في ذكرى ميلاده: السيد المسيح(ع) مبشراً بالسلم والإسلام

محمد طاهر محمد

 

شبكة النبأ: عندما يتعرض القرآن الكريم لذكر الانبياء(ع) فانه يذكرهم بمنتهى الكمال البشري وينسب اليهم المآثر الكريمة والصفات العظيمة التي تلازم قداسة النبوة ونزاهة الرسالة الالهية وعقيدة الاسلام، كما ان جميع الانبياء(ع) الذين نص عليهم القرآن الكريم رسل من الله وعباد مكرمون بُعثوا لدعوة الخلق الى عبادة الله سبحانه وتعالى فأدّوا ما عليهم من تعليم الاحكام ودعوا الى سبيل الرشاد.

ان اكثر الانبياء الذين طالت سيرتهم المقدسة ايدي العابثين هو عيسى بن مريم (ع)، ففي عيون الاخبار عن الامام الرضا(ع) انه قال (ما شبه أمر أحد من انبياء الله وحججه على الناس إلا امر عيسى وحده)، واذا طالعنا سيرة هذا النبي الكريم نجد انه ابتلي بقومه وهو في المهد عندما قذفوا أمه الطاهرة بالزنا رغم انه كلمهم في مهده وبرّأها وقد عد القرآن الكريم قذفهم هذا كفراً  فقال (وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناًَ عظيماً) ولنستمع الى قصة هذه المرأة الصديقة الطاهرة وابنها(ع) من القرآن الكريم حيث يقول (إذ قالت امرأة عمران رب اني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني انك انت السميع العليم فلما وضعتها قالت رب اني وضعتها انثى والله اعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى واني سميتها مريم واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم فتقبلها ربها بقبول حسن وانبتها نباتاً حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا  مريم انى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب) كان عمران نبياً مرسلاً واسم زوجته حنة وقد ذكر الله هذه المرأة الصالحة  -وهي جده عيسى- تعظيماً لها وعناية بشأنها وقصة نذرها الجنين الذي في بطنها محرراً عن منافع الابوين وداخلاً تحت ولاية الله تعالى وصرف خدمته في سبيله عز وجل فلما وضعتها أنثى بادرت الى تسميتها مريم وتعني العابدة فتقبلها الله قبولاً حسناً وانبتها نباتا حسنا واعطاها الرشد والزكاة لها ولذريتها وافاضة الحياة لها ولمن ينمو منها من الذرية حياة لا يمسها نفث الشيطان ورجس وسوسته وهو الطهارة فلما بلغت مريم صارت في المحراب وأرخت على نفسها ستراً. ثم يتابع القرآن الكريم احداث قصة مريم(ع) فيقول (واذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) واصطفائها تقبلها لعبادة الله وتطيرها اعتصامها بعصمة الله فهي مصطفاة معصومة واصطفائها على نساء العالمين في ولادتها لعيسى(ع) كلمة الله وكونها وابنها آية العالمين.

