وصايا المرجع السيد الشيرازي في شهر ذي القعدة 1428

شبكة النبأ: هذا التقرير يمثل مجموعة مقتطفات من توجيهات وارشادات المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله الوارف في شهر ذي القعدة 1428 هجرية لمجموعات العلماء والمثقفين والاكاديميين والزوار والمقلدين اقتبسناها من موقع مؤسسة الرسول الاكرم(ص) www.s-alshirazi.com.

مناسبة الحج هي تجربة لكم فحاولوا أن تنجحوا في هذه التجربة

أنتم أيها المؤمنون، وأنتنّ أيتها المؤمنات في سفرة عبادة وطاعة وفضيلة وهي حجّ بيت الله الحرام، وزيارة مراقد أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين، اغتنموا هذه السفرة فهي فرصة الحياة. فالملايين مثلكم يحجّون ويعتمرون ويزورون، ثم يعود قسم منهم بالثواب العظيم وبمغفرة الذنوب وبضمان مستقبل سعيد في الدنيا وفي الآخرة، وقسم يرجع بخفي حنين ـ كما يقول المثل ـ. فحاولوا أن تكونوا من القسم الأول. إن أبواب الرحمة والمغفرة والتوبة مفتوحة لكم، وهكذا باب السعادة، ورعاية أهل البيت سلام الله عليهم متوافرة، فيجدر بالمرء أن يجعل من نفسه أهلاً لنيل رحمة الله، ولائقاً لنيل فضله جلّ شأنه، وجديراً برعاية آل البيت صلوات الله عليهم أجمعين.

هناك أحاديث مستفيضة وعديدة عن المعصومين صلوات الله عليهم ذكرت صفات للمؤمن بدونها لا يستحقّ الشخص أن يوصف بالإيمان بجدارة. ومن هذه الأحاديث قول مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «المؤمن... نفسه منه في عناء والناس منه في راحة».

فالمؤمن الجيد هو الذي يحمّل العناء على نفسه كلما تعارض عناء نفسه وعناء غيره. والمقصود من قول الإمام سلام الله عليه (الناس منه في راحة) أنه لا يؤذي أحداً بكلامه وأقواله، وليس المراد أن الناس لا يخافون أن يقتلهم أو أن يخونهم في الأمانة وإن كانت هاتان وأمثالهما من الأفعال والتصرفات مشمولة، لكن المقصود الغالب هو ما يصدر من لسان الإنسان. فجراحات اللسان أحياناً تكون أشد أذى وفتكاً من السيف والرصاص. وبنسبة اتصاف المؤمن بهاتين الخصلتين يكون درجة إيمانه.

بعض الأشخاص مثقفين كانوا أو أُمّيين، وشيوخاً أو شباباً، عندما يجالسهم المرء يتجنّب الكلام معهم بدقّة أو أن يفصح عن كلّ ما في قلبه مخافة أن يستغلّوها في الطعن به أو التشهير به. ومثل هؤلاء الأشخاص يحتاط منهم أكثر الناس ويتجنبون الحضور في مجالسهم أو في مجالس يحضرون فيها.

مناسبة الحج هي تجربة لكم فحاولوا أن تنجحوا في هذه التجربة بأن تكونوا مصداقاً لحديث مولانا الإمام أمير المؤمنين الذي مرّ ذكره آنفاً بأن تعزموا على أن تتحملوا أنتم العناء ويكون غيركم في راحة، في الذهاب والرجوع، وفي الأكل والشرب، والنوم والاستراحة، وتحت كل الظروف. فمن يتحمل العناء أكثر من غيره ويكون الناس منه في راحة يسعد في دنياه ويسعد في آخرته. وهذا بحاجة إلى عزم، ومن يعزم ينل التوفيق من الله جلّ وعلا.

العمل بالمستحبات خير معين على التقوى وبلوغ الكمال

صحيح أن العمل بالواجبات واجتناب المحرمات هو مصداق التقوى ولكن يجدر بالمؤمن أن لا يكتفي بذلك فقط، بل عليه أن يولي الأهمية للمستحبات والمكروهات أيضاً. فليس من الصحيح أن يقول المرء :

يكفيني أداء الواجبات وترك المحرمات ولا حاجة للعمل بغير هذين الأمرين. فلو كان هذا الكلام صحيحاً لما شرّع الله تعالى بعض الأعمال أن تكون من المستحبات. فالمستحبّات في الواقع هي من الأمور التي تعين المؤمن في التزامه بالتقوى أكثر وتعينه في بلوغ المراتب العالية من الكمال.

