الحصاد الثقافي الشهري- ك أول 2007

الجزء(3-4)

روائع هندية في معرض «دبي الآثار والفنون»

شبكة النبأ: يقدم «معرض دبي الآثار والفنون» المُزمع إقامته تحت رعاية معالي عبد الرحمن العويس وزير الشباب والثقافة وتنمية المجتمع في الفترة ما بين 21 إلى 24 فبراير من العام 2008 في مدرج مدينة جميرا، نخبة من المجوهرات والتحف الفنية الهندية، حيث من المتوقع أن تصل قيمة المعروضات من التحف والروائع الفنية إلى أكثر من مئتي مليون دولار أميركي.

 ويتوقع منظمو المعرض إقبالاً كبيراً لاسيما على المجوهرات والتحف الفنية الهندية التي سيتم عرضها، نظراً لقُرب الهند من منطقة الخليج العربي، بالإضافة إلى الجالية الهندية الكبيرة المُقيمة في دولة الإمارات.

 وتتنوع الفنون الهندية بين العصور القديمة ويومنا الحاضر، وتطورت مع مرور الوقت وفقاً للتأثيرات الدينية والسياسية والثقافية السائدة في تلك الفترات. ويتجلى هذا التبايُن في المجوهرات والصناديق والأسلحة والأقمشة والصور العتيقة.

 ويبدو أن الاهتمام العالمي في الوقت الحالي، انصب فجأة على الفنون الهندية المُعاصرة، إلا أن سامينا خان ياري، رئيسة مؤسسة «سامينا» التي تتخذ من لندن مقراً وتُعد من كبريات المؤسسات الفنية في العالم ومرجعاً للمجوهرات الهندية ما بين القرن السابع عشر والقرن العشرين، أكدت أن العلاقة كانت ولا تزال وثيقة ما بين الأعمال الهندية وهواة اقتنائها.

 وفي هذا السياق، تقول سامينا خان ياري: «لطالما كان هناك طلب كبير على الفنون والتحف الهندية والتي تشمل الأعمال التشكيلية أو الدينية أو المجوهرات. وفي الوقت الحالي، تشهد الفنون الهندية المُعاصرة اهتماماً كبيراً، إلا أن التحف الهندية كانت وما زالت تُعد الأعمال المفضلة على الصعيد العالمي».  

ووفقاً لسامينا، فإن الفنون الهندية التي تعود إلى فترة الحكم المغولي وحكم ديكان هي من أفضل الأعمال الفنية على الإطلاق، وندرتها من أولى أسباب الإقبال الكبير عليها حين طرحها للبيع في الأسواق. كما تُعد المجوهرات المغولية التي تعود إلى القرن السابع عشر روائع بمعنى الكلمة، إلا أن هذا النوع من التحف لاسيما الذي يعود إلى القرن التاسع عشر أصبح نادراً جداً.  

وتشمل المجوهرات الأقدم قطعاً متقنة صُنعت لأباطرة المغول، وكانت تحتوي على أحجار كريمة لا تُقدر بثمن مثل الياقوت البورمي والماسات من مدينة غولكوندا القديمة (مناجم غولكوندا كانت من أوائل مناجم الماس في العالم)

وتوجد بعض أفضل المجوهرات الهندية في متحف قطر وفي مجموعة الصباح الكويتية.  

وستعرض مؤسسة سامينا الفنية مجموعة واسعة من التحف الهندية، تتراوح قيمتها ما بين 1000 دولار أميركي و عدة ملايين من الدولارات.  

ومن بين أهم القطع عقد ماس غولكوندا من العصر المغولي يعود إلى القرن الثامن عشر من مدينة حيدر أباد، وسواران من الزمرد من العصر المغولي تعود إلى القرن الثامن عشر. كما ستعرض سامينا عدة صور قديمة لأمراء الهند والأثواب الهندية التي تعود إلى العائلات الهندية المالكة القديمة.  

وتُشارك في المعرض أيضاً مؤسسة سوزان أولمان للفنون الشرقية، والتي تتخذ من لندن مقراً لها. وقد عملت سوزان في شراء وبيع الفنون الشرقية منذ العام 1979، وتخصصت في المجوهرات الهندية التي تعود إلى القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر.  

حيث تتعامل مع متاحف وتجار من كافة أنحاء العالم. وستعرض سوزان قطعاً فنية مثل صناديق المجوهرات المغولية، وصناديق ذهبية، ومجموعة من المقشات الصغيرة المرصعة بالأحجار الكريمة، والعمامات المزدانة بالحلي، وخنجراً مرصعاً بالمجوهرات، وسكاكين مرصعة بالذهب كانت تستخدم للقتال.  

كما تعرض أولمان سواراً مزخرفاً من الذهب، وطقماً من المجوهرات المرصعة بالألماس، ولآلئ البصرة تم صنعها في حيدر اباد في حوالي العام 1720. وهذا العقد مماثل لإحدى القطع الموجودة في مجموعة الصباح بالكويت.  

إميلي فرح.. تشكيلات جمالية تقودها الخبرة

  استضافت صالة فاتح المدرس للفنون التشكيلية بدمشق ، معرضاً جديداً للخزافة السورية المعروفة «إميلي فرح» ضم مجموعة جديدة من أعمالها الخزفية المتعددة الأشكال والألوان والمهام، زاوجت فيها بين القيم الاستعمالية والقيم الجمالية، بتوافق وانسجام، ينمان عن خبرة عملية طويلة، نهضت وتبلورت واكتملت مقوماتها، على أساس أكيد، من الموهبة.  

ذلك أن الفنانة فرح من خريجات قسم العمارة الداخلية (الديكور) في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق. توجهت كلياً لفن الخزف فدرسته في مركز الفنون التطبيقية بدمشق، ثم في مدينة (ليموج) في فرنسا.  

مرت تجربة الفنانة إميلي فرح بمراحل مختلفة قبل ان تصل إلى المرحلة التي تشتغل عليها الآن، والمتمثلة بمعرضها الأخير.  

تتميز أعمال هذه المرحلة بالتوافق والانسجام بين القيمتين: الاستعمالية والجمالية لفن الزخرف الذي بدأ مشواره مع الإنسان، حاجة استعمالية بحتة، ثم طاوله التذويق والتنميق ليغدو فناً تطبيقياً مهماً، له أكثر من وظيفة فنية وحياتية وعلمية.  

الفنانة فرح، وفي كافة أعمالها الخزفية، تؤكد على الدور القديم ـ الجديد لهذا الفن، فتنتج المزهريات والأطباق والكؤوس والأباريق واطارات المرايا ووجوه الطاولات وبعض الصمديات المعلقة والمجسمة، وهي أدوات يمكن استعمالها في الحياة اليومية، رغم السمة الفنية الأنيقة في تشكيلاتها وألوانها وتقاناتها. ففي أعمالها، نجد الأشكال المخروطية، والمستديرة، والمستطيلة، والكروية، والمشكلة بكثير من التلقائية والعفوية والبساطة المتماهية مع الخبرة والدراسة والعلم.  

كانت ألوان خزفيات الفنانة أميلي فرح (مواليد دمشق 1954) في البداية حارة، صريحة، قوية، خالية من النمنمات، ثم بالتدريج تحولت إلى الألوان الباردة الهادئة الداخلة ضمن الرسوم والزخارف والأشكال المدروسة تارة، والعفوية التوضع والمعالجة، تارة أخرى.  

كما قالت بتنويع ملمس السطوح بطريقة قصدية، وخبرة، واضحة، اكتسبتها من ملاحظاتها الدائمة لمفاجآت الفرن، وأحياناً تأتي هذه التنويعات الملمسية دون قصد، أي بالصدفة على جناح (مفاجآت الفرن) الدائمة الحدوث والمثيرة للدهشة. لقد حققت الفنانة فرح، إضافات مهمة على تجربتها الخزفية المجتهدة والحاضرة في التشكيل السوري الحديث.  

وهذه الإضافات طاولت التشكيل السوري الحديث، وهذه الإضافات طاولت التشكيل الجمالي والتقنية في آن معاَ، وهي كما يبدو، ماضية في تطوير هذه التجربة والإضافة لها، بعد أن تفرغت كلياً لفن الخزف، وتمارسه بكثير من الاجتهاد والمثابرة.  

  تكوينات من الحجر والمعدن لمخلوقات من وحي الطبيعة

  أقامت ساقية الصاوي بالقاهرة  معرضاً تشكيلياً للفنان جلال جمعة بعنوان «تكوينات من وحي الطبيعة» حيث اشتمل المعرض على تكوينات من الزلط لأشكال من الحيوانات والطيور والأسماك والطبيعة الصامتة وأسلاك من النحاس والألمنيوم والحديد.  

وعلى هامش فعاليات المعرض أكد الفنان جلال جمعة أنه يهتم بالتفاصيل الدقيقة وشديد الاهتمام بكل ما هو جديد من خامات وأساليب في أعماله الفنية، لأنه أول من قام بعمل تكوينات زلطية واستخدم أسلوباً جديداً في تشكيل الحديد والأسلاك بأقطارها المختلفة دون استخدام اللحام، بالإضافة إلي استخدامه للأخشاب ولوحات الطبيعة الصامتة بالألوان المائية.  

وقال: لاحظت وجود أشكال عديدة من الزلط عند تجميعها تعطي شكلاً جديداً، فقمت بزيارة محاجر الزلط، وتخيلت أشكالاً مثل: السمكة أو السلحفاة ونفذتها بالزلط مع عدم استخدام أي ألوان عليه، بل يظهر بألوانه الطبيعية إلى درجات اللون البني والأصفر الغامق والفاتح وألصقها بمادة السيليكون، لأنه يساعدني على سرعة اللصق.  

كما أنه يثبت الأشكال بشكل قوي لأن اختياري للصق من أماكن قد تكون صعبة على أي نوع آخر من الملصقات، وأبحث الآن عن الأشكال الغريبة في الملمس والشكل واللون على سبيل المثال وإذا وجد قطعة تمثل رأس طائر يبحث عن قطعة أخرى لتكوين جسم، وقد قمت برسم الحياة الاجتماعية بالزلط مثل العائلة المترابطة.  

حيث قدمتها في قطعة زلط واحدة، وشكل راعي الغنم وكلب وأيضاً شكل الأطفال وهم يلعبون ويرقصون، أما بالنسبة لاستخدامات السلك في المعرض. والجديد الذي يقدمه بالسلك، أشار إلى أن استخدام الجميع أقطار السلك من ميلي إلى 8 ميلي واستعمل فيها شكلاً وإحساساً جديداً مع مراعاة النسب، والتشريح في العناصر، التي أنفذها فقمت بعمل شكل الطرافة السلك، وحاولت إظهار الرقبة الطويلة والرشاقة في الجسم، الذي يوحي بالشموخ.  

المعمار تجسد محنة بلدها

تقيم الفنانة التشكيلية العراقية صباح المعمار معرضها الخامس علي قاعة مؤسسة التقافات المتعددة في كوبنهاجن ، وطرحت الفنانة من خلال أسلوبها التجريدي بعض من ملامح بلدها العراق خلال فترة الإحتلال مجسدة ذلك في لوحات تعتمد ابعاداً لونية مختلفة. وتعتمد المعمار التي تعد من الجيل الجديد في الفن التشكيلي العراقي والتي بنت تجربتها خلال سنوات الاغتراب علي ايحاءات اللون أكثر من الشكل عندما تشخص الفضاءات للتعبير عن حسها الفني.

وجمع المعرض الذي رافق افتتاحه احتفالية بحضور المهتمين بالشأن الثقافي والتشكيلي من الدنماركين والمغتربين العرب احتفالية تعارف فني وثقافي.

افتتاح البينالي الدولي لتصميم الجرافيك

يوثق معرض" البينالي الدولي الثالث لتصميم الجرافيك" الذي افتتح  في قاعة "زارا" أبرز الإتجاهات المعاصرة في التصميم لمجموعة من الفنانين العرب والاجانب . ويضم المعرض اعمالا جرافيكية وملصقات ل 150 مصمما علي مستوي العالم في مجالات بيئية وسياحية . ويهدف المعرض إلي توثيق وتأسيس شبكة تعليمية دولية لتبادل الخبرات وتطوير البرامج التعليمية وتوثيق الدراسات والأبحاث في هذا المجال .

وقال رئيس قسم تصميم الجرافيك في كلية الفنون والتصميم في جامعة العلوم التطبيقية الدكتور عرفات النعيم الذي اشرف علي تنظيم المعرض ان استضافة الأردن لهذا المعرض تاتي نظرا للمكانة الرفيعة للأكاديميين والمؤسسات التعليمية الأردنية في الخارج والحضور الدائم والمميز والجهود التي يبذلها القسم لإعداد مصممين قادرين علي الإنطلاق بالواقع المحلي نحو العالمية حيث يعتبر المعرض أحد أهم المعارض في مجال التصميم الجرافيكي والإتصال البصري في العالم . وينظم المعرض كلية الفنون والتصميم في جامعة العلوم التطبيقية والجمعية الكورية للتصميم المعاصر بدعم من وزارة الثقافة الأردنية ووزارة الخارجية والتجارة في كوريا والمعهد الكوري لدراسات وأبحاث التصميم والجمعية الكورية لجمعيات تصميم الجرافيك ومنظمة السياحة في كوريا وزارا سنتر ومؤسسة إبداع لصناعة الإعلان.

واشرف علي تنظيم المعرض كذلك البروفيسور انيونغ البرت تشوي أستاذ التصميم والجرافيك في جامعة هانيانغ /مدير معهد دراسات وأبحاث التصميم في كوريا /رئيس تحرير مجلة التصميم الدولية . 

تقارير

كتّاب ونقّاد مصريون: مطلوب علاقة صحيحة مع المبدعين تنهض على الشفافية والموضوعية  

* عانى سوق النشر في مصر من ركود كبير طوال الفترة الناصرية. لكن الأمور تغيرت منذ سبعينات القرن الماضي، إذ ظهرت دور نشر خاصة كثيرة، أصدرت كماً هائلاً من الكتب، خاصة الكتب الأدبية. ومع انتشار هذه الدور، بدأت تطرح أسئلة مهمة حول مفهوم دار النشر المستقلة، والمعايير الفنية التي تراعيها في النشر، وحقوق الملكية الفكرية للمبدعين، والتعامل مع الرقابة، والأسس التي تحكم علاقتها بالمؤسسة الرسمية، وغيرها من روافد التمويل من مؤسسات وهيئات أجنبية. يتحدث كتّاب هنا عن تجاربهم مع دور النشر الخاصة:

* الروائية سلوى بكر ترى أن دور النشر الخاصة، خاصة المهتمة بالأعمال الأدبية، استطاعت أن تكسر حلقة الرقابة التي تهيمن على ما ينشر في المطبوعات الحكومية والتابعة للدولة، وخلقت هامشا لحرية المبدع لكي يكتب وفقا لتصوراته. ولكن المشكلة في هذه الدور، كما تضيف، انها تتقاضى اموالا من الكاتب مقابل النشر، فكانت النتيجة هي أن كل من يستطيع أن يدفع تنشر اعماله فجاء كثير من هذه الأعمال دون المستوى الفني وأصبحت مسألة الكم تطغى على الكيف.

