التعصب والكراهية

عدنان عباس سلطان

شبكة النبأ:  التواصل والحوار في الوجود الانساني مع الاخر هما النسق الطبيعي لعلاقة البشر مع بعضهم وان كان كل منهم او مجموعة منهم لهم رايا مناقضا او فكرا معارضا او مذهبا ليس في مربع الآخرين فطالما ان الانسان قد خلقه الله سبحانه وتعالى فان اكتسابه لتلك القيم او المعتقدات او الآراء انما جاء وفقا لتكون المجتمعات وامتدادها على وجه الارض ثم ان العلوم المتنوعة في مناهجها كفيلة بتعديل او تطوير الفكر لذا فان الدعوات الاسلامية المتعددة كانت ملزمة بتنوير العقول للوصول الى الرشد والحكمة.

إضافة الى ان المناهج العلمية مهما تنوعت فانها لاتعدو ان تكون في النهاية استقراء لوقائع سلفت وتنبؤات بوقائع يحملها الزمن القادم ولا تعني وحدة الخط العام الذي يتخذه الانسان في سبيل وصوله الى المعرفة اهدارا للتمايز بين متنوع العلوم لان العلوم تتعدد في مجالات المعرفة والتخصص وهي تهدف جميعا الى معرفة القوانين العامة التي تحكم السلوك الانساني كعلم النفس مثلا، الذي يهدف الى استبيان الحالة وما يتوقع منها ان تفعله في اليوم القادم.

ولما كانت العلوم الاجتماعية والنفسية تعني بدراسة الانسان في اكتسابه المعارف والعلوم والقوانين والشرائع ومعرفة تاريخ المجتمعات فهي ايضا تعني بدراسة الظواهر التي عدت ضارة اكثر من كونها نافعة كظاهرة التعصب او التطرف او التشدد والغلو والعدوانية وانعكاس ذلك على المجتمع وموجات العنف في حل مشكلات الحياة ودراسة الازمات النفسية والاجتماعية والسياسية وكان يؤدي في اغلب الاحيان الى فشل معالجة المشكلات والازمات والظواهر مما يجعلها مرتدة نحو الذات ويكون حينئذ نوعا من الارتكاس المغاير للتطور ومعنى ذلك الرجوع الى حكم الغرائز بما تقرره الانانية الحيوانية.

ان التعصب في حقيقته استبداد في الرأي ورفض او تهميش للرأي الآخر كذلك عدم الاعتراف بحق الآخر في الوجود وهذا يرقى الى الدكتاتورية المستبدة المتسلطة.

فمعظم الاشخاص الذين يتصفون بالسلوك التسلطي كانوا في طفولتهم خائفين وغاضبين وغير آمنين وذلك خلال فترة التربية ومؤثرات المحيط العائلي او المحيط الاجتماعي الذي نمت الطفولة في احضانه مرتبكة يسود افرادها العنف والتسلط وتدعو باستمرار الى هذا النهج.

اننا ازاء ظاهرة شبه مستدامة واستدامتها ملازمة للتخلف المعشعش في الشعوب الفقيرة بالذات وهي ظاهرة ترفضها الشعوب وينفر منها ومن تبعاتها الافراد بصورة عامة وكانت على مدى الزمان من مهمات الاديان والرسالات السماوية للقضاء على اسبابها النفسية الروحية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية عبر التاريخ الانساني.

ولعل المرونة في التعامل والسلوك هو المفتاح للقضاء عليها ومحو آثارها بعد العامل الاقتصادي وهو المؤثر الاكبر في العملية التصحيحية.

والدين الاسلامي دين للبشر جميعا ليس لفئة من الناس دون غيرهم والاسلام ليس دين للعصبية او التطرف او الكراهية.

يقول الرسول العظيم صالى الله عليه واله وسلم ( من تعصب او تعصب له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقة ).

وقوله ايضا ( ليس منا من دعا الى عصبية ومن قاتل على عصبية ومن مات على عصبية).

فالدين الاسلامي دين الاعتدال من خلال الصوت الداخلي ليحض الفرد الى السلوك السوي والتجانس والموائمة والتواصل والمحبة والانسجام.

فالرسالات السماوية تسعى من خلال مشتركها الواحد وهو اصلاح النفس البشرية وتهذيب السلوك الانساني وما كان التعصب المتدين الوسواسي المتطرف لعقيدة الا ميول عنيفة نحو التمرد على سلطان الدين كذلك على اي سلطان مهما كان نوعه.

والتعصب بكل اشكاله يتوقف اساسا على استعداد الفرد او الجماعة لقبوله عندما يقترن مع النجاح في حل مشكلة اجتماعية ما وبالتالي تتشكل وتبرز اساليب للتعامل مع قضايا الحياة المتعددة ويكون الخطأ حينها صحيحا ويسير عليه الجماعة او الفرد.

وليس المقصود النجاح هنا ان الخطا قد اتى بحلول عامة لكل البشر وانما يحل الاشكال النفسي الخاص بذاك الفرد او الجماعة وفي الغالب ان هذا الاشكال جاء من ظروف غير سوية اي بمعنى انه توصل الى تنفيس المكبوت والثار النفسي الذي ادخره الفرد او الجماعة مع تقادم الزمن.

فالعلاقة التي تربط الفرد بالمجتمع علاقة ضرورة وليست علاقة سلبية او علاقة تعارض وتضاد وان ابرز معالمها الدينامية ملؤها التبادل والتفاعل المستمر ليتكون التماسك والتداخل والتشابك الاجتماعي باشكاله الثقافية والاقتصادية والسياسية والروحية وبتاثير هذا التبادل والتفاعل للادوار الاجتماعية يحصل التكامل النفسي للفرد والتكامل الاجتماعي للمجتمع فالفرد يحقق ذاته من خلال الجماعة والجماعة تحقق وجودها من خلال الافراد وهي دينامية ارتقائية باتجاه النظرة المستقبلية، هدفها المنظور دائما وابدا ان يكون افراد وشعوبا اناس سويين مرنين متعاونين في حل المشكلات الحياتية يجمعهم الحب الروحي ويبلغون شأوا من الرقي النفسي والروحي لكي يلامسوا الارادة الربانية وفحوى الرسالات ودين الله في الارض.

 ....................

 المصادر:

د. اسعد البصري ـ مجلة النبأ 56

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1 كانون الثاني/2008 - 21/ذو الحجة/1428