
شبكة النبأ: أثار مقتل زعيمة المعارضة
الباكستانية بينظير بوتو الذي جاء عقب تجمع انتخابي في مدينة روالبندي
موجة كبيرة من العنف والفوضى وقد يؤدي الى تأجيل الانتخابات المقررة في
الثامن من يناير كانون الثاني والتي كانت تهدف الى عودة باكستان الى
الديمقراطية تحت قيادة مدنية. حيث ان شبح العودة الى حالة الطوارئ ليس
ببعيد في ظل التداعيات الأمنية التي اعقبت الاعتداء الارهابي الذي راح
ضحيته ايضا العشرات من المواطنين الباكستانيين الأبرياء.
وكانت بوتو (54 عاما) تأمل أن يسهم التأييد الشعبي الكبير الذي
تتمتع به بين الفقراء الباكستانيين في وصولها الى السلطة للمرة الثالثة
رئيسة للوزراء خلال انتخابات كانت تهدف الى تحقيق الاستقرار في بلد
يعصف به عنف المتشددين.
ولكن حينما غادرت التجمع الانتخابي الذي تحدثت فيه عن المخاطر التي
تعرضت لها حياتها وقفت لتحية انصارها من فتحة سقف مركبتها المضادة
للرصاص. وقالت الشرطة وشهود عيان ان المهاجم اطلق عليها أعيرة نارية
قبل ان يفجر نفسه.
وأعلنت وفاتها في مستشفى في روالبندي التي يوجد بها مقر الجيش
الباكستاني وهي نفس المدينة التي أعدم فيها والدها رئيس الوزارء السابق
ذو الفقار علي بوتو شنقا عام 1979 بعد الاطاحة به في انقلاب عسكري.
وقال فرزانا راجا -وهو مسؤول كبير بحزب الشعب الباكستاني- انه من
عمل من يريدون تفكيك باكستان ... لقد قضوا على عائلة بوتو.
وفي انحاء باكستان ذلك البلد الذي اعتاد على العنف السياسي وحكمه
الجيش اكثر من نصف سنوات تاريخه اصيب الاعداء والاصدقاء على السواء
بالذهول لوفاة امرأة انتقدها كثيرون في وقت من الاوقات بانها زعيمة
اقطاعية مدعومة من تأييد شعبي بينما تتمتع بثروات عائلتها.
وقال نواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني الاسبق والمنافس السياسي
القديم لبوتو ان حزبه سيقاطع الانتخابات.
وانحى باللائمة في خلق عدم الاستقرار في البلاد على الرئيس برويز
مشرف الذي استولى على السلطة في انقلاب عسكري عام 1999 لكنه تنحى في
الاونة الاخيرة عن قيادة الجيش. وقال شريف، الانتخابات الحرة غير ممكنة
في وجود مشرف. مشرف هو السبب الاساسي لكل المشاكل.
وفرض مشرف حالة الطواريء في نوفمبر تشرين الثاني فيما اعتبره البعض
محاولة لمنع القضاة من الاعتراض على اعادة انتخابه رئيسا للبلاد. ورفع
حالة الطواريء هذا الشهر.
وتراجعت حدة العنف عند منتصف الليل بعد اضرام النيران في عشرات
المركبات وعدة ابنية. وقالت الشرطة انه لم يصب أحد بسوء في لكنه تقرر
اغلاق البنك المركزي وجميع المدارس لمدة ثلاثة ايام حدادا على مقتل
بوتو.
وارتفعت اسعار الذهب وسندات الحكومة وهبطت الاسهم الامريكية اذ أن
مخاوف عدم الاستقرار في المنطقة في اعقاب اغتيال بوتو أذكت الطلب على
اوعية استثمار الملاذ الامن.
وأدان مجلس الامن الدولي اغتيال بوتو ووصفه بانه عمل شنيع من اعمال
الارهاب، ودعا كل الباكستانيين الى التحلى بضبط النفس والمحافظة على
الاستقرار.
وقال محللون ان مقتل بوتو الذي جاء في اعقاب موجة من الهجمات
الانتحارية في انحاء البلاد وتفاقم تمرد اسلامي على حدود باكستان مع
افغانستان قد يجعل من المستحيل المضي قدما في اجراء الانتخابات.
وقال فرزانا شيخ من شاثام هاوس وهو مركز لابحاث العلاقات الدولية في
لندن، اعتقد ان هناك احتمالا كبيرا للغاية ان يقرر مشرف ان الوضع خرج
عن السيطرة وانه يحتاج الى فرض حالة الطواريء مرة اخرى.
وقال محللون من الحكومة الامريكية واخرون مستقلون ان تنظيم القاعدة
هو المشتبه به الرئيسي في الاغتيال اذ من المحتمل ان يستفيد من
المحافظة على معقله النائي وتقويض سلطة مشرف وزعزعة استقرار البلاد.