وتشير بكر إلى ارتباط بعض هذه الدور بمجموعة من الصحافيين يروجون لها ولما تنشره، وفي المقابل يقوم هؤلاء الناشرون بنشر أعمالهم والترويج لها، إضافة إلى كون بعض هذه الدور تسيطر عليها الدولة من خلال التمويل المقنّع كما في مثال «مكتبة الأسرة»، أو أن تكون تحت سيطرة مؤسسات دولية، تحاول أن تضعها في إطار سياسي معين.

ويربط الكاتب يوسف أبو رية ظهور دور النشر الخاصة واتساع دورها بالقوة التي نلاحظها حاليا بـ «فكرة الاستثمار». فهذه الفكرة، كما يقول، كانت غائبة في الفترة الناصرية ولكن عندما جاء السادات إلى الحكم وشجع الاستثمار والمبادرة الفردية ظهرت دور نشر خاصة مثل داري «الثقافة الجديدة» و«الفكر المعاصر» اللتين نشرتا لمعظم جيل السبعينات في مصر وقد أسسهما الكاتب عبد السلام رضوان، بالإضافة لدار «شهدي» التي أسستها زوجته بمال التعويض الذي حصلت عليه من الدولة بسبب موت زوجها في السجن.

ويضيف أبو رية:«بعض الدور الخاصة تبتز المبدع ولا تولي اهتماما بقيمة الكتاب، فالمهم الفلوس، حتى الأشياء البسيطة مثل مراجعة الكتاب لغويا لا تفعله هذه الدور. فأنت تستطيع أن ترصد بنظرة سريعة على هذه الكتب كما مرعبا من الاخطاء. لكن العامل الايجابى هو هامش الحرية الكبير الذي أفاد المبدع بلا شك. لكن معظم هذه الدور ضعيفة الامكانات المالية، فتضطر للجوء إلى الدولة أو إلى المؤسسات الدولية. وهذا ما يفقدها هامش الحرية الذي يشكل العصب الاساسي في عملها».

الشاعر محمد ابو المجد مدير النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وهي مؤسسة حكومية، يختلف مع أبو رية ويرى أن دور النشر الخاصة المستقلة خلقت رواجا ثقافيا وفكريا، بالإضافة إلى أنها أسهمت بشكل حقيقي في إحداث حالة من التوازن والتساند الثقافي، خاصة في الفترة التي قل فيها انتاج المؤسسة الثقافية الرسمية. كان لدور النشر الخاصة النصيب الاكبر في سد الفجوة برغم ما يشاع عن أنها تتأثر ببعض المغريات المالية أو سطوة الأثرياء من الكتاب.

وبرغم هذا، كما يشير أبو المجد، فإن هذه الدور لم تخلق حالة ثقافية بديلة، لكنها أكدت حالة نوعية من الثقافة، خصوصا ما اتفق منها مع التحولات العالمية الحديثة، كما أنها ساعدت على ظهور تيارات فنية جديدة في الشعر والرواية.

الروائي حسين عبد الرحيم، الذي صدرت له حديثا عن دار ميريت رواية بعنوان «المستبقي» يقول: «ظاهرة دور النشر الخاصة أو المستقلة ظاهرة صحية، بمعنى انه لم يعد هناك احتكار للاعمال الابداعية تحت رحمة اسم واحد أو دار نشر واحدة . فقد ساهم تعدد وتنوع هذه الدور مثل: شرقيات، سندباد، ابن سينا، ميريت.. وغيرها، في خلق حالة تنافسية. وتنكشف أبعاد هذه الصورة أكثر مع دخول متنافسين جدد مثل دور: المحروسة، عين، الدار، البستاني، ليتأكد مدى التنافس وجدواه في خلق أفق حر للنشر، يمنح المبدع فرصة أكثر اتساعا لتوصيل كتابه. لكن هذه الحالة التنافسية لكي تثمر لا بد أن تحكمها معايير الشفافية والقيمة».

وفي تصور عبد الرحيم أنه لو حصل المبدع على حقوقه المادية بشكل مرض من هذه الدور فهذا سيساعد المبدع والناشر معا على خلق حالة حراك حقيقية.

أما الناشر محمد صلاح صاحب دار نشر «الدار» فيقول: «إن المشاكل تحاصر الدور الصغيرة مثل «الدار» التي أسستها كحلم لدعم الكتاب والمبدعين. تبدأ هذه المشاكل من عدم وجود أماكن لعرض الكتب، وعدم رغبة المكتبات في التعامل مع الناشر المصري وتفضيل الناشر اللبناني بسبب الخصم الكبير الذي تقدمه الدور اللبنانية، كما أن توزيع الكتاب الأدبي، سواء كان شعرا أو رواية أو مسرحية لا يتم إلا بشق الأنفس». ويرى صلاح أن دور النشر الخاصة لم تساهم فقط في توسيع هامش الحرية أمام المبدعين، وإنما أيضا «ساهمت في إنقاذ صناعة الكتاب من التدهور الذي وصل إليه على مستوى الطباعة بالشكل الذي نراه في الكثير من مؤسسات النشر الحكومية، وهو ما ينفر القارئ من الكتاب، ويجعله يتردد كثيرا في الإقبال على شرائه». أما عن تمويل الدولة فيقول: «التمويل الذي تقدمه الدولة يعطى لبعض الدور الخاصة بشكل انتقائي. لقد دخلت في دهاليز المؤسسات الحكومية لكنني لم أحصل على شيء وكأني أبحث عن قطة سوداء في ليلة سوداء».

ويرى الناقد الأدبي د. مجدي توفيق أن دور النشر الخاصة وسعت «المساحة التي يستطيع الكاتب أن يراوغ من خلالها» كي يجد مكانا لنشر أعماله. وساعد على ذلك أن بعض هذه الدور قد تبنى أعمال الأدباء الشباب الذين يمثلون موجة أدبية جديدة، لكن يجدون صعوبة في النشر من خلال مؤسسات الدولة أو دور النشر القديمة والذي أصبح لها كتابها.

ويضيف توفيق: «لكن الأخطر في رأيي هو إن الكومبيوتر جعل عملية النشر أسهل كثيرا في إجراءاتها وتقنياتها فاجتذبت عددا اكبر من المغامرين لانشاء دور نشر، كما أن الأدباء قاموا على توفير بعض نفقات الطباعة وإعداد كتبهم بأنفسهم مما أدى إلى توسيع سوق النشر وتحسين تقنية الكتاب وصورته وان يحسن بطبيعة الحال من عملية التوزيع».

ويقول الروائي فتحي امبابي: «من منتصف التسعينات بدأت دور النشر الخاصة تلعب دورا كبيرا في عملية النشر، وسمحت بنشر كتابات كسرت التابوهات. أما العيب الرئيسي الذي تقع فيه دور النشر الخاصة، فإنه يكمن في الالتفاف الذي يمارسه معظم هذه الدور على حقوق المؤلف الضحية الرئيسي، مثلها في ذلك مثل دور نشر الدولة. والمطلوب أولا إعطاء الكاتب حقه، وأن تتوقف هذه الدور عن أخذ المال من المبدع، وكأن الإبداع أصبح بمثابة تجارة رخيصة مما أدى إلى زيادة الكتابات الرديئة التي تعوض ضعفها الفني بالإغراق الحاد في الكتابة الجنسية إلى حد رخيص. ويجب أن أشير هنا إلى دور نشر بدأت بالفعل في تحمل نفقة الكتاب وتدفع للكاتب مبالغ مالية حسب التوزيع». وترى الكاتبة صفاء عبد المنعم أن من ميزات النشر الخاص أنه حر وأوسع أفقا وسرعة في الإصدار، بالإضافة إلى الإخراج الجيد للكتاب. ولكنها تعتبر أن النشر الخاص فتح الباب من أسفل أمام عديمي الموهبة الذين يستسهلون النشر ما داموا قادرين على الدفع.

جليلة الجشي شاعرة تكتب لوطن كثرت عذاباته    

قالت الشاعرة الفلسطينية جليلة الجشي إن القصيدة التي لا تترجم أحاسيس الذات وانفعالاتها تفقد بريقها وتبقى هشة لا تتجاوز القراءة العابرة ولا تترك أثرا في الذاكرة أو تأثيرا على النفس. 

وأضافت الجشي في تصريحات للجزيرة نت أن الشعر اعتراف عاطفي وأوراق ثبوتية وفارس يولد في كل المناسبات, مؤكدة أن "كلمات القصيدة الصادقة تؤلم وتحزن وتبكي وتفرح باعتبارها جزءا من إنسانيتنا ومعاناتنا". 

كما أشارت إلى أن الحالة الأدبيّة والشعرية في فلسطين كانت ولا تزال ترصد التحولات السياسية والثقافية, متحدية كل التراكمات, التي أدت إلى المزيد من الإبداع الأدبي والشعري رغم كل الإحباطات الملتفة حول أدباء الوطن وشعرائه. 

عفوا أيتها الملكة

وفي تعليقها على قصيدتها "عفوا أيتها الملكة", قالت الجشي إنها تأتي تعقيبا على ما ذكرته ملكة السويد من أن "نساء فلسطين أقل أمومة من الأمهات الأخريات وأنهن يقذفن بأولادهن للموت", مضيفة أن تلك العبارة استفزت قلمها فثار وكتبت ما كتبت. 

وفي مقابلة تليفزيونية للملكة حيث تمت قراءة القصيدة باللغة السويدية وغيرها من التعليقات لمثقفين فلسطينيين دافعوا عن الأم الفلسطينية, اعتذرت الملكة وبررت أنها لم تكن تقصد الإساءة. 

وقد ترجمت القصيدة إلى الفرنسية والإنجليزية والسويدية ووزعت عبر إدارات المدارس في فلسطين وبعض المدارس في كندا وفرنسا وأميركا والسويد, وقالت الشاعرة إنها تشعر بالسعادة عندما حدثتها إحدى معلمات مدارس رام الله بأن التلاميذ يرددون قصائدها. 

وتقول الشاعرة الجشي في قصيدة "عفوا أيتها الملكة": 

أنت التي في قصرك العاجي تتمخترين

وأشهر المأكولات الأوروبية تأكلين

وعلى الفراء والأغطية الحريرية تنامين

فمثلك سيدتي هيهات.. هيهات أن يعرف أمي

فخمسون ألف اعتذار اعتذري

وانحني احتراما لي ولأمي. 

الرجل والمرأة والوطن

وحول تأثير الكلمة قالت إنها رصاصة تصيب ولا تميت لكنها كثيرا ما ارتدت على صاحبها, مستشهدة بالفنان ناجي العلي الذي قالت إنه اغتيل بسبب ما قاله حنظلته فاستشهد ناجي وعاش حنظلة. 

وعن قصائدها في الرجل, قالت الجشي "لم تخل قصائدي وكتاباتي من الرجل فهو بنظري ذكوري متسلط يمارس دور الإمبراطور ويمتلك زمام الأمور ومفاتيح كل الحلول". 

وأضافت أن المرأة بحاجة إلى رجل وليس إلى ذكر, مستشهدة بقول الكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار إن "متع الجسد غادرة وإن الرجل الذي يشتهيها اليوم سيشتهي في الغد غيرها, لذلك هي تصبو إلى الرجل الذي يضع العاطفة الثابتة فوق اللذة المتعلقة، والقلب الحنون فوق شهوات الجسد العابرة". 

وفي المقابل ترى أن المرأة كالحياة فيها السعادة والمرارة, وفي معظم الأحيان تكون الضحية، فالرجل الشرقي لا يكتفي بأن يمتلك الزوجة وإنما يصر على أن تكون الملكيّة بأثر رجعي فيحاسبها على ماضيها وكأنها ولدت وعلى جسدها ختمه وتوقيعه.   

وعن الوطن قالت إنها تكتب لعيون "الوطن الجريح الذي بات اليوم للأسف يذبح على أيدي أبنائه, وأكتب لهموم الإنسان الفلسطيني الذي تورمت عذاباته وشمس الحرية الغائبة عن سماء وطني.. أكتب لكل الذين استباحوا الدم الفلسطيني  ويحاولون حرق سنابل عشقنا للهوية والأرض.. أكتب للحب الصادق... للعاشقين وأرسم بالكلمات معاناة شعب قدره أن يحيا على أرض يقاسمه فيها الجراد ويقارع الظلم والظالمين إلى أن يشاء الله تعالى". 

وأخيرا تحدثت عن ديوانها الشعري "ثرثرة الأيام" المتوقع صدوره خلال أيام, وقالت إنه يضم "ما استطعت جمعه من كتاباتي المتناثرة والمبعثرة شعرا ونثرا حول أفراحي وأحزاني وهموم الآخرين الذين يسكنون فوق صفحات كشكولي".

باولو كويلو في حديث شامل لـجريدة (البيان) الاماراتية عن الثقافة والسياسة والحياة 

  بات الكاتب البرازيلي باولو كويلو يشكل جزءاً أساسياً من المشهد الثقافي المشرق الذي تشهده دولة الإمارات العربية عموماً وإمارة دبي على وجه الخصوص.ولا يكاد كويلو أن يغيب عن هذا المشهد لبعض الوقت، حتى نراه بيننا من جديد للتواصل مع تفاصيل المسيرة الحضارية لهذه المنطقة من العالم، مؤكداً عزمه في كل مرة على عدم البقاء متفرجاً، ورغبته الشديدة بأن يحظى بشرف المشاركة في مد جسر ثقافي وطيد بين مختلف ثقافات الشعوب، التي تجمع دبي جزءاً كبيراً منها.  

على هامش الدورة الرابعة من مهرجان دبي السينمائي، الذي شارك فيه الكاتب البرازيلي كمحاضر رئيسي في ندوة الجسر الثقافي، انتهزت » البيان« فرصة وجود صاحب » الخيميائي« في ربوع دبي، وأجرت معه هذا الحوار المطول، الذي يسلط الضوء على الجهود الخيرة التي تبذل على الصعد المحلية والعالمية في سبيل إبراز الوجه الإنساني للبشر، وتأكيد قيمهم المشتركة النبيلة، في حين يتعرج ويتشابك ما بين اهتمامات الروائي الأدبية وقلق الإنسان إزاء الشأن العام وهمومه.  

