العشرة البيضاء

الدكتور  نوري الوائلي

حزني أخي قد هدّ جسمي للثرى = والقلبُ في صدري يضيقُ تحسرا

 

دمعي يفحُّ على جروحي بالحمى = ما أكثر الآهات تعصرُ خاطرا

 

عجزتْ خطوطي والأنامل تنحني = عن وصف هم  قد تجمّعَ غامرا

 

هذي المشاعرُ لا يدوّن قدرُها  = حرفي ولا قلمي يوضّحُ معسرا

 

هذا ليوم قد تخلف راحلي  = لحضورِ مكة  والمدينةِ نافرا

 

أسفي لدهر لم يساعدْ راحلي   =  فعجزتُ عن سفر, وصرتُ محيّرا

 

لو كان عندي ما يسدّ حوائجي  = لحزمتُ أمري للمدينة طائرا

 

فدعوتُ ربي عند رؤيةِ شهره  = أن يقبل الصلوات , يقبل خاسرا

 

أحببتُ قبرَك يا حبيبَ قلوبنا = يا مُبعث الرحمن ِ تشفعُ حائرا

 

في روضك الزهراءُ ترقد روحُها= والكونُ يسطعُ من فناءك زاهرا

 

في ذاكري تبقى قبابُك سيدي = طيفاً أمامي يستفيضُ مشاعرا

 

سعدتْ بقبرك أرضُنا ونفوسُنا  = وانسابَ عشقُ هيامِنا به باقرا

 

من بعد قبرك والبقيع وجعفر =  ورياض جناتٍ ببيتك للورى

 

مالتْ عيوني نحو واقعة بها  = غدر  بحمزةَ , صدرُهُ قد اُنحرا

 

بعد المدينة قد حزمتُ حوائجي = وغسلتُ جسمي طاهرا متأزّرا

 

ونويتُ أن أمضي إلى خير القرى =أرض بها بيتٌ يطافُ شعائرا

 

بيتٌ له أشتاقُ حتى تكتوي = روحي بنار الحب , تحرقُ ساجرا

 

بيتٌ له تأتي على ولع بها = بشرٌ كأفواج الجراد تواترا

 

الكعبة  السوداءُ حول جدارها  = زمر ٌ تطوفُ تواليا ودوائرا

 

بنيتْ بأسم إلهنا رمزا له = حرم  عظيم  ضمّ يوماً حيدرا

 

تصبو له شوقاً رجالٌ امنتْ   = فرضاً عليها أن تطوف وتنحرا

 

لبيك ربّي قلتها متتاليا   =  لبّيتها ألفاً وألفا ً ذاكرا

 

حمدا ً وشكرا ً قلت عند ندائنا = لبّت حناجرنا فلبّت غافرا

 

غُلقت بيوتُ الناس, بيتكٌ دائما = أسوارُه للكون تحفظُ زائرا

 

ما أن نظرت لبيتِ ربك, تستقيـ=م بك الرؤى , تروي حياتك ناظرا

 

فجلستُ أنظرُ في عيون لا ترى =إلا جمالاً قد تنوّرَ باهرا

 

بللتُ من دمعي ومعدن  مقلتي = الكعبة  الغراءَ أجهشُ حاسرا

 

يا ساقياً من بئر زمزمَ أسقني = ماءً على جسمي يزيلُ خواسرا

 

اليوم قد ذهبَ الحجيجُ الى منى  = للذكر والدعوات , تعشقُ غافرا

 

عرفات يا يومَ الحجيج معظماً  =في أرضك الرحمن ينقذ حائرا

 

مرحىً لذاك اليوم نطلب خيره =  والقلبُ يحدوه اللقاءُ ليبحرا

 

ورميتُ من فجر حجارة جمرة = وفديتُ قربانا , نحرتُ مناحرا

 

وحلقتُ رأسي ثم سرتُ بواديا = البيتُ قصدي ساعياً متبشرا

 

بعد الطواف نظرتُ للبيت الذي =رمزٌ الهيٌّ حوى متكبّرا

 

فسألتُ صاحبه عطاءً مكرما = عمراً وعافيةً أعودُ مكبّرا

 

وقف الخليلُ وأبنهُ يتشاورا  = في رفع صخرات الجدار منائرا

 

يا قبلة  الإسلام يا أرضَ الهدى  = تتلألأ  الأنوارُ منك نوافرا

 

صلّيتُ فيك صلاة  عبدٍ تائب = وقرأتُ آيات الكتاب تبحرا

 

من حولك الرحمن أنزل شارعا = فغدت قبابك للزمان منابرا

 

وعلى يمينك هاجرٌ قد هرولتْ = بين الصّفا (والمروه) تطلبُ ناصرا

 

جمْعٌ بها من كل فوج  قد أتى =ترك الديارَ وجاءَ يأملُ قادرا

 

ورجعتُ أدعو والسرورُ يزفني= أملي عظيمٌ أن أعودَ وأطهرا

 

يا عشرةً أنت المنى أنت الرجى= فيها يجاب دعاؤنا , لن يصغرا

 

أهلا بأيامٍ عظيمٌ قدرُها  = عشرٌ بها تعلو الشعائر مأثرا

 

تحوي زيارة مشعر والمصطفى =تحوي مشاعر جمّة وتحاورا

 

العشرةُ البيضاءُ جلُّ خلاصِنا = من كل ذنبٍ يوم نأتي قاهرا

 

يا ذاهباً للبيت ابدء ْ ذاكراً  =  بالخير رحمكَ والمعارفَ صابرا

 

سفرٌ بدون سماحةٍ وتعاطف ٍ = لن يبتغي حجّا ً , سيصبحُ عاقرا

 

أن كنتَ ترجو من إلهك مكسباً = ارجعْ حقوق الناس تكسب وافرا

 

ما لي سوى أدعوكَ دعوة  مؤمن  = يحبو لبيتك ساجداً متفاخرا

 

أكتب حظوظي فائزاً مستبشراً = عند انفضاض حجيج بيتك ظافرا

* مؤسسه الوائلي للعلوم

نيويورك

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18 كانون الاول/2007 - 7/ذو الحجة/1428