المرجع السيد الشيرازي: مظالم اليوم  من نتائج إقصاء الغدير

شبكة النبأ: إن عالم اليوم بحاجة إلى ثقافة الغدير أكثر من السابق. وإن كل ما يقوم به أتباع أهل البيت سلام الله عليهم من فعاليات، وما يبذلونه من جهود في سبيل نشر وتعريف ثقافة الغدير فإنها قليلة، وليست بمستوى وبسعة ممارسات أهل الباطل في دنيا اليوم، كما أنها لا تؤدي مقدار ذرة من الواجب تجاه مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

هذا ماأشار إليه المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في درسه خارج الفقه صباح يوم الأربعاء الموافق للخامس عشر من شهر ذي الحجة الحرام 1428 للهجرة على أعتاب ذكرى حلول عيد الله الأكبر، عيد الغدير الأغرّ، عيد تنصيب النبي صلّى الله عليه وآله أخاه أمير المؤمنين وصيّاً وخليفة له من بعده بأمر الله تعالى، وذلك في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام في العام العاشر للهجرة النبوية المباركة.

وقال سماحته أيضاً: إن الذين يبذلون الجهود في هذا السبيل قد تنتابهم الحسرة في الآخرة أن لم يبذلوا جهوداً أكثر وأكثر. فكما أن الطالحين يصابون بالحسرة العظيمة يوم القيامة، كذلك قد يندم المؤمنون والمتقون على عدم قيامهم بأعمال حسنة أكثر. فالمؤمنون مهما يقدّمون من أعمال صالحة ومهما يبذلون من جهود خيّرة هم في خوف واضطراب دائمين لأنهم يرون أنهم لم يعملوا شيئاً وأنّ أمامهم الكثير، كما جاء في قوله تعالى:

«والَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ، أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وهُمْ لَها سابِقُونَ».

ووصف سماحته المشاكل والمظالم الموجودة في دنيا اليوم بأنها من نتائج إقصاء الغدير وقال: من المسؤوليات المهمة اليوم لأتباع أهل البيت الأطهار إيصال رسالة الغدير ومبادئه إلى الناس جميعاً. فيجب أن يعرف العالم الفرق بين الإنسان والمجتمع المؤمن بمبادئ الغدير وبين الإنسان والمجتمع غير المؤمن بالغدير. فاستنباطي أنا شخصياً من التاريخ أنه لو أتينا بكل المظالم التي صدرت من كل الحكماء والرؤساء الذين كانوا يتظاهرون أنهم من الشيعة ومن المحبّين لأهل البيت فإنها لا تعادل ظلم ظالم واحد من الظالمين البعيدين والمنحرفين عن أهل البيت أبداً كظلم الحجاج ومعاوية ويزيد والمتوكل وصدام.

وحثّ سماحته الشيعة على انتهاز أجواء الحرية الموجودة في عالم اليوم والفرص المواتية وقال: لقد تعرّض الشيعة في السابق لمظالم كثيرة، ففي فترة من الزمن كان الظالمون يدفنون الشيعة وهم أحياء في أعمدة بناياتهم وعماراتهم. ولشدة القمع والظلم الذي كان يتعرض له الشيعة ذكرت الروايات الشريفة: عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سلام الله عليه أَنَّهُ قَالَ وهُوَ بِالْحِيرَةِ فِي زَمَانِ أَبِي الْعَبَّاسِ: إِنِّي دَخَلْتُ عَلَيْهِ ـ يقصد الإمام الصادق صلوات الله عليه ـ وقَدْ شَكَّ النَّاسُ فِي الصَّوْمِ وهُوَ واللَّهِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ:

يَاأَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَصُمْتَ الْيَوْمَ؟

فَقُلْتُ: لا، والْمَائِدَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ.

قَالَ: فَادْنُ فَكُلْ.

قَالَ: فَدَنَوْتُ، فَأَكَلْتُ.

قَالَ: وَقُلْتُ: الصَّوْمُ مَعَكَ والْفِطْرُ مَعَكَ. فَقَالَ الرَّجُلُ لأبي عَبْدِ اللَّهِ سلام الله عليه: تُفْطِرُ يَوْماً مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ؟

فَقَالَ: إِي واللَّهِ أَنْ أُفْطِرَ يَوْماً مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُضْرَبَ عُنُقِي(2).

أما العالم اليوم فإنه ولحسن الحظ يختلف عن السابق، فيجب انتهاز الفرص المواتية في نشر الإسلام الحقيقي.

إنّ الصحابي الجليل أباذر الغفاري مات من الجوع بسبب اتّباعه لأمير المؤمنين صلوات الله عليه وبسبب تبليغه رسالة الغدير، بينما كان المعارضون للغدير يعيشون في رفاه وتخمة. وصادر الظالمون كل أموال ابن أبي عمير وألقوه في غياهب السجون لأنه كان يروي فضائل الغدير. وابن عمير هو من خيرة أصحاب الإمامين الصادق والكاظم صلوات الله عليهما وعن طريقه وصلتنا الكثير من روايات المعصومين في العبادات والمعاملات. وقال الشيخ الطوسي حول العياشي صاحب التفسير المعروف بأنه صرف كل أمواله البالغة ثلاثمئة ألف دينار ـ أي ما يعادل أكثر من ألف كيلو ذهب ـ في سبيل نشر مذهب أهل البيت، وأسس مدرسة خرّجت علماء كباراً، وترك مؤلفات قيمة خدمت المجتمع الشيعي. فيجدر بنا جميعاً أن نقارن أنفسنا مع أبي ذر وابن أبي عمير والعياشي لنزداد همة في سبيل نشر ثقافة التشيع.