* يبدو في مقالاتك الأسبوعية، التي تنشرها »البيان«، التأثر بالفكر الشرقي القديم واضحاً، كيف بدأ استلهام هذا الفكر؟  

ــ أنت تعلم أن اللحظة الأهم في مسيرة التعلم هي عندما نكون أطفالاً، حيث نمتلك قدراً هائلاً من الفضول والذاكرة النظيفة. عندما كنت طفلا قرأت الكثير من القصص الكلاسيكية، على غرار »ألف ليلة وليلة« والقصص العربية والصينية والهندية وقصص الشرق عموماً، وأدهشتني موضوعاتها، لأنها كانت تعكس عالماً مجهولاً بالنسبة لي، عالم كان بعيداً كل البعد عني وكان يتعين علي عيشه في مخيلتي. ثم يجب عدم إظهار الجسد فحسب، وإنما الروح أيضاً. أي أن الفكرة الثقافية المطروحة، التي أنا حاضر فيها بكل سرور، تقوم على تمكين الناس والشعوب الأخرى من رؤية الروح، ليس روح دبي فحسب، بل روح العالم العربي بأسره، وروح هذه الثقافة التي قدمت لنا الكثير.  

أما فكرة المقالات التي أنشرها في »البيان«، فإنها تقوم على إظهار لعالم يغص بالأحكام المسبقة أننا نعيش في عالم واحد ونعتنق القيم ذاتها التي تظهر حب الإنسان لأخيه الإنسان.  

* تحرص اليونسكو من خلال اتفاقاتها ومعاهداتها على حماية هويات الشعوب في مواجهة مد العولمة، ما تصورك لإمكانية نجاح هذه الجهود وكيف يمكن دعمها؟  

ــ اليونسكو مهتمة جداً بهذه الثقافات وتحاول بناء جسر للحوار بين مختلف الثقافات المنتشرة في سائر أرجاء المعمورة، ولقد عينت أخيراً في موقع السفير الأوروبي للحوار بين الثقافات لعام 2008، كما أني عينت منذ أيام خلت في موقع مبعوث الأمم المتحدة من أجل السلام، وبالتالي فإن ما أنوي القيام به هو إيجاد الصلة بين مختلف الثقافات المهمة مثل ثقافة الشرق الأوسط أو الثقافة الأوروبية أو ثقافة أميركا الجنوبية، وأنوي أولاً الاتصال بمختلف الكتاب في الشرق الأوسط ومن ثم أقوم بالأمر نفسه في أوروبا، وفي هذه النقطة أنا بحاجة إلى دعم حكومة دبي، الأمر الذي سأحصل عليه بكل تأكيد،لأنني أعلم أنهم مهتمون جداً بنشر الثقافة العربية ليس في دبي فحسب، وإنما في كافة أنحاء الشرق الأوسط والعالم أجمع أيضاً . وإن تسميتي كسفير تعني أنه يتعين علي التحرك في جميع الاتجاهات . ويمكنني القول إن الثقافات هي كيانات ثابتة لا تتبدل، لكنها تعتمد على الأشخاص أنفسهم.

* كيف تنظر لهذه المسألة في سياق المواجهة القائمة بين مجموع هذه الثقافات من جانب والعولمة من الجانب الآخر؟  

ــ ليس هناك من مواجهة بين الثقافات والعولمة، هناك حوار، فنحن الآن نتحدث أنا وأنت وأنا لا أخوض مواجهة معك، فأنت لديك قيمك وأنا لدي قيمي، وما نحن بحاجة إليه هو الحفاظ على الخلفية الثقافية لكل منا في حين تتعلم مني وأنا بدوري أتعلم منك وفي نهاية المطاف فإنك تبقى كما أنت وأنا كذلك لكن مع فارق جوهري يتمثل في أن حياتي ستكون أغنى اثر هذا الحوار الذي أجريه معك وهذه هي بالضبط العولمة الثقافية التي نعيشها منذ عشرين عاماً أو يزيد في ظل حضور أميركي كبير، لكننا نرى الآن حضوراً للثقافات الصغرى التي بدأت تظهر نفسها.. ومن دواعي سروري أن تحضر الثقافة العربية أيضا بشكل أكبر في العالم. لدينا مثال تجسده تجربة دبي التي بدأت بتطوير نفسها في مناخ ثقافي رائع، لا يخص دبي وحدها وإنما العالم العربي بأكمله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي يتمتع برؤية بعيدة المدى قرر أن أشارك في مشروع ثقافي وحضاري كبير يرمي إلى مد الجسور بين الناس وسنبدأ في مطلع عام 2008في العمل على تطبيق سلسلة من البرامج التي تتضمن رحلات يقوم بها الفنانون إلى أوروبا وأنا من موقعي كسفير للحوار الثقافي سأشرع في إجراء سلسلة من المحاضرات والمؤتمرات وتأليف الكتب وسأقوم بتأليف كتاب بالتعاون مع حكومة دبي قمت أنا باقتراح موضوعه الذي يتحدث عن تجربتي الخاصة مع العالم العربي وسيكون كتاباً موسوعياً كبيراً وسيحتوي على رسومات توضيحية بأيدي فنانين محليين . انطلاقاً من هنا يمكن اعتبار أن كل هذه التحركات ملموسة في ظل دعم لامحدود تتلقاه من حكومة دبي التي تمتلك رؤية سخية جداًً بينما تعتبر في الوقت نفسه حكومة تقليدية وبراغماتية جداً . وبعد أن عقدنا اللقاء الأول حول هذا التحرك العام الماضي في باريس والبارحة كان اللقاء الثاني هنا مع المسؤولين المعنيين وسنبدأ العمل بشكل ملموس على برنامج للتبادل الثقافي حيث سيأتي الناس إلى دبي لعيش تجربة دبي والتعرف على الثقافة العربية أيضاً.  

* هناك الكثير من اللغات القديمة التي تموت في العالم، كيف بوسعنا مواجهة هذه الظاهرة ؟  

ــ صحيح أن هناك بعض اللغات التي تموت في العالم غالبيتها لهجات، لكن لاشك بأن هناك لغات أخرى كانت شبه ميتة وتعود للحياة مجدداً أيضاً ففي أوروبا على سبيل المثال هناك ثلاث أو أربع لغات تنهض من جديد، ففي جنوب فرنسا هناك لغة »الغاسكونت« وفي اسبانيا لدينا ثلاث لغات أخرى اضطهدت على يد نظام فرانكو وهي الكتالونية والغاييغو والباسكو، لكن جميع هذه اللغات استرجعت مكانتها الآن ويعود الفضل في ذلك ليس للعولمة الثقافية، وإنما لوسائل الاتصال المتطورة كالانترنت التي سهلت عملية التواصل بين الناس إلى حد كبير .  

* يبدو أن حركة النقد العالمية لم تحسم أمرها بعد حيال تصنيف باولو كويلو ككاتب، فالبعض يقول إنه تبسيطي وآخرون يقولون إنه مفكر وهناك آخرون يصفونه بالحكيم، أين هو كويلو؟  

ــ لا أشغل نفسي بالنقد، إذ يتعين علي أن أقوم بعملي فحسب، وعلى النقاد أن ينتقدوا والكتاب أن يكتبوا والقراء أن يقرأوا .  

* كيف تمكنت من توظيف الدين في أعمالك من دون الغرق فيه ؟  

ــ إن كوني كاثوليكياً لا يعني أنني كاتب كاثوليكي، ذلك أنه بوسعي الكتابة استناداً إلى ثقافة الشرق أو الإسلام كما يمكن الحديث عن الجنون كما في »فيرونيكا تقرر أن تموت« أو عن البغاء وبنات الهوى كما في« إحدى عشرة دقيقة«, فأنا كاتب يتكلم عن ما يقلقني، ولست كاتباً يتعين عليه تناول الموضوع نفسه دائماً، ولقد بلغت مبيعات كتبي خلال عشرين عاماً حوالى100 مليون نسخة وهذا يعني أني كاتب نما مع جمهوره، وأنا أتكلم في كتبي عن الأمور التي يروق لي الكتابة عنها وليس لدي صيغ جاهزة للكتابة.  

* أين باولو كويلو من جائزة »نوبل«، ولماذا لا نرى اسمه ضمن قوائم الكتاب العالميين المرشحين لنيلها كل عام؟  

ــ لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال، ليس لدي فكرة عن الموضوع، إذ إن الأمر برمته لا يتوقف علي شخصياً.  

* قلت ذات مرة إنه يتعين على الكاتب أن يكون كائناً معزولاً، لماذا؟  

ــ لقد غيرت وجهة نظري بهذا الخصوص، لأني أملك الآن إمكانية الاتصال بقرائي على نطاق واسع عن طريق الانترنت، حيث لدي مدونة أتواصل من خلالها مع قرائي.. والآن سأصنع فيلماً سينمائياً بمساعدتهم.  

* يبدو أن هناك الكثير من التشابه بين التجربة الحياتية للشخصية الرئيسية في رواية »فيرونيكا تقرر أن تموت« والتجربة الحياتية الخاصة التي خاضها باولو كويلو نفسه؟  

ــ من دون أدنى شك، فلقد كنت لثلاث مرات في مركز نفسي، لأن والداي كانا خائفين كثيراً مما كنت سأكونه في المستقبل، وانطلاقاً من حبهما لي، وفي محاولة يائسة منهما لحمايتي قاما بإدخالي إلى المصح، وأنا لا ألومهما على ذلك، لأنهما حاولا أن يقدما الأفضل لي، وأنا عشت هذه التجربة بعيداً عن الشعور بأني ضحية، لأن الدافع كان الحب. لكني تعلمت أيضا أنه يتعين على المرء أن يكافح لتحقيق ذاته في هذه الحياة.  

* قبل 20 عاماً خلت، قمت برحلتك الأولى إلى سانتياغو دي كومبوستولا، الرحلة التي استلهمت منها أعمالك الأولى، ومن بينها » الخيميائي«، ما الذي يعنيه السفر والترحال بالنسبة لك؟  

ــ حسناً، أعتقد أن أول رحلة قمت بها كانت في أيام الشباب، عندما كنت »هيبياً«، لكن رحلتي إلى »سانتياغو دي كومبوستولا« شكلت نقطة انطلاق في حياتي، حيث قررت أن أجعل من حلمي واقعاً بأن أصبح كاتباً، لكن السفر بالنسبة لي يعني الاعتماد على الآخرين والتعرف على ثقافات جديدة، وأن يكون المرء على اتصال بالناس والتعلم والتمتع وفي المقام الأول، والمرء لا يمكن أن يكون وحيدا أبداً، وأنه لا يكون غريباً حتى لو كان في بلد آخر.. فالمجيء إلى دبي، على سبيل المثال، أو بلدان الخليج عموماً يسمح لي برؤية أننا أمام تجربة إيجابية، قد لا يراها الناس في الخارج على حقيقتها .  

* كيف ينظر باولو كويلو إلى قضية الشرق الأوسط ؟  

ــ أعتقد أننا أمام حالة من الخسارة المتكررة المطلقة، وأن الأمور تدهورت كثيراً ولكن يجب عدم توجيه اللوم، في هذه الحالة، إلى الأميركيين، بل يجب تحميل المسؤولية للإدارة الأميركية وعلى رأسها الرئيس بوش، الذي أوجد وضعاً صعباً للغاية.. الجميع خاسر فيه ، وأنا من ناحيتي أناضل ضد الحرب، وأكتب مقالات ضدها، وحاولت القيام بالكثير من الأشياء في هذا الاتجاه، لكن الأهم هو أننا نملك ما يكفي من الوعي حول هذه القضية، وسنرى إذا ما كان الناس المعنيون يتحلون بالحكمة اللازمة للتمكن من الخروج من هذا المأزق، على الرغم من أنني لا أرى مخرجاً، وأنا أرى أننا نقف أمام وضع معقد جداً خلال السنوات المقبلة.  

* هل تعتبر أن هذا الوضع يعكس مواجهة سياسية أم ثقافية أم دينية أم ماذا؟  

ــ هذه ليست مواجهة ثقافية ولا دينية، بل إنها على العكس من ذلك تماماً، وأنا أرى أننا نسير في الاتجاه نفسه نحن المسلمين والمسيحيين . إن هذه المواجهة ليس لها أي معنى، وهي مواجهة عبثية بصورة كلية، حيث نقف أما شخص قرر استغلال مأساة معينة هزت مشاعر الناس في العالم أجمع باتجاه تقويض عالم بأكمله، تلك المأساة هي مأساة الـ 11 سبتمبر، وحشد كل ردود الأفعال عليها لتحقيق مآرب شخصية للمحافظين الجدد الذين يسيطرون على البيت الأبيض الأميركي، وبالتالي يمكن القول إنهم يعرفون كيف يبدأون مأساة ما، لكنهم عاجزون تماماً عن إيقافها، ومن سوء الحظ أنه يتعين علينا الآن أن ننتظر ما الذي سيحدث وما الذي ستفعله هذه الإدارة، مع أنني على يقين بأنها لا تعد تتمتع بالمصداقية. ولا بد من انتظار مجيء الرئيس المقبل، وفي غضون ذلك، فإن الفلسطينيين يموتون والإسرائيليون يموتون والعراقيون يموتون والأميركيون يموتون، وكذلك الناس في لبنان، وكل ذلك ناجم عن توجهات بوش التي تقوم على إشعال النار، لكن ليست النار التي تنير، وإنما التي تحرق وتدمر.

* بالعودة إلى مشروع دبي الثقافي الذي تحدثت عنه في بداية هذا الحوار، نريد معرفة كيف للناس، مثل القراء،المشاركة والمساهمة فيه، كيف سيتجسد هذا المشروع على أرض الواقع ؟وهل سيكون ظاهرة جماهيرية أم أنها ستبقى في إطار النخب الثقافية والفنية؟  

ــ سيكون ظاهرة جماهيرية بدعم من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم, ونحن لدينا خطة خاصة بمشروع دبي وهي تشمل توفير المباني اللازمة، حيث يمكن عرض الجوانب المختلفة للثقافة العربية في مركز ثقافي خاص بالثقافة العربية ودار للأدب وعدة أشياء أخرى كفيلة بنشر الثقافة العربية، إنه مشروع ضخم للغاية وفيه الكثير من الأمور الأخرى.  

