العنف  والسلام.. افكار وآراء

عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ:  العنف وتداعياته هو اللوحة الدموية التي تصبغ حياتنا المعاصرة كما كان شانها في عهودنا السابقة معها حتى ليكاد المرء يظن بان العنف هو الذي خّرجنا الى الحياة معمدين باثر السياط الجسدية والنفسية بحيث اننا نرى من الطبيعي ان نتعاطى العنف في حياتنا مع انفسنا واطفالنا والناس المحيطين بنا كاننا نجري على سنّة لا نستطيع الفكاك منها ولا نستطيع لها تبديلا.

وليس الامر مقصورا في النواحي التي ذكرناها وانما يجري العنف المؤدلج في مدارسنا فلا زلنا ننعت السيف بانه امضى من القلم ونحن نشم تراب المعارك القديمة السخيفة جدا مثل داحس والغبراء ومثيلاتها في التاريخ العربي كاننا نشم ترابا مباركا من ذلك التراب الذي ذكره القرآن الكريم (قبض قبضة من اثر الرسول) في قصة موسى عليه السلام.

ثم نلقن اولادنا تلك السخافات مقابل ان نعترف بأهليتهم للحياة.

والسيف والاستعداد للحرب الضروس والتفاخر بالاحساب والانساب كلما كان ماضيها الحقيقي او الملفق يحمل مزيدا من تراب الحروب الباطلة كلما كان التفاخر يزداد خيلاء وتكبر وغطرسة.

المحارب عندنا اكبر شانا من المفكر والسخيف القوي خير من المنظرين والادباء والكتاب والمهندسين والاطباء فلم اسمع يوما ان احدا تحدث في محفل عام عن طبيب ونعته بالبطولة ولم يكن هناك في شوارعنا من حمل اسم لمهندس مميز او طبيب حاذق او معلم تربوي مخلص فشوارعنا ورموزنا حكرا على المحاربين السخفاء فقط.

وحاراتنا هي الاخرى ظلت تحدد معيار تفكيرنا العنيف باطلاق اسماء معاركنا اللامنتجة عليها  هذا عدى الاحزاب القاسية التي تولت دفع ثقافتنا باتجاه العنف والاقصاء والتهميش.

اسماؤنا هي الاخرى رغم اننا حيينا بها ونموت بها ظلت معنا القسوة كوصمة ابدية وكعبودية مستديمة لحالة العنف والكراهية، حتى ان الاسماء المعبرة عن العنف المتداولة لاتكفي فرحنا نسمي اولادنا باسماء الحيوانات الشرسة والمتوحشة .. ضرغام.. همام.. سيف.. ذياب.. ليث.. ألأخ...

العنف الذي نستخدمه مع امهاتنا ظل ممتدا منذ ما قبل الاسلام عندما كنا ندفنهن في التراب وهن يتشبثن باصبعهن اللدنة المرتعشة بايدينا القاسية  فرقا من القتل خنقا تحت التراب.

وكنا نسميهن باسخف الاسماء كاننا نسمي حيوانات مضطرين.هذا عدى سلوكنا المشين في تعاملنا معهن ومن ثم تزويجهن دفعا  دون ان ننظر المستقبل الذي يحتمل ان يقعن فيه واللواتي لم يؤخذ عنه رايهن او رغبتهن المستقلة.

وكان ان تركز لدينا مفاهيم غير انسانية سميناها ثقافة عربية لاتستمد جذورها من الروح الاسلامية ولا من النسق الانساني العام وظل جذرها هو هو يتزود من بئر القبيلة الآسن ومن تراب القرية الملوث بالاعراف الوحشية.

والمدن التي تتفاعل بها القيم المتطورة عادة بكونها اكثر انفتاحا من القرى بسبب تبادلها المنافع مع الحواضر الاخرى لم تتاثر بالثقافات وظلت العشيرة بالنسبة لها شياك مفتوح تتنفس منه الاوكسجين والطاقة والنماء مما يقوي الظن بان العربي مثل الحصاة لا يتاثر بالغير ولا يتعض بالتجربة الا ان تدهسه السيارة عندذاك يمشي على الرصيف بصورة رديئة.

