني(3)، فالقانون حسب هذه النظرية يجب ان لايخضع لأي تقويم أخلاقي، فالقاعدة القانونية حسب هذا الرأي هي أمر يصدر من صاحب سلطة الى من يخضع لهذه السلطة مقترن بجزاء لمن يخالفه، وهذه القاعدة تنفصل بمجرد سَنها عن الاخلاق والعدالة، وإن كانا مصدر مادتها الأولية، لتستقل بوجودها كأداة تنظيمية للمجتمع ملزمة للافراد دون حاجة للتحقق مما إذا كان القانون الذي يضم هذه القواعد الوضعية متفقاً مع حسن الاخلاق وروح العدالة او غير متفقاً معهما، وزعموا ان علم القانون ليس إلا تحليل للانظمة القانونية الوضعية في الدول المختلفة، وان المفاهيم القانونية ينبغي ان يُنظر اليها مستقلة عن العوامل السياسية والاقتصادية والتاريخية....

 ويترتب على هذه النظرية، ان كل سلوك انما يحدده القانون بصورة مباشرة او غير مباشرة، وعندما لا يكون عمل الفرد ممنوعا بِسُنة قانونية فهو مسموح به قانونا بصورة غير مباشرة، وبتعبير اخر، حسب وجهة النظر هذه، ان القانون لايمكن ان يحتوي على ثغرات(4)، ولايمكن ان يتمتع القاضي بأية سلطات تقديرية.

ادى كل ذلك، وخاصة في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، الى نتائج مجحفة تأباها العدالة الحقة، فحق الملكية مطلق ومن يستخدم حقه لا يمكن ان يعتبر مسيئا تحت اية ظروف، وما بني على باطل فهو باطل وان منطق البطلان هذا مطلق لايقبل تعديلاً او انحرافاً، فعقد الزواج الباطل لايرتب اية آثار او حقوق للزوجة المسكينة او الاولاد، وعقد العمل الباطل يلقي العامل في الشارع دون اية حقوق، ولا مسؤولية بلا خطأ ولو مات العامل وهو يقدم خدماته لصاحب العمل، ذلك ان المنطق يُبرز الشكل  ويُغفل الواقع.

ويُعطي استخدام القياس المنطقي في مجال علم القانون بطريقة آلية، نتائج جامدة وحلولا منسقة، ثابتة، متكررة، قابلة للتوقع مسبقا،كما ان اعمال القياس في حد ذاته محفوف بالمخاطر وفي مقدمتها التسليم باطلاق المقدمة الكبرى وافتراض صلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان، في حين ان الحقائق نسبية.

  ومن تطبيقات الاتجاهات الشكلية في تفسير القانون، نورد الواقعتين التاليتين:

قضية ارنولد الطحان: عرضت هذه القضية على المحكمة العليا في بروسيا سنة 1779، وتتلخص وقائعها، بان ارنولد كان رجلا من عامة الشعب، يدير طاحونة على سفح تل، ويقتات من ماتدره عليه من عوائد هو وعائلته، مستعيناً بالمياه المنحدرة من جدول يمر في ارض في اعلى التل مملوكة لاقطاعي، فرأى الاقطاعي ذات يوم ان يحفر بركة داخل ارضه لتربية الاسماك، فاحتجز فيها مياه الجدول، فتوقفت الطاحونة عن العمل وساءت احوال ارنولد، فرفع دعوى على جاره لمنعه من حجز الماء، لكن الاقطاعي استمر في تعنته زاعماً انه يستخدم ملكه، فالماء انما يجري في ارضه، وايدته المحكمة العليا، رافضة دعوى الطحان، قائلة ان مالك الارض يحوز مابداخلها من ماء، ومن يستعمل حقه لايعتبر مخطئا ولايكون بالنتيجة  قد اضر بالغير.

وهكذا يبدو ان الظلم يمكن ان يتحقق بطريقة تأباها النفوس،ولو ان تطبيق النصوص كان تم بطريقة صحيحة.  

