لبنان.. صراع داخلي في ظل تجاذبات دولية

شبكة النبأ: يدخل لبنان ستاتيكو الفراغ المنظم جراء تعذر انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي توافقت عليه الموالاة والمعارضة، بسبب الخلاف بين رؤيتين متناقضتين عبرتا عن نفسيهما من خلال الخلاف حول الحصص والمواقع في الحكومة المقبلة، ما جعل المراقبين يطلقون على الرئيس العتيد رئيس مع وقف التنفيذ.

وظهرت طبيعة الفراغ في البلد من خلال انعدام الثقة بين فريقي النزاع وتصلبهما عند مواقفهما من دون تقديم أي منهما تنازلات تفضي الى انتخاب رئيس يعيد تفعيل المؤسسات السياسية والدستورية التي أصبحت شبه مشلولة منذ توقف البرلمان عن الانعقاد بعد انسحاب الوزراء الشيعة وأحد زملائهم المسيحيين من الحكومة التي صار يطلق عليها الحكومة البتراء كذلك يبدو ان لبنان سيودع العام الجاري من دون رئيس للجمهورية بعدما شغرت سدة الرئاسة بانتهاء ولاية الرئيس اميل لحود في 24 نوفمبر الماضي، ما فتح الأفق السياسي في البلد على تجاذب اقليمي ـ دولي عبر الانقسام الحاد بين الموالاة والمعارضة، على ايقاع استمرار التفجيرات والاغتيالات، فضلاً عن بروز الارهاب الأصولي في شماله والذي نجح الجيش في هزيمته.

ونفت المعارضة بشدة اتهامات وجهت اليها من الأكثرية بعرقلة اقرار المحكمة الدولية التي ستنظر باغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري وأشارت الى ملاحظات على نظام المحكمة لمنع تسييسها لكنها لم تعلن عنها، ما دفع الغالبية النيابية للتوجه الى مجلس الأمن الذي أقرها في مايو الماضي، ليصبح لبنان مجدداً تحت المظلة الأممية وبالتالي مشرعاً أمام التدخلات الدولية التي بدأت منذ عام 2004 مع صدور القرار 1559 الذي دعا الى خروج القوات السورية ونزع سلاح حزب الله والفصائل الفلسطينية، ثم مع القرار 1701 عام 2006 المتعلق بنشر قوات دولية في الجنوب لمنع انطلاق عمليات عسكرية ضد اسرائيل، والذي حافظ على هدوئه منذ حرب يوليو آنذاك. بحسب يو بي أي.

تعقيدات الأزمة

بدأت تعقيدات الأزمة مع استقالة طوعية قدمها الوزراء الشيعة وأحد زملائهم المسيحيين من الحكومة في ديسمبر من العام الماضي، متهمين الغالبية بالاستئثار بالحكم وتهميش مبدأ المشاركة.

ولا يزال لبنان على خط الزلازل منذ اغتيال الحريري في فبراير عام 2005، وزادت الأمور تشابكاً مع تداخل تناقضات الوضع الداخلي بين الموالاة والمعارضة مع التناقضات الاقليمية والدولية، ما جعل البلد حلبة سياسية للتجاذب بين أميركا والغرب عموماً عبر الأكثرية النيابية، وبين ايران وسورية عبر المعارضة.

وبدا التعاطي الاقليمي في الأزمة اللبنانية جلياً من خلال اعلان نائب الرئيس السوري فاروق الشرع ان سورية في لبنان أقوى حالياً مما كانت عليه خلال وجودها فيه وذلك من خلال حلفائها، فيما ظهر التعاطي الدولي واضحاً عبر دعوة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأكثرية مؤخراً الى انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً.

وعلى ايقاع اتهام فريقي السلطة والمعارضة لبعضهم بالولاء للخارج وبتنفيذ أجندات سياسية خارجية، تسلم مجلس الوزراء مجتمعا برئاسة رئيس الحكومة السني فؤاد السنيورة صلاحيات رئيس الجمهورية، وهو المنصب المخصص للطائفة المسيحية المارونية، بحسب العرف،وذلك للمرة الأولى في تاريخ لبنان.

الشارع

ولم يبق السجال في اطار التصريحات والاتهامات المتبادلة، بل وجد طريقه الى الشارع عبر لجوء المعارضة الى اعتصام غير مسبوق في وسط بيروت التجاري المواجه لمقر الحكومة للضغط من أجل اخراج السنيورة من رئاسة الوزراء، لكن الأخير صمد في السراي الحكومي في حين ان الاعتصام دخل مع بداية الشهر الحالي شهره الثاني بعد السنة، الا أن الطرفين أكدا وبصورة متواصلة على رفضهما لأي حرب داخلية.

