الشفافية والوضوح في الطرح السياسي

 هما قمة الممارسة الديمقراطية في العراق

عبد الكريم الجيزاني

عندما يحتدم الجدل السياسي تحت قبة البرلمان او في جلسات الرئاسات الثلاث او داخل الكتل السياسية وأمام عدسات الاعلام المرئي المسموع منها والمكتوب وبشفافية ووضوح تامين سواء كان هذا الجدل يدخل في صلب دعم المسيرة السياسية التي حصلت بعد سقوط صنم بغداد ام في صلب مواجهتها او محاولة تشويه حقيقتها من قبل قوى كانت وما زالت تحن الى الماضي البغيض، عندما يمكن للمراقب ان يدعي ان هذه الشفافية والوضوح قد اوصلا التعاطي السياسي الى قمة الديمقراطية حيث لا يوجد خط احمر لطرح أي فكر باستثناء الفكر الهدام (الشوفيني العنصري الطائفي والتكفيري الارهابي).

هذه الاجواء الجديدة المتسمة بالحرية الكاملة لم يعتد عليها الشعب العراقي طوال المدة الزمنية التي عاشها منذ تشكيل الدولة العراقية وحتى سقوط الدكتاتورية الاستبدادية والحكم الشمولي في 9/ 4/ 2003 الذي كمم الافواه وصادر الحريات الفكرية والسياسية والثقافية العامة، ومنع من خلال جهاز بوليسي قمعي أي نقاش او جدل سياسي ولو بين فردين اثنين، ذلك لان قراراته وسياساته الحمقاء لا تقبل النقاش والجدل حتى وان كان هذا الجدل لا يمس من قريب او بعيد سياسات الحاكم المطلق، مما ولد ذلك جموداً كاملاً في طرح الافكار والرؤى السياسية حتى عند ابسط القواعد الشعبية بسبب الخوف والرعب من بطش السلطة الحاكمة واجهزتها القمعية التي لا ترحم احداً، لذلك عاش الشعب العراقي عزلة سياسية داخلية باستثناء الاحزاب والكتل والشخصيات التي استطاعت ان تخرج من العراق الى دول الجوار او الى العالم الخارجي.

هذه السياسة الاستبدادية التي مارسها النظام المقبور كانت سبباً مباشراً في تحجيم وعي الجماهير وانصرافها عما يدور في فلك السياسة الداخلية والاقليمية والدولية وهذا ما ساعد النظام البوليسي على الاستمرار في النهج الذي اختاره في قيادة السلطة الحاكمة ضارباً عرض الجدار دور الامة في صنع القرار السياسي والمشاركة الفعلية في البناء والتقدم والازدهار اسوة بباقي شعوب الارض او حتى على مستوى الطموحات الفردية التي لا تشكل خطراً على النظام الحاكم، باستثناء متبنيات (الحزب القائد) و(القائد الضرورة)!.

اليوم وبعد اتساع دائرة الحرية العامة والقدرة على طرح الافكار والرؤى السياسية المتباينة وأمام الاعلام المتنوع والمتباين هو الاخر يعطي انطباعاً كاملاً بأن العراقيين استطاعوا بعد التغيير ان يمارسوا دورهم السياسي في اجواء ديمقراطية وبشفافية واضحة، ولا يوجد شيء بقي في عالم المستور، فالكل يتحدث على الهواء الطلق وفي فضاءات واسعة، وهذا ما يؤشر الى مستقبل ديمقراطي حقيقي في التعاطي بأي شأن من شؤون العمل اليومي وفي اكثر من مفاصل التعددية السياسية والفكرية والثقافية.

هذا الجو الديمقراطي لم يأت من فراغ بل ان القادة السياسيين نقلوا نقاشهم وجدلهم عبر وسائل الاعلام لإطلاع الامة على حقيقة ما يجري داخل اروقة المؤسسات السياسية المتعددة وازاء ما يطرح من مشاريع ومناهج سياسية على اختلاف توجهاتها الفكرية، رغم المؤشرات السلبية التي يراها المتابعون للشأن السياسي والتي تخرج عن القاعدة الديمقراطية وهي استثناءات سوف تزول تدريجياً بعد ان وقفت الامة الى جانب اصحاب المشاريع الوطنية التي تصب في المصلحة الوطنية العليا وتخلت عن اصحاب الشعارات الكاذبة والتي اثبتت فشلها وعقمها بعد ان كشفتها هذه الممارسة الديمقراطية التي سلطت الاضواء الاعلامية على كل جوانبها التي اوصلت حقيقة المواقف الى اوسع مساحة من مساحات العمل السياسي اليومي لأبناء الشعب العراقي.

هذا الوعي الجماهيري الواسع اليوم ينبئ بأن المستقبل سيكون بالتأكيد لصالح الامة طالما ان المسؤول السياسي لم يغلق بابه وان قراراته ومناهجه السياسية تنبع من صميم اهداف ومتبنيات وثوابت الجماهير ـ السياسية ـ معلنة وواضحة وشفافة وأمام عيون الجميع مما ساعد بشكل اساسي على قدرة هذه الجماهير في التمييز بين الغث والسمين وبين من يريد مصلحة الشعب العراقي عموماً وبين من يريد ان يبني قصوره واطيانه على اشلاء الضحايا.

المراقبون للشأن السياسي العراقي يعتقدون ان افضل ما يمكن ان يقدمه السياسي لجماهيره هي هذه الشفافية وهذا الوضوح في الطرح خاصة ما يتعلق بالقضايا المصيرية وعلى رأسها تجذير وتعميق الوحدة الوطنية والمحافظة على الوشائج الاجتماعية التي تربط بين مكونات الشعب العراقي واختيار النظام الديمقراطي الدستوري التعددي الذي لا يحتكر السلطة ويحتكم الى صناديق الاقتراع والى رأي الجماهير وحريتها في الاختيار.

لذلك يمكن القول ان العراقيين لم يعودوا يقفون مكتوفي الايدي أمام الراديكالية السياسية والتشرد والتطرف السياسي او العنصري او الطائفي بعد ان امتلكوا حقهم في التعبير السليم عما يرونه مناسباً لهم بعد انهزام النظم الدكتاتورية الاستبدادية وهزيمة النظام الشمولي البغيض المدعوم بأجهزة القمع البوليسية.

عام جديد يمر على العراقيين وهم يتطلعون الى قادتهم السياسيين لإنجاز المشاريع والبرامج الاستراتيجية التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن ولبناء عراق جديد خال من كل اشكال الظلم والتعسف والاضطهاد والخلاص من الافكار الهدامة التي ساعدت بشكل مباشر في افشاء سياسة القتل والتدمير والتهجير لكل مكونات الشعب العراقي بدون استثناء وطوي الصفحات السوداء التي مر بها العراقيون في الاعوام التي تلت سقوط الدكتاتورية من خلال دعم العملية السياسية الرائدة والحفاظ على منجزات الشعب العراقي ودعم الجهود المخلصة في ايجاد الاجواء الصالحة للمصالحة الوطنية ونبذ العنف والتفرغ لبناء ما دمرته العمليات الاجرامية التي استهدفت البنى التحتية للعراق وما خلفه النظام المقبور من دمار وخراب للانطلاق نحو آفاق التقدم والازدهار والرفاهية لهذا الشعب الصابر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 6 كانون الثاني/2008 - 26/ذو الحجة/1428