ثم بين سبحانه وتعالى ان ما أوحى الى رسول الله(ص) هو صحيح مكنون في علم الغيب ولا يوجد عند باقي الاديان حيث ان يد التحريف قد نالته فلم تذكر القصة بهذه الخصوصيات فقال (ذلك من أنبياء الغيب نوحيه اليك) وللدلالة على صدق قول رسول الله(ص) وصحة دعوته في تثبيت الدعوى قال سبحانه (ما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم اذ يختصمون) وبعد ان ذكر تعالى قصة مريم وتربيتها ونشأتها واصطفائها بشرها لحمل عيسى(ع) كلمة الله من دون أب فقال (واذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين) وقد نسبه سبحانه وتعالى الى امه للتنبيه على انه مخلوق من غير اب ورداً على من يسميه ابن الله وللاعلام بأنه وامه شريكان في كونهما آية الله تعالى (وجعلناها وابنها آية للعالمين) ويأتي الخطاب من مريم(ع) بقوله تعالى (قالت رب انى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر) ولكن إرادة الله فوق الطبيعة (قال كذلك الله يخلق ما يشاء اذا قضى امراً فأنما يقول له كن فيكون) ثم اورد سبحانه وتعالى المقام السامي والكمال الخلقي لعيسى بن مريم (ع) فعطف على وجيهاً فقال عز وجل (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل ورسولاً الى بني اسرائيل) هذه قصة ولادة الصديقة الطاهرة مريم(ع) وابنها نبي الله وكلمته عيسى(ع) اوردناها مختصرة كما جاءت في سورة آل عمران وقد وردت أيضاً في سورة مريم مشابهة تماماً لما ذكرناه وقد دلت على عظيم منزلة المسيح(ع) وكرامته وشرفه كما وردت آيات أخرى دلت على معاجزه وآثاره ورفعه(ع) وقد دلت الكثير من الروايات التي وردت عن النبي(ص) وآله الطاهرين(ع) على ظهوره(ع) في آخر الزمان وصلاته خلف الامام المهدي(عج) ووردت أيضاً عن طريق اخواننا السنة نكتفي ببعضها عن طريق الفريقين فعن رسول الله(ص) انه قال (اذا خرج المهدي من ولدي نزل عيسى بن مريم فصلى خلفه) وعنه(ص) (ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج المهدي فينزل عيسى بن مريم فيصلي خلفه وتشرق الارض بنور ربها) وعن الصادق(ع) انه قال (ومن ذريتي المهدي اذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته فقدمه وصلى خلفه) وهناك الكثير من الروايات بنفس المضامين وهذه الروايات تدل على ان عيسى ابن مريم يكون مسلماً عند ظهوره.

عيسى عبد الله

العبادة والتألّه عند المسلمين تختص بالله سبحانه وتعالى وحده ولا يجوز إشراك أحد معه (قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله) فالايمان بالله تعالى لا يجتمع مع عبادة غيره سواء نشأت هذه العبادة عن اعتقاد التعدد في الخالق وانكار التوحيد في الذات أو نشات عن الاعتقاد بأن الخلق معزولون عن الله وهم محتاجون الى وسائط بينهم وبينه سبحانه وتعالى وقد أبطل القرآن الكريم كلا الاعتقادين فرد على الاعتقاد الاول بقوله ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وما كان معه من آله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون) أما الاعتقاد الثاني فقد أبطلته الآية الكريمة (ءإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون) وزيادة في بطلان هاتين الدعوتين فقد أبطلهما سبحانه وتعالى على لسان عبده رسوله عيسى بن مريم(ع) في مخاطبته اياه والتي اقر فيها عيسى(ع) بالعبوديه له سبحانه وان كان الخلق محتاج اليه وان كان رسولاً نبياً (واذ قال الله يا عيسى بن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي ان قول ما ليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم وانت على كل شيء شهيد) وهذا الكلام يفصح عما كان عيسى(ع) وموقفه تجاه ربه وتجاه الناس فذكر انه كان يرى نفسه عبداً لله ولا سبيل له الا الامتثال لامره سبحانه وتعالى فلم يؤمر الا بالدعوة الى عبادة الله ولم يقل لهم الا ما امر به: ان اعبدوا الله ربي وربكم ولم يكن له من الناس الا تحمل الشهادة ما دام فيهم وليس عليه ما أحدثوا بعده وقد ذكر القرآن الكريم ان عيسى(ع) كان عبداً لله ولم يدع لنفسه ما نسبوه اليه فرد عليهم (لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا اله واحد) (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وامه وصديقة كانا ياكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر انى يؤفكون) وقد خص أكل الطعام من بين جميع الافعال بالذكر لكونه من احسنها دلالة على المادية واستلزاماً للحاجة والفاقة المنافية للالوهية ثم ذكر القرآن ان عيسى(ع) ليس باله ولا ابن لله غني بذاته بل هو مخلوق مدبر فقال (لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئاً ان اراد ان يهلك المسيح ابن مريم وامه ومن في الارض جميعاً ولله ملك السموات والارض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شي قدير) فالله سبحانه وتعالى منزه من المادة ولوازمها الافتقارية كالحركة والزمان والمكان وغير ذلك وله القيمومة المطلقة على ما سواه فكل شيء سواه مفتقر الوجود اليه قائم الوجود به وعبادة المسيح اول دليل على انه ليس باله ولا نصيب له في الالوهية ويومئ قوله تعالى الى ذلك (لن يستنكف المسيح ان يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعا)

