قوة الصمت

عدنان عباس

شبكة النبأ: الرفض وعدم الرضا المجتمعي قد يكون من المواقف السلبية ويشهد على ذلك كثير من المنظرين في الحركات الثورية باعتباره خمولا غير فعال في تقدم الشعوب ونوعا من الرضوخ والخنوع امام القوة الغاشمة التي تتحكم في مصيره والانصياع طوعا امام الاغلال والاستغلال واذا كان فيه نوعا من الفعل فهو فعل بطيء يؤدي بعد فترة طويلة الى التغيير والانقلاب او ينتج شخصيات ذات تاثير في المسار التطوري للتاريخ.

لكن الامر مختلف عن هذه التنظيرات في واقع الحال في كثير من المناطق في العالم وفي وشعوبه المتنوعة.

ولعلنا نكون مصيبون لو اخذنا التجربة العراقية بكونها متضمنة للقوة الرافضة سلاحها الوحيد الصمت كأسلوب طبيعي للرفض كذلك فان محتواها من الجانب الآخر قوى متظافرة تفعل كل ما من شانه ان يحط من القيم الانسانية والاخلاقية والدينية، ويقف في الزاوية الثالثة منها نظام منتخب تمثله الحكومة القائمة في العراق وذات تعاطي مع الطرفين المتعاكسين في الرؤية والفعل ذلك لانها حكومة توافق منتمية كل منها الى مصالح وحاجات كثيرة ومؤثرات متنوعة داخلية وخارجية لكنها تسير باتجاه وغاية صحية وهدف في صالح العراق وشعب العراق وهذا ما يؤكده الدستور العراقي كغاية مكتوبة وكقانون عام يتحكم في السياسة الداخلية والخارجية والمسار الوطني بصورة عامة.

الاحزاب او التيارات التي خرجت عن المسار الوطني بشكله الممكن كانت على الدوام ومنذ 2003 تحاول بشتى السبل ان تؤثر على المسار الوطني وتضع العراقيل امام الخطط التنموية والخدمات وتحطيم البنية التحتية للاقتصاد العراقي وتزرع العنف من خلال الارهاب والقتل الجماعي ظنا منها بان هذه الافعال انما تجعل لها مكانة رهيبة في قلوب الناس يمكن استثمارها بصورة جيدة وفعالة عند الانسحاب الامريكي من العراق، بكونها تحيّد الارادة المجتمعية عن الراي او المعارضة اعتمادا على الرعب المزروع مسبقا في قلوب الناس، من خلال صور وذكريات الدم المراق على الخارطة العراقية، وبذا تكسب المعركة المفترضة وتفوز بالسلطة التي هي المبتغى العالي في ذهن الارهابيين او العابرين من خلال الدم والرعب.

والقوة الصامتة بدأت فعلها المؤثر في الاوقات القريبة عند استلام الجيش العراقي والشرطة مقاليد الجانب الامني في اغلب المحافظات، وكانت الحصيلة معلومات استخبارية هائلة تطوع بها الصامتون، بعد ان اختزنوا الضغينة وعدم الرضا اتجاه القوى التدميرية لفترة طويلة، وهم يستذكرون صور القتل والاختطاف والاعتداء على شرف النساء وخطف الاطفال وتصفية اصحاب بعض المهن تحت ذريعة دينية مزيفة وغير صحيحة، كذلك التهميش والرعب غير المبرر.

ان القوة الصامتة التي تندرج في ذهنية المجتمع بامكانها ان ترفع اشخاص او جماعات الى اعلى قمة سلطوية، وبامكانها ان تنزل بهم الى الحضيض في الوقت الذي يتجاهلها المتجاهلون ولا يحسبون لها اي حساب.

فالانفلات الامني بعد سقوط الدكتاتور صدام كان قوة كامنة انفجرت على حين وجدت لها متنفس الا ان فعلها كان تنقصه القيادة والتوجيه لذا فقد كان مسار تلك القوة موجها باتجاه الرمز الوحيد للدولة الظالمة والمتمثل بادواتها وبنيتها التحتية ومستلزماتها.

وفي اوقات قريبة كان يبلغ الغرور بالارهابيين ان ينزل احدهم من السيارة ويقوم بقتل مواطن.. كان ينزل على مرآى الناس ويوجه البندقية او المسدس الى رأس الضحية كان يتأنى بعد ان يطلق الرصاصات القاتلة في راس الشخص ثم يقوم بجس نبض الضحية ليتأكد بانه قد مات فعلا ثم يركب السيارة بهدوء ويتحرك بها مع مجموعته وكأن شيئا لم يكن، فيما يرتسم الذهول وربما الانفعال والضغينة والرفض من قبل المشاهدين اي من قبل العين الاجتماعية الصامتة التي سوف تختزن هذه الصور وتطورها الى فعل يظهر عندما تسنح الفرصة المؤاتية وتنبثق الى فعل يمتلك القوة التي لا يمكن ان تقف إلا في خلاص ثأرها المختزن.

وهكذا اشرقت الشمس العراقية وهي تشع الدفئ والامان في الشوارع المنكوبة تدريجيا وتفتحت ازاهير المحبة تباعا مثل طفل يدرج في الانحاء ويتلمس الطريق متكئا ومتحاملا بهدوء.

واخذ الصوت يعلو رويدا بعد ان كاد يغرق في صمته المطبق وحلت فيه تلك الجرأة المكينة والفاعلة وهو يؤآزر كل فعل حقيقي باتجاه ان يصل العراق الى بر السلامة والحوار والتواصل.

اذا كان الارهاب قد استفز الصوت الصامت فان الفساد لايقل استفزازا من نظيره الارهاب الذي احكم سطوته الرهيبة على قوت الشعب واشاع المفسدة في الخارطة العراقية فانه سيفاجأ في وقت قريب من قبل اولاءك الموظفين الذين يبدون خاملين لايشاركون المافيات الفاسدة تعاملاتهم المشبوهة في دوائر الدولة او في القطاعات التي لها مساس بحاجات المواطنين ولن يكون في وسع الارهابيين ان يقتلوا الشرفاء الذين يتصدون للفساد الاداري في تلك الاوقات سيكون الصامتون بالمرصاد وسيذيقهم من نفس الكأس المر وتتكون ضدهم استخباريات هائلة من المعلومات والحجج والبراهين بما يكفي لرميهم في مزبلة العفونة والسقوط الذريع.

والصوت المختبئ يظهر حتى لبعض السياسيين الذين ركبوا مطية السلطة بسوء نية تحت ضغوط خارجة من غير الرغبة العراقية والمصلحة الوطنية.

الصمت له طاقة هائلة مثل نهر عزوم يجتاح المنخفضات ويكتسح الاطيان والطمى لتظهر الحياة بعده نظيفة متلألأة تزخر بالعافية والاطمئنان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27 كانون الاول/2007 - 16/ذو الحجة/1428