* ما هو الدافع الذي يقف وراء هذا المشروع وما هو الهدف؟  

ــ حسناً، الدافع هو إظهار أن هذه الثورة التي تحدث في دبي، التي لا أحد يراها، لأنها ثورة إيجابية قائمة على الحب، في حين أن الآخرين لا يأبهون إلا للمآسي، فأنتم تظهرون قدرة العرب على القيام بالأمور على أكمل وجه، وأن بوسعهم القيام بأي عمل، أي أننا أمام دافع يتعلق بدحض الأحكام المسبقة، التي يطلقها الناس في أماكن متفرقة من العالم، مثل البرازيليين، حيال العرب، أو العكس، وأنا أجد نفسي في هذا الوضع الناشئ في دبي. لكن هذا لا يكفي، لا يكفي إنشاء مركز اقتصادي، وإلكتروني .. إذ يجب عدم إظهار الجسد فحسب، وإنما الروح أيضا، أي أن الفكرة الثقافية المطروحة، التي أنا حاضر فيها بكل سرور، تقوم على تمكين الناس والشعوب الأخرى من رؤية الروح، ليس روح دبي فحسب، بل روح العالم العربي بأسره وروح هذه الثقافة التي قدمت لنا الكثير .  

٭ لكن كيف ستتجسد فكرة التبادل الثقافي بشكل ملموس ؟  

ــ لدينا محوران، الأول نظري، الذي يعنى بنشر الثقافة والحوار، أما المحور الثاني، فيمكن إيضاحه من خلال مثل شعبي اسباني رائع يقول »العمل على ضوء المسيرة«، حيث لدينا خطة موضوعة فعلاً، وهناك حاجة لشخصية مختلفة لا تكون شخصية عربية حتى تتمكن من ترجمة فكرة المشروع، الذي يشارك فيه الكثير من الكتاب والفنانين والهدف هو التلقي والإرسال . كيف سيحدث هذا، سنجلس هنا السنة المقبلة، وأنا متحمس كثيرا وأتطلع إلى الكثير من الانجازات من خلال هذا المشروع، القائم على أشياء احترافية، ذلك أنني لن أكرس وقتي لأمور غير احترافية .. سيكون حتى قلبي مشاركاً في هذا المشروع وسأشارك فيه بكل جوارحي كشخص يقدر الثقافة العربية ويعشقها وكشخص سياسي وككاتب يدرك كيف يستغل إمكانياته للجمع بين الناس وهذه هي غايتي القصوى, أي العمل سوياً وإنشاء جسر للحوار، بكلمة أخرى تجسيد الثقافة، ولتحقيق ذلك نحن بحاجة إلى عام للنقاش، لكنني متحمس جداً للمشروع وكذلك الآخرون.  

أديبات فلسطينيات يواجهن القيود والحصار 

'ذاكرة زيتونة' تعبر عن خواطر وانفعالات الإنسان الفلسطيني المحبط، وتصور معاناة أشخاص يحبون بلدهم.

لا شك أن تطور الثقافة يتزامن مع انطلاق الحريات الفكرية، ونحن نرى، والحمد لله، أن أقلام الأدباء العرب تتحدى الحدود الوهمية التي قسمت الوطن من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، فتنطلق معبرة عن آلام وأوجاع الأمة، تنتزع حروفها من بين سلاسل القيود التي تفرض عليها بسبب حصار أو محاولة لمصادرة هذه الأفكار، مؤمنة بوحدة المصير، فتعددت معارض الكتب والندوات في مختلف الدول العربية.

وكان عرس الثقافة العربية في العاصمة الجزائرية التي اختيرت عاصمة للثقافة العربية لعام 2007، فتعددت فيها النشاطات، مؤكدة على وجه الجزائر العربي التقدمي، حيث انطلقت فعالية الملتقى العربي الجزائري بتقديم (سرديات الكاتبة العربية) شاركت فيها العديد من الكاتبات العربيات من مختلف أرجاء الوطن، ومن أجيال مختلفة.

وقد تناولت الكتابة السردية للرعيل الأول، والكتابة العصرية للجيل الحالي، وذلك في سياق (السيرة الذاتية – الرواية - القصة). وقد اقترح الأديب د. أمين الزاوي، مدير المكتبة الوطنية الجزائرية، التي نظمت هذا اللقاء، فكرة إنشاء نادي للكاتبة العربية، يضم الأديبات في العالم العربي.

وكنت قد تقدمت بورقة تعرَف بالأديبة الفلسطينية ودورها في قضية فلسطين، حيث تلتصق بنبضها مع نبض الأرض والإنسان، رغم ما يعترضها من معوقات اجتماعية أو اقتصادية.

واستعرضت في عجالة ثلاث مراحل مختلفة من الأدب النسائي الفلسطيني، بداية من عام النكبة في 1940، متمثلة بالأديبة سميرة عزام، التي ولدت في عكا عام 1927، حيث مارست مهنة التعليم وهي في السادسة عشرة، وكتبت الوجدانيات والشعر والقصة القصيرة، ونشرت بعضها في جريدة "فلسطين" بتوقيع (فتاة الساحل).

وبعد عام 1948 تنقلت بين بغداد وبيروت وقبرص، في وقت كانت تكتب وتترجم من الانجليزية إلى العربية، فكانت من أوائل من كتب القصة القصيرة في الأدب العربي بسبب اطلاعها على الآداب الأوروبية والروسية. كان اغتراب المرأة الشرقية أحد همومها الكبرى، وقصصها الفلسطينية كرستها للحظتين، الأولى تشمل المقاومة قبل النكبة، والثانية تشمل آلام الفلسطينيين في المنافي بعد النكبة.

وإذا نظرنا إلى واقع الأدب الذي تكتبه الروائيات الفلسطينيات في المشهد الثقافي في السنوات الأخيرة، نرى أنهن استطعن أن يتركن بصمة واضحة، ولكن الظروف السياسية، وما تحمله من عدم استقرار وتواصل مع الخارج، أبعد بعض هذه الأصوات عما تستحقه من الاهتمام في تنوع تجربتها في القصة والرواية والشعر، أمثال: حزامة حبايب، حنان عواد، نداء الخوري، وسهام عارضة، وغيرهن.

وجاءت هذه التجارب بكتابات ناضجة الوعي السياسي والاجتماعي والإبداعي، مع تميز كل منها بالظروف الخاصة والعامة، التي حددت إطار التجارب والتصادم مع الحياة، وارتبط بعضها بالمقاومة في الداخل مثل كتابات سهام عارضة في (مذكرات سجين، البيت الأبيض)، أو معايشة الثورة من داخلها وهي في المنفى، كتجارب ليانة بدر في (شرفة على الفاكهاني، ونجوم أريحا). أو معايشة الظروف للفلسطينيين في الداخل كروايات سحر خليفة (الصبار، عباد الشمس، باب الساحة) ورواية مي صايغ التي كتبتها بعد تجربة شعرية طويلة.

كما رأينا روايات الحرب ضمن السياق الاجتماعي والتاريخي للفلسطينيين كروايات ليلى الأطرش في مجموعتها القصصية "يوم عادي" وعن الشتات الفلسطيني "امرأة للفصول الخمسة"، وحالة انفصال العائلة وانقسامها بين البلدان في "ليلتان وظل امرأة".

وأما شاعرة فلسطين الأولى فدوى طوقان، فقد عانت الكثير في بداياتها، من قسوة الواقع الاجتماعي المتزمت، ولكنها استطاعت التغلب عليها، بمساعدة شقيقها الشاعر إبراهيم طوقان، الذي أخذ بيدها وعلمها وصقل موهبتها الشعرية.

رسمت فدوى طوقان تصورها، بأن دور الشاعر والأديب في الانتفاضة الفلسطينية، لا يقل أهمية عن دور المقاتل، فالشعر الحماسي يشكل دافعاً قوياً للصمود والاستبسال في المعركة، وحين قرأت قصيدتها "لن أبكي" في الإذاعة، جعلت أحد المقاومين يقسم ومن معه على المقاومة حتى النهاية.

وقال موشيه دايان رئيس أركان حرب الجيش الإسرائيلي عام 1967، في مناسبة خاصة، أنه يخشى من قصيدة واحدة من قصائد فدوى، أكثر من مجموعة مقاتلين، لكون هذه القصيدة تجند الشعب كله.

وفي هذا الإطار، كانت لي مشاركة عبر رواية "ذاكرة زيتونة" والتي كانت تعبيرا عن خواطر وانفعالات الإنسان الفلسطيني المحبط، لأخط حنقي على عالم غاب عنه ضميره، وأصور معاناة أشخاص لا ذنب لهم، إلا أنهم أحبوا بلدهم، فقدمت شخصيتين رئيسيتين في الرواية، تصور الأولى معاناة الإنسان النابلسي قبل وبعد الاجتياح الإسرائيلي الكبير لمدينة نابلس عام 2002، تتجسد في شخصية سهر التي (جلست أمام شاشة التلفزيون ترشف قهوة الصباح، وتستمع..).

وبدأت الصور تتوالى، أبلغ من أي وصف أو تعبير، فمداد القلم لا يستطيع أن يترجم الدماء الحمراء التي روت كل شبر من هذه الأرض، عشرات من الشباب والفتيان يقذفون حجارة في الهواء، بصدور عارية، وسيقان تدير معركتهم بالكر والفر، باتجاه جنود يرتدون ستراً واقية من الرصاص، ويغطون رؤوسهم بخوذات حديدية، ويحتمون بآليات ثقيلة، في ساحة معركة غير متوازنة.

لم يسجل التاريخ يوماً أصوات قنابل، وصواريخ، وأزيز طائرات بقوة الـ (ف 16) مقابل نداءات تنطلق من باطن الأرض إلى عنان السماء هادرة (الله أكبر ولا إله إلا الله والشهيد حبيب الله). حرب لا يعقل أن يدعي أحد بأنه ينتمي إلى أبناء آدم، وهو يرى الرؤوس تنفجر، والأحشاء تختلط بالتراب، ويقول: هذه حرب عادلة.

وهكذا مرت الدقائق والساعات والأيام، وسهر تتجرع مرارة قهوتها التي امتزجت بمرارة حياتها، بينما العالم بأسره ما زال يتذوق قهوة الصباح أو شاي ما بعد الظهر وهو ينظر ويسمع، ولا يكترث، ما دامت العيادات النفسية المهتمة بكلابه وقططه.. تعمل جيداً.

وأما الشخصية الثانية في هذه الرواية، فهي شخصية مها، التي تجسد تعاطف الشعوب العربية "عادت مها إلى أسرتها إثر تدخل القنصلية البريطانية في القدس الشرقية، بناء على طلب من والدها. ولكنها لم تعد إليها كما غادرتها، فمسحة من الحزن والكآبة تطل من عينيها، لم تعد مها المرحة، التي تبعث الحيوية والبهجة أينما حلت. بل أصبحت كلماتها قليلة.

ولاحظت عائلتها وزملاؤها في المجلة التي تعمل فيها، بأنها فقدت حماستها في الانخراط في المجتمع ومناسباته، وقد نبهها رئيسها في العمل إلى تقصيرها في عملها، وذكَّرها مراراً أنها محررة في باب الاجتماعيات، وعليها التقاط أخبار المجتمع في كل مكان وزمان.

ولم يستطع أن يتجاوب مع أفكارها الجديدة، ويتفهم أنها ما زالت تحمل في أعماقها آثار تجربة رحلتها، فلا تستطيع الفكاك منها بسهولة، ولا التخلص من أحزان لازمتها لأيام معدودة، وقد صهرتها، مع ما عايشته، وعرفته، من قهر أناس لا يراهم العالم إلا أرقاماً مطحونة، في تروس عجلة الزمن المر."

وإن كانت آفاق تطوير المرأة في المشروع الثقافي الفلسطيني تصطدم بنظرة موروثة، وخاصة الأقلام الشابة والجديدة، تعترض سبيلها المعوقات، إذا ما تعرضت لسرد معاناة المرأة بصراحة، تتمثل أحياناً بتأثير الرقيب الذاتي على إنتاجها، وخاصة إذا ما كانت محاطة بسلطة ذكورية، قبل أن تصطدم برقابة المجتمع أو الرقابة السياسية.

وهنا تبرز الحاجة إلى دور المؤسسات الأدبية والثقافية المستقلة، أو التابعة للأطياف والقوى الفلسطينية المختلفة، لدعم الصمود الثقافي لكلا الجنسين بالمطلق، إضافة إلى دعم الجانب الاقتصادي والذي تمثله رغبات دور النشر، حتى يتوفر المناخ الصحي لإنتاج الطاقات والمواهب الإبداعية.

كيف تبدو حقوق الإنسان على الإنترنت؟ 

استطلاع يكشف أن المادة الإعلامية في ميدل إيست أونلاين تشهد أسبقية قضايا المرأة على الأقليات واللاجئين.

اهتمت مؤسسات حقوق الإنسان بدور الإنترنت في التواصل مع أكبر عدد ممكن من البشر، ولذلك بدأت هي الأخرى في بناء مواقع لها، وباتت مواقع لمؤسسات حقوقية مثل موقع منظمة العفو الدولية أو هيومان رايتس ووتش عالميا، أو موقع لشبكة أمان أو الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان عربيا، مقصدا لآلاف الزوار يوميا، تقدم المعلومة للجمهور والصحفيين والباحثين وتتيح المشاركة لمن يرغب.

ونشرت جريدة "القاهرة" في صفحتها العاشرة بعددها الصادر بالقاهرة الثلاثاء 18/12/2007 خبرا مطولا لشريف هلالي عن دراسة استطلاعية أصدرتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان التي تسعى إلى التعرف على كيفية تعامل المواقع الإعلامية الكبرى على الإنترنت مع حقوق الإنسان.

وتم اختيار ثمانية مواقع إعلامية على شبكة الإنترنت ذات تأثير واسع على متصفح الإنترنت باللغة العربية، مع مراعاة التنوع بين مواقع تهدف إلى الربح وأخرى أيديولوجية أو تدعمها مؤسسات كبرى، وهي مواقع يعد كل منها مؤسسة إعلامية متكاملة وموجهة للجمهور العربي، وهي: الجزيرة نت، والعربية نت، وإسلام أون لاين، والأقباط متحدون، وميدل إيست أون لاين، ونسيج، وإيلاف، ومحيط، ومعها 8 مواقع لمنظمات حقوقية باليمن وتونس والأردن وباريس ومصر.

وحسب جريدة "القاهرة" فإن الدراسة ركزت على بعض الحقوق المحددة لتقيس عليها موقف المؤسسات الإعلامية وهي: حقوق المرأة، والأقليات، والتسامح مع الآخر، وحقوق اللاجئين، وحرمة الحياة الخاصة.