معاجزه(ع)

لما كانت النبوة والرسالة الالهية من المناصب العظيمة التي يكثر لها المدعون ويرغب في الحصول عليها الراغبون فيشتبه الصادق بالكاذب ويختلط المضل بالهادي فلا بد لمدعي النبوة من اقامة شواهد واضحة وأدلة قاطعة على صدقهم في  النبوة وأمانتهم في التبليغ ولا يكون هذا الشاهد من الافعال العادية التي يمكن لغيره ان يأتي بنظيرها فينحصر الطريق بما يخرق النواميس الطبيعية وذلك لا يمكن ان يقع لاحد الا بعناية من الله تعالى واقدار منه ولذلك اقتضت الحكمة الالهية ان يخص كل بني بمعجزة تشابه الصنعة المعروفة في زمانه والتي يكثر العلماء بها من اهل عصره فأنه اسرع للتصديق واقوم للحجة ويدل على هذه الحقيقة الامام الرضا(ع) عندما سئل! (لماذا بعث الله موسى بن عمران(ع) بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر, وبعث عيسى بآلة الطب؟ وبعث محمداً(ص) بالكلام؟) فاجاب(ع) (ان الله لما بعث موسى كان الغالب على اهل عصره السحر, فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله, وما أبطل به سحرهم, وأثبت به الحجة عليهم وان الله بعث عيسى(ع) في وقت قد ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس الى الطب, فاتاهم ما لم يكن عندهم مثله, وبما احيى لهم الموتى وابرأ الاكمه والابرص باذن الله, وأثبت به الحجة عليهم وان الله بعث محمداً(ص) في وقت كان الغالب على اهل عصره الخطب والكلام والشعر فاتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم واثبت به الحجة عليهم) وقد روى لنا القرآن الكريم ان عيسى(ع) تثبيتا لرسالته بالحجة والبرهان جاء الى قومه بآيات باهرة عجز عنها عصره كما قال سبحانه وتعالى (اني قد جئتكم بآية من ربكم اني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيراً بأذن الله وأبرئ الاكمه والابرص واحيي الموتى بأذن الله وانبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم ان كنتم مؤمنين) ونحن في غنى عن الشروح وما ذكره المفسرون لصراحة الآيات الشريفة في صدور هذه المعجزة عن عيسى(ع) ووقوعها ودلالتها على صدق دعواه وقد كرر سبحانه وتعالى الكلام في صدور هذه المعاجز من عيسى(ع) عندما خاطبه عز وجل مشافهة (اذ قال يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ ايدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلاً واذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل واذ تخلق من الطين كهيئة الطير بأذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بأذني وتبرئ الاكمه والابرص بأذني واذ تخرج الموتى بأذني) ثم عطف سبحانه وتعالى على جئتكم بقوله عز وجل (ومصدقاً لما بين يدي من التوراة) وهو تصديق لما علمه الله من التوراة ثم اوضح(ع) لهم بعض الاحكام التي هي اوفق بالحكمة والمصلحة الفعلية وبعض المواعظ والامثال والاحكام الاخلاقية والادبية وهي بمجملها مصدقة لشريعة موسى(ع) في بيان الاحكام كما دلت على ذلك الآية الكريمة (ولا حل لكم بعض الذي حرم عليكم فاتقوا الله واطيعون ان الله ربي وربكم فاعبدوا هذا صراط المستقيم) فكانت شريعة عيسى(ع) موافقة في الجملة والاجمال لشريعة موسى(ع) وقد نسب الى عيسى(ع) في الانجيل قوله (ما جئت لابطل التوراة بل جئت لاكملها)