كل إنسان عندما يتكلّم مع إنسان آخر تراه يستاء إذا كان الأخير غير ناظر أو غير ملتفت إليه، ويحسبه نوعاً من عدم التقدير.

إذن يجدر بالمرء حين قراءته للأدعية المستحبة أن يعلم أنه حاضر بين يدي الله ومنشغل بالكلام معه عزّ وجلّ، ومن مقتضيات وآداب هذا الحضور أن يتجنّب المرء قطع قراءته للدعاء لأبسط شيء.

وصايا قيمة

• تعجيل عمل الخير. فقد قال مولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله في وصيّته لأبي ذر الغفاري رضوان الله تعالى عليه: «إيّاك والتسويف بأملك فإنّك بيومك ولست بما بعده».

إن مولانا النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله يدعونا جميعاً في وصيته الشريفة هذه أن نعجّل في عمل الخير. ومعنى ذلك هو إذا تمكّن الإنسان من عمل الخير هذا اليوم فليعمله ولا يؤخّره، لأنه لا يعلم هل سيتمكن من عمله غداً أم لا. وعمل الخير له مصاديق كثيرة ومتعددة كالواجبات، والمستحبات، والعبادات.

على سبيل المثال: يجب أداء الصلاة بوقتها وعدم تأخيرها، وإذا كان الإنسان قادراً على الصوم وأراد أن يصوم المستحب فليصم، وإذا أراد أن يزور أقاربه ويصل أرحامه فليسرع في ذلك. فالتأخير في عمل الخير يسلب من الإنسان التوفيق لعمل كثير من الأعمال الصالحة والخيرة ويصيبه بحسرة أبدية يوم القيامة.

• التسابق في عمل الخير. فمثلاً إذا حصل اختلاف أو مخاصمة بين صديقين وتعكّرت العلاقة بينهما فالذي يبادر إلى المصالحة وإعادة العلاقة سيكون هو السبّاق في عمل الخير وبالتالي يكون من أهل الجنة. وهكذا يجدر العمل في باقي الأمور ومنها بالخصوص أداء السلام.

قال مولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله: «بين المسلِّم والمجيب مائة حسنة: تسعة وتسعون منها لمن يُسلّم، وحسنة واحدة لمن يجيب».

• اجتناب الغضب. قال مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله: «الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخلُّ العسلَ». فالغضب أساس كثير من المعاصي والسيئات والموبقات وسبب تعاسة الإنسان وشقائه، فاعزموا على ترك الغضب وضبطه حتى تكونوا في مأمن من ارتكاب الذنوب والمساوئ، وتقلّ نقاط الضعف في صحيفة أعمالكم. فإذا سيطر الإنسان على الغضب فسيجني فوائد كثيرة في الدنيا وفي الآخرة.

• إحياء أمر أهل البيت سلام الله عليهم. فبعد أيام ستحلّ علينا ذكرى عيد الغدير الأغر، ومن بعدها ستحلّ أيضاً عشرة محرم الحرام وذكرى عاشوراء الإمام الحسين صلوات الله عليه، فاسعوا إلى إحياء هاتين المناسبتين العظميين وتعظيم شعائرها بشكل لائق وبأفضل ما تتمكون حتى يكتب مولانا الإمام أمير المؤمنين ومولانا الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليهما أسماءكم في قائمة المعظّمين لشعائر الله تعالى.

حديث الكساء من شعائر الإسلام

إن إقامتكم لمجالس قراءة حديث الكساء والمواظبة على ذلك هو فضل من الله تعالى عليكم، ومصداق بارز لرعاية مولانا المفدى الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف لكم.

إنني أبارك لكم ما حظيتم به من توفيق إقامة مجالس قراءة حديث الكساء الشريف، واعلموا أن هذا التوفيق هو من التوفيقات العظيمة والمهمة التي وللأسف يغفل الكثير منّا عن درك عظمتها.