وبالنسبة لموقع ميدل إيست أونلاين أشارت الدراسة إلى مضمون المادة الإعلامية للموقع حول الحق في المشاركة السياسية ونشاطات حركة حقوق الإنسان، فضلا عن حرية الرأي والتعبير، بما يعكس الطابع السياسي لاهتمامات الموقع بحقوق الإنسان وبالفئات الاجتماعية الأعلى صوتا مع بروز واضح للدعاية لممارسات كل من تونس والمغرب وليبيا، فيما يتوسع في انتهاكات الجزائر ومصر وأميركا.

وترى الدراسة أن المادة الإعلامية في ميدل إيست أونلاين تشهد أسبقية قضايا المرأة على الأقليات واللاجئين، ولكنها تتشابه مع المواقع الأخرى من حيث احتلال الحياة الخاصة ذيل القائمة.

وأوضحت الدراسة أن الموقع يعتمد بشكل كبير على الدراسات والمقالات في نشر رسالته الإعلامية، واحتلت حقوق المرأة المكانة الأولى بين الحقوق الأربعة موضع الدراسة.

وتختم الدراسة تحليلها لموقع ميدل إيست أونلاين بأن الموقع بشكل عام يربط بين قضايا المرأة والجهل والفقر والعادات الاجتماعية الضارة.

مسرح بابل» يتحدى الانفجارات بالغناء والجنون

جواد الأسدي يقرأ بعيون «نساء السكسوفون» مستقبل بيروت 

للأسبوع الثالث على التوالي، يتحدى المخرج العراقي جواد الأسدي كل الأوجاع، متعالياً على المخاوف، والأحداث القاتمة، والانفجارات المختبئة في السيارات المفخخة، ويواصل عرض مسرحية «نساء السكسوفون»، في قلب منطقة الحمراء البيروتية، وفي مسرحه الجديد «بابل» الذي لم يتمكن من تحقيق حلمه بافتتاحه في بغداد، فوجد في بيروت بدلاً عن ضائع. مسرح جديد، في ظرف لبناني مائج بالتوقعات السوداء، ومسرحية تدشنه، وتحاول ان تقرأ مستقبلاً مجنوناً، بعيون نساء لا ينقصهن الذكاء، وإن غلبهن القهر.

تستقبلك المسرحية من الباب. لا داعي لأن تنتظر وصولك للصالة المخصصة للعرض والمدشنة حديثاً. فها هو الرسام العراقي جبر علوان بلوحاته الأخاذة يعرفك بـ«نساء السكسوفون» اللواتي اتيت لتكتشفهن بنسختهن العربية. مزيج من الألم والتمزق والتمرد. واقفات في اللوحات، مستلقيات، متمايلات متجمعات متفرقات. تتوزعهن اللوحات التي حملت في غالبيتها اسماء ألوان الأعمال. وعلوان محق في تسمياته، فاللون عنده ينطق ويبهر. الأحمر الفاقع في فساتين النساء كما الأزرق الناري والأخضر، كلها تقهر الخلفيات السوداء التي تحاول أن تسرق بريق السيدات التائهات، لكن دون جدوى. جبر علوان، شريك جواد الأسدي، هذه المرة، يقدم رؤيته الخاصة لمسرحية لوركا الشهيرة «بيت برناردا ألبا» المأخوذ عنها العمل، ويبدو اكثر ميلاً لكسر حصار النساء من الأسدي، الذي ما أن يدخلنا لمشاهدة العرض حتى نعرف أننا علقنا في المصيدة.

خشبة المسرح التي اختبأت خلفيتها وراء ستارة شفافة تتحرك فيها نساء هائمات على وجوههن. انهن متوترات، متألمات وهائجات. بطلات الأسدي معذبات، لكنهن طريفات ومضحكات. برناردا (جاهدة وهبة) المغنية الأوبرالية القاسية، الصارمة، التي فقدت زوجها للتو تعلن الحداد عليه أربعة أشهر وتفرض على ابنتيها التزام المنزل. حداد لا تعرف إن كان على الفقيد أو على موت العائلة التي ستكتشف خلال ساعة وربع من العرض انها مهشمة كالمرايا المكسورة، بفعل القهر، والضغط، وانقطاع حبال التواصل في ما بينها.

نسف جواد الأسدي نص فردريكو غارسيا لوركا الطالع من قلب مرحلة فرانكو حيث كانت اسبانيا على شفا حرب أهلية، وترك منه بعض نسائه والحداد على الزوج المفقود، والتمزقات النسائية في مجتمع تقليدي، والمراوح الملونة، والجياد، والبيت المغلق الذي تعيش فيه برناردا مع بناتها (اختصرهن الأسدي في اثنتين) ومعهن خادمة والجدة. لعب دورها الممثل رفعت طربية، حليق الرأس، متدلي القرطين، بكثير من الظرف الممزوج بفكاهة ندية. كل امرأة لها عالمها الذي تحلّق فيه داخل البيت/ السجن، الذي يستحيل إلى جحيم. وكعاشق للعمل على أداء الممثل، حاول الأسدي هذه المرة، ان ينحت في شخصية كل من ممثليه ليجود بما عنده، وينضح مما فيه. ركز على صوت جاهدة كمطربة، واتكأ على حنجرتها ليحيل بعض الحوارات غناء ساخراً، عابثاً وهزلياً، تشاركها فيه خادمتها لابونيتا (عايدة صبرا) بردائها المتماسك بفضل ملاقط الغسيل الملونة. دور صعب ونابض، أبرز عبقرية صبرا في أداء قوي، مثير، ولا نبالغ لو قلنا، انه قزّم كل ما حوله، وربما ظلم الممثلين الآخرين. الحوارات التي مزجت فصحى الأسدي الدرامية القوية، بعامية لبنانية لاذعة ولمّاحة، جاءت ساخرة وعذبة، سترت ضعف حكاية النساء، التي أرادها الأسدي شرسة، مدمرة، دون أن يتمكن من حبك خيوط دراميتها. فبدا وكأن ثمة تضخيماً في تصوير مأساة لا يستطيع المتفرج أن يقبض على أطرافها.

السينوغرافيا، لم تترك العين تملّ، الألوان الجميلة، قطع الديكور المتحركة، الملابس الجذابة. تقسيم المسرح إلى جزء نراه من وراء ستار شفاف، وآخر في الجهة الأمامية جلي، قريب واضح، كناية عما يدور في ضمائر النساء. هناك الخفي الذي يطفو على السطح أثناء العرض، فيما الستارة الشفافة تنغلق وتنفتح، وفق الحاجة، والمكشوف العاري، الجهري والصدامي.

الكنبات الحمراء الضخمة الفاقعة، تليق ببرناردا الفنانة الكبيرة، المتألقة، وبشطحات ابنتها أديلا (إيفون الهاشم)، المتفجرة أنوثة، والتي تستلقي عليها، لتتدفق كلماتها رغبة ونزقاً. فيما الابنة المنوية المنطوية ماجدولينا (نادين جمعة) بنظاراتها الطبية وشعرها المربوط وجسدها المستدير تليق بها وبحبها للكتب، واستكشاف الحقائق تلك الكراسي المتقشفة، والأجواء الصارمة.

«ليس من هواء نظيف يغسل الحدائق» في عالم «نساء السكسوفون»، المنكفآت على مواجعهن، والمتواجهات فيما بينهن. الزوج الخائن الذي رحل، تاركا وراءه، زوجة تلملم بيتا متشظياً، البنتان الكارهتان للأم، المتحاربتان في ما بينهما، والجدة التي تحاول ان تنثر شيئاً من الحياة العفية في بيت ينهار. حروب في الخارج، وخراب، ونساء يخضن حروبهن الشخصية والعائلية. لا يعرف المتفرج، وسط هذه الفوضى الشعورية والقيمية، التي تغنيها برناردا بالفرنسية والاسبانية والعربية، ويدوزنها الأسدي على ايقاع الفلامنكو، هل انت في قاع المأساة اللبنانية أم العراقية، ام ان المسرحية تسرقك إلى خراب إنساني بلا سقف.

عرض مغامر يقدم، في ظروف استثنائية، لمخرج اختار الموسيقى والغناء والفكاهة، وسيلة للخروج من قمقم الصمت إلى فضاء البوح المسرحي، في مدينة جريحة وحزينة. «نساء السكسوفون» بكل ما اوتين من اضطراب وتمرد وثورة، وبحث عن ذواتهن المفقودة، يستقبلن زوارهن في «مسرح بابل» كل مساء خميس وجمعة وسبت وأحد، لا يأبهن بالخوف الضارب حصاره على بيروت. أما المتفرجون فليس أمامهم سوى التجاوب مع دعوة نساء الأسدي، في جنونهن المتوقد.

المراكز الثقافية العربية في باريس: حوار الثقافات على أرض الواقع رغم العقبات 

في الوقت الذي تنشط فيه المراكز الثقافية الغربية من فرنسية واسبانية وبريطانية واميركية في الدول العربية، حتى أنها تكاد تمول كل شيء، وتحرك الفكر والأدب والمسرح وتوجه السينما، يكاد يقتصر طموح المراكز الثقافية العربية في الغرب على خدمات الحد الأدنى. ومع ذلك فهذه المراكز لا تشكو من ضعف أو تئن من ضمور، إلا قليلا، وتعتبر نفسها، في بعض الأحيان، سبّاقة ورائدة وتؤدي واجبها على أكمل وجه، فهل تقوم المراكز الثقافية العربية بما هو مطلوب منها، خاصة ان بعضها لا يجد التمويل الكافي؟ جولة على واجهاتنا الثقافية في باريس، لجسّ النبض... وهنا تحقيق من عاصمة الأنوار.

التعريف بمزايا الثقافة العربية، من أجل سّد الثغرات ومحاربة الأحكام المسّبقة ضد شعوب العالم العربي والإسلامي، هي المهمة التي تقع على عاتق الهيئات والمراكز الثقافية العربية التي تعتبر الواجهة الشرفية لإبداعات أوطاننا في الخارج.

«المركز الثقافي الجزائري» في باريس، يعتبره مسؤوله، «مساحة للتعريف بالثقافة الجزائرية». هو واحد من أهم المراكز العربية في عاصمة الأنوار من حيث طاقته الاستيعابية. بني المركز سنة 1983 بعد زيارة للرئيس السابق الشاذلي بن جديد لفرنسا. مبنى مكون من ثلاثة طوابق، تفتح أبوابها لأكثر من 100 زائر يومياً، يقصدون قاعة المعارض، والمحاضرات وأقسام تعليم اللغة العربية والموسيقى، وبصفة خاصة المكتبة التي أصبحت معبرا للباحثين والطلبة المهتمين بالإشكاليات الخاصة بهذا البلد، والغنية بأكثر من 15000 مرجع. نستفهم من مسؤول خلية الاتصال في هذا المركز، كيف يرى مهمته على ضوء ما يسمى الآن بحوار الثقافات، وهل يعتقد أن المسؤوليات أصبحت أكبر، يجيب: «مهمتنا الأساسية أولاً الحفاظ على التواصل الثقافي مع جاليتنا في المهجر. وهي المسؤولية التي وُجدنا هنا من أجلها. لكننا عندما نستضيف فنانين ومثقفين فرنسيين فإننا نحاور الآخر أيضا، ونفتح له بابا للتعبير عن وجهة نظره. ننظم هذا الأسبوع مثلاً، لقاء مع المحامي الفرنسي المعروف جاك فرجيس، الذي سيتحدث عن موضوع شائك، وهو موضوع الاستعمار وحق الشعوب المستضعفة في تقرير مصيرها. كما ننظم لقاء مع الكاتب الجزائري ياسمينة خضرا حول ثلاثيته: سنونوات كابول، النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وأخيرا حوريات بغداد. وهي كلها مواضيع تدعو إلى النقاش والتأمل في ما آلت إليه علاقات الشرق بالغرب. وهي مطبوعة مليئة كلها، للأسف، بالنزاعات والحروب. وهذه بالمناسبة، مواضيع تفرض نفسها على الساحة الثقافية الآن. ولا نختارها عن قصد».

بضع محطات مترو تفصل «المركز الثقافي الجزائري» عن «المركز الثقافي المصري» في قلب الحّي اللاتيني بشارع سان ميشال. البناية الجميلة، صغيرة المساحة ودائمة الاكتظاظ بالزوار، الذين يصلون إلى مكتب المدير الضاج بالحركة والنشاط. أُنشئ المركز المصري سنة 1965 لاستقبال الطلبة المصريين الذين يدرسون بفرنسا، ثم تحول سنة 1970 إلى مركز مهمته تقديم الثقافة المصرية للجمهور الفرنسي، يسانده في ذلك المكتب الثقافي التابع للسفارة، الذي ينسق مشاريع التعاون العلمي والثقافي بين جمهورية مصر والدول الفرنكوفونية كفرنسا بلجيكا وسويسرا. «لم ننتظر أحداث 11 سبتمبر (ايلول)، لنشجع التبادل الثقافي وردم الهّوة بين الشرق والغرب»، يقول محمود إسماعيل مدير المركز المصري، ويواصل: «بدأنا منذ سبع سنوات تنظيم ما يسمى الليالي المصرية الرمضانية. نحاول سنوياً من خلال هذه الاحتفاليات إبراز الوجه الإيجابي والغني للثقافة العربية، وتفنيد ما يشاع عنها من أنها ثقافة عنف ومحظورات. نحاور الآخر كل يوم بطريقة عملية، عندما يجد الزائر الفرنسي، الذي يدفع باب مركزنا بحثا عن شيء ما، الاستقبال الجيد، والابتسامة العريضة والجواب عن سؤاله. ففَهْمُ الشرق يبدأ من التعرف على حضارته وإنجازاته».

نفس وجهة النظر يتبناها دمينيك بوديس، مدير «معهد العالم العربي» أكبر واجهة للثقافة العربية في بلاد الغرب فيقول: «نستقبل سنويا أكثر من مليون زائر، كثير منهم سياح من مختلف بقاع العالم، يقصدوننا للتعرف على هذا الصرح الذي بني لتمجيد عطاءات الثقافة العربية. وهو ما يجعل مهمتنا مزدوجة باعتبارنا واجهة للثقافة العربية، ولكن أيضا مساحة مفتوحة على حوار الحضارات». «لا معنى لحوار مبني على جهل الآخر»، هو أيضا ما يؤكده البروفيسور جلبار غراغيوم، أستاذ اللغة العربية والمفكر المهتم بإشكاليات اللغة والثقافة في العالم العربي والمغرب تحديدا. وهو يرى «أن فكرة الآخر تثير لدينا، نحن الغربيين، الخوف، لما تمثله من تهديد بالتغيير. ويزداد الخوف كلما كان الآخر أقرب». وهي الحالة التي يعيشها الغرب والعالم العربي، في إطار نظام العولمة الجديد. وهكذا كلما اقترب الآخر من الذات، ينمو تجاهه إحساس بالنبذ والرفض. يضيف البروفيسور غران غيوم: «ثبُتَ تاريخياً فضل الفكر الإسلامي في النهضة الأوروبية. ما حدث أن الغرب نسي هذه الحقيقة وأشاع في أدبياته أنه تطور تلقائيا. صحيح أن ثمة فقراً في الحوار الذي تعيشه العلاقات الثقافية، لكني متفائل بالمستقبل، خاصة أن شبكة الانترنت ووسائل الاتصال والتنقل تطورت بشكل يسمح برفع كل الحواجز. وهي المهمة التي تقع أيضا على عاتق الجمعيات الثقافية، المدارس والمثقفين بأن يتم تشجيع تعليم اللغات الأجنبية وترجمة الكتب والتبادل الثقافي».

