
شبكة النبأ: من المناسب وصف
الاحتمالات الراشحة يوما بعد اخر من التقرير الإستخباري الامريكي
الاخير بأنها صفقة اسطورية حيث يمتزج هنا الخيال بالاستنتاج ليكوّن
نتيجة كانت بعيدة جدا عن العقول حتى وقت قريب.
ولعل هذا التقرير، المثبط جدا لعزيمة الصقور الداعين لضرب ايران،
والذي كُتب بمشاركة عناصر من وزارة الخارجية الأمريكية، أُريد له ان
يوجد ذريعة يستطيع بوش من خلالها ان ينتهج سياسة جديدة مع ايران تختلف
كليا عما كان في السابق، دون المساس او التشكيك بانه تراجع او خضوع
للأمر الواقع.
وتطرقت صحيفة الفاينانشيال تايمز الى تفاعلات تقرير الاستخبارات
الامريكية الذي صدر الاسبوع الماضي والذي افاد بان ايران اوقفت منذ
2003 برنامجها النووي العسكري.
وجاء في المقال الذي كتبه جدعون راشمان بعنوان "اسطورة الصفقة مع
ايران" ان حلفاء الولايات المتحدة الذين كانوا بغاية التشدد في ما
يتعلق بضرورة فرض عقوبات دولية اضافية على طهران والذين دعموا ادارة
بوش الى ابعد مدى في هذا المجال يبدون الآن متشككين وغاضبين، فالعقوبات
اصبحت صعبة المنال، وامكانية توجيه ضربة لإيران لم تعد واقعية.
ويقول راشمان ان الكلام يدور عن الهدف من اصدار هذا التقرير، ويشير
الى ان هناك فرضيتين، الاولى هي محاولة من قبل الاستخبارات لتثبت
استقلاليتها عن السلطة السياسية، والثانية هي فتح الباب امام شن حملة
عسكرية على ايران.
اما الفرضية الثالثة، فيقول الكاتب انها تقول بسذاجة معدي التقرير
الذين سمحوا للاعلام بالتلاعب باستنتاجاته.
ولكن العرب، حسب المحلل، غير مقتنعين باي من هذه الفرضيات، وهم
يميلون للاعتقاد بأن واشنطن ارادت عمدا حسن التصرف حيال طهران
لمكافأتها على التعاون التي ابدته في المجال الامني بالعراق.
ولكن راشمان يميل شخصا للاعتقاد بان الاصح في كل ذلك هو مزيج من
الفرضيتين الاولى والثانية أي محاولة الاستخبارات اثبات استقلاليتها،
وفتح الباب في الوقت نفسه امام امكانية شن حملة عسكرية.
ويتابع راشمان بالقول، ان امكانية عقد صفقة امريكية ايرانية هي ضرب
من الخيال، لان واشنطن وطهران خصمان بالمعنى الاستراتيجي، فالاولى التي
تعتبر وجودها عسكريا في الخليج من اجل حماية مصالحها امر ضروري. ويصطدم
ذلك بطموحات ايران التي تريد ان تحصل على اقرار خليجي ودولي بدورها
الطبيعي في الخليج كدولة اقليمية عظمى".
ويختم الكاتب مقاله بما يسميه التناقض بين الصورة التي يتم اظهارها
وواقع الامور. فالصورة هي ان الولايات المتحدة لا يمكن ان تتعايش مع
فكرة ان تمتلك ايران اسلحة نووية، وجاء تقرير الاستخبارات ليحدث
ارتياحا في هذا المجال لانه يقول بان ايران اوقفت برنامجها النووي
العسكري. لكن الواقع هو عكس ذلك تماما، لانه من المرجح جدا ان تتسلح
ايران نوويا، ومن المرجح جدا ان يبدأ الغرب بالتعلم كيف يتعايش مع ذلك
ايضا.
خفايا وأصداء التقرير تثير عويل
المحافظين الجدد
إيوين ماكاسكيل كتب في صحيفة الـ غارديان يقول: المثير في المعلومات
السرية التي وردت في تقرير مجلس الاستخبارات الوطني الامريكي حول
برنامج إيران النووي انها جاءت من مجموعة غريبة جداً من المصادر هي ما
يعُرف بـ «Laptop الموت»، ضابط إيراني اختفى في تركيا في ظروف غامضة،
مزيج من تغطية فيديوية لمحطة نووية وسط إيران واعتراض محطة تنصت
بريطانية معروفة باسم «GCHQ» للمكالمات الهاتفية الإيرانية.
