
شبكة النبأ: بالرغم من الدور الذي
تلعبه الولايات المتحدة في إقليم دارفور فإن هناك حالة من الجدل الشديد
بين الكتاب والخبراء والباحثين على الساحة الأمريكية حول هذا الدور
وحدوده وتأثيره، ومع تعقد الوضع في الإقليم ووصول التطورات السياسية
الى طريق شبه مسدود ازداد الجدل وذهب البعض الى تحميل الادارة
الامريكية قدر من المسؤولية عن استمرار الأزمة الانسانية سيما وانه لا
توجد اي بودار للحل في الوقت الرهن.
يقول تقرير نشره موقع تقرير واشنطن، أوضحت مباحثات السلام التي عقدت
مؤخراً في ليبيا وكان مصيرها الفشل بسبب مقاطعة إحدى جماعات التمرد
الرئيسية أن الأزمة باتت أكثر تعقيداً. وهو ما ذكره Stephanie Hanson
في مقال له بعنوان structuring A Peace Process for Darfur نُشر في 11
أكتوبر 2007 على موقع مجلس العلاقات الخارجية http://www.cfr.org/publication/14455/
، مشيراً الي أن عددِ الفصائل المتمردة يتراوح بين إثنا عشرَ و خمسة
وعشرين فصيلاً، بعد أن كانوا جماعتين فقط في بداية الصراع وقد أدى ذلك
الي تحول الصراع إلى عنفِ فوضويِ بين المجموعاتِ العشائريةِ العربيةِ
ذاتها، وبين جماعات التمرد وقوة حفظ السلام الأفريقية، وبين المليشيات
العربية والحكومة السودانية.
طبيعة التحرك الأمريكي تجاه دارفور
اتسم التحرك الأمريكي خلال السنوات الثلاثة الأولى من عمر الصراع في
دارفور بالضعف والبطئ وأرجعت Susan E. Riceفي دراسة أصدرها معهد
بروكينجز The Brookings Institution ونشرها علي موقعه الإلكتروني
بعنوان The Genocide in Darfur"" ، ذلك الى أن الإدارة كانت ترى أن
الضغط على الحكومة السودانية قد يؤثرعلى تعاون الخرطوم في مواجهة
الإرهاب وربماْ يعرّضُ الجهود الأمريكية التي تتعلق بدفع النظام
السوداني لتوقيع اتفاق السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان للخطر.
وحتى مع اتجاه الإدارة الى تبني سياسة أكثر نشاطاً فقد اقتصرت على
الجانب الدبلوماسي. فقام وزير الخارجية كولين باول Colin Powell بزيارة
دارفور، ثم قامت الوزيرة رايس في عام 2005 بزيارة الإقليم واضطلع
نائبها آنذاك روبرت زوليك Robert Zoellick بجُهد تفاوضي نجح من خلاله
في التوصل الى اتفاق سلام في مايو 2006 غير أن مقاطعة إحدى جماعات
التمرد للإتفاق قد قللت من أهميته.
غير أن الإدارة قد صعدت من مواقفها خاصة بعد أن حصلت في أواخر أغسطس
2006 على تفويض من الأُمم المتّحدةِ يستند الي الفصل السابع من الميثاق
يجيز استخدام القوة بانتداب قوة حفظ سلام تتكون من 22ألف جندي لحماية
المدنيين، وفي سبتمبر 2006 زار الرئيس بوش والوزيرة رايس الجمعية
العامة للأمم المتحدة وعينا أندرو ناتسيوس Andrew Natsios كمبعوث خاص
ووعدا بعواقب قاسية اذا لم تقبل الخرطوم انتداب قوة الأمم المتحدة
طبقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1706 ،وبالفعل أعلنَ الرّئيسَ بوش في
29مايو 2007،أنّ الولايات المتّحدةَ تَفْرضُ عقوباتَ أقسى على السودان
ذكرتRebecca weissburg الباحثة المساعدة بمعهد انتربرايز في مقال لها
بعنوان "Sanctioning Talk On Darfur" ونُشرعلي www.american.com أنها
تتضمن أربع خطوات كالتالي:-
أولاً: حرمان 31 شركةِ سودانيةِ مِنْ العَمَل في الولايات المتّحدةِ
أَو إتْماْم أي تعاملات مالية بالدولار الأمريكي في أي مكان في العالم
.