قضية الرئيس روزفلت: اصدرت بعض الولايات الامريكية تشريعات اصلاحية لحماية العمال من تحكم اصحاب رؤوس الاموال الذين كانوا يفرضون شروط مجحفة بحق العمال عند تشغيلهم ويدفعون لهم اجور بائسة ويرغمونهم على العمل في ظل اوضاع مزرية للغاية، فأصرت المحكمة الامريكية العليا منذ عام 1905 الى عام 1936، على اعتبار تلك التشريعات غير دستورية بدعوى مخالفتها لمبدأ حرية التعاقد ومبدأ العقد شريعة المتعاقدين، ولما اشتدت الازمة الاقتصادية العالمية منذ سنة 1929 الى سنة 1932، وكانت شديدة الوطأة على عامة المجتمع، لجأ الرئيس روزفلت الى استصدار عدة قوانين لتنفيذ بعض الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، إلا ان قضاة المحكمة العليا حكموا بعدم دستورية هذه القوانين، فضاق روزفلت ذرعا باحكام اولئك القضاة، ونصحهم بمسايرة روح العصر، والتف الشعب الامريكي حول روزفلت داعماُ موقفه ازاء اولئك القضاة، الا انهم استمروا في مواقفهم المتشددة، فلجأ روزفلت الى تهديدهم باعادة تشكل المحكمة اذا استمروا في تعنتهم، واشتدت الازمة حينما سَخر اصحاب رؤوس الاموال امكانياتهم لمهاجمته من خلال مختلف الصحف الامريكية بعد ان اتهموه بالاستبداد ومخالفة اسس الحياة الديمقراطية، الا ان المحكمة اضطرت اخيرا الى ان تتراجع عن احكامها السابقة وقضت بدستورية قوانين الاصلاح.وهكذا كان القضاء الامريكي، الذي ينتمي الى المدرسة الشكلية في القانون،سببا في تأخر الاصلاح الاجتماعي في الولايات المتحدة الامريكية، قرابة ثلث قرن من الزمان.         

ادت توجيهات مدرسة الشرح عل المتون الى تاخيرالتطور الفكري للقانون ردحا من الزمن، ذلك ان التفسير الحرفي للقانون يعود بنا الى مرحلة ماقبل التاريخ، مرحلة القوانين البدائية والمسلات الحجرية الصماء،التي تصدت لها لاحقا الافكار العلمية النيرة وخاصة في عصر الرومان العلمي (5)، فضلا عن المساهمة الكبرى لفقهاء الشريعة الاسلامية  في ترسيخ قواعد التفسير العقلي العلمي الذي يقوم على مضمون النصوص ودلالتها لا على مجرد الفاظها ومبانيها، وهذا الشهرستاني يقول في الملل والنحل (اذا كانت النصوص متناهية والوقائع غير متناهية، فان ما لايتناهى لايضبطه ما يتناهى)، وهو مصدر هذه المقولة ذائعة الصيت.

ومن هنا ذهب المحدثون من رواد الفكر الحديث الى ان القياس عقيم ومجدب لايكشف لنا عن معرفة جديدة، حقيقية انه يفيد في تنمية القدرة على الجدل الا انه يفسر لنا ما نعلمه ولا يكشف لنا عما نجهله لان نتائج القياس متضمنة دائما في مقدماته، فالنتيجة هي تحصيل لما سبق ان عرفناه، ولذا قيل ان القياس يفضي بالتفكير الى العقم ويؤدي بالحياة العقلية الى الاضمحلال، اذ ان الاصل في التفكير العلمي انه اداة لكسب معرفة جديدة عن طريق الانتقال من معلوم الى مجهول.

وفي ضوء النتائج والآثار السيئة المتولدة عن المفهوم الشكلي للقانون، ذهب اتجاه فقهي قانوني تزعمُه الفقيه جيني (6)، الى ان كل قاعدة من قواعد القانون تنطوي من حيث مضمون وشكل صياغتها فكريا على عنصرين ينبغي التمييز بينهما، احدهما عنصر العلم وهو عنصر موضوعي يقوم على جملة معطيات تتسم بطابع سياسي واجتماعي، والاخر عنصر خارجي ذو طابع فني يتعلق بصياغة او بناء القاعدة القانونية وهو ما اسماه جيني بعنصر الصياغة (7)، ويرجع اساس كلا العنصرين الى السياسة  القانونية المتبناة في مجتمع ما، فالعنصر الموضوعي يتعلق بشؤون وحاجات واماني وتطلعات ذلك المجتمع، ويستهدف العدالة كمثل  اعلى لتنظيم ذلك على افضل الوجوه واكثرها ملائمة.

ويقوم العنصر الموضوعي على جملة معطيات تُعبر في مضمونها عن الحقائق الاجتماعية والسياسية والتاريخية والمُثل والقيم العليا الى تسود في مجتمع واحد معين، ومن هذه المُعطيات يستمد المشرع مادته الاولية او الجوهر الذي يصوغ منه قانونه، وهذا يعني ان العنصر الموضوعي يتصل بالملائمة وحسن التدبير.

اما الصياغة فتمثل الجانب الفني للسياسة القانونية التي تُعنى بوضع أنسب ادوات التقنية التشريعية لاحتواء المعطيات والحاجات والاهداف الاجتماعية، فقد يكون من المناسب ان يضمن العنصر الموضوعي في اطار قاعدة قانونية جامدة او مرنة او معيار قانوني او مبدأ قانوني او أن يحيل المشرع الحكم الى قواعد العدالة او القانون الطبيعي، حسب مايمليه مبدأ العدالة او مبدأ أمن واستقرار المعاملات داخل المجتمع فضلا عن ما تمليه نظرة المشرع لمستقبل الحياة الاجتماعية وما يطرأ عليها من تغيرات محتومة بعد سن الشريع ونفاذه.

