ابعدوا عن النجف الاشرف السياسة والسياسيين

 محمد الوادي

  قبل ايام صرح محافظ  مدينة النجف الاشرف اسعد ابو كلل (إن مهمته هي تهيئة النجف لتصبح المكان الاول في جنوب العراق. وإذا حدث وأصبح الجنوب اقليما لوحده فالبصرة ستصبح عاصمته التجارية، بينما النجف عاصمته السياسية، فنحن نمتلك القيادة السياسية ولدينا السلطة الدينية ).

وهنا لااريد ان اناقش مايدور في عقل المحافظ فهذا ليس من ضمن اهتماماتي. لكن الفكرة نفسها تستحق النقاش، لان النجف الاشرف هي مدينة اسلامية عريقة ورمز من رموز الدين العالية وهي مدرسة تخرج منها على مدى اكثر من الف عام خيرة وكبار علماء هذه الامة ، لذلك  يقع في خطأ كبير وكارثي من يعتقد ان النجف الاشرف وكنوزها الاسلامية العظيمة ورمزها الاول امير المؤمنين علي بن ابي طالب "ع". ملك لطائفة او مذهب معين دون الاخرين.

هذا ارث اسلامي عظيم وتراث عربي اصيل يحمل بين جوانبه وفي جوهره عظمة بيت النبوة العربي الامين النبي محمد "ص". ان جعل الدين بمثابة " السلطة " كما يقول المحافظ، هذه " هفوه " كبيرة لان الدين رحمة ولايصلح ان يكون سلطة، والدين عدل وانصاف والسلطة تنازع على الكرسي وان اختلفت المبررات والشعارات والدين نظافة وتطهر نفسي وجسدي، والسلطة ليس فيها الكثير من هذه الجوانب المشرقة والبارزة في الاديان السماوية جميعها،والعلة الاكيدة والمزمنة هي في عدم تطبيق الدين نفسه، وهذا فشل تاريخي ورثناه كامة عربية و اسلامية من بعد صدر الرسالة المحمدية وحتى يومنا هذا. 

ان مسالة ان تكون النجف الاشرف عاصمة سياسية لاقليم الجنوب المرتقب، فيه الكثير من المخاطرة بتاريخ وحاضر هذه المدينة العظيمة. وهو في حقيقة الامر لايضيف شيء الى النجف بقدر ما سوف يحملها الكثير من الاعباء والكثير من اخطاء السياسة والسياسيين. وهذا قد يفسر اصرار البعض المستميت لجعل هذه المدينة العريقة كواجهة سياسية، لانه مقدما يعرف الارتباك والفشل الذي يسود تصرفاته وخطواته  فيبحث مسبقا عن متكأ او جدار يلوذ خلفه، ولايوجد اقوى من جدار النجف الاشرف. لكن ذلك يقودنا الى سؤال جوهري الى اي حد سيكون مدى صبر وطاقة تحمل الناس ان تكون النجف الاشرف " ملاذ " لهولاء العابثين بحاضر ومستقبل الفقراء والمحرومين من ابناء الجنوب والفرات الاوسط وصلاتهم وامتدادهم الكبير في بغداد ؟

جواب هذا السؤال فيه الكثير من الخطورة وايضا فيه اذا توفر مسبقا الكثير من الحكمة والبصيرة لدفع هذا الاذى عن تاريخ هذه العراقة الاسلامية والعربية المتمثلة في النجف الاشرف. والتي لن يضيف لها شيئا اتخاذها كعاصمة سياسية، بل سيوفر لهذا البعض الخائف وغير الواثق من لنفسه ملاذا، والى وقت معين بكل الاحوال. فما دخل النجف الاشرف غدآ اذا فرخت العملية السياسية اعداد تفوق الاعداد الحالية والخيالية من الفاسدين، الذين سرقوا البلاد والعباد دون ادنى خجل او نقطة حياء !؟ ومادخل النجف الاشرف غدا اذا جاء برلمان " بائس " في اقل وصف له احتراما للقاريء الكريم كالبرلمان الحالي  والذي تحول الى مجلس " للحج " والتجارة والسياحة والنهب والسلب من ثروات العراقيين وبقوانين اكثر بؤسا منهم !؟ حتى بدا هولاء حجاج السوء يتقبلون بين صفوفهم الارهابيين بعلم ودراية تامة فقط مقابل التستر على سرقاتهم ومثال ذلك السكوت على ارهاب عدنان الدليمي  !؟

 ثم بماذا ستجيب النجف الاشرف اذا اصبحت عاصمة سياسية ابناء المقابر الجماعية وضحايا الصنم الساقط  الذين لم يحصلوا على حقوقهم الانسانية والمادية حتى هذه اللحظة !؟ ثم ان العراقيين غدا اذا لم يحصلوا على الخدمات التي طال انتظارها طويلا فسيكون كل لومهم على النجف الاشرف وليس غيرها، فما دخل النجف بالنفط والغاز والماء والمجاري والكهرباء والحصة التموينية  والمدارس والصحة  لمصلحة من هذا العبث  وهذه المخاطرة الكبرى !؟

ان من يريد ان يدخل وينجح في الانتخابات القادمة عليه ان يضع قيم النجف الاشرف امام عينيه وفي وجدانه، لا ان يأتي مرعوبا متاجرا بهذه القلعة الاسلامية العظيمة.