عيسى مع الحواريين

وعلى الرغم من المعجزات والآيات الباهرة التي ظهرت على يد عيسى(ع) والتي دلت على صدق نبوته وصحة دعواه إلا ان بني اسرائيل لا قوه بالكفر والعناد والاعراض والتولي، وكان(ع) يدعو الناس الى طاعته ومتابعته التي هي الصراط المستقيم وانه جاء لينجيهم ويخفف عنهم بعض الاعباء والتكاليف الشاقة التي حملوها على انفسهم فعاندوه وهموا بقتله فدعا دعوته (مَن انصاري الى الله) فلبى الحواريون النداء كما في قوله تعالى (فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من انصاري الى الله قال الحواريون نحن انصار الله آمنا بالله واشهد بانا مسلمون ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) وقد آمنوا بجميع ما أنزل الله مما علمه عيسى ابن مريم من الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل واتبعوا الرسول في ذلك وهذا من اعلى درجات الايمان وقد وصفهم القرآن الكريم في اكثر من اية بالايمان كقوله عز وجل (كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من انصاري الى الله قال الحواريون نحن انصار الله فآمنت الطائفة) وقوله تعالى (واذ أوحيت الى الحواريين ان آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد باننا مسلمون) وقد اختلف في عددهم ولم يرد لفظ الحواريين في القرآن الكريم الا لاصحاب عيسى(ع) وهم رسله الذين اخلصوا في انفسهم ونقوها من كل عيب وكانوا مخلصين له وهم الذين كان عيسى(ع) يرسلهم الى بني اسرائيل للوعظ والارشاد وفي التوحيد عن الامام الصادق(ع) انهم كانوا اثني عشر رجلاً وكان افضلهم  واعلمهم لوقا.

عيسى(ع) مثل ادم(ع)

ثم يرجع القرآن الكريم الى ذكر بني اسرائيل الذين كفروا بعيسى فيقول عز وجل (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) وذلك بما خفي عن إدراكهم وما قصرت عنه عقولهم بان شبه المسيح عليهم فرد الله كيدهم على انفسهم مع اعتقادهم بانهم قتلوه كما دلت على ذلك الآية الكريمة (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم الا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله اليه وكان الله عزيزاً حكيما) ثم يكمل القرآن الكريم قصة عيسى(ع) فيخبره عز وجل بوفاته ورفعه وتطهيره وتبشيره بان متبعيه لهم الغلبة والتفوق على الذين كفروا به فقال تعالى (اذ قال الله يا عيسى اني متوفيك ورافعك الي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا ثم الي مرجعكم فاحكم بينكم في ما كنتم فيه تختلفون فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا والاخرة ومالهم من ناصرين واما الذين أمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم اجورهم والله لا يحب الظالمين) ثم يخاطب سبحانه وتعالى رسوله بعد ذكره قصة  عيسى(ع) واخباره من ولادته الى وفاته ورفعه بهذه الآية المباركة (ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم

من أقواله(ع)

قد ذكرنا ما لعيسى من المنزلة العظيمة عند الله وقد حفظ لنا التاريخ بعضا من اقواله -غير ما ذكر القرآن- وجدناها بين طيات الكتب فكانت آية في الزهد والورع والادب والاخلاق الكريمة نورد باقة منها اتماماً للفائدة فمن أقواله(ع):

- يا بني اسرائيل لاتكثروا الأكل فانه مَن أكثرَ الأكل اكثرَ النوم ومَن اكثرَ النوم اقل الصلاة ومن اقل الصلاة كتب من الغافلين

- لا تكونن حديد النظر الى ما ليس لك، فأنه لن يزني فرجك ما حفظت عينك فان قدرت ان لا تنظر الى ثوب المرأة التي لا تحلُ لك فافعل