وقال مسؤول امريكي، يوجد عدد من الجماعات المتطرفة داخل باكستان
التي من المحتمل ان تكون قد نفذت الهجوم... والقاعدة من الجماعات التي
تأتي على رأس هذه القائمة.
وقال محلل خاص ان انصار القاعدة في اجهزة الامن الباكستانية ربما
يكونون قد لعبوا ايضا دورا لكن من غير المحتمل ان يكون مشرف نفسه
متورطا.
وكان هذا هو الهجوم الثاني الذي استهدف بوتو في اقل من ثلاثة اشهر.
ففي 19 من اكتوبر تشرين الاول فجر مهاجم انتحاري نفسه فقتل قرابة 150
شخصا بينما كانت تمر بموكبها في شوارع كراتشي لدى عودتها بعد ثماني
سنوات قضتها في منفى اختياري.
اول امرأة ترأس حكومة باكستانية
كانت بوتو أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في باكستان عندما انتخبت
عام 1988 بينما كان عمرها 35 عاما. وخلعت في عام 1990 غير أنه أعيد
انتخابها عام 1993 قبل الاطاحة بها مرة أخرى في عام 1996 وسط اتهامات
بالفساد وسوء الادارة. وقالت بوتو ان الاتهامات ذات دوافع سياسية.
وقال مسؤولون حزبيون ان جثمان بوتو نقل جوا الى اقليم السند بجنوب
باكستان في ساعة مبكرة يوم الجمعة لدفنه في مقبرة عائلتها الى جانب
والدها.
واضافوا ان الجثمان نقل الى بلدة سوكور من اسلام اباد في طائرة
عسكرية من طراز سي-130 يرافقه زوجها اصف على زرداري واطفالها الثلاثة
بعد وقت قصير من وصولهم قادمين من دبي. وقالوا انهم يتوقعون ان تقام
جنازتها يوم الجمعة.
باكستان على شفير الفوضى
ورأت الصحافة العالمية ان باكستان باتت على شفير "الفوضى"
و"الهاوية" و"الهوة" مبدية مخاوف من ان يغرق هذا البلد في الحرب
الاهلية غداة اغتيال رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو.
وكتبت صحيفة انترناشونال هيرالد تريبيون في صفحتها الاولى معلقة على
مقتل بوتو ، ان اغتيال بوتو يهدد باغراق باكستان في فوضى سياسية.
ووصفت صحيفة التايمز بنازير بوتو بالمرأة ذات "الحضور والشجاعة
الاستثنائيين" ونددت باغتيال "يهدف الى القضاء على حق باكستان في
الخيار. مضيفة، على باكستان اكراما لذكراها ان تثبت ان الديموقراطية
ستنتصر على الدوام على التطرف القاتل.
وكتبت دايلي تلغراف ان بوتو ايا كانت عيوبها كانت تجسد المقاومة في
وجه الهيمنة العسكرية في بلد لم يعرف الديموقراطية سوى لفترات قصيرة.
مضيفة، ان اغتيالها يثير شكوكا بشأن عودة السلطة الى الشعب.
ويوم اغتيالها هو "يوم موت الديموقراطية" في باكستان بنظر ذي صن
التي اشادت باول امرأة في التاريخ الحديث تتزعم بلدا اسلاميا واصفة
اياها بانها "اميرة الشعب الباكستاني".
وذكرت صحيفة كوريري ديلا سيرا الايطالية، اول ما يتبادر الى اذهاننا
هو تحديدا شجاعتها الجسدية والسياسية، معتبرة ان باكستان باتت علامة
استفهام (..) وستبقى اكثر من قبل قنبلة ذرية موقوته.
ورأت صحيفة الحياة العربية التي تتخذ من لندن مقرا لها ان مصير بوتو
كان محتوما وكتبت ان برنامجها انتحاري، مضيفة انها، كانت تطالب
الجنرالات بالعودة الى الثكن بعدما أدمنوا الاقامة في مواقع القرار
(..) وتطالب بلجم مصانع التطرف في المدارس الدينية.
واجمعت الصحف الاسبانية على اعتبار باكستان مشرفة على "هاوية" بعد
اغتيال "يحمل مرة جديدة بصمات التطرف الاسلامي" بحسب صحيفة الباييس.
وكتبت الصحيفة، كان لبنازير بوتو الكثير من الاعداء لكن ليس من
مصلحة اي شخص سليم العقل ان يزعزع فجأة استقرار بلد ذي موقع جيوسياسي
حيوي البلد الاسلامي الوحيد الذي يملك القنبلة الذرية.
ورأت صحيفة بوبليكو البرتغالية ان الاعتداء يمكن ان يقود الى انفجار
البلد سياسيا.
وكتبت صحيفة ملييت التركية، بمقتل بوتو قتل السلم الداخلي في
باكستان واستقراره ومستقبله الديموقراطي (..) انها ضربة كبرى لباكستان
ستلقي بثقلها على مستقبلها.