يقول مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه: «لا يقبلُ اللَّهُ من العباد يوم القيامة إلاّ هذا الأمر الذي أنتم عليه وما بين أحدِكُم وبين أن يرى ما تقرُّ به عينُه إلاّ أن تبلغ نفسُه إلى هذه. ثمّ أهوى بيده إلى الوريد».

هذا الأمر في قمة الوضوح ولا غبار عليه أبداً. وما يثار من شبهات حول صحة سند ونص حديث الكساء من قبل بعض فهذه من الأمور التي تؤلم مولانا بقية الله الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وستكون عواقبها سيئة على أصحابها. فإنّ حديث الكساء هو من شعائر الإسلام ومن شعائر التشيّع بل من شعائر الله تبارك وتعالى التي دعا إلى تعظيمها القرآن الكريم بقوله عزّ من قائل:  « وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ».

إن لحديث الكساء الشريف ركنين: أحدهما الغدير والآخر عاشوراء. فيجدر بالجميع أن يواسوا أهل البيت الأطهار سلام الله عليهم ويكونوا مصداقاً للحديث الشريف: «يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا» وذلك بأن يظهروا ويعبّروا عن بالغ سرورهم وفرحهم في عيد الغدير، وعن تألّمهم وحزنهم في يوم ذكرى عاشوراء بشكل لائق.

نشر ثقافة الغدير

يجب العمل على نشر ثقافة الغدير في العالم كله. ففي عالم اليوم لم يسمع عن الغدير كثير من الناس ولم يعرفوا عنه شيئاً. فيجب انتهاز أجواء الانفتاح الموجودة حالياً في نشر ثقافة الغدير التي وصلتنا بفضل مساعي وتضحيات الألوف من أتباع أهل البيت سلام الله عليهم. فقد ذكرت كتب التاريخ أن معاوية قتل في حادثة واحدة فقط ثلاثين ألف من الشيعة وهذا العدد كبير جداً قياساً إلى عدد الشيعة في ذلك الزمان.

فيجدر بنا جميعاً أن نسعى قدر إمكاننا واستطاعتنا في إيصال رسالة الغدير إلى البشرية كلها وإلى المتعطشين للهداية والعدالة.

الالتزام بالتقوى والعمل بالواجبات من شروط نيل مقام القرب من الله تعالى

يجدر بالمرء أن تكون همّته عالية في سعيه لنيل مقام القرب من الله عزّ وجلّ.

إن الله سبحانه وتعالى حكيم وقد خلق الكون وفق نظام وميزان كما قال عزّ من قائل: «وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ»، وكذلك يكون عطاؤه. فمن يريد أن يحظى بمقام القرب من الله تعالى عليه أن يكون مستوفياً لشروط ذلك كما كانت تلك المرأة التي أمر الله تعالى نبيّه موسى على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام أن يقبل منها ما طلبته. ومن شروط ذلك الالتزام بتقوى الله تعالى، والعمل بالواجبات، والتحلّي بالأخلاق الحسنة، واجتناب المحرمات. فلو كانت تلك المرأة غير ملتزمة بالفرائض والواجبات، وكانت لا تجتنب المحرمات، وكان خُلُقها سيّئاً ما قبل النبي موسى عليه السلام ما طلبته منه فضلاً عن الله سبحانه.

المرأة يمكنها أن تحظى بمقام القرب من الله تعالى ومن رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله ومن مولاتنا فاطمة الزهراء والسيدة زينب الكبرى سلام الله عليهما وذلك بالعمل بالأمرين التاليين:

1. تعلّم واجبات الدين من أصول وفروع وعبادات ومعاملات وأخلاق والعمل بها، واجتناب ما حرّم الله تعالى.

2. الالتزام بالتقوى. ومن مصاديق ذلك أن لا يتعدّى المرء حدود الله سبحانه حال الغضب وحال السرور.

تعامل الإنسان بالحسنى مع الجميع سيعود عليه بالسعادة

كل ما يحبّ الإنسان أن يعيشه في أدوار الحياة وفي مختلف القضايا وفي المشاكل وفي السراء والضراء وفي الفقر والغنى وفي السفر والحضر، وما يحبّ من تعامل الناس معه عليه أن يحبّه للآخرين، وما يكرهه من ذلك منهم تجاهه فليكرهه لهم.