- من خبث الدنيا ان الله تعالى عُصي فيها وان الاخرة لا تنال إلا بتركها

- من علم وعمل وعلم عد في الملكوت الاعظم عظيما

- كيف يكون من اهل العلم من يشاربه الى اخرته وهو يقبل على دنياه وما يضره اشهى اليه مما ينفعه

- لا تدري متى يغشاك الموت لم لا تستعد له قبل ان يفجأك

- طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود غائب لم يره

- لا يستقيم حب الدنيا والاخرة في قلب المؤمن كما لا يستقيم الماء والنار في إناء واحد

- ويل لصاحب الدنيا كيف يموت ويتركها ويا منها وتغره ويثق بها وتخذله ويل للمغترين كيف رهقهم ما يكرهون وفارقهم ما يحبون وجاءهم ما يوعدون ويل لمن الدنيا همه والخطايا امله كيف يفتضح غداً عند الله

- اني أرى الدنيا في صورة عجوز هتماء عليها كل زينة قيل لها: كم تزوجت؟ قالت: لا أحصيهم كثرة, قيل: أماتوا عنك؟ أم طلقوك؟ قالت: بل قتلتهم كلهم, قيل: فتعسا لازواجك الباقيين كيف لا يعتبرون بازواجك الماضين وكيف لا يكونون منك على حذر

- من ذا الذي يبني على موج البحر داراً تلكم الدنيا فلا تتخذوا فيها قرارا

- مثل العلماء السوء مثل صخرة وقعت على فم نهر لاهي تشرب الماء ولاهي تترك الماء يخلص الى الزرع

- رأيت قبح الجهل فجانبته فكل آفة تدخل على المكلف من اتباع الهوى وحب الشهوات فأن من تأمل ذلك بعين الاعتبار انفتحت له بصيرته وانكشفت له علل قلبه فينبغي له ان يزيل ذلك بالمخالفة لهما

- إرضوا بدني الدنيا مع سلامة الدين كما رضي اهل الدنيا بدني الدين

- الدنيا والاخرة ضرتان فبقدر ما ترضي احديها تسخط الاخرى

- مثل طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر كلما ازداد شربا إزداد عطشا حتى يقتله

- انكم لا تدركون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون ولا تبلغون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون

سلوكه (ع) وقول أمير المؤمنين(ع) والامام الصادق(ع) فيه(ع)

لمّا كان الانبياء(ع) هم المصطفين من الخلق فمن الطبيعي ان تكون قصصهم وسلوكهم غاية في الكمال البشري وقد دلت الايات الكريمة التي ذكرناها على منزلة عيسى بن مريم(ع) وانه من الانبياء اولي العزم ويدلنا قول الامام الصادق(ع) على مكانته العظيمة عند الله حيث قال(ع) (بعث الله عيسى بن مريم(ع) واستودعه النور والعلم والحكم وعلوم الانبياء قبله وزاده الانجيل) وقد ذكر لنا التاريخ بعضا من قصصه(ع) في زمانه دلت على فضائله ومكارم اخلاقه نورد بعضاً منها:

- كان(ع) اذا مر على شبان قال لهم: كم من زرع لم يدرك الحصاد, واذ1 مر على الشيوخ قال: ما ينتظر بالزرع اذا أدرك إلا ان يحصد

- قال(ع) لرجل: ما تصنع؟ قال: اتعبد؟ قال: فمن يعود عليك؟ قال: اخي, قال: أخوك أعبد منك

- وصنع للحواريين طعاماً فلما اكلوا وضأهم بنفسه فقالوا: يا روح الله نحن اولى ان نفعله منك قال: انما فعلت هذا لتفعلوه بمن تعلمون

- قال له(ع)رجل: دلني على عمل انال به الجنة فقال(ع): اتق الله في سرك وعلانيته وبر والديك

