في البحرين.. نحن بشر أم حجر؟!

بقلم أحمد رضي

في أحد أيام الاعتقال السياسي (خلال انتفاضة 1995) أتذكر كيف دلف المحقق الجلاد بعد أداء عمله، ليخلع ما يخفيّه تحت ملابسه من أسلحة غير ظاهرة.. فكان يخفي سلاحه الناري تحت أبطيّه وآخر معلق بإحدى ركبتيه، فتساءلت في نفسي: بأيّ حق اكتسبه هذا المرتزق ليحمل السلاح ليهدد به حياة المواطنين الأبرياء، ويقتل باسم القانون كل مواطن يجهر برأيه المخالف أو معارض للنظام السياسي. وبالطبع لم يدوم استغرابي طويلاً لأن هذا التصرف وما يتبعه من عمليات قتل وتعذيب والاستهانة بحياة الناس وكرامتهم وحرياتهم ومعتقداتهم الدينية أصبح سمة مميزة للنظام الخليفي الحاكم في البحرين، والذي يرأسها رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة وهو المسئول الأول عن عمليات القتل والتعذيب والعقاب الجماعي بسبب سياسة حكومته المستبدة ظلماً وفساداً في الأرض.

·       تجاهل المطالب الشعبية المشروعة !!

ولا يخفى على القارئ العزيز الدور التاريخي والاجتماعي الهام الذي لعبته معظم قرى ومدن البحرين  في أحداث الانتفاضة الشعبية منذ عام 1995، حيث سقط العديد من الشهداء وضحايا التعذيب، وتم اعتقال مئات من الأطفال والشباب والشيوخ، كما عوقبت بعض القرى المنكوبة بالكامل سواء بالحصار الأمني أو عبر فرض حظر التجول والقيام بسلسلة الاعتقالات العشوائية أو الاستخدام الغير قانوني للأسلحة المحظورة من قبل قوات الأمن المرتزقة بوزارة الداخلية، علماً بأن هذه العمليات الغير قانونية تجري من حين لآخر حتى الآن وسط تعتيم إعلامي على معاناة المواطن مع النظام الحاكم في البحرين.

ما ذكرته أعلاه من مقدمة أولية كان لا بد منها، لتوضيح الرأي حول الحقوق المشروعة للقرى الشعبية المهضومة سياسياً واقتصادياً في مملكة البحرين، ومن أجل سماع صوتها وراء ألسنة النار المشتعلة والغازات المسيلة للدموع وطلقات الرصاص الغادر من قبل قوات مكافحة الشغب التي تطوق القرى البحرانية من حين لآخر. مع ما تملكه المعالجة الأمنية القاصرة من ردود فعل انتقامية تطال جميع الناس، ومن سوء فهم وتقصير النظام الحاكم في فهم الرسالة التي يبثها الشباب الغاضب بلغة الشوارع القاصرة حيناً والمستعرة بنار الحقد والغضب على السلطة الرسمية وممثليها في مجلس النواب والمؤسسات الأهلية والدينية معاً.

ويبدو من الواضح أن ردود فعل الحكومة إزاء المطالب الشعبية المرفوعة هنا وهناك، هو تجاهلها وعدم الانصات لها للتعرف على أحقيتها ومشروعيتها، مع سكوت ذريع لرجال الدين والساسة حول الملفات الساخنة التي تشغل بال المواطن البحراني، وفشلهم في ضبط وتنظيم الحركة الميدانية للشارع البحراني المليء بالحفر والمطبات والمتاريس العسكرية !! فقد تغدو أحياناً خطب الجمع أو بيانات الجمعيات السياسية بمثابة مهدئات لتسكين حرارة الشارع البحراني الغاضب، فلم تعد مسكنات رجال الدين وتطمينات أهل السلطة والبلاط الحاكم تطفىء هذه النار المشتعلة في كل بيت، وفي كل قلب، وفي كل لسان يدعو الله تعالى سراً أو علانية. فالطوفان قادم ولن يسلم منه أحد، ما لم يتدارك العقلاء فداحة الخطب القادم قبل أن يحترق الوطن الصغير !!

ولا عجب أن تظهر أصوات من الوسط الاجتماعي أو الديني تطالب المواطن الغاضب بالسكوت والصبر وتذكره بنعم العالم الآخر، وقد تبالغ أحياناً بنقد أعمال الشغب بدون النظر في مسببات اشتعال النار، وفي نفس الوقت لا تملك الشجاعة لقيادة الجماهير الغاضبة نحو ساحة الآمان لتحقيق مطالبه الشرعية العادلة في الحياة الكريمة التي يستحقها هذا الشعب بكل جدارة وامتياز بعد فشل المراحل السياسية السابقة. فكيف نطالب الناس بالسكوت وهي تعاني سنين طويلة من سياسة الحصار الإعلامي ومصادرة آرائها أو تحريف أفكارها عبر وسائل الإعلام الرسمي ؟! وكيف نطالب الناس بعدم التظاهر السلمي وكتمان الألم والغضب وعدم الصراخ بأعلى أصواتنا.. وهي تعاني الفقر والجوع وتشكو من البطالة والتجنيس السياسي والفساد المنظم ؟! وكيف نطالب الناس بعدم التظاهر السلمي أو الاحتجاج بعدم وجود مسوغات شرعية لتبرير أفعال المعارضة، في حين أننا لا نرى مسوغاً أخلاقياً أو دينياً أو قانونياً يبرر قيام عائلة آل خليفة بسرقة الأرض والبر والبحر !! لذلك فالمواطن البحراني بطبعه المسالم لا يحب العنف ويبغض الكراهية، ولكن الجريمة الكبرى تتمثل في أن النظام السياسي الحاكم زرع في قلب كل مواطن بركان غضب سينفجر حتماً، وزرع في كل بيت معاناة لن تنتهي ألا بزوال أسبابها !!