ما يحبّه المرء من تعامل زوجته أو إخوته أو أرحامه أو أصدقائه عندما يرجع من السفر مثلاً عليه أن يقوم بالتعامل نفسه تجاههم عندما يرجع أحدهم من السفر. وهكذا يجدر التعامل به تجاه الجيران، وفي البيع والشراء، وفي كل حال، حتى يضمن دخوله الجنة كما ورد في الحديث الشريف آنفاً.

نعم في الحياة وفي المجتمعات الإنسانية قليلاً ما نجد من يتحلّى بهذه الخصلة كما ذكرت الآية الشريفة: «وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ» بحيث يعودون بالإحسان على المرء إن أحسن إليهم. ولكن على المرء أن يهتمّ ويسعى لأن يكون من هذا القليل. فالحياة لا تغفل عن الإنسان.

إن أهل البيت الأطهار سلام الله عليهم أحسنوا في حياتهم فأحسنت الدنيا إليهم، كما نراه ونلمسه من آثار خلّدتهم. فيزيد لعنة الله عليه قتل الحسين سلام الله عليه ولكن التاريخ أثبت عكس ذلك فقد:

ظنّوا بأن قتل الحسينَ يزيدُهُم

 لكنـمــا قتــل الحســينُ يـــزيدا

فهذه النصيحة من مولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله هي عنوان الحياة في الدنيا وفي الآخرة. ولا شك أن الاتصاف بهذا الصفة هو أمر صعب جداً جداً ولكن يصبح سهلاً جداً جداً عندما يعزم المرء على العمل به.

ورد في الحديث الشريف عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله: «حفّت الجنّة بالمكاره» فعلى الإنسان أن يتحمل صعوبة هذا العمل لكي لا يُجبر على تحمّل الأصعب في الدنيا وفي الآخرة.

ويجدر التعامل هكذا حتى تجاه الحيوانات. فمن يظلم حيواناً ما يعود ظلمه عليه في الدنيا قبل الآخرة. فالظلم ظلمات تجاه أي كائن كان، كما صرّحت بذلك الروايات الشريفة. وفي التاريخ هنالك الألوف من القصص والعبر عن ذلك.

أما إذا تعامل الإنسان قولاً وفعلاً بالحسنى مع الجميع فإنه سيعود عليه بالحسنى عاجلاً أو آجلاً حتى إن كانت كلمة واحدة والعكس بالعكس أيضاً.

فعلى المؤمنين أن يتعلّموا هذه العبر من:

أولاً: تعاليم القرآن الكريم ومنها قوله تعالى: «إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا».

ثانياً: من سيرة مولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار سلام الله عليهم.

يجدر بالإنسان المؤمن أن يحبّ لغيره ما يحبّه لنفسه وذلك بأن يعاملهم بالحسنى قولاً وصنعاً حتى يحظى بالسعادة في الدنيا والآخرة.

العلم المقرون بالتقوى منشأ كل خير

إن عامّة الناس يقتصر فكرهم وهمتهم على المنافع الدنيوية فقط، فترى الكثير منهم يسعى لأن يحصل على الثروة والجاه والمنصب والشهرة أكثر من غيره. في حين يشير القرآن الكريم إلى أن همّ المؤمنين والمؤمنات هو الآخرة ويسعون إلى ما يوجب لهم رضوان الله تعالى والسعادة الأبدية.

إن القرآن الكريم يدعو المؤمنين والمؤمنات إلى التسابق في الخيرات بقوله عزّ من قائل: «خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ». والخير له مفهوم واسع وكل عمل فيه خدمة للآخرين يكون مصداقاً للخير، كإطعام الفقير، وقضاء حوائج المؤمنين وما إلى ذلك. وهنالك أمران في قمّة الخير كله وهما العلم والتقوى، مع شرائطهما اللازمة لهما طبعاً. فالعلم والتقوى من أفضل الخيرات، ومن يقضي عمره في طلب العلم والالتزام بتقوى الله تعالى ويجدّ ويجتهد في ذلك سيكون من المبيضة وجوههم في الآخرة ويحظى بمقام القرب من الله جلّ شأنه ومن رسول الأكرم وآله الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين.

