بعد 17 عاماً من الديمقراطية.. كوردستان العراق إلى اين؟

هشام محمد علي

طالما ثار البسطاء على حكمٍ ليأتوا بأخر لايعدل بينهم وبين ذوي الحظوة لدى الحكومة الثورية الجديدة بأشكال مختلفة بعدما ظنوا بالأتِ خيرا، وقد ينطبق مثل هذا القول على العديد من الحالات التي يتشكى الثائر من عودة حاكمه البارحة الى قيادته اليوم لأنه قريب "ثوري" ذو رأسٍ كبير او انه ينتمي لعشيرةٍ مبشرةٍ بالعفو من لدن سلطانٍ قريب بحجةِ انه ذو خبرة (أولم يسأل السيد المسؤول على حساب من حصل على هذه الخبرة؟)

وهذا ما حدث مع السيد جمال خليل رسول 54 سنة مقاتل في صفوف البيشمركة التي تعني بالعربية الفدائي منذ 1969 ولازال، وهو اب لثمانية اطفال كبيرهم اصيب بإعاقة دائمية في إحدى معارك البيشمركة وأخ لشهيد، وكان ابناً لسجينٍ حُكِم عليه بعشرين سنة عُذِبَ حتى فقد ذكورته.

شارك في العديد من المعارك التي يتحدث عنها بأسفٍ فهو يعتقد لو ان الشهداء عادوا للحياة سيندمون على تضحيتهم بانفسهم، لأن التضحية في سبيل الوطن قلبها البعض إلى تضحيةٍ في سبيل طموحاتهم السياسية والتجارية.

تاريخ فقراء كوردستان في صنع الحاضر تُقَيَم على اساس مالهم من علاقات، فالسيد رسول حصل على مقابلٍ لخدماته عن طريق علاقاته فمن لايملك من يتملقه او يتملق له فلا تاريخ له "جملة ماأصابني من الحكومة هي رتبة عسكرية حصلت عليها عن طريق الواسطة، وليس لقاء خدماتي" ويقول السيد رسول ايضاً انه لم يكن ليعاتب الحكومة لو انه حصل على ربع استحقاقه ولكنهم اجبروه وحسب قوله الألاف غيره على العتاب والتشكي بعدما اصبح "احني رأسي لقاتل رفاقي البارحة".

مرت سبعة عشرة عاماً على وجود اقليم كوردستان العراق بمؤسساته التي تأسست على معايير دولية لكنها لم ترقى إلى المعايير الإقليمية من الناحية العملية، فشعب كوردستان لازال عليه قطع اشواط طويلة للوصول إلى الديمقراطية التي هي اكثر من مجرد انتخابات بل وهي قبل كل شيء قضاء على المحسوبية التي يقول عنها السيد رسول "إن لم يكن لديك واسطة في كوردستان لن تستطيع العيش، لن تحصل على اي شيء من الدولة دون الواسطة"

عندما ينتقد احدهم الحكومة يجيبون غالباً بأن التغيير يحتاج إلى وقت، ويستشهدون بألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية وغيرها من امثلة، وهنا ارغب بإخبارهم بأن مفهوم الزمن قد تغير منذ ذلك الوقت، فما كان يُنَفَذ بسنين هو ينفذ بأشهر او ايامَ الأن مع هذا التطور الهائل في مجال التكنلوجيا والمعلومات والإعلام الذي اصبح يلعب دوراً كبيراً في التغيير، وهو لازال مغيباً في كوردستان بإستثناء الإعلام الحزبي الذي هو إعلام مقيد مهما كانت مساحة الحرية الممنوحة للعاملين فيه.

يحمل السيد رسول حكومة الأقليم مسؤولية المحسوبية والفساد المستشري في الأقليم وهو يقول "عدة مرات حاولت الوصول إلى القيادة لأشرح لهم ظروفي لكني لم افلح" بجانب السيد رسول فمنظمات دولية مثل Human Rights Watch وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق قد اصدرت ثلاث تقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان في العراق من ضمنها اقليم كوردستان كان اخرها للفترة من 1 نيسان/ابريل – 30 حزيران/يونيو 2007 وايضاً تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول انتهاكات حقوق الإنسان في اقليم كوردستان، كُل هذا يدعو إلى دعوة القيادة الكوردستانية إلى العودة إلى الجماهير التي تحشدت نساءً واطفالا قبل الرجال يوم هددت تركيا بالدخول إلى الأقليم قبل اربع سنوات من الان، وهي نفسها التي تعاملت مع التهديد الأخير الذي لازال مستمراً بكل برود، حالها في ذلك كالعربي العراقي المتابع للأحداث عبر وسائل الإعلام، فهي ترى انهم لم يوفروا وقود ولا كهرباء وهنالك ازمة سكن وغلاء في الأسعار، وبعدما كانت كوردستان لاتحتوي على مليونير واحد اصبح اصحاب الملايين بالألاف، ولا احد يجروء ان يسأل احدهم من اين لك هذا؟

الإنتماءُ الذي سيتشكل عند إنسانٍ يعيش لأول مرة حراً في الأختيار دون وجود عدوٍ يفرض عليه الإنتماء القومي بسبب اضطهاده قومياً سيؤدي إلى إنهيار قاعدة الأحزاب الكوردستانية الحالية إذ مابقيت على نهجها الحالي في التعامل مع الجماهير، مايؤدي إلى انهيارها او إنشقاقها إلى عدة تكتلات بوقتٍ قصير بعد إستقرار العراق الذي يعتبر السبب الرئيسي لتحمل الجماهير للواقع كما هو الان، فالأحزاب الكوردستانية تصدر المشاكل الداخلية الى القضايا المتعلقة بالخارج والذي يشكلها الأخر، فتارةً المادة 140 التي تنص على إجراء إحصاء فأستفتاء حول المناطق المتنازع عليها من ضمنها كركوك في موعد اقصاه  31/12/2007 والذي لايبدو في الأفق قدرتهم على تحقيق مطلبهم بضم كركوك للإقليم، بعد التأجيل الاخير لمدة ستة اشهر وهو التأجيل الأول ولكنه قطعاً لن يكون الأخير، او تحت شعار محاربة الإرهاب، او التهديدات الإقليمية او او او، ومااكثرها الأسباب إن احتاج الثعلب عذراً لأكل دجاجة.

كوردستان العراق إلى مرحلة صراعٍ بين القديم السائد المالك للسلطة وادواتها والحديث المفطوم الخائف من بطرياركية الساسة والمالك لأدوات ديمومة الأقليم.

يكون هذا الصراع بين أحزابٍ لازالت غير موجودة على الساحة والضرورة الجماهيرية هي التي تولدها والأحزاب التي تحكم الأن، او صراع المجددين والكلاسيكيين داخل أحزاب الحكم انفسهم، وهو صراع لازال المجددون فيه لاينبؤن بحدوثه، والشعب بين سندان الترهيب الخارجي والتجويع الداخلي.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27 كانون الاول/2007 - 16/ذو الحجة/1428