جمعيات كثيرة تكونت تلقائياً في بلاد المهجر لتعزيز التواصل بين الثقافات. وكلها تطمح للعب دور محدّد في سّد الثغرات التي تحول دون تحقيق وتعميق هذا التبادل، كجمعية «أوغاريت» التي عرفت النور في مدينة باريس. تتكون من مجموعة من المثقفين العرب والفرنسيين، يؤمنون بأن دعوات الحوار لن تكون ذات أثر إن لم نوفر لها مقوماتها، بالتعريف بثقافة الآخر وإنجازاته. ليس فقط مساهمات هذه الثقافة في الحضارة الإنسانية، كما جرت العادة، بل وبالأخص، جديد الثقافة وكتّابها الجدد، والهموم التي تشغل الوسط الثقافي على الضفتين. كما تصدر لهذه الجمعية مجلة فصلية ناطقة باللغتين العربية والفرنسية. بربارة تروتونار، باحثة وعضو في جمعية «أوغاريت» ترى أن مهمة الجمعيات الثقافية هذه، يعوقها تدخل الإعلام، الذي يتخذ من موضوع حوار الثقافات مادة استهلاكية من شأنها تغييب المغزى الحقيقي للظاهرة. وتقول: «أصبح الحديث عن الثقافات الأخرى درباً من دروب الموضة. الناس يعتقدون أنهم عندما يتعرفون على نمط عيش الآخر وأكله وملبسه كما تنقلها لهم وسائل الإعلام، فإنهم قد تعرفوا بذلك على ثقافته، إلا أن هذه الوسائل للأسف، لا تحمي الآخر من الاختزال، كما أنها لا توضح الثروات الحقيقية للثقافات». ياسر أيوب من جمعية «أوغاريت»، يلوم أيضا وسائل الإعلام لفرط تناولها موضوع حوار الثقافات، حتى كاد ذلك يمّس بشرعيتها، ويجعل منها أكذوبة إعلامية تخدم أهدافا بعيدة كل البعد عن الثقافة. محمود إسماعيل، مدير المركز المصري، يرى أن الأمور ابسط من ذلك والتواصل الثقافي مع المجتمعات الغربية ممكن على أرض الواقع. حوار الثقافات لا يقتصر على حوار المثقفين في ما بينهم فيقول: «لمست بنفسي حاجة الفرنسيين لمعرفة المزيد عن المجتمعات الشرقية. أرى فضولهم يتزايد، من خلال أسئلتهم عن موقفنا من هذا الموضوع أو ذاك، كيف نرى ذلك الحدث أو ذاك؟ وهو ما يشكل في رأيي دعوة صريحة للتحاور والتعايش السلمي، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث بدأنا نسجل ارتفاعا في عدد الطلبات على تعلم اللغة العربية بدافع الرغبة في فهم عقليتنا. ورغم أن مركز تعليم اللغة كان مغلقاً، ولم يعد فتحه إلا سنة 2002 إلا أن عدد المسجلين دائم الارتفاع، وكثيراً ما يصل إلى 40 طالبا في الدورة، من دون الحديث عن الطلبات التي نتلقاها من الفرنسيين عبر الانترنت والهاتف، ممن يريدون السفر إلى مصر وخوض تجربة العيش وسط مجتمع عربي. كل أولئك هم من أشخاص لا يؤمنون بالأحكام المسبقة ولا يريدون ترك الإعلام يقوم بالمهمة عوضا عنهم». لكنه يتحدث عن العقبات أيضا فيقول: «لا نحظى للأسف بالدعم المادي الكافي، بل إن إمكانياتنا في تناقص مستمر. ننشط بفضل تمويل وزارة الثقافة المصرية ومساعدات تقدمها بعض الهيئات الفرنسية، وهذا غير كاف. علما بأننا نتكفل شهريا بإقامة العشرات من النشاطات المختلفة، ونستقبل العديد من الشخصيات المرموقة». أما دمينيك بوديس، مدير المعهد العالم العربي فيلوم بعض الدول العربية لتهربها من تشجيع الهيئات الثقافية التي تدفع بسبل الحوار ويقول: «المشاكل المادية اكبر عقبة اعترضت طريقي عندما تسلمت رئاسة المعهد. وجدت المعهد مثقلاً بـ15 مليون يورو من الديون، لم استطع إنقاذه إلا عندما أقنعت الحكومة الفرنسية برفع قيمة مساعداتها، كما اقتلعت وعوداً صريحة من بعض الدول العربية كالعراق، ليبيا، السودان واليمن بأنها ستدفع مستحقاتها المادية المتأخرة والقادمة تجاه المعهد بصفة منتظمة». مشاكل ثم مشاكل هو أيضا ما يواجه المركز الثقافي الجزائري الذي يقول مسؤول اتصاله: «عانينا عدة مشاكل، أهمها الفراغ الإداري، حيث ظل المركز من دون مدير لسنتين، إلى أن تمّ أخيرا تنصيب الكاتب الفركوفوني المعروف محمد مول السهول الملقب بـ«ياسمينة خضرا». وضعية عدم الاستقرار التي عاشها المركز جعلتنا نعمل في ظروف صعبة، رغم ذلك حرصنا على التمّسك بحبال التواصل الثقافي مع جاليتنا التي نراهن عليها، لتقدم للغرب أحسن صورة عن الثقافة العربية. نحن نؤمن بأن وجود هؤلاء في قلب المجتمعات الغربية بقيم إيجابية، وذهنيات مفتوحة ومسالمة، هو ما سيسّهل تقرب الغربيين من حاملي الثقافات الشرقية ويجعلهم يقتنعون بأن المسافة التي تفصل الحضارتين، هي في الواقع جد قريبة». يختم مسؤول الاتصال تدخله بنبرة تفاؤلية فيقول: «أنا متفائل جداً، بسبب إقبال الكثيرين على تعلم اللّغة والموسيقى الأندلسية والخّط العربي، حتى أننا استطعنا تحقيق نوع من التمويل الذاتي بين سنتي 2001 و 2004 بفضل إيرادات مدرسة اللغة التي يقصدها شبان وأطفال الجيل الثاني والثالث من المهاجرين. وإذا بقي الاهتمام بهذا المستوى، فإن الأمور ستكون على ما يرام بالنسبة لنا». شعور معاكس ينقله البروفيسور إيف غونسليس كيجانو، أستاذ اللغة العربية في جامعة ليون، وباحث في الإشكاليات الثقافية للعالم العربي. وهو ينقل من موقعه حيثيات عملية التقارب الثقافي التي أطلقها المعهد الثقافي الالماني «غوته انستوتي» بعد احداث 11 سبتمبر تحت عنوان «الأريكة الشرقية الغربية»، التي تعتمد على مبدأ استضافة كتاب عرب وألمان لبعضهم البعض لفترة معينة والخروج بمنتوج أدبي، يكون خلاصة هذا التقارب. وقد كانت تجربة التبادل بين الكاتب اللبناني رشيد الضيف وزميله الألماني جواكيم هلفر معبرة إلى حّد كبير. فقد انتهت التجربة بين الأديبين بحرب كلامية، وتبادل للتهم عبر كتابيهما، وبفشل ذريع لفكرة تقبل الآخر باختلافاته. فهل حكم على مسألة التبادل الثقافي بين الشرق والغرب أن تبقى حبراً على ورق؟

الاضطراب السياسي يهيمن على المشهد الثقافي العربي بين عام ينصرم وسنة مقبلة ...

 1-  قدر المثقفين اللبنانيين ان يواجهوا «مأساة» وطن

هل يمكن الكلام عن موسم ثقافي شهدته بيروت خلال هذه السنة في ظل الاضطراب السياسي والأمني الذي ألقى بثقله على لبنان؟ هذا الاضطراب بلغ ذروته في الفراغ الرئاسي الذي لا تمكن قراءته إلا كفراغ سياسي زاد من احوال الإحباط واليأس التي يعيشها اللبنانيون على اختلاف انتماءاتهم. وكان سبقه احتلال «الخيم» قلب بيروت وتعطيل حركة هذا القلب وإلغاء جزء من المدينة «تصفيةً» لبعض «الحسابات» السياسية، وكأن قلب المدينة تملكه جهة دون أخرى. لكنها «الكراهية» الأهلية تشمل المكان ايضاً وتصب عليه نارها. 

اللافت جداً غياب الصوت الثقافي عن «الساحة» السياسية واعتكاف المثقفين وعدم شروعهم في أداء دور ما، فعلي أو عملي. طبعاً الثقافة تكون دوماً الضحية الأولى في مثل هذه الظروف المعقدة، لأنها الأضعف والأكثر «تهميشاً» وعزلة. ماذا يستطيع المثقفون ان يفعلوا وسط هذا الحصار؟ بعضهم «جيّشوا» أقلامهم وكتبوا مقالات احتجاجية ناقدين احياناً جهات وأحزاباً و «زعماء»... لكن تلك المقالات لم تكن كافية ولم يكن لها الأثر المفترض والصدى. إنها حيلتهم الوحيدة في مواجهة التردي الذي لم تشهده الحياة السياسية في لبنان سابقاً. هل يستطيع المثقفون ان يعتصموا أو أن يتظاهروا ويعلنوا العصيان وكأنهم يؤدون الدور الذي على النقابات المدنية ان تؤديه؟

إلا أن الحركة الثقافية لم تتوقف طوال هذه السنة «المعطلة» سياسياً. هذه إحدى صفات بيروت منذ ما قبل الحرب الأهلية وخلال الحرب وما بعدها. هناك سر اسمه بيروت الثقافة. حتى وسط الأنقاض تنهض الثقافة في بيروت. حتى بلا جمهور أو بجمهور قليل. هكذا شهدت بيروت مثلاً ولادة مسرح «بابل» في شارع الحمراء العريق. مسرح عربي وليس لبنانياً اسسه المخرج العراقي جواد الأسدي. وجد هذا الفنان المهاجر و «المغترب» في بيروت المكان الملائم لـ «الإقامة» على رغم المأزق السياسي اللبناني. وكانت مسرحيته «نساء السكسوفون» التي افتتحت هذا المسرح عملاً جميلاً، عنيفاً بجماليته وصارخاً بمأسويته. المسرح اللبناني «المأزوم» مادياً كان له موسم ضئيل، ولكن بديع في احيان. ربيع مروة ولينا صانع وفادي توفيق قدموا مسرحية فريدة ابطالها شهداء لبنانيون. شاركت هذه المسرحية التي أنتجتها جمعية «أشكال ألوان» في مهرجان الخريف الباريسي وحققت نجاحاً. المسرح الشبابي لم يتوقف ونمّت بعض الأعمال عن مواهب شابة سيكون لها موقعها. حتى السينما اللبنانية كان لها هذه السنة حضورها القوي والمشع. المخرجة الشابة نادين لبكي حققت نجاحاً عالمياً في فيلمها «سكر بنات». وأنجز برهان علوية فيلماً عنوانه «خلص» خارجاً من صمت اكثر من عشرين عاماً. وأخرج فيليب عرقتنجي فيلماً عن حرب «تموز» التي شنتها اسرائيل على لبنان.

يصعب تعداد الأعمال الفنية التي شهدها الموسم طوال سنة. وقد لا يفي التعداد في قراءة المشهد الثقافي، فالتراكم العددي وحده لا يمنح فكرة واضحة عن طبيعة الحركة الثقافية والفنية. المعارض التشكيلية توالت بوفرة معربة عن نضج واضح في عالم الرسم وتوابعه. رسامون شباب يتقدمون المشهد التشكيلي بمواهبهم النقية، وبعضهم جاء من الخارج حاملاً معه احدث التقنيات والأساليب. اما الرسامون الرواد والمخضرمون فكان لهم حضورهم ايضاً. الفن التشكيلي هو من الحقول التي تشهد تطوراً وتحولاً وفيها يتم التجريب والبحث عن لغة جديدة.