ثانياً: فَرض عقوباتَ فرديةَ على اثنين من كبار المسؤولين
السودانيين وأحد زعماء التمرد لتحريضهم علي العنف وعرقلة عماية السلام.
ثالثاً: تكثيف تطبيق العقوبات الإقتصاديةِ الحاليةِ ضدّ130 من
السودانيين الذين يملكون أو يتحكمون في شركات هي ممنوعة أصلاً من
التعاملات المالية مع الولايات المتحدة.
رابعاً: طلب موافقةِ الأُمم المتّحدةِ لفرض حظرِ تسلح دوليِ ضدّ
السودان وفرض منطقة حظر جوّي عسكرية في دارفور.
وبالإضافة الي ذلك شاركت الولايات المتحدة في التحركات الدولية بشأن
دارفور إذ تبني مجلس الأمن الدولي في31 يوليو 2007 القرار 1769 الذي
خوّل تأسيس قوة مختلطة أفريقية أممية لفترة أولية تبلغ 12 شهراً تتكون
من 20 ألف من العسكريين بالإضافة الي 6آلاف من قوات الشرطة.
تقييم التحرك الأمريكي
تكشف متابعة الكتابات الأمريكية حول دارفور خلال الآونة الأخيرة عن
وجود شبه اتفاق على رمزية التحرك الأمريكي وعدم فعاليته. فالعقوبات
الأمريكية يمكن أن يكون لها،على الأكثر، تأثير رمزي كما اعترف المبعوث
الأمريكي الخاص إلى السودان Andrew Natsios قائلاً " ان الغرض من هذه
العقوباتِ هو ارسال رسالة إلى الحكومةِ السودانيةِ لتبدأ في التَصَرُّف
بشكل مختلف عندما تتعامل مع شعبها . "،كما أنها قد تضع السودان مجدداً
تحت المجهر الدولي، وربما تَخْلقُ ضغطاً وزخمَاً إضافياً للدورةِ
القادمةِ لعقوبات الأمم المتّحدةِ.
وليس أدل على ضعف العقوبات الأمريكية من أنها لم تدفع الخرطوم الى
التوقف عن سياساتها وفي هذا الصدد قال Michael Abramowitz كاتب
الواشنطن بوست في مقال بعنوان U.S. Promises on Darfur Don't Match
Actions نشر في 29 أكتوبر 2007، أنه بالرغم من تأكيد الرئيس بوش علي
تعاطفه لدي استقباله جماعة صغيرة من نشطاء دارفور في البيت الأبيض في
أبريل 2006 وإصراره علي ضرورة أن تكون هناك عواقب للإغتصابِ والقتلِ،
ودَعوته إلى ارسال قوَّاتِ دوليةِ لحماية الدرافوريين فإنه رغم مرور
نحو عام ونصف لم يتغير الوضع في الإقليم كثيرا ًوتم تشريد أكثر من
مليونين ،وبالرغم من تجدد اهتمام الأمم المتحدة فلم تصل بعد قوات حفظ
السلام الدولية التي طاب بها الرئيس بوش منذ فترة طويلة.
واقع الأمر أن هناك حالة من عدم الاستقرار فيما يتعلق بالسياسة
الأمريكية تجاه دارفور، بمعنى آخر فإنه بدا في وقت من الأوقات أن
الإدارة ربما لا تملك استراتيجية واضحة للتحرك، وفي هذا الصدد رصدت
Susan E. Rice في دراستها التي سبق الإشارة اليها مجموعة من المؤشرات
على ذلك من بينها ما يلي:-
بالرغم من حصول الولايات المتحدة في أغسطس 2006 علي تفويض
(القرار1706) من الأُمم المتّحدةِ يستند الي الفصل السابع من الميثاق
يجيز استخدام القوة بانتداب قوة حفظ سلام تتكون من 22ألف جندي لحماية
المدنيين، وتهديد الرئيس بوش والوزيرة رايس في الجمعية العامة للأمم
المتحدة بعواقب قاسية اذا لم تقبل الخرطوم انتداب قوة الأمم المتحدة
طبقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1706 فقد وافق المبعوث الأمريكي الخاص
ناتسيوس مع دول أوربية وأفريقية في أديس أبابا على التخلي عن القرار
المذكور وإنشاء قوة صغيرة وضعيفة تشارك فيها الأمم المتحدة والإتحاد
الأفريقي.