وأضاف سماحته: قبل أربعين سنة وخلال إحدى سفراتي إلى سورية لزيارة مولاتنا الحوراء زينب ومولاتنا رقية سلام الله عليهما ذهبت إلى إحدى المكتبات الموجودة هناك وهي (المكتبة الظاهرية) وكانت تحوي نفائس المخطوطات وكان العلاّمة الأميني (صاحب الغدير) حينها موجوداً في دمشق وكان يتردد على هذه المكتبة. فقال لي مسؤل المكتبة: إنه لمدهش جداً أمر هذا الرجل ـ وقصد العلامة الأميني ـ فهو يقضي ثماني عشرة ساعة من كل يوم في هذه المكتبة ولا يخرج خلالها إلا لحاجة ضرورية حتى أنه يؤدي صلاته في المكتبة وبعض الأحيان يتناول تمرات كي لا يشعر بالجوع.

وفي ختام حديثه دعا سماحته العلماء ورجال الدين إلى ضرورة تحمل صعوبات ممارسة التبليغ وهداية الآخرين وقال: من المؤسف حقاً ما نسمعه من بعض الفضلاء بأن ممارسة التبليغ يجب أن تكون مقرونة بعزّة واحترام.

أقول: إن كانوا يقصدون العزّة في الآخرة فإن «لله العزّة ولرسوله وللمؤمنين». وإن كانوا يقصدون العزّة في الدنيا فأسألهم: أيّ من أولياء الله تعالى لم يتعرّض للإهانة والأذى خلال دعوته الناس إلى الله تعالى؟

ثم ما الذي لقيه سيد الكائنات وأفضل الأنبياء والمرسلين مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله خلال تبليغه رسالة الإسلام من قريش وغيرها؟

ألم يحاصَر في شعب أبي طالب؟ ألم يتعرّض للأذى من الكفّار والمنافقين؟ أليس الثمانين غزوة وسرية التي خاضها صلى الله عليه وآله هي دليل على شدّة الأذى الذي لقيه صلى الله عليه وآله.

إن العزّة الحقيقية في الواقع هي تحمل المشاكل في طريق الحق. فإن كانت أبسط الأمور تعدّ من قبل بعض ذلة فعليهم أن يتذكروا دائماً أن البدن الطاهر لمولانا الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه رفسه اللعين شمر بن ذي الجوشن، فهل هذا عزّ أم ذل؟

إذن يجدر بنا جميعاً أن نتحمل صعوبات الدنيا في سبيل نشر حقائق الإسلام، وأما المشاكل التي نتعرّض لها ـ وهي العزّة بعينها بالدارين ـ فلنحتسبها عند الله تعالى ورسوله الأكرم صلى الله عليه وآله، وعلينا أن نتعلّم من السلف الصالح ما بذلوه من الجهود والمساعي في سبيل نشر رسالة الغدير.

عيد الغدير الأغرّ من أهم الأعياد وأفضلها وأكبرها

في سياق متصل حول عيد الغدير الاغر قال المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي:

لقد كان الشيعة في السابق قليلي العدد قياساً إلى سائر المسلمين، وكانوا مضطهدين أكثر من اليوم، ومع ذلك قاموا بدورهم وأوصلوا الرسالة إلى العالم والأجيال اللاحقة، واهتدى الملايين من الناس عبر القرون إلى نور أهل البيت سلام الله عليهم، وانتشر التشيّع في العالم كلّه، وزادت نسبة الشيعة بدرجة كبيرة؛ كما أن الحريّات في هذا العصر أفضل بكثير من السابق وهذا يضاعف من مسؤولية الشيعة اليوم، ويجدر بأتباع أهل البيت سلام الله عليهم الموجودين في العالم اليوم أن يبذلوا من الجهود ما يناسب حجمهم والحريات المتاحة لهم.

وقال سماحته: نحن على أعتاب شهر ذي الحجة الحرام وفي هذا الشهر أعظم الأعياد وأكبرها وهو عيد الغدير الأغر، وبعده سيطلّ شهر محرم الحرام وهو شهر المصيبة والحزن لآل الرسول الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين، فيجدر بالشيعة كافّة أن يبذلوا قصارى جهدهم ويعملوا على إحياء وتعظيم مناسبتي هذين الشهرين بما يليق بشأنهما وبنحو أفضل، حتى يكونوا مصداقاً حقيقياً لقول مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «شيعتنا ... يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا».

وأضاف سماحته موضحاً: قبل زهاء ألف سنة كانت نسبة أتباع أهل البيت سلام الله عليهم في مدينة بغداد عشرة بالمئة من مجموع سكانها ولكنهم كانوا في ذكرى عيد الغدير الأغر ينصبون في كل أزقّة وشوارع بغداد طاولات وكانوا يضعون عليها الحلويات بكثرة بحيث كانت الناس تأتي وتأكل ويأخذون منها إلى بيوتهم، وهذا الأمر قد دوّنه وذكره العرب والعجم في تواريخهم. فهل يقوم الشيعة حالياً بمثل هذه الأعمال في مدنهم وبلدانهم؟ وهو عمل بسيط قياساً إلى بقية الأعمال.

وأكّد دام ظله: إن عيد الغدير الأغرّ من أهم الأعياد وأفضلها وأكبرها، فيجدر إحياء ذكراه بأحسن ما يمكن حتى يعلم الناس جميعاً قدره وشأنه.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29 كانون الاول/2007 - 17/ذو الحجة/1428