ومعطيات الحياة او حقائقها عند جيني، اربعة انواع:

 المعطيات  الطبيعية الواقعية: وهي  تلك الحقائق التي تتكون من من ظروف الواقع المحيطة بالجماعة، وتشمل جميع الاحوال الطبيعية التي تحيط بالانسان وتلحق به كالتكوين الفسيولوجي، والوسط الجغرافي والاحوال الادبية والخلقية والدينية والاقتصادية والسياسية  في المجتمع، وهذه الحقائق لاتخلق القواعد القانونية  بذاتها ولكنها تحدد نطاقها ابتداءاً، فتنظيم  الزواج يُبنى على حقائق طبيعية كاختلاف التكوين الفسيولوجي والنفسي للرجل عن المرأة، فضلا عن نظرة المجتمع وموقف الدين، يقود الى التسليم باختلاف المركز القانوني بين الزوج والزوجة في هذا الارتباط.

المعطيات التاريخية: وتشمل ما تَكون من قواعد لتنظيم الحياة والسلوك في المجتمع  ثبتت عبر الزمن مما اكسبها صلابة وقوة واحتراماً جعلت منها تراثا مكتسباً لا يُمكن اغفاله او التحلل منه كلياً في تكوين القانون، وهذه المعطيات هي اساس كل اصلاح وبناء قانوني جديد، فهي نتيجة الخبرة المكتسبة عبر الزمن مما يجعل لها حُجية مسلم بها،ليست بالمطلقة ولا بالدائمة،لكنها حُجية نسبية لاتصد عن التطور وان تكن تـَعصم من الاندفاع او التهور.

والمعطيات التاريخية، هي حقائق علمية في حقيقتها ومعناها، فالتاريخ ليس سوى التجربة التي مرت بها الانسانية عبر الزمن، وبذلك تكون قادرة على منح القانون اساساً راسخاً وقوة وهَيبة.

فعبر التاريخ اكتسب حق الملكية احتراماً خاصاً، لم تستطع ان تنزع احترامه من النفوس حتى اقوى النظم الاشتراكية، وهكذا نصت اغلب دساتير دول العالم على ان (حق الملكية مقدس) و (لايجوز نزع الملكية الخاصة الا وفقاً للقانون وبموجب تعويض عادل) (8)، وهكذا الامر بالنسبة لنظام  الزواج الذي يخضع دائما لرقابة دينية او مدنية تسبغ عليه الصفة الشرعية، ويُنص غالبا على انه رابطة مقدسة، فمثل هذه النصوص تجد سندها في التطور التاريخي الذي خرجت منه.

وعلى سبيل المثال كان الزواج في المجتمعات البدائية يتم عن طريق خطف النساء من الجماعات الاخرى، وقد ادى هذا الى استقرار فكرة الزواج من الأجنبيات او على الاقل من النساء اللواتي لايتصلن بالرجال بقرابة من درجة معينة، وهذا هو اصل فكرة المحارم، ولاتزال بعض مظاهر نظام اختطاف النساء قائمة ليومنا هذا في العديد من المجتمعات الشرقية والغربية، حيث يقوم الزوج بدور المختطف للزوجة ليلة الزفاف، لا شعورياً، فيحملها بين ذراعيه ويذهب بها بعيداً عن المشاركين في حفلة الزفاف.

المعطيـات العقلـية: وتشمل القواعد التي يستخلصها العقل من المعطيات السابقة بعد صقلها وتهذيبها وتحويرها، حيث يعمل القانون على ملائمة معطيات الواقع والطبيعة والتاريخ وموافقتها على ما يفرض من غاية للقانون.

وتسهم المعطيات العقلية في النصيب الاكبر في تكوين جوهر القواعد القانونية، وما دام ان هذه المعطيات مبنية على العقل فانها تمثل الجوهر الاساسي للقانون الطبيعي، اي قواعد السلوك التي يستخلصها العقل من طبيعة الانسان وحركة المجتمع، الا ان المعطيات العقلية تُظهر فقط ما تبديه طبيعة الانسان حتما ولاتتجاوزها الى النزعات المثالية، فالعقل يوحي بضرورة ان يكون  الزواج ثابتا ومستقراً حتى تنشأ اسرة متماسكة، الا ان عدم تعدد الزوجات لا يعتبر من المعطيات العقلية بل من المعطيات المثالية، لانه لوسايرنا منطق العقل، فأن غاية الزواج النهائية هي النسل، وتعدد الزوجات يحقق هذه الغاية بطريقة اوسع.

وللمعطيات العقلية صفة علمية بالمعنى الواسع المعبر عن كل نشاط او جهد عقلي تفكيري يَنفذ الى جوهر الاشياء بوسائله المُسَلم بها الخاصة بالمعرفة دون الوسائل المتنازع في قيمتها، فيتمكن من فرض قواعده فرضا جازماً، وان امكن تصور انكارها والنزاع بشأنها، من الناحية الواقعية.