وجود حالة من الإرتباك داخل الادارة حول اذا ما كانت الابادة
الجماعية ما زالت تحدث في دارفور،ففي الوقت الذي لم يستخدم فيه الرئيس
بوش مصطلح "إبادة جماعية""genocide" عند إشارته الي دارفور في خطاب
حالة الاتحاد الذي ألقاه في 23 يناير 2007 ، وافق المبعوث الأمريكي
ناتسيوس على ان الإبادة الجماعية ما زالت مستمرة وذلك في شهادته امام
لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.
وجود فترة ستة أشهر بين إعلان ناتسيوس في نوفمبر 2006 بأن السودان
سيواجه عواقب قاسية بحلول الأول من يناير2007 اذا لم يحسم الأزمة وبين
الموعد الذي أعلنت فيه العقوبات الأمريكية( مايو 2007)، وذلك بالرغم من
تصديق الرئيس بوش علي خطة تلك العقوبات كما نشرت الواشنطن بوست في
بداية فبراير 2007 .
وتبدو حالة الارتباك أكثر وضوحاً بالنظر الى ما ذكره بعض المراقبين
الأمريكيين حول وجود فجوة ما بين الرئيس بوش من ناحية و مساعديه
ومستشاريه من ناحية أخري فالرئيس، كما ذكر Michael Abramowitz، لم
يختار بصفة كاملة بين هؤلاء المدافعين في ادارته عن مزيد من الضغوط علي
السودان وبين هؤلاء المدافعين عن الارتباط بحكومته الإسلامية لذلك
تغيرت السياسة من نظرة الي اخري.
ففي أواخر 2005 سأل بوش مستشاريه عن إمكانية إرسال المروحيات
المسلّحةِ لمُهَاجَمَة المليشيات إذا شنت هجماتَ جديدةَ على مخيّماتِ
اللاجئين.؟ وعن إمكانية إسقاط الطائرات العسكريةَ السودانيةَ إذا كان
ذلك ضرورياً ؟ غير أن مساعدوه قد أعربواعن قلقهم من تورط الولايات
المتحدة في حرب أخري ومن ثم تراجع الرئيس، وفي ربيع 2007 وطبقاً
لمُستشارِ الأمن القومي ستيفن جْي . هادلي، رفض بوش أن يقبل برنامجُ تم
وضعه لمُوَاجَهَة السودان لأنه لم يكن بالشدة الكافية ، كما أرادَ بوش
أَنْ يعرقل عملَ نفطِ السودان المُزدَهر ، وهو تحرّكْ كان من شأنه أن
يهيج العلاقاتَ بشدَّة مَع الصين، ومن ثم لم يفضله أحد في الإدارة.
وبدلاً مِن ذلك،جاء مسؤلوو الخزانةِ بخطّة عقوبات تهدفَ الي تَعْقب
الأفرادِ والشركاتِ الرئيسيةِ في الإقتصادِ السودانيِ، بضمن ذلك أعمال
النفطَ.
ولا شك أن هناك مجموعة من العوامل التي كانت وراء ضعف العقوبات
الأمريكية وعدم فعاليتها، فالولايات المتحدة كما قال Michael Jacobson
في مقال بعنوان "Navigating The Sudan Sanctions Regime" نشر علي موقع
واشنطن لسياسات الشرق الأدنيwww.washingtoninstitute.org لا تملك سلطة
قضائيةُ على البلدانِ والشركاتِ الأكثر ارتباطاً حالياً مع قطاعِ
الطاقة السوداني، والتي تشمل مؤسسات صينية وماليزية وهندية، وأكدت
Rebecca weissburg أن أَيّ تأثير يمكن أن ينتج عن تطبيق هذه العقوباتِ
الجديدةِ لن يكون كبيراً. فطبقاً لمسؤولين في وزارة الخارجيةِ، فإن
أغلب الشركاتِ الـ31 التي فرضت عليها العقوبات لا يَعْملُ في الولايات
المتّحدةِ أَومع الشركاتِ الأمريكيةِ،وبالرغم من أن أغلبية هذه الشركات
تستخدم الدولار الأمريكي في تعاملاتها المالية فلن يكون في مقدرة
الحكومةَ الأمريكيةَ أن تؤثر علي هذا الأمر.