 نعم في كل زمان وفي كل حوزة نجد أشخاصاً يدخلون الحوزة ليستغلّوها في الأمور السيّئة، ولكن وجود هؤلاء وهم قلّة قليلة ليس له منافاة مع كون الحوزة مركزاً للعلم والتقوى. ومثلها كمثل بيت سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وبيوت باقي المعصومين صلوات الله عليهم فهي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ولكن أشخاصاً لم يراعوا حرمة هذه البيوت ودخلوا فيها لأمور كانت لغير تعلّم العلم والتقوى.

يمكن للعلم أن يكون أشد فتكاً وضرراً من السلاح النووي، هذا إذا لم يكن مصحوباً بالتقوى. فكل الذين لم يتمسكوا بولاية أهل البيت سلام الله عليهم وانحرفوا عنهم بمذاهب وأفكار ابتدعوها هم أصحاب علم خلا من تقوى الله تعالى. وكذلك عمل الخير إن لم يكن عن علم ودراية فلا ثمرة فيه أبداً، كما في الحديث الشريف عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله: «من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح».

أما العلم المقرون بالتقوى فإنه منشأ خير الدنيا والآخرة.

 إن تقوى الله تعالى والعلم النافع هما اللذان ينفعان الإنسان في حياته وبعد مماته. والخير الكثير منشأه العلم المقرون بالتقوى. فيجدر بالمؤمنين والمؤمنات أن يتسابقوا في تحصيل علوم أهل البيت سلام الله عليهم، وفي الالتزام بالتقوى الحقيقية وأن يشجّعوا ويرغّبوا أرحامهم وأصدقاءهم لسلوك هذا الطريق. وكل من يرتقي في هذا المجال أكثر يستطيع أن يؤثر أكثر على علماء المذاهب والفرق الباطلة وأن يهدي الكثير من عباد الله إلى نور أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين.

نحن جميعاً مسؤولون عن إيصال رسالة الإسلام الحقيقي

إن عقيدة التشيّع هي العقيدة الحقّة التي تستقي مبادئها من تعاليم الوحي بينما باقي العقائد مليئة بالخرافات وبالأمور غير العقلائية والبعيدة عن الواقع، فإذا تم تعريف حقائق التشيّع إلى الناس بصورة صحيحة ولائقة فسيكون لها التأثير البالغ والكبير والواسع. فحقائق التشيّع هي كقانون الجاذبية التي لها تأثير على كل الأرض وعلى سكانها بأجمعهم ولا تختص بمكان دون مكان أو بلون وقومية دون الألوان والقوميات الأخرى.

إن عالم اليوم يختلف كثيراً عن عالم الماضي. فمن يذكر اليوم فضائل الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه لا يتعرض للتعذيب والقتل و... كما في السابق حيث كان الأعداء يقتلون كل من يذكر منقبة من مناقب أهل البيت سلام الله عليهم حتى إن كانت من أحاديث مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله. والدليل على ذلك هو المئات من الشهداء من رواة وعلماء التشيّع الذين أرخصوا أرواحهم وضحّوا بالغالي والنفيس كي يوصلوا لنا تعاليم أهل البيت سلام الله عليهم. فلقد ولّت العهود التي كانت مليئة بالقمع والاضطهاد، والشيعة اليوم أمام فرص كثيرة وإمكانات عديدة يمكنهم بها أن يبلّغوا عقيدة التشيّع الحقّة. فالمستوى الكمي والكيفي للفضائيات الشيعية الموجودة الآن قياساً إلى الفضائيات العالمية هو واحد بالألف. فمن الجدير اليوم أن تتم الاستفادة من الفنون الجديدة والحديثة لأجل تبليغ الدين وتعريف تعاليمه إلى الناس بلغات العالم الحيّة حتى يهتدي الناس إلى نور التشيع أفواجاً وأفواجاً.

من الحقيقة والإنصاف أن أصحاب الأديان والمذاهب الأخرى الموجودة في العالم اليوم يعانون من الفراغ وليس عندهم نصيب من التعاليم الإلهية الأصيلة. وما يفعلونه اليوم هو كمن يصبغ الفحم ويقول للناس إنه ذهب، فيضلّ الكثير من الناس من اليهود والنصارى بسببهم وبالخصوص جيل الشباب.

لذا نحن جميعاً مسؤولون عن إيصال رسالة الإسلام الحقيقي إلى هؤلاء عبر:

1. ضرورة الاستفادة من الفنون الجديدة والإمكانات الحديثة في تعريف وتبليغ التشيّع ومنها القنوات الفضائية.