وكتبت صحيفة لو سوار البلجيكية، الديموقراطية مضرجة في دمائها
وقريبا قد لا يبقى على قيد الحياة في هذا البلد سوى التطرف الديني
والاستبداد العسكري.
ورأت صحيفة الدستور الاردنية ان اغتيال بوتو "عمل مروع" يمهد لـ"حرب
اهلية" في باكستان مبدية مخاوفها كسائر الصحف بشأن مسار العملية
الديموقراطية قبل الانتخابات المقررة في الثامن من كانون الثاني/يناير.
واعتبرت كبرى الصحف السويدية داغنز نيهيتر ان اغتيال بوتو، يثبت ان
البلاد على طريق الفوضى السياسية وان انتخابات كانون الثاني/يناير لا
يمكن ان تجري بحرية ونزاهة.
وتشير جميع الصحف باصابع الاتهام الى الرئيس الباكستاني برويز مشرف
الذي تحمله مسؤولية الازمة الحالية وكتبت صحيفة دي فلت الالمانية، مشرف
قاد باكستان الى شفير الهاوية.
وذكرت صحيفة برلينر تسايتونغ، كل شيء يجري وكأن الغرب يخسر محاوريه
الواحد تلو الاخر في باكستان. فيما اعتبرت صحيفة تاغسشبيغل، ان معضلة
الغرب هي انعدام البدائل الجيدة امامه. القوة الاميركية غير قادرة على
تحويل باكستان الى مجتمع مدني.
واجمعت الصحف الاميركية من جهتها على اعلان فشل استراتيجية التحالف
بين بوتو ومشرف التي دفعت اليها واشنطن.
ورأت صحيفة نيويورك تايمز ان على السياسة الاميركية ان تعمل الان
على بناء ديموقراطية قوية في باكستان تحظى باحترام ودعم مواطنيها وتملك
الارادة والوسائل لمكافحة القاعدة وطالبان.
اخطر ازمة في تاريخ باكستان
وتواجه باكستان اخطر ازمة في تاريخها بعد اغتيال رئيسة الوزراء
السابقة بنازير في اعتداء يهدف بحسب عدد من المحللين الى زعزعة استقرار
هذه القوة النووية البالغ عدد سكانها 160 مليون نسمة ونسف الانتخابات
التشريعية الوشيكة.
ورأى المحللون انه سيتحتم على الرئيس الباكستاني برويز مشرف اقناع
معارضيه الذين يحملونه كحد ادنى مسؤولية عدم توفير الحماية الضرورية
لبوتو والا فقد يطرد من السلطة بعدما حكم ثماني سنوات.
وتواجه باكستان قبل اقل من اسبوعين على انتخابات حاسمة ما زال من
المقرر تنظيمها في الثامن من كانون الثاني/يناير اخطر وضع عرفته منذ
انشقاق بنغلادش قبل 35 عاما.
وقال حسن عسكري المدير السابق لفرع العلوم السياسية في جامعة
البنجاب لوكالة فرانس برس، اننا نتوجه نحو مرحلة من الغموض السياسي قد
تغرق البلد في الفوضى.
ورأى ان الريبة بين مشرف والمعارضة بلغت حدا حمل بعض المعارضين الى
دعوته للاستقالة والامل ضئيل في المرحلة الراهنة في تهدئة الامور.
محذرا من انه اذا ما استمرت الازمة فان مستقبل مشرف نفسه سيكون مهددا.
ورأى رسول بكش ريس الخبير السياسي في جامعة لاهور ان مصداقية
الحكومة تتضعضع في ما يتعلق بقدرتها على ضمان عودة البلاد الى وضع
طبيعي. واوضح ان ما حصل بعد اغتيال بوتو المأساوي يؤشر على الاحباط
والغضب المتصاعد في البلاد.
وتابع انه فيما يبدو مشرف عازما على التشبث بالسلطة فان باكستان قد
تغرق اكثر في الفوضى والغموض اذا ما استمر نظام مشرف في عدم تعاونه مع
القوى السياسية في البلاد حول برنامج تغيير حقيقي.
ورأى دبلوماسي غربي ان الوضع "ليس كارثيا بعد" غير ان المسألة تتوقف
الى حد بعيد على قدرة حزب الشعب الباكستاني على تهدئة مناصريه.
واضاف الدبلوماسي طالبا عدم كشف اسمه لكنه من مصلحة قيادة حزب الشعب
الباكستاني ايضا ان يترك الوضع يتفاقم بضعة ايام حتى تكون له وسيلة ضغط
على اوساط مشرف.
وحذر من انه اذا لم يتوصل حزب الشعب الباكستاني ومشرف على وجه
السرعة الى اتفاق وان لم يتوجهوا الى مناصري حزب الشعب في الشارع فان
الوضع سيتفاقم اكثر.
غير ان البعض يبدي قدرا من الامل. وقال المحلل الجنرال المتقاعد
طلعت مسعود، ان بوتو قد تحقق بعد مقتلها هدف حياتها وهو وضع البلاد على
طريق الديموقراطية. |