فكثير من الشخصيات التي كانت مهاجرة في دول اوربا والعالم عادت الى اوطانها الا انها جائت بتخلف مضاف من القسوة والعنف والفساد عندما تولت قيادة مؤسسات في بلادها وانتهكت المعايير القانونية والاخلاقية والدينية وتشهد على ذلك تجربة العراق ، والواضح للجميع ان عملية التاخير والممانعة والتعطيل للعملية السياسية والامنية والتنموية والخدمات والبنية التحتية كان يقودها شخصيات من هذا النوع ولهم اليد الطولى في التخريب والارهاب والفساد الاداري كذلك تشويه الرؤية الاسلامية والسعي الى تحطيم جانبها الانساني كما دأب الزرقاوي وبن لادن وبعض الشخصيات في عملية العراق السياسية.

العربي عموما لاينزع قميصا لبسه الا ان يكون جزءا من جلده المدبوغ في مراهم الحروب وملطخا بالدماء ولذ تراه يوشم جلده كما يفعل المجرمون لينال وصمة العار والشنار وان لا تضيع منه ابدا.

اما الجانب السلمي فيمثله رجال لايعدّون في الجمع ان حضروا ولا يفتقدون ان غابوا.. فهم اناس مسالمون يخيم عليهم الجبن والخذلان والخنوع لاتريدهم الحياة ولا هم يريدونها وان انطوت ذواتهم على حكمة او تفكير فالمفكر لدى العربي مساعد للشجاع المقدام الذي يكون مستعدا ان يشعلها حربا ضروسا لاتفه الاسباب واسخفها شانه شان السلطان الجائر فالفنان والمفكر والاديب والمهندس والفيلسوف والخصيان والجواري والخدم كل هؤلاء رعية في قصر السلطان المالك للقوة والهمجية والاستعداد للقتل والتشريد والاقصاء.

اذن فالحكيم يجلس على باب الشقاوة الفتوة قاطع الطريق هكذا تقول الثقافة العربية

وهكذا هو ميزانها وناموسها الذي تتفاخر بها انها استطاعت ان تزهق روح مليوني روح بشرية في قادسية صدام صاحب البوابة الشرقية وسيف القعقاع والمناع ورافس القاع وذا المقلاع.

مليوني مقتول بما يساوي مصيبة مليوني عائلة اي اربعة ملايين من اليتامى وكذا من الارامل وكذا من التشريد والفساد والسقوط تحت هيمنة الظروف المادية والنفسية والامراض فاي وجه غير هذا انجزته القادسية والجنود المكبلين بالقوة والقبضة الحديدية يساقون قسرا الى نقاط القتل الاكيد.

لقد ظهر العنف في العراق بعد 2003 بشكل مفرط لما شكله لها الماضي من مسوغات لاستعماله بتلك الصورة الرهيبة وان هو قد تماهى بمسميات سياسية او دينية او وطنية الا انه يشرب من ذات المعين معين القسوة المر الآسن الذي درج عليه الآباء والاجداد.

البندقية لازالت امضى حديثا من الكتب.. لعلعة الرصاص تغطي على انشودة الوردة التي يحاول الطلاب الصغار ان ينشدونها فاللحن المدوي في خميسات المدارس العراقية ينال الشرف الأعظم.

لابد من ثورة عظيمة يخوضها الرجال والنساء والفتيان والفتيات للقضاء على آفة العنف المتجذرة في ثقافتنا، في مؤسساتنا التربوية والخدمية والسياسية والتثقيفية وكل مرافق حياتنا خطوة بخطوة وان نمتلك المرونة اللازمة للتعامل مع الآخرين سواء في نطاق مجتمعاتنا او مع العالم الفسيح.  

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 7 كانون الثاني/2008 - 27/ذو الحجة/1428