كما أن الصين،الحليف الرئيسي للسودان لا تؤيد العقوبات الأمريكية
الأحادية أو الدولية الجماعية ،حيث تشتري بكين 70 % مِنْ نفطِ السودان.
وتقوم بإستثمار مباشرُ كبيرُ أيضاً في السودان، ولا تَمِيلُ إلى تَقليص
نشاطاتها الإقتصادية على خلفية العوامل الأخلاقية. فمنذ 1996، إستثمرتْ
الصين أكثر مِنْ 10$ بليون في السودان وهدّدَت مراراً وتكراراً بنَقْض
أيّ قرارَ بفرض عقوبات علي السودان من قبل مجلس الأمن.
بالإضافة الي ذلك فإنه مما أضعف العقوبات الأمريكية وقلل من
مصداقيتها ما ذكره محرر الواشنطن بوست Abramowitz من أن الرئيس بوش
ومساعديه تفادوا مبدأياً النظر الي العنف المندلع في دارفور لأن تصاعد
هذه القضيةِ قَدْ يتداخل مع المفاوضاتِ الصعبةِ مَع البشير، ورَأى
بَعْض المسؤولين الأمريكيين سبباً آخراً للتردّدِ في التدخل يتمثل في
الحفاظ على العلاقات الاستخباراتية المزدهرة مَع الخرطوم، التي بدات في
توفير معلومات حساسة عن القاعدة والإسلاميين المتطرفين الآخرين.
من جهة أخرى فإن تراجع قدرة الولايات المتحدة على القيام باجراءات
عسكرية قد أضعف من تأثير العقوبات خاصة في ظل التورط في العراق
وأفغانستان، فضلاً عن عدم رغبة الرئيس بوش في أن يظهر كـ" غاز لدولة
اسلامية أخري".حسبما أشار البعض، وفي هذا الصدد قال بوش أثناء وجوده في
تينيسي هذا الصيفِ أنه اعتبر -- وقرّرَ ضدّ --ارسال القوات الأمريكيةِ
من طرف واحد مشيراً الى أن، هذا لم يكن القرار الصحيحَ.
البدائل المتاحة
وفي إطار معالجة القصور الذي يشوب السياسة الأمريكية تجاه دارفور
طرح الخبراء والمراقبين السياسيين مجموعة من البدائل التي تتمثل فيما
يلي:-
- إجراء حملة اتصالات ذات مستوى كبير مع الحكومات الأجنبيةِ
والقطاعِ الخاصِّ بغرض شرح كيف أن الحكومة السودانية تستخدم أرصدة
الصفقات التجارية المالية لدعم نشاطاتها الخطرة والمحظورة، وكذلك شرح
ما يمكن أن يؤدي اليه التعاملُ مع السودان من الإضرار بسمعةِ المؤسساتِ
الماليةِ.
- مواصلة وصف الأزمةِ في دارفور بـ "الإبادة الجماعية"، ومواصلة
العمل المنفرد والاصرار على أن ينضم الأصدقاء والحلفاء في الضَغْط علي
الخرطوم لإنْهاء العنفِ، وكذلك فرض العقوباتِ على الرئيس البشيرنفسه.
فضلاً عن استخدام كُلّ الوسائل الممكنة، بضمن ذلك مجموعة الثمانية،
والأُمم المتّحدة، والألعاب الأولمبيّة ببكين، للضَغْط على الصين.
- فرضْ عقوباتَ أقسى على الخرطوم تشمل تجمّيدْ تعاملات النفطِ
المحدّدة بالِدولارَ، ومتابعة فرض عقوبات مشابهة في مجلس الأمن أو مع
الإتحاد الأوربي، والاستمرار في تطبيق العقوبات حتي يسمح السودان
بالانتشار الكامل والغير مقيد للقوة الأفريقية الأممية.
- دعم الجهود لتوحيد المجموعات المتمردة والتفاوضْ حول وقف لإطلاق
النار واتفاق سياسي لإنْهاء النزاعِ، وتسريع انتشار القوة الأفريقية
الأممية من خلال تقديم المساعدة لها.
- تطبيق وفرض، بالمساعدة مع الناتو، منطقة حظر طيران ويَجِبُ على
الكونجرس أَنْ يُخوّلَ بإمكانية استخدامَ القوة لإنهاء الإبادة
الجماعيةَ. |