"الفريق الإنساني" العامِل الأكبر الخفي لإنخفاض العنف في العراق

اعداد/صباح جاسم

شبكة النبأ: قد يكون من الملفت للنظر بشكل غير طبيعي ان تبرز مؤخرا للسطح ظاهرة كانت المساعد الرئيسي في فهم طبيعة احوال العراقيين قاطني المناطق الساخنة وتحويلهم من اعداء مقاتلين الى اصدقاء مدافعين خلال فترة وجيزة جدا، ورغم ما يكتنف مهمة خبراء علم الاجتماع الذين تم اشراكهم في وحدات الجيش الامريكي مؤخرا من غموض، إلا انهم والقادة العسكريين تمكنوا من وضع اللمسات المؤثرة على الاستراتيجية الامريكية الجديدة المتمثلة بدعم العشائر مناطقياً وكسب شيوخها بطريقة او اخرى واقناعهم ان الازدهار والأمن والسلام لن يكون مع القاعدة وإرهابها وانما مع الحكومة العراقية والقوات المتحالفة.

يقول ديفيد ماتسودا انه قد يكون اخر شخص تتوقع رؤيته بالزي العسكري الامريكي يخرج من عربة مدرعة في العراق.. وماتسودا استاذ علوم الانسان بجامعة كاليفورنيا بالقرب من سان فرانسيسكو يصف نفسه بانه محب للسلام ويعارض الحرب في العراق وقام بابحاثه الميدانية في جواتيمالا ولا يحمل سلاحا ابدا. ويقول، انا من كاليفورنيا. انا ليبرالي. انا ديمقراطي... دافعي هو أن آتي الى هنا لأساعد في إنهاء هذا الامر.

وماتسودا مشارك في برنامج "الفريق الانساني" العسكري الامريكي الذي يشرك خبراء في علوم الانسان في كتائب القوات المقاتلة في العراق وافغانستان على أمل مساعدة القادة في الميدان على فهم الثقافات المحلية.

والبرنامج مثير للجدل.. فقد شجبه اتحاد علماء الانسان الامريكيون في أكتوبر تشرين الاول قائلا انه قد يؤدي الى تقديم تنازلات أخلاقية والاساءة الى سمعة المهنة والاسوأ من كل ذلك ان تصبح الشخصيات موضع البحث أهدافا عسكرية.

ويقول ماتسودا ان هذه المخاوف تستند الى سوء فهم لما اتفق على القيام به. ويضيف، كان هناك رد فعل فوري في دوائر خبراء علوم الانسان فقد اختاروا ان يعتبرونا متعطشين للحرب. وأضاف، جئت الى هنا لانقذ أرواحا ولأحوّل العدو الى صديق.

ويقول الجنود في شمال شرق بغداد -المنطقة التي تحولت على مدى العام الماضي من واحدة من أسوأ مناطق العنف في العراق الى أفضل نموذج على تحسن الوضع الامني في أواخر عام 2007 - انهم يشعرون بالامتنان لخبرات ماتسودا في التحول من القتال الى اقرار السلام.

وقال السارجنت داستن بروجمان خبير العمليات التكتيكية النفسية الذي أمضى العام الماضي في محاولة كسب القلوب والعقول في الاعظمية التي ظلت حتى بضعة أشهر مضت واحدة من أكثر معاقل المتشددين السنة عنفا في العراق، "هذا عامل ايجابي كبير."

وأضاف، الرجال الذين خرجوا معه كانوا يقولون ان الدكتور ماتسودا شديد الذكاء... نحن نرى الصورة بشكل أشمل بمجرد الاصغاء اليه وهو يتحدث.

وتابع، أعطاني الكثير من المعلومات التي لو كنت عرفتها قبل عام لكنت قمت بالكثير من الامور بشكل مختلف... أطلعني على تاريخ قبيلة العبيدي. الكثيرون هنا من افراد هذه القبيلة. كنت أعرف القليل عنهم لكني لم أدرك حجمهم.

وعلى مستوى قيادي أعلى قال اللفتنانت-كولونيل ديفيد اوكلاندر نائب قائد اللواء الثاني المقاتل من الفرقة 82 المحمولة جوا الذي يضم خمسة الاف جندي ان ماتسودا قدم عرضا عن كيف يحل العراقيون الصراعات وكان له قيمة كبيرة في التعامل مع رجال الدين الشيعة.

وتابع، البرنامج كان ذا جدوى كبيرة في ضمان اننا عندما نتحاور معهم يتم ذلك بشكل يفهمونه ويقدرونه. ويقول ماتسودا انه وصل في الوقت المناسب تماما عندما اتاح تراجع مفاجيء في أعمال العنف فرصا جديدة للتعامل في المنطقة التي تعمل بها وحدته.

واللواء يمثل نموذجا للسياسة الامريكية الجديدة التي انتهجت العام الماضي وتمثلت في نشر أعداد أكبر من الجنود في العراق والتركيز بشكل أكبر على التفاعل مع المدنيين.

وقبل زيادة القوات لم يكن يغطي منطقة شمال شرق بغداد بما فيها نصف سكان العاصمة سوى لواء واحد من 800 جندي تعرضوا لبعض من أسوأ الخسائر في الارواح في العراق.

والان تغطي المنطقة ستة ألوية منها اربعة مقاتلة كل يغطي ضاحية مثل الاعظمية السنية ومدينة الصدر الشيعية التي يسكنها نحو مليوني نسمة.

وفي الاشهر الستة الماضية تراجع العنف اذ انقلب زعماء القبائل السنية على متشددي تنظيم القاعدة وأعلن مقتدى الصدر رجل الدين الشيعي الذي تسيطر ميليشيا جيش المهدي التابعة له على مدينة الصدر وقفا لاطلاق النار.

وفي ديسمبر كانون الاول عام 2006 سقط 450 قتيلا في المنطقة أغلبهم على يد فرق قتل طائفية تحاول طرد الجماعات المنافسة من المناطق. وقال اوكلاندر انه لم يسقط سوى 15 قتيلا في الشهر الماضي اغلبهم في جرائم عادية.

وأمضى ماتسودا وهو يرتدي الزي العسكري الامريكي لكن بدون سلاح ساعتين مع جنود من السرية الثالثة من لواء الفرسان السابع في أحد شوارع الاعظمية حيث كان يتعين على الجنود الامريكيين قبل بضعة أشهر شق طريقهم بالقتال اما لدخوله أو الخروج منه.

كانوا يتجولون ويدخلون المتاجر ويشترون الشطائر ويأكلونها في الشارع وهم يداعبون الاطفال الذين بدا انهم يعرفون اسماءهم. وكانوا بين الحين والاخر يطرقون باب أحد المنازل للحديث. ولم يردوا دعوة على الشاي.

وكان أغلب السكان يتعاملون بود رغم أنهم شكوا من انقطاع الكهرباء وأعربوا عن شكوكهم في الحكومة التي يقودها الشيعة وقواتها الامنية.

وقال ماتسودا انه عرف الكثير في ذلك اليوم عن من الذي ينتقل الى المساكن المؤجرة ومن الذي يؤجرها وكيف تحصل عيادة محلية على الأدوية وكيف حصل أصحاب المتاجر على التمويل لإعادة فتح متاجرهم. وقال، امامنا فرصة هنا لإحداث تغيير بالنسبة لهؤلاء الناس. ويتعين انتهازها.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 13 كانون الثاني/2008 - 4/محرم/1429