ان النجف الاشرف التي وقفت بوجه الاستعمار وحرضت وقادة مقاومة الانكليز في ثورة العشرين. والنجف التي مدت الثورة الجزائرية وثورة المختار في ليبيا بكل وسائل الدعم المتاحه. والنجف التي دفعت خيرة شباب العراق والعرب للدفاع عن فلسطين والقدس والنجف الاشرف التي اصدرت الفتاوى لدعم مصر اثناء العدوان الثلاثي, و النجف التي اصدرت الفتاوى التي تمنع قتال الاكراد  في كردستان العراق  والنجف التي اصدرت الفتاوى التي تدين غزو الصنم الساقط للكويت ونهب ثرواتها وممتلكات ابنائها. والنجف التي وقفت بوجه اعتى الطغاة المتمثل بصنم العراق الساقط  ودفعت قرابين للدين والانسان شهداء من فطاحل العلماء والعمامات السوداء والبيضاء التي حولها الصنم الساقط الى حبال للمشانق. والنجف الاشرف بمرجعياتها هي التي ضمنت  لكل لعراقيين التصويت والانتخاب الحر المباشر والتصويت على الدستور الدائم ، والنجف الاشرف التي حفظت في حقيقة الامر وحدة العراق وعدم اندلاع الحرب الاهلية بين العراقيين خلال اربعة سنوات من سقوط الصنم ورغم الاستفزازت الكثيرة والكبيرة.

وقبل كل ذلك النجف الاشرف التي تتشرف بمرقد امير المؤمنين "ع". هي الاجدر على الاطلاق ان تكون بعيدة عن دهاليز  ودروب السياسة والسياسيين هذه. فهي اكبر واعظم من ذلك بكثير. فهل هذه دعوة لابتعاد النجف عن السياسة ؟ بكل صراحة وبكل وضوح وبصوت عالي نعم والف نعم. لكنها يجب ان تحتفظ بمكانتها التاريخية بان تكون " الفاصل " في الامور المصيرية والجوهرية في العراق. مثلما كانت دائما. بعيدا عن القضايا والمفردات السياسية اليومية. وبعيدا عن عدد كبير من السياسيين الحالين في العراق فكثير من هولاء سوف يلعنه العراقيون والتاريخ.

 والنجف الاشرف من جوانبه المشرقه ومن ثنايا وصفوف حوزته النبيلة يؤسس التاريخ المضيء. والنجف الاشرف يجب ان تكون عاصمة لكل عمامة سوداء في كل الكرة الارضية دون منازع او منافس وفي هذا فخر عظيم للعرب والعروبة وللدين والاسلام.

والنجف الاشرف تصلح ان يلوذ بها الفقراء والمحرومين والجائعين  والمضطهدين  للحصول على حقوقهم. لا ان تكون  ملاذآ للحرامية والسراق والفاسدين والسياسيين الانتهازيين من طلاب كراسي الحكم و اصحاب القصور والملايين والمليارات  المسروقة والامتيازات الخرافية على حساب الفقراء والمحرومين، لم تكن يوما النجف لمثل هذه النماذج المخجلة والمعيبة ولن تكون. فلقد رفض رمز الاسلام والنجف الاشرف ابو الحسن "ع" ان يدخل قصر الخلافة في الكوفة فبنى  بيديه لنفسه دارا من طين وسعف النخيل وسكن فيها وهو امير المؤمنين وخليفة المسلمين، وكان يتناول لغدائه " صم " من حنطة او شعير ويمسح على بطنه وهو يردد " لعنة الله على من ادخلته بطنه النار ". فاين انتم ولو بمقدار ذرة من عبقرية وانسانية كل الازمان هذه !؟  وهذا سر عظمة النجف الاشرف على مدى قرون طويلة.

فبعضكم وهم الاكثرية من السياسيين الاجدر به ان يكون من اصحاب دكاكين المتاجرة في الشورجة والسوق العربي  وسوق الكفاح  وسوق ابو سيفين وسوق الجمباز وحتى سوق مريدي. ولايصلح ان يصل الى عتبة النجف المقدسة اصلا. فهل تفهمون ؟ وهل هناك اوضح من هذا الكلام ؟

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7 كانون الثاني/2008 - 27/ذو الحجة/1428