·ما هي رسالة الشباب البحراني ؟!

نتيجة للتعامل الأمني مع قضايا الشباب آبان فترة الانتفاضة الشعبية نتج عنه واقع سلبي لا زلنا نعاني من آثاره في نفوس الناشئة والشباب الذين كانوا بمثابة وقود للانتفاضة الشعبية والثورة على الظلم والطغيان، ولعل أبرز ملامح هذا التعامل الأمني السلبي تمثلت في محاربة الشباب بسبب انتماءاتهم الدينية والسياسية، أو طرد وإيقاف الطلبة النشطين عن الدراسة الجامعية في منتصف التسعينات، أو محاربة العوائل بسبب النشاط الحركي لأبناءها وبناتها، أو منع توظيف العاطلين في الوزارات الحكومية لأسباب طائفية وغيرها.

والرسالة البسيطة التي ينشرها هؤلاء الشباب في الشوارع من حين لآخر، لم تكتب بلغة مستعصية الفهم على عقول رجال السلطة والأمن، وكذلك لم تكتب بلغة مجهولة تحتاج لفهم عميق من رجال الدين والسياسة والقانون وعلماء النفس حتى يفككوا أسرارها..!! فلسان حال هؤلاء الشباب -الذين قد نتفق معهم أو نختلف- لجميع الناس هي أننا نعيش مرحلة صعبة من التشتت السياسي والضياع الاجتماعي.. لا نعرف مستقبلنا كيف هو، ونجهل صورة هويتنا، لأننا ببساطة نعيش الخوف والحقد والكراهية لكل من يتجاهلنا، ولذلك نحارب الخوف والحقد والكراهية لمن زرعه في قلوبنا وجعل حياتنا دون معنى !!.

فهؤلاء الشباب (الجيل القادم) بحاجة لأن نسمع شكواهم، وننصت لمطالبهم، ونعمل على ضمان مستقبلهم ونحافظ على هويتهم الإسلامية وسط عالم يعيش الغربة والضياع. ولأنهم ببساطة أصبحوا قلة غريبة وسط كثرة مستوطنة تنعم بخيرات الوطن وثرواته الضائعة. هؤلاء الشباب هم أخوتنا وأصدقائنا من الواجب تصحيح أخطاءهم برفق ومحبة لا بغلظة وكراهية وعنف، فمن السهل الحوار معهم لأنهم معنا في كل بيت وفي كل زاوية بالقرية والمدينة.. ولسان حالهم -بكل صراحة- أننا قد نختلف جميعاً في تحقيق الهدف لاختلاف الوسائل أو فشل بعضها، وقد نعجز في الوصول للغاية المرجوة من التحرك الشعبي، ولكننا لن نيأس من المطالبة بحقوقنا وحرياتنا، ونرفض سياسة العطايا والمكارم الملكية.

هؤلاء الشباب بمختلف تياراتهم الدينية والسياسية لديهم استعداد للتضحية والإقدام على ما يحسبه الآخرون مغامرة وضياع، خرج بعضهم من المعتقل السياسي بروح جديدة ونظرة متوثبة للحياة الكريمة التي فقدها آبائنا وأجدادنا الأوائل. وبعضهم مشحون بروح الأمل والحماس لتغيير الواقع السلبي، يتمنون أن يعيش الجيل القادم الحرية والآمان والكرامة التي يفتقدونها في أجواء نظام قمعي شرس. فلم تعد الاجتهادات المرجعية والتمايزات الحزبية (خميني، شيرازي، فضل الله، جمري، مدني..) وغيرها هي المانع في وحدتهم، ولأن قضيتهم واحدة والألم واحد لكل أبناء الوطن (سنة وشيعة)، لذلك يجمعهم حلم واحد ومصير واحد، ويطمحون لتحقيق أحلامهم على أرض الواقع بعد أن كفروا بكل الخطب والبيانات وبوعود الساسة ونواب البرلمان.

يريد شبابنا اليوم أن يثبتوا لأنفسهم وللعالم بأنهم بشر لهم كرامة وحقوق مشروعة يستميتون في الدفاع عنها بكل ضراوة ضد كل من يسلبهم حريتهم وحقوقهم. ويشعلها دم الشهيد حرارة لن تهدأ أبداً في أرض البحرين حتى انتهاء المعركة مع قوى الكفر والشر والفساد.

* كاتب صحفي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 9 كانون الثاني/2008 - 29/ذو الحجة/1428