المعطيات المثالية: وهذه المعطيات تعبر عن اتجاهات ونزعات مثالية تنحو بالنظام القانوني نحو السمو والتقدم المستمر نحو الكمال ولايقف معها القانون جامدا عن التطور والتقدم، حتى لو كانت المعطيات الاخرى لاتؤيد هذا التطور، اذا كان هذا التطور هو ما تقتضيه مصلحة الجماعة.

ومن ذلك ان العقل يقضي ويسايره القانون في ذلك، انه لا مسؤولية بدون خطأ يثبته المضرور حتى يتمكن من المطالبة بالتعويض عن الضرر، الا ان  ضرورات الحياة المعاصرة والنتائج الظالمة المترتبة على هذه القاعدة خاصة في مجال العمل، حدت بالنزعة المثالية الى التدخل وضمنت للعمال الحصول على تعويض عن الاصابات على اساس مبدأ جديد هو، المسؤولية بدون خطأ، عرف بمبدأ تحمل التبعة، ومفاده ان من ترتب على نشاطه ضررا للغير يلزم بالتعويض، وهكذا اُستبعد ركن تاريخي جوهري من اركان المسؤولية هو الخطأ، خلافاً لمنطق العقل.

والمعطيات المثالية تتآتى  من قوى غير واضحة هي الايمان والعاطفة والرحمة، وهي تحدد بطريقة غامضة ولكن مؤكدة، ما يوجد لدى الافراد والجماعات من معتقدات وقيم مشتركة مما يجعل لها صفة موضوعية كافية لتكملة نقص الحقائق العقلية والحد من شدتها وجفافها وطغيانها.   

يتضح مما تقدم، ان المعطيات العقلية هي الاهم من بين جميع المعطيات الداخلة في تكوين جوهر القانون، ولكن مسايرة منطق العقل، لاتعني دائما انه يعطي افضل الحلول.

وفي ضوء ما تقدم  ذهب الفقة القانوني الحديث الى ان تحقيق العدالة لايقوم على مجرد تكرار الاحكام للحالات التي تبدو في الظاهر متشابهة، او كانت متشابهة فعلا، ولكن دونما نظر الى عوامل الزمان والمكان، ذلك ان تطور القانون وملائمته للمستجدات والحاجات البشرية المتصاعدة والمتفرعة الى كل الاتجاهات، لايحصل بالقياس والتكرار، ولكن حسن ادارك القاضي وقناعته ويقينه القائم على اساس العقل والحدس يقود الى تلك النتيجة.

فتطور اتجاهات تفسير القانون تتطلبه الحياة الاجتماعية المعاصرة بتطوراتها المتسارعة التي لم يعد باستطاعة المشرع مجاراتها بحركته الثقيلة المعهودة (9)، فيوما بعد يوم تظهر للوجود مخترعات جديدة وافكار خلاقة حديثة تتولد عنها حقوق وتثار بشأنها منازعات متنوعة، مما يتطلب وجود عقلية قضائية فذة بمستوى الحدث قادرة على سد الفراغ التشريعي والقصور التشريعي.

وملائمة القانون تتطلبها العدالة الحقة في كل زمان ومكان وتلك الحاجات المستجدة، والملائمة هي عملية غائية، وليست مجرد منطق صوري مكرر، غايتها تحقيق مقاصد النظام القانوني والحكمة من التشريع وبعيدا عن الاراء الشخصية والهوى.

فقد يكون النص التشريعي الذي يحكم الحالة المعروضة موجودا ومع ذلك تتطلب حكمة التشريع اتخاذ حكم قانوني جديد، فنكون امام قصور في التشريع،او مايعرف بالقصور الايديولوجي للتشريع(10)، ويقرر الفقه وتسايره التشريعات الحديثة ان معالجة القصور التشريعي يكون بوسيلتين، احداهما تدخل المشرع بين فترة واخرى لمعالجة القصور عن طريق التعديل اوالاضافة او الالغاء، ولكن تدخل المشرع في جميع الاحوال ليس امر حسنا دائما، لان كثرة التعديلات وتنوعها تربك القضاء وتُحجم دور الفقه.اما الوسيلة الثانية لمواجهة القصور هي الاجتهاد القضائي، وفي مثل هذة الاحوال يمكن للقاضي ان يلجأ الى حلول متنوعة بان يتوسع مثلا  في مدلول معيار الغاية بان يعطي للنص تفسيراً متطورا ً من خلال التوسع في المعنى الجوهري للنص القانوني القائم فاذا تعذرادراك قصد المشرع بصورة ظاهرة امكن البحث عنه  في المبدأ العام للقانون وروح الشريعة التي استمد منها القانون عموم احكامه او بالاستعانة باحد المباديء التي استقرت في الضمير القانوني الانساني بصورة عامة او ما استقر علية الفقه من اراء بالتامل في روح النظام الاجتماعي، واذا تعذر رغم ما تقدم من وسائل ايجاد حل للحالة فان القاضي يستطيع الاستناد الى وجهات نظر لاتزال غير  محدودة وغير ملزمة بصورة عامة الا انها اعتبرت خلال فترة من الزمن اسانيد  قانونية انسلخت على الاغلب  من الافكار النامية للمباديء القانونية او من طبيعة الامور ذلك ان القاضي ملزم  بايجاد حكم لكل حالة معروضة علية وبخلافه يعتبر منكراً للعدالة.