وعلى وقع الاحتقان والتصلب بين الموالاة والمعارضة كاد الشارع ان ينفجر يومي 23 و25 يناير الماضي عندما دعت الأخيرة الى اضراب سلمي رفضته الأولى فاندلعت أعمال شغب بين أنصار الفريقين تحولت الى حوادث أمنية سيطر عليها الجيش بعد سقوط عدة جرحى، وبدا لبنان وكأنه أقرب من أي وقت مضى الى الحرب الأهلية التي خاض غمارها من العام 1975 وحتى العام 1989 وانتهت باقرار تعديلات دستورية، وكل ذلك كان تحت عنوان :رحيل الحكومة أو بقائها.

عدوى الخوف

وانتقلت عدوى الخوف من اغتيال الوزراء الى النواب على أبواب الانتخاب الرئاسي ما دفع أعضاء منهم، وفي خطوة لم تجر سابقا، الى مغادرة لبنان والعيش في الخارج الى ان يتم انتخاب الرئيس الجديد.

وعندما عادوا الى لبنان مع قرب موعد الاستحقاق الرئاسي لم يستقروا في منازلهم رغم الحماية المتوفرة لهم بل أقاموا في فندق وسط اجراءات أمنية مشددة خشية تعرضهم للاغتيال كما حدث مع زملاء لهم، عندما اغتيل نائب بيروت وليد عيدو الذي ينتمي الى كتلة المستقبل النيابية التي يتزعمها النائب سعد الحريري والنائب انطوان غانم المنتمي الى حزب الكتائب اللبنانية.

ولم يكف لبنان نزاعاته الداخلية، حتى دخل البلد في مواجهة بين الجيش وتنظيم فتح الاسلام الأصولي الذي يتزعمه الأردني المتشدد شاكر العبسي في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، شمال لبنان، واستمرت المعارك بين الطرفين منذ مايو وحتى سبتمبر الماضيين، وانتهت بانتصار الجيش الذي فقد مئات القتلى والجرحى.

الا أن فريقي الموالاة والمعارضة اللذين ما اتفقا على شيء، تقاطعا عند الالتفاف حول الجيش وأكدا أهمية المعركة التي يخوضها للحفاظ على لبنان في وجه موجة التطرف والارهاب.

لكن كلا منهما كان يتهم الآخر بالاستفادة من التنظيم الأصولي ومن وجوده، الى أن أعلن قائد الجيش العماد سليمان ان هذا التنظيم يتجاوز لبنان وانقساماته لمصلحة العلاقة مع القاعدة التي لم تعلن تبنيها له على غرار ما فعلت مع تنظيمات مختلفة في أماكن أخرى من العالم.

قائد الجيش

ومع الخلافات التي دارت بين القيادات المتناحرة حول اسم الرئيس المقبل للبنان فان المعارك التي خاضها الجيش في الشمال الى جانب حياده في الصراع الداخلي وامتناعه عن قمع التظاهرات والاحتجاجات من الطرفين جعلت قائده في مقدمة المرشحين لمنصب الرئاسة الأولى.

ومع اقتراب موعد الانتخاب بات العماد سليمان المرشح الأوحد لرئاسة الجمهورية والتفت حوله الأكثرية والمعارضة اللتان فشلتا حتى الان بانتخابه لاختلافهما على الاجراءات الدستورية اللازمة، ومرحلة ما بعد وصوله الى المقر الرئاسي.

ورغم كل ما قدمه الجيش على الحدود مع اسرائيل وفي الداخل، تلقى وقائده ضربة موجعة تمثلت باغتيال مدير العمليات فيه اللواء فرنسوا الحاج، وهي المرة الأولى التي تتعرض فيه المؤسسة العسكرية لعملية اغتيال منذ انتهاء الحرب الأهلية.

هكذا ينتهي العام ولبنان في فراغ سياسي قد يمتد طويلا لان طرفي الأزمة عاجزان عن حسم الأمور لمصلحة أي منهما.

عناصر التفجير الأمني مكتملة

واكتملت عناصر التفجير الأمني بعد أن تكرس الطلاق بين طرفي المعارضة والموالاة، في ظل انقسام سياسي حاد ازداد عمقا بعد القرار الذي اتخذته الحكومة التي يصفها المعارضون بغير الشرعية، بتعديل الدستور تمكينا لانتخاب العماد ميشال سليمان قائد الجيش رئيسا للجمهورية، وفتح دورة استثنائية لمجلس النواب. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

وكان القرار الذي اتخذته الحكومة بتعديل الدستور وفتح دورة استثنائية لمجلس النواب اعتبارا من الأول من يناير المقبل، قد أثار ردود فعل عنيفة، تراوحت بين المؤيدة والمعارضة له.