وإذا كانت بيروت عُرفت بكونها عاصمة للنشر العربي التي لم تستطع حربها الأهلية ان تنزع عنها هذه الصفة، فهي بدت هذه السنة متعثرة قليلاً في حركة النشر. كأن بيروت بدأت تميل الى ان تكون «مطبعة» عربية، ليس لأن سوق الكتاب فيها ضئيلة ازاء الأسواق العربية الأخرى، بل لأن عواصم اخرى باتت تسبقها في النشر والترجمة والترويج والتسويق. ويشهد معرض بيروت للكتاب على هذه «الأزمة» التي بدأت تعانيها بيروت. فالمعرض الأعرق عربياً يكاد يصبح معرضاً محلياً. دور النشر العربية لم يعد يستهويها معرض بيروت هذه السنة على ما يبدو. والناشرون اللبنانيون يتسابقون على عقد اتفاقات مع الدور العربية ليمثلوها ويعرضوا كتبها. وقد بدا معرض بيروت غير قادر على منافسة معارض عربية كثيرة سبقته تقنياً. معرض مثل معرض الشارقة ضم في دورته الأخيرة اكثر من ستمئة دار. ومعرض مثل معرض الرياض فاجأ الناشرين العرب في حركة الإقبال الجماهيري عليه. معرض بيروت ضم نحو مئة وستين داراً معظمها لبنانية ومتفاوتة حجماً، عطفاً على المكتبات. الأسماء العربية من شعراء وكتّاب وباحثين غابت عن المعرض أو كادت تغيب. إنه الواقع اللبناني منعكساً على حركة النشر، والمعرض في قلب هذه الحركة. إلا ان اللافت هو صعود حركة النشر الشعري لا سيما خلال هذه السنة. دار النهضة العربية أطلقت سلسلة شعرية ونشرت اكثر من ثلاثين ديواناً لثلاثين شاعراً من لبنان والعالم العربي. هذه السلسلة بدت أشبه بالظاهرة الفريدة وذكّرت بما قامت به سابقاً دار الجديد التي جمعت حولها عدداً كبيراً من الشعراء العرب واللبنانيين الجدد والشباب. إلا ان دار الجديد اصطدمت بجدار «موت» الشعر ونعته في احد معارض بيروت للكتاب وتوقفت تقريباً عن نشر الشعر بعدما عجزت عن تسويق الدواوين المتراكمة لديها. دار النهضة العربية تخوض التحدي بجرأة ودراية معتمدة سياسة عملية في التوزيع والترويج. وقد أحيت سلسلتها حالاً من النهوض في نشر الشعر اللبناني والعربي وباتت محط اهتمام الشعراء وقراء الشعر على السواء. المؤسسة العربية للنشر والتوزيع «المقيمة» بين بيروت وعمان تواصل إصدار سلسلة «الأعمال الشعرية»، وقد استقطبت أسماء مهمة وطليعية عطفاً على بضعة أسماء لا تبدو مؤهلة لأن تدرج في هذه السلسلة. دار النهار لم تتوقف عن نشر الشعر ايضاً ولا سيما الفرنكوفوني وكذلك دار الساقي. واستحدثت الدار العربية للعلوم – ناشرون سلسلة «المختارات» الشعرية عطفاً على انفتاحها على النشر المشترك لا سيما مع حركة «الاختلاف» الجزائرية والمجلس العراقي للثقافة. ما زال «لبنان الشاعر» في طليعة الحركة الأدبية الراهنة. الأسماء الروائية ما زالت هي نفسها ويبدو ان لا أسماء جديدة وشابة في هذا الميدان. هذه ظاهرة لافتة. بعد «فورة» رواية الحرب وصعود اسماء مهمة ها هي الحركة الروائية تشهد حالاً من الانحسار. وقد تحتاج هذه الظاهرة الى مقاربة خاصة تتناول أبعادها وخلفياتها. اما حركة الترجمة فبطيئة كانت هذه السنة. وأبرز الظواهر ترجمة بضعة اعمال للروائي الياباني هاروكي موراكامي الذي شاء المركز الثقافي العربي ان يعرّف القراء العرب به، هو الذي بات مترجماً الى لغات عدة. دار الجمل التي تطبع كتبها في بيروت – وإن كانت ألمانية المركز – هي من أنشط الدور العربية في لبنان، نشراً شعرياً وتراثياً، وكذلك في حقل الترجمة. دار الآداب ناشطة ايضاً في حقل الرواية العربية والترجمة... ترى كيف ستواجه بيروت الأزمة التي بدأت تلوح في عالم النشر الذي كانت فيه سبّاقة؟ هل ستتحول بيروت «مطبعة» عربية بعدما سبقتها عواصم كثيرة في ميدان النشر والتوزيع؟

ما أصعب اختصار سنة من النشاط الثقافي والفني في بلاد تعاني حالاً من «العطالة» السياسية. المثقفون مهمشون والثقافة في معظمها وليدة «القطاعات» الخاصة، الصغيرة و «الفقيرة». إنها الثقافة، الأداة الوحيدة التي يمكن عبرها مواجهة «الموات» السياسي واليأس والإحباط. هذا ما تفعله بيروت دائماً. ولكن الى متى تستطيع الثقافة ان تصمد في وجه التقهقر السياسي؟ بل الى متى يستطيع المثقفون ان يبذلوا ما يبذلون من جهد ليتمكنوا من ترسيخ الحياة الحقيقية؟ إنه قدر الثقافة بل قدر المثقفين، ان يواجهوا قدر لبنان المحفوف بالمآسي!

 2-  قلق في الثقافة المصرية... الحرية أمام الخطر وانقسام في مواجهته

من الصعب قراءة ما جرى في الثقافة المصرية خلال العام الذي ينصرم من دون التوقف أمام جملة من الدلالات تؤكد أن حرية التعبير والإبداع باتت في خطر، في ظل توسع لافت في أداء الأجهزة الرقابية الرسمية، الى جانب تفشي مختلف أشكال الرقابة المجتمعية سواء تلك التي تمارسها مؤسسات دينية أو التي يمارسها محامون وشيوخ باتوا الأقرب إلى الاستجابة لنزعات تلك المؤسسات التي لا يزال القانون، على رغم ما فيها من ثغرات، حائلاً دون عملها الكامل. ولا شك في ان «خطر الرقابة المجتمعية التي تظهر من خلال مجموعة القوى والحركات والتنظيمات الاجتماعية والسياسية والتي قد تتخذ من الأعمال الإبداعية موقفاً عدائياً، بات هو الأخطر، فهذه الرقابة لا تستند الى شرط التنظيم القانوني أو الأبعاد السياسية المباشرة وانما ترتبط باتجاه عام وسم المجتمع المصري كله بسمة محافظة تمارس تأثيرها في مجرى حرية التعبير وتنجح في فرض قيود جديدة. ومن اللافت أن هذه الرقابة يمارسها كذلك نواب منتخبون في مجالس نيابية، أو الصحافة ذات الطابع الشعبوي. 

تظاهرة لحركة «كفاية» المصرية 

ومما يزيد من دلالات القلق أن هذا التوسع يأتي في إزاء تراجع النخبة المصرية عن أداء دورها التاريخي في الحفاظ على مكتسبات الدولة المدنية التي تتعرض قيمها للتآكل في مناخ يعرضها لأشكال الاستقطاب كافة. وهذه السنة تعرضت حرية الرأي والتعبير في مصر لمجموعة من الاختبارات القاسية كان أولها الحكم بالسجن الذي أصدرته الحكومة المصرية للمرة الأولى في حق صاحب مدوّنة بسبب كتاباته، ما هدد أحد نوافذ حرية التعبير التي ظهرت على الإنترنت - بحسب بيان أصدرته منظمة «هيومان رايتس واتش». وكانت محكمة في الإسكندرية دانت عبدالكريم نبيل سليمان وحكمت بسجنه أربع سنوات بزعم «إهانة الإسلام وإهانة رئيس الجمهورية، ونشر معلومات تخل بالأمن العام». وعدت المنظمات الدولية هذا الحُكم سابقة مُروعة في دولة فتحت فيها المدوّنات نافذة لحرية التعبير». وفي هذا السياق يمكن اعتبار النشاط غير العادي الذي أظهره الشيخ يوسف البدري في ملاحقة المبدعين والمفكرين المصريين قضائياً بحد ذاته أحد ابرز علامات القلق على فضاءات حرية التعبير في مصر. فالبدري عاود سيرته الأولى في استغلال «ثغرات» موجودة في قانون الحسبة الذي جرى تعديله بعد ازمة نصر حامد ابو زيد في العام 1996 تسمح له بتقديم بلاغات ضد مثقفين ومفكرين يختلف معهم في الرأي، وكان نجاحه الأكبر تمثل في ملاحقة الشاعر احمد عبدالمعطي حجازي الذي رفض تسديد ما قررته محكمة استئناف في القاهرة بتغريمه مبلغ 20 ألف جنيه (4 آلاف دولار أميركي) عقب اتهامه بقذف البدري، ورفض الشاعر دفع المبلغ، تأكيداً لموقفه ومفضلاً أن يباع أثاث منزله على أن يدفع أي جنيه للبدري الذي تنظر المحاكم راهناً في دعواه التي يطالب فيها بسحب جائزة الدولة للتفوق من الشاعر حلمي سالم. ونجح البدري في استصدار تقرير من مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر يزعم ان قصيدة «شرفة ليلى مراد» التي نشرها حلمي سالم في مجلة «ابداع» تتضمن اساءة دينية، الأمر الذي دفع «الشبكة العربية لحقوق الإنسان» الى القول إن ما يلجأ إليه البدري من إجراءات «ليس إلا مثالاً واضحاً لسوء استخدام القانون واستمرار نهج محاربة الكلمة والفكرة بالسجون والمحاكم بدلاً من قاعدة الكلمة بالكلمة والفكرة بالفكرة».

غير أن اللافت هذا العام تمثل في المسعى المضاد الذي تبناه مثقفون مصريون لمواجهة هذا النوع من الملاحقات. فقد تقدمت مجموعة من الأسماء التي استهدفها البدري، ومن بينهم جابر عصفور وجمال الغيطاني ومحمد البساطي، ببلاغات للنائب العام ضد البدري، فيما طالب حمدي الأسيوطي محامي الشاعر أحمد الشهاوي وزير الداخلية حبيب العادلي وشيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي بوقف تنفيذ قرار «مجمع البحوث الإسلامية» بمصادرة كتاب «الوصايا في عشق النساء» بدعوى تضمنه ألفاظاً فاحشة. وقال الأسيوطي في عريضة دعوى هي الأولى من نوعها، قام بتحريكها ضد كل منهما، «إن الفتوى التي أصدرها مجمع البحوث الإسلامية بمصادرة الجزء الأول من كتاب «الوصايا في عشق النساء» للشهاوي التي تضمنت كلمات من شأنها إهدار دم الشهاوي.

ولامت الدعوى «مجمع البحوث الإسلامية» لتضييقه دائرة حرية التعبير ونفت اعتبار الأزهر سلطة دينية لأن الإسلام لم يعرف مفهوم السلطة الدينية الذي عرفته الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى والدولة العثمانية في عصور الانحطاط. وأكدت أن «مجمع البحوث الإسلامية» خرج عن وظيفته التي تم تشكيله لأدائها طبقاً للمادة 10 من القانون المصري الرقم 103 للعام 1961 وقد نصت على أن يتولى المجمع الإشراف على طبع مصحف الأزهر الشريف ومصحف المطابع الأميرية وإصدار تصاريح طبع أو تداول المصحف الشريف لدور النشر المختلفة بعد مراجعة الأصول، وكذلك مراجعة الشرائط القرآنية للتأكد من خلوها من الأخطاء، وفحص المؤلفات الدينية في أشكالها كافة للتأكد من صلاحيتها وخلوها مما يتعارض مع الشريعة الإسلامية.

انقسامات حادة

لم تحظ هذه التحركات بالتأييد الكامل من الجماعة الثقافية المصرية التي شهدت انقسامات حادة في تقويم ما جرى. لم يجد حلمي سالم في أزمته الدعم الكامل من الشعراء ولا من المجلة التي نشرت قصيدته بل إن رئيس تحريرها الشاعر أحــمد عبدالمعطي حجازي دافع عن قرار رئيس هيئة الكتاب بمصادرتها. فيما تعرضت دعوى الشهاوي ضد الازهر للتشكيك وعدّها البعض آليه من آلياته في البحث عن الشهرة. وهو الاستنتاج ذاته الذي انتهى إليه الكثيرون وهم في صدد اتخاذ مواقفهم من الدعوى التي رفعها أحد المحامين لإسقاط الجنسية المصرية عن نوال السعداوي.

وفي حقيقة الأمر لا تمكن قراءة ما جرى لحرية التعبير في مصر من دون تأمل الإجراءات الرقابية التي تبنتها مؤسسات الدولة ذاتها وأبرزها منع مسرحية «اليهودي التائه» للكاتب يسري الجندي وصدور قرار بوقف عروضها على مسرح «الهناجر» استجابة لضغوط مارستها أجهزة أمنية ضد نص له طابعه التحريض في تناول الصراع العربي الإسرائيلي.

وبعيداً من هذا كله يمكن اعتبار القرار الذي صدر عن الرئيس المصري بترشيح وزير الثقافة فاروق حسني لرئاسة منظمة الـ «يونيسكو» أحد ابرز القرارات التي نالت حقها في النقاش في الأوساط الثقافية المصرية ومثّلت مناسبة مهمة لمراجعة السياسة التي اتبعها الوزير المثير للجدل. فبينما رأى البعض في قرار الترشيح «مكافأة» للوزير الذي كما يقول هذا البعض دمّر الثقافة المصرية وأدخل مثقفيها الى حظيرة الدولة، دعا آخرون الى دعمه لأنه يجسد صورة الدولة المصرية. لكن الجانب الأهم من النقاش حول هذا الملف ارتبط بـ «تفجير» قضية «الرشوة» التي اتهم فيها أيمن عبدالمنعم أحد أبرز معاوني الوزير وهي التهمة التي أكدتها تحقيقات النيابة العامة ورأى فيها البعض على رغم ذلك وسيلة من وسائل «عرقلة» الوزير الذي تأمل بلاده في الحصول على مقعد الـ «يونيسكو» على رغم المنافسة مع المرشحة المغربية عزيزة بناني.

 3- عراق بلا إبداع ولا مبدعين ... ينتظر بارقة أمل ولو ضئيلة

إذا كان الفنان يوسف العاني صرخ، قبل نحو سنة، أن في العراق اليوم مسرحيين بلا مسرح، فإن لمثقف، أو فنان آخر ان يبادله الصوت فيقول: إن العراق اليوم بلا ثقافة وبلا مثقفين. فخمسة أعوام من الاحتلال، ومن التدمير الأصولي المنظم لمؤسسات الثقافة، والتصفيات المدروسة والممنهجة للعلماء، والفنانين، وأساتذة الجامعات العراقيين قادت الى نوع من الهجرة الجماعية من جانب، والاعتزال والصمت، من جانب آخر - بالنسبة الى من تبقى. المهاجرون بحثوا عن ملاذات آمنة ما لبث الموت، بعصاباته الخفية، أن طاردهم فيها، والمعتزلون الصامتون بحثوا عن ملاذات في بيوتهم، متحصنين بالصمت الذي قاد الى حالات من الفراغ الثقافي المخيف. 

وخلال أعوام الاحتلال الخمسة هذه لم يقف التراجع أو التدهور الثقافي عند حد، وإنما امتد الى كل مفاصل الحياة الثقافية بما فيها الكتاب والمجلة الثقافية والندوة الأدبية والفنية أو الفكرية. ولم يكن هذا سوى بداية في تحقيق «الوعد الاميركي» (او التوعد) الذي أطلق بوجه العراق قبل حرب 1991 بإعادته، حياة وواقعاً، الى عهود ما قبل الثورة الصناعية. وهو ما تحقق، على نحو واضح خلال هذه السنوات بدءاً من العام 2003، عندما دخلت القوات الأميركية الغازية لتمارس دوراً تخريبياً - تدميرياً منظماً. ومنذ الساعات الأولى لاحتلال بغداد والمدن والمراكز العراقية الأخرى، كان من نتائجها الظاهرة للعيان أن خسر البلد جانباً كبيراً ومهماً وأساسياً من تراثه الحضاري (الآثار والمتاحف والمؤسسات الأكاديمية) والثقافي والفني (نهب الأعمال الفنية، وإحراق المكتبات العامة، وإتلاف الوثائق... وما الى ذلك)، والهدف والغاية من وراء هذا كله هما إشاعة واقع من التأخر والتخلف في الحياة العامة العراقية. فإذا ألحقنا بعمليات الدمار والتدمير هذه استهداف الكفاءات العلمية والأدبية والفنية، واضطرارها الى الهجرة أو الاعتزال والانقطاع عن أي فاعلية يمكن ان تكون لها مع الحياة العامة، أدركنا حجم المخطط وخطورته على مستقبل البلد وإنسانه.