وفي كل هذه الاحوال ينبغي على القاضي ان يبقى في نطاق  المبادىء والغايـــات التي يقوم عليها النظام القانوني عند تقدير ملائمة الحلول للحالة المعروضة عليه فلا يأتي بحلول شاذة او غريبة عن مجتمعه ومعياره في ذلك هو معيار النظام العام والاداب السائد في مجتمعه مستلهماً روح النظام القانوني والغايات الاجتماعية النبيلة،دون ان يستند الى افكاره ومعتقداته الشخصية.

وعلى هذا يكون للقضاء  دور متميز  في الحياة القانونية، وهذا الدور  متميز عن مجرد انشاء القواعد العامة المجردة الذي هو من عمل المشرع لان القاضي هو من يضفي الفعالية من الناحية العملية على تلك القواعد و يجعلها ملائمة للواقع ومن ادواته في ذلك قواعد التفسير، المباديء العامة للقانون، المعيار  القانوني، مباديء العدالة وهو يكاد  يقترب من عمل المشرع من خلال الاداتين الاخيرتين فهو الذي  يعين مضمونها عند نظره في قضية معروضة عليه.

  فالحاجة الى القواعد  القانونية كمعيار للسلوك الاجتماعي تفرضها طبيعة الحياة الاجتماعية وضرورة استقرارها، لانها تحدد للافراد مقدماً مراكزهم القانونية وتجعلهم على بينة من نتائج تصرفاتهم مما يضفي قدراً من الطمأنينة على الحياة الاجتماعية.

الا ان السير التلقائي للنظام القانوني لايتحقق دائما، فان توفرت عوامل تدفع الفرد الى التوافق مع القانون،فان هناك عوامل اخرى قد تدفع بعض  الافراد الى الخروج عن القانون مردها في الغالب القصور الذاتي والمصالح المتعارضة  ذات الصبغة الانانية وهكذا تظهر على النظام القانوني  عوارض تعيق سيره التلقائي.

وعند هذة النقطة يبرز دور القضاء لتحقيق فاعلية القانون في الحياة الاجتماعية بأزالة هذه العوارض، والوظيفة  القضائية  بهذه الصورة تنحصر مهمتها في حماية النظام القانوني، فهي لاتتدخل الا اذا طراْ عارض  قانوني، وهي تتدخل في حدود هذا العارض  ولمجرد ازالته دون ان تتجاوز الى اسبابه.

دور الاجتهاد القضائي في تطوير النظام القانوني

هناك امثلة كثيرة عن اجتهادات المحاكم التي استقرت واصبحت كالقاعدة القانونية سواء بسواء، فقد اجتهد القضاء الفرنسي وقرر ان البطلان الذي يشوب بيع ملك الغير هو بطلان نسبي، فاستقر هذا الاتجاه واتبعته جميع المحاكم،رغم ان المادة(1599) مدني فرنسي لم تنص على اكثر من القول على ان بيع ملك الغير باطل ولم تحدد  هل هو بطلان مطلق ام بطلان نسبي، وبديهي ان يترتب على هذا الاجتهاد خلق مراكز قانونية جديدة لاطراف العلاقة القانونية في بيع ملك الغير لم يكن النص قد تضمنها لا صراحة ولا ضمناً.

وأخذ القضاء الفرنسي بنظرية الاثراء دون سبب رغم انه لايوجد مبدأ عام في القانون الفرنسي يقرر هذه النظرية، وكانت حجته في ذلك ان  هناك نصوص تشريعية وردت بشأن بعض حالات الاثراء دون سبب، كالفضالة ودفع غير المستحق ونحوهما، فأعتبرها القضاء الفرنسي ليست سوى تطبيقات متفرقة لهذا المبدأ وردت على سبيل المثال لا الحصر فأدخل المبدأ كله جملة وتفصيلا الى النظام القانوني الفرنسي بأجتهاده فأصبحت النظرية اليوم كأنها القانون المسنون لا يستطيع احد القول ان القانون الفرنسي لا يأخذ بها.

ومن الامثلة على اثر تغير المباديء والمثُل الاجتماعية على الاجتهاد القضائي، اقرار نظام التعسف في استعمال الحق دون نص خاص، حيث ان القانون الفرنسي والقانون المدني المصري القديم لم يتضمنا نصاً خاصاً بذلك، وكان ذلك بدافع النظرة التقديسية الى حق الملكية والحقوق الفردية، حيث عرف حق الملكية فيهما بانه (الحق للمالك في الانتفاع بما يملكه والتصرف فيه بطريقة مطلقة).