2. السعي في تعلّم لغات العالم وبالخصوص الحيّة منها، وذلك لممارسة التبليغ بشكل أوسع وأشمل.

3. الاستفادة القصوى من أجواء الحرية الموجودة في عالم اليوم في نشر التشيّع فهي فرصة ذهبية.

اخلاص النية في خدمة الإمام الحسين(ع)

يجدر بالإنسان المؤمن أن يقدّم نفسه وأعماله وأقواله وتصرفاته وفكره وسلوكه وكل ما لديه خالصاً لوجه الله تعالى. فالإنسان مهما يعمّر في الدنيا فإنه بالتالي يموت، فيجدر به أن يقضي حياته كلها لله سبحانه حتى يبقى في عالم الآخرة في نعيم دائم وكرامة خالدة.

أما الذي يجعل نفسه وكل ما لديه لغير الله تعالى أي للحصول على الجاه مثلاً أو للمال والثروة فسيكون في الآخرة في حسرة دائمة وشقاء أبديّ.

إن الإمام الحسين سلام الله عليه لا يحتاج إلى أحد ولا إلى مال أحد بل البشرية بأجمعها والدنيا وما فيها والآخرة أيضاً بحاجة إليه سلام الله عليه، لكن الله تعالى جعله امتحاناً واختباراً للناس جميعاً وليس للمسلمين فقط.

يجدر بالجميع وخصوصاً الذين هم بجوار الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس سلام الله عليهما أن يعرفوا قدر نعمة خدمة الإمام الحسين وأن يخلصوا نيّاتهم في خدمته سلام الله عليه أي أن تكون خدمتهم ضمن دائرة (ما عند الله) حتى ينالوا النعيم الدائم في الآخرة.

واعلموا أنكم ستؤجرون بمقدار إخلاص النية، والذي سيؤجركم على خدماتكم هو الإمام الحسين بنفسه سلام الله عليه.

تعريف القيم الإسلامية الأصيلة عبر وسائل الإعلام الحديثة

لقد مرّ الشيعة بعهود ملئية بالقمع والاضطهاد كزمن الحاكم العباسي هارون الذي أمر أحد جلاوزته وهو حميد بن قحطبه بأن يذبح العشرات من الشيعة في ليلة واحدة. لكن عالم اليوم يختلف عن عالم الماضي فهناك نوع من الحرية والانفتاح فيجب انتهاز هذه الفرصة وهذه الأجواء في الدفاع عن التشيّع وفي تعريف القيم الإسلامية الأصيلة عبر وسائل الإعلام الحديثة والمتطورة.

إن واحداً بالألف من مجموع سكان الأرض لا يعرفون شيئاً عن أهل البيت سلام الله عليهم. وأقصد أنهم لا يعرفونهم معرفة حقيقية تناسب شأنهم الرفيع.

لو ظلم إنسان ما بحضور إنسان وكان الأخير يستطيع أن يدفع الظلم عنه ولم يقم بذلك فسيكون مسؤولاً أمام الله تعالى. فيجب علينا جميعاً وجوباً عينياً اليوم أن ندافع عن مظلومية أهل البيت سلام الله عليهم ما دمنا قادرين على ذلك.

إن الله تعالى جعل لنا العروة الوثقى إن تمسّكنا بها لم نزِغ ولم ننحرف أبداً، ذلكم هو القرآن الكريم وعترة النبي صلّى الله عليه وآله، فهما السنام الأمثل والمعيار الذي نعرف من خلالهما - أي بتمسكنا والتزامنا بهما وعدم الابتعاد عنهما - عدم انحرافنا عن الحقّ.

كلّ ما تقدّمونه من خدمة في هذا السبيل ومهما تقومون به من فعاليات ونشاطات، هو ثمين جداً لكنه يبقى قليلاً نظراً إلى الحاجة الماسة والضرورة الملحة اليوم التي تتطلب المزيد والمزيد من الجهود والمساعي الجبارة والكبيرة. فاسعوا إلى المواصلة والاستمرار في هذا العمل وقوموا بإعداد وتربية من يحذون حذوكم.