وليس أدق من قول أمير المؤمنين(ع) في التدليل على شخصية عيسى(ع) العظيمة ففي خطبة لأمير المؤمنين يصف بها عيسى(ع) قال فيها (وان شئت قلت في عيسى بن مريم فلقد كان يتوسد الحجر ويلبس الخشن وكان إدامه الجوع وسراجه بالليل القمر وظلاله في الشتاء مشارق الارض ومغاربها وفاكهته وريحانته ما تنبت الارض للبهائم ولم تك له زوجة تفتنه ولا ولد يحزنه ولا مال يلفته ولا طمع يذله دابته رجلاه وخادمه يداه

منزلته(ع) عند الله تعالى

لقد وصف القرآن الكريم نبي الله عيسى(ع) بأعظم الصفات التي تجعله في مقام الانبياء المقربين وقد دلت هذه الصفات على ما لعيسى(ع) من المنزلة العظيمة عند الله فوصفه عبداً لله ونبياً لقوله تعالى (قال اني عبد الله اتاني الكتاب وجعلني نبياً) ومن الانبياء اولي العزم اصحاب شرع وكتاب وهو الانجيل لقوله تعالى (وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة واتيناه الانجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين) وقوله عز وجل (واذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظا) وكلمة الله وروح منه لقوله سبحانه (انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه) ومبشراً برسول الله(ص) لقوله تعالى (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني اسرائيل اني رسول الله اليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد)ومباركاً وزكياً وآية للناس ورحمة من الله وبراً بوالدته ومسلماً عليه لقوله تعالى (وجعلني مباركاً اين ما كنت واوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً وبراً لوالدتي ولم يجعني جباراً شقياً والسلم علي يوم ولدت ويوم اموت ويوم ابعث حيا) ورسولاً الى بني اسرائيل لقوله تعالى (ورسولاً الى بني اسرائيل اي قد جئتكم بآية من ربكم) وكان وجيهاً في الدنيا وفي الاخرة ومن المقربين ومن المصطفين ومن المجتبين ومن الصالحين,

دعوة الى السيد المسيح وتعاليمه

لم يقتصر السيد المسيح (ع) في دعوته على الناحية الدينية فقط بل تعداها الى النواحي السياسية والاجتماعية والاخلاقية والاقتصادية فقد كان الحكم في ذلك الزمان اقطاعياً وكان الظلم والاستبداد طاغياً والشعب يرزح تحت نفوذ المتنفذين الذين عاثوا في الارض فساداً وفجوراً واحتكاراً جاء المسيح(ع) يبشر بالرحمة والرأفة والوداعة والقناعة وعدم استغلال الانسان لاخيه الانسان جاء المسيح(ع) بهذه التعاليم والمبادئ لتكون أساساً لنظام اجتماعي جديد وانقلاب شامل في حياة الانسان فكانت ثورة هائلة أضرمها السيد المسيح(ع) ضد الحكم الاستبدادي والاثرياء المحتكرين والمتاجرين باسم الدين والعقائد عندما دعا(ع) الى الاخاء والمساواة وكان(ع) اضافة الى تعاليمه الدينية والاجتماعية مثلاً رائعاً للفضائل متواضعاً أشد التواضع يطوف بين الناس ماشياً على رجليه لا يملك من حطام الدنيا شيئاًَ يحادث الجميع دون استثناء ويعطف على الاطفال معزيا الحزانى مساعداً الفقراء منتهراً المحتكرين والمتنفذين والمستغلين من الاغنياء داعيا الى المحبة ومقابلة الشر بالخير فكانت شخصيته الصالحة الجذابة مثالاً يحتذى به فاستطاع أن يؤسس حضارة إنسانية دفعت البشرية خطوات واسعة الى الامام. فالعالم مطالب بالعودة الى مبادئ السيد المسيح(ع) الذي جاء من اجل نشر الاسلام والاخوة والمساواة بين اجناس البشر للوصول الى هدف الانسانية الاسمى الا وهو انشاء مجتمع تتحقق فيه العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الانسان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأثنين 24 كانون الاول/2007 - 13/ذو الحجة/1428