الا ان النظرة الاجتماعية للحق ومنه حق الملكية تغيرت بمرور الوقت واصبح ينظر للحقوق على ان لها وظيفة اجتماعية تؤديها في اطار عموم مصالح المجتمع،فظهرت اتجاهات فكرية تنادي بضرورة الحد  من اطلاق الحقوق وتقييدها بواجب عدم التعسف في استعمالها.

تأثر القضاء الفرنسي والمصري بهذه النظرة المتطورة للحقوق، فأقر مبدأ نسبية الحقوق وقيدها بواجب عدم التعسف في استعمال الحق،واعتبر من يتعسف في استعمال حقه كمن يرتكب عملا غير مشروع ويكون مسؤولا عن الاضرار التي تلحق بالغير جراء ذلك التعسف.

كما اورد القضاء العديد من القيود على مبدأ، العقد شريعة المتعاقدين،التي املتها النظرة الانسانية الجديدة للعلاقة بين الدائن والمدين وتخلصاً من المساويء الاجتماعية الكثيرة التي نشأت بسبب تطبيق هذا المبدأ في صورته الاولى. ومن ذلك ان القانون المدني المصري القديم كان ينص على انه (اذا كان مقدار التضمين في حالة عدم الوفاء مصرحا به في العقد او في القانون فلا يجوز الحكم بأقل منه ولا بأكثر)،الا ان القضاء المصري اجاز لنفسه تخفيض التعويض المتفق عليه اذا كان مبلغ التعويض المتفق عليه مبالغاً فيه الى درجة كبيرة ولا يتناسب مع الضرر الذي اصاب الدائن بالرغم صراحة النص مستجيباً في ذلك لاعتبارات العدالة والملائمة ومرجحاً اياها على الاعتبارات التي أملت النص.

ومن جانب اخر، فان اعتماد القضاء الانكليزي على المعايير القانونية اتاح له تطوير الاحكام القضائية التي كانت غالبا ما تتقيد بالاعراف القضائية، ومنها معيار المعقولية، ومفاده ان تفسير القوانين والاعراف وتكييف الوقائع ينبغي ان يكون في النهاية منسجماً مع مقتضيات العقل والفهم الصحيح للامور، وبتطبيق هذا المعيار على الشروط العقدية التي  اختل توازنها بسبب ما طرأ من ظروف جديدة لم تكن بالحسبان عند التعاقد، يتبين مايلي: ان تلك الشروط تقوم في الاصل على مصلحة الدائن والمدين معاً، الا ان تطبيق معيار المعقولية، يكشف عن وجود مصلحة ثالثة، هي مصلحة الجماعة، التي يهمها ان ان تنفذ هذه الشروط، بشرط ان لا يترتب على تنفيذها افلاس مدينين (تجار) معقولين، الا انهم كانوا سيء الحظ بسبب ظروف اجنبية لادخل لارادتهم في تحققها. فحكم  القضاء الانكليزي بفسخ مثل هذا العقد حيث ثبت لديه ان المدين لم يكن مخطئاً، وان التنفيذ قد اصبح مرهقاً بشكل لو امكن لرجل عاقل ان يتنبأ به لما تعاقد.  

ومن الجدير بالذكر ان قانون حمورابي (حوالي القرن العشرين قبل الميلاد) كان قد اعتمد مفهوم السبب الاجنبي الذي يعفي المدين من تنفيذ التزامه، فالمادة (48) منه تقرر اعفاء المزارع الذي يهلك زرعه بفعل الفيضان من تقديم حبوب الى دائنه في ذلك العام ويعفى من الفوائد الخاصة بتلك السنة.

الشريعة الاسلامية

رفض فقهاء الشريعة الاسلامية منطق مدرسة الشرح على المتون والمدارس الشكلية قبل مئات السنين من انطلاقتها ويكاد ان يجمع فقهاء الشريعة الاسلامية على ان النصوص تسري بلفظها وفحواها،بمعنى ان التفسير اما ان  يقوم على استخلاص معاني النصوص من ظاهر عبارة النص ودلالة الفاظه (دلالة اللفظ على المعنى)، او ان يقوم على أستخلاص معاني النص من دلالات مضمون عبارة النص(دلالة النص على مضمونه) ولذلك قالوا ان العبرة في المقاصد والمعاني لا في الالفاظ والمباني. وتفسير علماء المسلمين تفسير علمي وعقلي يتميز بحرية فكرية  محفوفة بالمشروعية.