ترافقت مع هذا، ودعمت حالة الانهيار فيه حالات مصاحبة تقع في إطار ما يسميه الناقد رينيه ويليك بـ «ما تحت الأدب» و «ما تحت الفن» أو الثقافة بمفهومها العلمي. لقد تصدرت الواجهات الثقافية (أو ما تبقى منها، وإن بصورة عروش خاوية) ما أطلق عليه، هنا، «البديل الثقافي» الذي راحت تغذيه جهات ومصادر عدة، بعضها تحت مسميات «المجتمع المدني»، وبعضها الآخر من «أطرافه» و «امتداداته» ليشيع ما يشكل «ثقافة سائدة»، وإن أدرك الجميع، منذ اللحظات الأولى، أنها لا تمثل أي ضرب من الضروب التاريخية، ولا عادت على هذا الواقع إلا بالحالات الكارثية، فضلاً عن كونها تتغذى ثقافياً ومادياً، من معطيات واقع استثنائي، وشاذ – إذا ما تعاملنا معه، أو نظرنا إليه وفقاً لمقومات الحياة الإنسانية بطبيعتها السليمة.

أمام هذا «الزمن الرديء» المنشغل بهذا كله، والممتلئ بهذا كله ماذا يبقى للثقافة بوجهها الانساني الرفيع، وبمعطياتها الابداعية أن تقدم؟ إن الحديث الذي يجري اليوم عن الفساد الاداري والنهب المالي وسرقة ثروات البلد، كان ينبغي أن يسبقه، أو يتزامن معه الحديث عن الفساد الثقافي والانحلال المعرفي، حيث تحوّل «مثقف الواجهة»، المثقف الداعم لمشروع الاحتلال، الى هادم لبناء الروح الانساني في المجتمع، والى مشجع لحرب على القيم الأيجابية للثقافة، والى داعية لثقافة العنف - التي تعززها قنوات إعلامية مرسومة الأدوار.

يحدث هذا كله، وسواه الكثير في كل يوم، في حرب منظمة على عقل الإنسان في هذا الوطن الذي تحول من غالب حضاري وثقافي الى مغلوب سياسي. ويحدث معه تغييب كل الوسائل المساعدة على الارتقاء بإنسانية هذا الانسان وحماية روحه من التلوث، وتحصين عقله ضدّ الإنهيار. تُغيَّب ثقافة التنوير، وتحتجب المجلة ذات البعد الأدبي والفكري الذي يقابس روح الحضارة بآدابها وفنونها التي تعلي من شأن الروح. وفي المقدمة من هذا الفعل – المخطط التدميري تغييب المثقف الحقيقي الذي يحمل مشروعاً ثقافياً تنويرياً يهدف الى تبديد ظلاميات التخلف.

ترافق مع هذا، خلال السنوات الخمس الماضية، ظهور لغة جديدة لا عهد للثقافة الحقيقية بكثير من مفرداتها. هي، حقيقة وواقعاً، من بعض مجتلبات الاحتلال، يتولى ترويجها موجّهون فعليون أكتنزوا خبرة التوجيه فيها خلال دورات الإعداد الثقافي التي سبقت غزو العراق، والتي انتظم فيها مثقفون معظمهم من عراقيي الخارج، بعضهم كان معروفاً بتطرفات اليساريين المعارضين، والبعض الآخر بميله اليميني المهادن. وقد اجتمعوا معاً يجمعهم هدف واحد مرسوم لهم سلفاً هو المصالحة مع ثقافة الاحتلال.

إن السؤال الذي يثار هنا هو عما تخبئه هذه الولادة الجديدة لثقافة العراق ولعقل إنسانه؟

إن المتياســرين من أفراد هذه الطبقة الجديدة يذهبون بك، إذا ما ســـألت، الى التاريخ القريب بما كان له من مواقف جافوا معظمها، مذكرين بأن الثورة الفرنسية إنما كان الفلاسفة هم من أعدّ لها. والثورة الروسية استمدت ديمومتها من الكتاب الذين انتقدوا النظام القيصري وتـــصدّوا له. أما هم، في ما يتخذون من أقنعة ينســـبون أنفسهم من ورائها، فليسوا إلاّ أحفاد هؤلاء وأولئك، ولا يهمـــهم تغــــيّر الفلسفة وتحولها، وتحولهم معها، من الموقف المادي الى الرؤية الغيبية، فالمهم في التماشي مع الموقف السائد هو الوصول الى الغاية. هذا في مستوى. وفي مستوى آخر هناك الشمولي - التوتاليتاري اليميني الذي تبحث الجماعات السلطوية من خلاله عن «لغتها» والتي هي لغة متطابقة تطابقاً طبيعياً مع لغة المحتل بصفته سيد الموقف.

والقول خلاصة إن جميع الأطراف في العراق، محكوماً بها، على تعدد أساليبها في التوجه، يعملون على تحويل الثقافة والواقع الثقافي في العراق من لوحة محفوظة، بما لها من موازين وأبعاد وقوى ذاتية فاعلة، الى واقع ممحو إدراكياً وثقافياً. فإذا ما بحثت اليوم عن الفنون التشكيلية وجدت قاعاتها مغلقة. وإذا ما أردت ان تقصد مؤسسة ثقافية وجدت واقعها محدوداً ومحدداً باعتبارات قد تفهم بعضها وينغلق عليك بعضها الآخر. أما المسرح فلم يعد ينتج من الاعمال إلا ما يتيح المشاركة في هذا المهرجان العربي أو ذاك... ودائماً اصبح الانتاج دون مستوى ما بلغه هذا المسرح.

ماذا ننتظر في السنة المقبلة؟ لعل الأدق والأقرب الى الواقع أن نسأل عما تنتظر السنة المقبلة!

50 ألف قارئ يوميا لموقع كتاب الانترنت العرب

 بعث الأديب والاعلامي محمد سناجلة رئيس اتحاد كتاب الانترنت العرب رسالة خاصة نشرت في مجموعة الاتحاد البريدية حول النجاح الكبير الذي حققه موقع الاتحاد الالكتروني على شبكة الانترنت حيث أصبح الموقع "احد أهم المواقع الثقافية العربية إن لم يكن أهمها في نشر الثقافة العربية للعالم والتواصل مع الكتاب والمثقفين العرب في كل مكان".

وجاء في الرسالة إن عدد زوار الموقع يتراوح ما بين 10 آلاف زائر يوميا في حده الأدنى إلى خمسين ألف زائر يومي وفي بعض الأحيان وصل عدد الزوار والمتصفحين إلى 70 ألف زائر". ويعد هذا نجاحا كبيرا بالنسبة إلى موقع ثقافي متخصص.

ولا يستخدم عداد موقع الاتحاد طريقة النقرات في العد بل يسجل من دخلوا الموقع وتصفحوه فعلا واخذوا منه.

وقال سناجلة إن "الموقع يستقطب المثقفين والكتاب العرب المقيمين في المهاجر فاغلب زوار الموقع يأتون من أميركا الشمالية والجنوبية وبالذات الولايات المتحدة وكندا والبرازيل والأرجنتين بالدرجة الأولى وتأتي بعدها فرنسا وبريطانيا واستراليا ثم الدول الأسيوية".

وبخصوص زوار الموقع من الدول العربية قال رئيس اتحاد كتاب الانترنت العرب "إن زوار الموقع من الدول العربية اقل بالمقارنة مع زواره من خارج المنطقة العربية حيث تأتي مصر والسعودية والمغرب والإمارات العربية المتحدة في الدرجة الأولى تليها تونس وسوريا والكويت ولبنان والأردن ثم باقي الدول العربية".

وأشار سناجلة أن موقع الاتحاد الالكتروني قد غدا مرجعا أساسيا للكتاب والباحثين العرب المتخصصين في الثقافة الرقمية بأوجهها المختلفة، حيث يركز الموقع على نشر الدراسات والأبحاث والمقالات المتخصصة بالثقافة الرقمية بالدرجة الأولى ويعطيها الأولوية في النشر.

وأكد سناجلة عدم وجود أي محاباة في النشر بالموقع بالنسبة للأشخاص لكن هناك تفضيل وتحيز بالنسبة للمقالات والدراسات الرقمية التي تأخذ أولوية أولى بالنشر وغالبا المادة الرئيسية في الموقع هي مادة رقمية.

ويذكر أن النشر في الموقع هو ميزة لأعضاء الاتحاد حيث لا ينشر الموقع لغير أعضاء اتحاد كتاب الانترنت العرب إلا أذا فرضت المادة المرسلة نفسها وهذا لا يعني إغلاقه أمام الكتاب والباحثين العرب غير الأعضاء في الاتحاد إذا كانت المواد والدراسات والنصوص المرسلة متميزة وضمن رسالة الموقع الثقافية.

وجدير بالذكر أن اتحاد كتاب الانترنت العرب تأسس في مارس/اذار عام 2005 ويضم في عضويته أكثر من 500 كاتب وإعلامي عربي وحقق خلال فترة قصيرة من عمره حضورا كبيرا على الساحتين الثقافية والإعلامية في العالم العربي.  

الآثار بفلسطين عرضة للنهب والاتجار في إسرائيل 

تتعرض الآثار في الأراضي الفلسطينية المحتلة لتزايد عمليات سرقتها والاتجار بها في إسرائيل خاصة بعد انتفاضة الأقصى عام 2000. 

وأشارت آخر إحصائيات دائرة الآثار والتراث الثقافي الفلسطينية إلى تعرض ما يزيد عن 500 موقع أثري وأكثر من 1500 معلمة أثرية فرعية للسرقة والتدمير من قبل لصوص الآثار والاحتلال الإسرائيلي إلى جانب تعرض عدد من مراكز القرى التاريخية لأعمال التدمير الكلي أو الجزئي. 

استنزاف ثقافي

وأكد حمدان طه وكيل مساعد قطاع الآثار والتراث الثقافي في وزارة السياحة والآثار في السلطة الفلسطينية أن الآثار والتراث الثقافي الفلسطيني يواجهان مخاطر كبيرة نتيجة استفحال ظاهرة السرقة والاتجار، وهو ما يهدد باستنزاف الموارد الثقافية والاقتصادية لفلسطين. 

وأضاف للجزيرة نت أن من أسباب هذه الوضعية انهيار نظام الحماية في المناطق (ج) التي تقع تحت إدارة الاحتلال المباشرة ثم أعمال التدمير التي يقوم بها الاحتلال لمواقع التراث الثقافي كما جرى في القدس ونابلس والخليل وبيت لحم وعابود. 

وقال إن بناء الجدار العازل بالجهة الغربية في عمق الأراضي الفلسطينية ضم ما يزيد عن حوالي 270 موقعا أثريا رئيسا، وحوالي 2000 معلم أثري وتاريخي إلى جانب عشرات المواقع الأثرية التي تم تدميرها في مسار بناء جدار الفصل العنصري. 

سوق إسرائيلية

واعتبر حمدان طه أن أكبر التحديات التي تواجه عملية التصدي لظاهرة سرقة الآثار والاعتداء على المواقع الأثرية هي الاحتلال الإسرائيلي الذي خلق أجواء ملائمة لازدهار هذه الظاهرة من خلال توفير الطلب عليها في السوق الإسرائيلية. 

وأضاف "هذا إلى جانب الضعف الذي أصاب الأجهزة الأمنية

الفلسطينية والقضائية إبان الانتفاضة الحالية إثر تدمير مقراتها، وسياسة الحصار والإغلاق التي وفرت ملاذا آمنا للصوص الآثار". 

وأوصى طه بتوفير الإمكانيات اللوجستية لدائرة الآثار وإقرار قانون الآثار والتراث الثقافي الجديد ليصبح أداة رادعة للمتعاونين مع تجار الآثار في إسرائيل إضافة إلى وضع برنامج وطني عاجل لمواجهة هذه الظاهرة خصوصا من خلال برامج التوعية والتثقيف والتربية والتنسيق على المستوى المحلي والإقليمي والدولي لمكافحة هذه الظاهرة. 

ثروة كبيرة

ومن جانبه أكد حامد سالم من قسم التاريخ في جامعة بير زيت أن الآثار الفلسطينية تشكل ثروة كبيرة وتمثل جزءا هامّا من الاقتصاد الفلسطيني خاصة أن أساسها التنوع الحضاري الذي يعود إلى أكثر من 200 ألف سنة. 

وقال إن الأراضي الفلسطينية تضم أكثر من 3300 موقع أثري موضحا أنه في كل نصف كيلومتر بفلسطين يوجد موقع أثري. 

حمدان طه دعا إلى وضع برنامج وطني لمواجهة نهب الآثار الفلسطينية (الجزيرة نت)

وبلغ عدد المواقع الرئيسية في الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة -حسب دائرة الآثار- 1944 موقعا أثريا رئيسيا، وعدد المعالم الأثرية 10000 معلم أثري، وهناك ما يزيد عن 350 نواة مدينة وقرية تاريخية تضم ما يزيد عن 60 ألف مبنى تاريخي. 

وقال سالم إن تأثير الاحتلال الإسرائيلي كبير للغاية في ازدياد تفاقم السرقات، فالأراضي الفلسطينية مقسمة إلى أ، ب، ج، ولا يوجد لوزارة الآثار سلطة على مناطق ج لملاحقة المجرمين أو القبض عليهم متلبسين. 

وكشف أن هناك حفريات غير علمية تقوم بها إسرائيل كتلك التي تجري في القدس بدعم من منظمات هدفها استيطاني لتنفيذ مخططها السياسي الذي تستند فيه على ما تقول إنه جاء في التوراة من بناء الهيكل المزعوم. 

وأشار إلى أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لا يوجد بها تقنين لتجارة الآثار، فقانونها يسمح بتجارة الآثار ونقلها فهي غير ضابطة لحدودها، وهي خارج أي إطار أو اتفاقيات دولية تنص على حماية تراث الشعوب المحتلة. 

للإشارة فإن القانون الدولي ومعاهدة جنيف الرابعة ينصان على عدم جواز نقل الآثار من الأراضي المحتلة إلا في حالات الإنقاذ.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8 كانون الثاني/2008 - 28/ذو الحجة/1428