سلة مطالب

فمن جهتها دافعت قوى الرابع عشر من آذار عن قرار الحكومة، معتبرة أنه يندرج في اطار الخطة التي اتخذتها هذه القوى لمواجهة سلة مطالب المعارضة، ورأى وزير الاتصالات مروان حمادة، وهو من صقور الأكثرية النيابية، أن ما قامت به الحكومة في اجتماعها الأخير من طلب لتعديل المادة الثالثة من الدستور وفتح دورة استثنائية للمجلس النيابي ما هو الا اجراء طبيعي تقوم به لحلحلة الأمور العالقة وانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية.

أما وزير الأشغال العامة محمد الصفدي الذي يحاول أن يتميز بقراراته عن الأكثرية التي ينتمي اليها، فرأى في تصريح له أن اقرار تعديل الدستور من قبل الحكومة لا يعتبر عملا استفزازيا وأن الهدف منه كان تسهيل وصول العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية متمنيا على رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يتبع الطريقة التي يراها مناسبة لفتح المجلس النيابي واجراء الانتخابات الرئاسية.

وأيد الصفدي تولي النائب سعد الحريري رئاسة الحكومة، مشددا على أهمية التوافق حول سليمان وأكد في الوقت نفسه أن فريق الرابع عشر من آذار لن يعتمد خيار نصاب النصف زائد واحد في الانتخابات الرئاسية.

أمين الجميل: الاكثرية لن تتراجع

من جهته أشار الرئيس الأعلى لحزب الكتائب أمين الجميل الى أن الأكثرية لن تتراجع عن ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان الى رئاسة الجمهورية، لافتا الى أن الحكومة لا ترغب بالتعدي على صلاحيات رئاسة الجمهورية وهي لا تفعل ذلك ولكنها تقوم بواجبها عبر اتخاذ القرارات من أجل تسيير شؤون الدولة.

وحمل الجميل المعارضة مسؤولية التطورات الراهنة، داعيا اياها الى تسهيل الانتخابات ليكون ضميرها مرتاحا بأنها بريئة.

وقال انه من الضروري انتخاب رئيس من دون قيد أو شرط اذا كانت المعارضة صادقة في مواقفها.

ودعا الجميل النواب المسيحيين، لا سيما الموارنة اذا كانوا صادقين لتأمين النصاب لتعديل الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية.

عون: الحل من خلال الطرق السلمية

في الجهة المقابلة تختلف الصورة بالكامل، فاستمر المعارضون بحملتهم على الحكومة وقراراتها، فأكد رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون على ضرورة رفض أعمال العنف اذ أن حل الأزمة يجب أن يحصل بالطرق السلمية، ومن جهته اعتبر المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله المؤيد للمعارضة أن الادارة الأمريكية تسعى لتعميق الهوة بين اللبنانيين وذلك بهدف استخدام الورقة اللبنانية في لعبة الشد والجذب الجارية على أكثر من صعيد وبين أكثر من محور دولي واقليمي في أزمة المنطقة.

ودعا فضل الله اللبنانيين للخروج من دائرة الضغوط الخارجية ليحاولوا استيلاد حلول داخلية بصياغة لبنانية خالصة.

أما الموقف الأعنف فكان لكتلة الوفاء للمقاومة (كتلة حزب الله) التي كررت اتهامها للادارة الأمريكية بتعطيل الحلول الهادفة الى انتشال لبنان من الأزمة التي يتخبط فيها، معتبرة أن فريق السلطة قد ضيع حتى الآن أكثر من فرصة تاريخية لخلاص البلاد دون أن يتعلم أن الرهان على الولايات المتحدة المترهلة لن يؤدي الا الى السقوط الذي سيكون دويه أكبر كلما تأخر الوقت.

ورأت الكتلة أن ترشيح قوى الموالاة لقائد الجيش ليس إلا مناورة هدفها تغطية تفردها واستئثارها بالسلطة.

وانتقدت الكتلة مشروع القانون الرامي الى تعديل الدستور، واعتبرت أنه لا قيمة دستورية لهذا المشروع، واصفة تلك الخطوة بالاستفزازية التي تهدف الى جس نبض المعارضة تمهيدا لمزيد من التجاوزات.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5 كانون الثاني/2008 - 25/ذو الحجة/1428