 وقد تبنى الفقه الاسلامي بكافة مذاهبه هذا الاسلوب في التفسير، بأستثناء اهل الظاهر الذين تمسكوا بحرفية النصوص ويقابلهم في الفقه القانوني الغربي  مدرسة الشرح على المتون كما سبق البيان، وكلا المدرستين مندثرتان في الحال الحاضر، باستثناء انه يوجد لهما تطبيق واسع لدى رجال الادارة والقضاء في بعض البلدان العربية، بالنظر لقعودهم عن مواكبة القفزات الهائلة في مختلف العلوم والنشاطات الاقتصادية والسياسية والحاجات الاجتماعية المتسارعة في كل يوم. وواضح، من التفسيرات الاجتهادية العميقة التي جاء بها فقهاء المسلمين وكذلك الفقه والقضاء المعاصر لمعالجة النقص في التشريع، ان ادراك الانسان لايقف عند حدود الالفاظ كما انه لايجمد عند المعنى الحرفي للنص وانما يغور في اعماق النصوص ويكتشف انواعا من المعاني والعلاقات المتلازمة بينها، والغاية مسايرة تفسير القانون مع تطور المجتمع وبهدف الوصول الى حلول لمسائل لم تعالجها النصوص وفقا لحكمة التشريع وروح النصوص والاعراف المتواترة والمبادىء العامة وقواعد العدالة. ومن الامثلة الملفتة للنظر، تفسير فقهاء المسلمين قوله تعالى (واتوا اليتامى أموالهم)(11) فذهبوا الى ان المقصود هو، واتوا البالغين منهم، رغم ان البالغ لايوصف باليتم. من ذلك تفسيرهم لقوله تعالى ((وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف))(12) ومن الواضح ان هذه الاية الكريمة قد انزلت اصلا لبيان ان نفقة الوالدات والمرضعات وكسوتهن على الوالد وجوباً. ولكن المتأملين المتعمقين فيها ادركوا انها تشير الى مدلولات واحكام فقهية اخرى لم تكن ظاهرة في سياق النص ولكنها من لوازمه. وقالوا، ان في هذه الاية اشارة الى ان النسب للأباء فقط استدلالا من اللام التي تفيد الاختصاص في قوله تعالى (وعلى المولود له) والى ان الأب، مادام مختصا بالنسب، لايشاركه احد في النفقة لولده عليه،وفهم من هذا الاختصاص ايضا ان الاب له عند احتياجه  ان يمتلك بغير عوض من مال ابنه مايسد به حاجته لأن اللام للملك والاختصاص وأذا كان تملك الولد غير ممكن فتملك ماله امر وارد وجائز. وفي ذلك قال الفقهاء المسلمين، أن دلالات النصوص على الاحكام لاتقف عند حدود المعنى الحرفي والسطحي للنص وانما تتعداها الى جوهر النصوص ومعقولها.

[email protected]

.....................................

الهوامش:

(1) ـ  تقنين نابليون او القانون المدني الفرنسي الصادر عام (1804)، ويعتبر من اهم انجازات الثورة الفرنسية (1789) وجاء معبرا عن مباديء وقيم هذه الثورة مرسخاً مبدأ سلطان الارادة والحرية الفردية ومبدأ (العقد شريعة المتعاقدين)، وقد انبهر العلماء الفرنسيون بضخامة المبنى وجمال التركيب في قانون نابليون، وقيل انه نتاج رفيع لعظمة العقل البشري وتجسيد خالد لعبقرية امة عظيمة.

(2) ــ  هانز كلسن، فقيه نمساوي، صاحب النظرية المحضة في القانون.

(3) ــ المنهج، لغة هو الطريق الواضح، ويقصد به اصطلاحا البرنامج الذي ينظم سلفاً سلسلة من العمليات يزمع القيام بها، وينبه الى وجود اخطاء يتعين تحاشيها، بغية الوصول الى غاية محددة، ومن ثم كانت فكرة المنهج توحي دائما باتجاه محدد المعالم ومتبع بانتظام في عملية ذهنية، والمنهج القانوني هو سبيل التفكير في مجال القانون.

(4) ــ رغم ان ارسطو، واضع علم المنطق، كان قد اقر بنقص القانون الموضوع من البشر، ودعا الى ملائمة العدالة بالنسبة للحالات الخاصة، كما تنبهت التشريعات التشريعات القديمة الى مشكلة النقص في  التشريع، فقد عرض لها مانو حكيم الهند قبل حوال الفي سنة، فالزم القاضي ان يحكم وفقاً للعرف المحلي والشريعة المقدسة، ثم احاله عند انعدام النص الى القانون السرمدي.

(5) ــ العصر العلمي (130ق.م  ـ  284م).

(6) ــ الفقيه (Geny)، فقيه فرنسي كبير له الفضل في التفرقة بصدد تكوين القاعدة القانونية بين الجوهر والشكل في مؤلفه القيم (العلم والصياغة في القانون الخاص الوضعي).

(7) ــ المعطى والبناء،يعتبر الشيء معطى بصفة عامة حين يكون موجوداً دون اي تدخل منشيء من جانب الانسان، فهي حقائق موجودة خارج النظام القانوني، مثل الطبيعة والكائنات وحوادث  التاريخ...، اما مصطلح البناء (او المنشأ او المستحدث) فيطلق عموما على الشيء الذي يكون سبب وجوده هو نشاط الانسان، كالمنزل والشعر والاستدلال المنطقي والدولة، وفي مجال القانون يستعمل المصطلح للدلالة على طابع قانوني، كالعقد والزواج والشركة والوطن والملكية....