ثلاث وصايا تجلب الخير الكثير والتوفيق

• كلّ إنسان سواء كان رجلاً أو امرأة، وعالماً أو جاهلاً، يرى آثار أعماله التي عملها في الدنيا في حياة البرزخ قبل يوم القيامة، فإن كانت خيراً يرى الخير، والعكس بالعكس أيضاً كما في الحديث الشريف عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله: «من مات فقد قامت قيامته». وقد ذكرت الروايات الشريفة أن الأخلاق الحسنة لها التأثير البالغ على مصير الإنسان في القبر. فإن كان الإنسان متحلّياً بالأخلاق الحسنة في طيلة حياته فسيلاقي في القبر رَوحاً وريحاناً. وإن كان سيئ الخلق فسيلاقي الخوف والرعب والعذاب، والعياذ بالله.

• صمموا على ترك الغضب وضبطه والسيطرة عليه دوماً وفي كل الحالات وواصلوا ذلك. وصحيح أن هذا الأمر صعب في بدايته ولكن يسهل بالعزم الأكيد وبالمواصلة.

• يجدر بالمرء أن يحبّ لغيره ما يحبّه لنفسه. فالذي يحبّ الاحترام من الناس عليه أن يحترم الآخرين، ومن يحبّ أن يسمع الكلام الحسن من غيره عليه أيضاً أن يلتزم بهذا تجاه الآخرين، والذي يحبّ التعامل الجيد من غيره عليه أن يكون هو كذلك تجاه غيره، سواء كان والديه أو أخاه أو أخته أو أستاذه أو تليمذه أو جيرانه أو صديقه أو عدوّه وحتى مع الحيوانات.

لقد أكدّت الروايات والأحاديث الشريفة عن المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم ضرورة العمل بهذه الوصايا الثلاث لما لها من التأثير الكبير والبالغ على تحمل الإنسان مشاكل الدنيا وصعوباتها وعدم إنهياره أمامها. فضلاً عن انها تجلب الخير الكثير والتوفيق في الدارين. ومن يعزم على العمل بذلك سيكون الله تعالى بعونه وسيحظى برعاية أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين.

طرق تحصيل السعادة

يظنّ كثير من الناس أنّ المال والمنصب واللباس الفاخر والأكل اللذيذ وجمال البدن وماشابه من هذه الأمور تجلب السعادة، في حين أنها لا تحقّق السعادة للإنسان. ويظنّ آخرون أن العلم والشهادات العلمية العليا تجلب السعادة، في حين أن الواقع هو أن العلم وبلوغ الدرجات العلمية وإن كان جيداً في نفسه إلا أنه لوحده لا يجلب السعادة للإنسان أيضاً. فما أكثر نزلاء المصحات العقلية ومن أقدم على الانتحار من الأثرياء وذوي المناصب، والمتعلمين بل الأطباء والمهندسين و... وجدوا طريقهم إليها بسبب الضغوط النفسية في الحياة.

إن السبيل لتحصيل السعادة الحقيقة والدائمة في الحياة هو العمل بما ذكرته الآية الشريفة التالية: «ولا تكن من الغافلين». فكل من لا يهتم لما مطلوب منه في الدنيا والآخرة، ويقضي أغلب سنين عمره في اللهو والطرب وفي تلبية شهوات نفسه هو في الحقيقة غافل عما يحقق له السعادة، وقد لا ينتبه لذلك إلاّ بعد فوات الأوان. فعدم الغفلة وذكر الله سبحانه دوماً يضمنان السعادة للإنسان في دنياه وآخرته.

كل من لا يغفل عن ان الله تعالى ناظر إليه دائماً وفي كل صغيرة وكبيرة لا تظلم الدنيا في عينيه ولا تضيق عليه. نعم يتعرّض للمشاكل والصعوبات لكنه لا ينهار أمامها. وقد يقضي ليله إلى الصباح جائعاً لكنه ليس من أهل الشقاء بل يضمن السعادة لنفسه في الدارين.

إذاً يجدر بالمؤمنين والمؤمنات أن يسعوا إلى العمل بما ذكرته الآية الشريفة التي مرّ ذكرها آنفاً، حتى لا ينهاروا أمام صعوبات الدنيا ومشاكلها، ويحظوا بالسعادة في الدنيا والآخرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 16 كانون الاول/2007 - 5/ذو الحجة/1428