(8) ــ يرى بعض مؤرخوا القانون، ان اصل نشوء وتقديس الملكية العقارية يعود الى ان القدماء كانوا يدفنون اسلافهم في حدود الاراضي التي يقومون بزراعتها، مما اضفى على الارض صفة مقدسة،وتدريجيا اعترفت الاقوام لبعضها بحق السيطرة على هذه الارض التي تضم الاسلاف، فنشأ نظام الملكية العقارية.

(9) ــ من المعلوم ان السلطة التشريعية تسمو مركزا على باقي السلطات داخل الدولة من الناحية الدستورية، الا ان كثرة عدد اعضائها وضمها لاتجاهات فكرية وعرقية متنوعة وتميز اعمالها بالمنازعات الفكرية، جعل من اعمالها متسمة بالبطء والتأخير، بينما تتسم اعمال السلطة التنفيذية بالسرعة في مواجهة الحدث ووحدة مصدر القرار فضلا عن سيطرتها على اجهزة القمع والردع، مما جعل لها، من الناحية الواقعية الهيمنة والنفوذ والسيادة داخل الدولة. 

(10) ــ يقصد بالقصور في التشريع، عدم تضمن النص القانوني لما تقوم الحاجة اليه من احكام تفصيلية او جزئية. ويتحقق القصور في التشريع متى كانت القاعدة التي تعالج المسألة المطروحة على القاضي موجودة ولكنها غير عادلة او غير منسجمة مع الظروف الاجتماعية السائدة.  

(11) ــ   سورة النساء الاية 2.

(12) ــ سورة البقرة الاية 233.

المراجع العلمية:

ــ د. عبد الرحمن بدوي، ربيع الفكر اليوناني، الطبعة الرابعة.

ــ هانز كلسن، النظرية المحضة في القانون، ترجمة د. اكرم الوتري.

ــ د. ثروت انيس الأسيوطي، المنهج القانوني بين الرأسمالية والاشتراكية، مجلة مصر المعاصرة، س59،ع 333.

ــ س ف كاناريز، سد الفراغ في القانون وموقف النظام القانوني الالماني منه، ترجمة د. عبد الرسول الجصاني، مجلة القضاء العراقية، نقابة المحامين العراقية، ع1س28.

ــ د. ادم وهيب النداوي، د. هاشم الحافظ، تاريخ القانون 1989.

ــ د. عبد الحي حجازي، موجز النظرية العامة للالتزام، ج 1، المطبعة العالمية.

ــ د. صوفي حسن ابو طالب، مباديء تاريخ القانون.

ــ د. صالح محسوب، فن القضاء، 1985.

ــ د. حسن بغدادي، النقص الفطري في احكام التشريع، مجلة القضاء،بغداد، س4، 1945.

ــ د. سليمان مرقس، مذكرات في فلسفة القانون لطلبة الماجستير ـ جامعة بغداد، 1968.

ــ د. فؤاد زكريا، التفكير العلمي،سلسلة عالم المعرفة الكويتية، ط3، 1988.

ــ د. محمد هاشم القاسم، اثر الاجتهاد القضائي في تطوير القانون، مجلة القانون السورية، ع 7 س 19.

ــ د. محمد شريف احمد، نظرية تفسير النصوص المدنية،1982.

ــ أ.د السنهوري و د. حشمت ابو ستيت، أصول القانون.

ــ دينيس لويد، فكرة القانون،سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1981.

ــ ابو الفتح الشهرستاني، الملل والنحل، القاهرة، 1948.

ــ ابراهيم شحاتة، في اجتهاد القاضي،مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، جامعة عين شمس، س4،1962.

ــ د. حامد زكي،التوفيق بين القانون والواقع، مجلة القانون والاقتصاد، مصر، س1ع5 وس2ع2.

ــ د. نبيل عمر اسماعيل، سلطة القاضي التقديرية في المواد المدنية والتجارية، 1984.

ــ د. وجدي رغب، النظرية العامة للعمل القضائي في قانون المرافعات، منشأة المعارف، 1974.

ــ الاستاذ عبد الباقي البكري،مباديء العدالة مفهومها ومنزلتها ووسائل ادراكها، مجلة العلوم القانونية والسياسية،عددخاص،، كلية

  القانون ـ  جامعة بغداد،1984.

ــ F. Geny , Science et Technique , en droit

   prive positifi t2, t3 , 1921,1923.

ــ G.W Paton , Jurisprudence.1972.

ــ M.O.Stati , Le standard Juridique , 1927.

ــ R. Pound, Justice According to Law, 1951.

ــ R. Pound, An Introduction to Philosophy of

   Law. 1955.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22 كانون الثاني/2008 - 13/محرم/1429