غير ان الجزء الاساسي من التحقيق الامريكي في ما يُشتبه بانه برنامج
اسلحة نووية كان من عمل خبير متخصص في شؤون الاستخبارات غير معروف
كثيرا هو توماس فينغار، فقد كان هذا الرجل هو المؤلف الرئيس لتقرير
الاستخبارات الذي تم نشره، والذي افاد على عكس المزاعم الامريكية
السابقة ان ايران اوقفت برنامجها السري قبل اربع سنوات ولم تستأنفه بعد
ذلك، وبذا يكون هذا الرجل بمفرده تقريبا قد أوقف، او أجّل على الاقل،
اي عمل عسكري امريكي ضد إيران.
والواقع ان تقريره هذا يشكل لحظة فاصلة، ليس فقط في المعركة الدائرة
بين المحافظين الجدد وبين محترفي الاستخبارات والسياسة الخارجية، بل
وايضا بين الآيديولوجيين والبراغماتيين، وبذا، يشكل نصراً لم يكن
متوقعاً لأولئك المعارضين لخطط المحافظين الجدد والضربة العسكرية أيضاً.
ولاشك ان تقرير الاستخبارات هذا، الذي يمثل اجماعا على محتوياته من
جانب 16 وكالة استخبارات امريكية، جعل الرئيس بوش يعيش اسبوعا من اصعب
الاسابيع التي واجهها منذ توليه منصبه في يناير 2001.
غير ان ما كشف عنه فينغار قوبل في الكثير من دوائر الاستخبارات
والسياسة الخارجية في واشنطن ليس فقط بالارتياح بل وبالفرح والابتهاج
ايضا فبعد ان فقدوا ماء وجوههم خلال الاستعداد للحرب في العراق عام
2003 ها هم الان يكسبون هذه الجولة امام المحافظين الجدد في المواجهة
الراهنة مع ايران.
لكن ثمة ارتداد على ما يبدو فقد انضم للمحافظين الجدد بعض المعتدلين
المتخصصين في السياسة الخارجية على الرغم من ان التقرير يقلل بشكل خطير
من الخطر الذي تثيره ايران لذا يعتزم الاعضاء الجمهوريون في الكونغرس
دعوة لجنته الاسبوع المقبل لدراسة التقرير وتحريه من جديد وقال
السيناتور جون اينزاين - جمهوري - ان ايران الان واحدة من اعظم الاخطار
في العالم اليوم وهذا ما يفرض على الاستخبارات ان تكون دقيقة على نحو
مطلق في احكامها.
الا ان فلينت ليفيريت المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية
الذي كان ايضا مستشارا في مجلس الامن القومي في ادارة بوش كان من بين
اولئك الذين احتفلوا هذا الاسبوع بتقرير الاستخبارات الاخير وامتدح
فينغار وزملاءه فقد قال يبدو اننا محظوظون فلدينا اشخاص يرفضون سياسة
القنوات الخلفية ويتحدثون عما هو واقع وهذا ما يفترض بوكالة
الاستخبارات المركزية والوكالات الاخرى ان تفعله.
وكشف ليفيريت ان فينغار وزميله فان فان ديبن ضابط الاستخبارات
المتخصص بشؤون اسلحة الدمار الشامل كانا من المعارضين للحرب على
العراق.
فقد شعرا في ذلك الوقت، اي في الفترة التي سبقت تلك الحرب، ان هناك
من يضلل الاستخبارات الأمريكية.
واضاف ليفيريت ان هؤلاء المحافظين الجدد يهاجمون فينغار وزملاءه
الان ويتهمونهم بالسعي للانتقام، لكن من حق ضباط الاستخبارات التعبير
عن آرائهم بصدق.
ويبدو ان فينغار وزميله ان ديبن ومعهما ايضا كينث بريل، سفير
الولايات المتحدة السابق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تمكنوا من
كتابة ذلك التقرير الذي يعتبرونه موضوعيا لان اولئك الذين كانوا يشغلون
مناصب كبرى في ادارة بوش مثل بول ولفوفيتز، جون بلتون، دوغلاس فيث
ودونالد رامسفيلد قد افسحوا المجال الآن بتركهم مناصبهم امام المعارضين
للحرب مع ايران ومنهم وزير الدفاع الراهن روبرت غيتس وكونداليزا رايس
التي كانت تشغل منصب مدير الاستخبارات المركزية وتتولى الآن توجيه دفة
السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
ويضيف كاتب المقال ماكاسكيل، وليس هناك الآن سوى نائب الرئيس ديك
تشيني من المجندين لاستخدام الضربات العسكرية ضد ايران. كما رحب جوزف
سيرنيسيون مؤلف كتاب: خوف من القنبلة: تاريخ ومستقبل الأسلحة النووية،
بالتقرير هو الاخر وقال: ما يحدث الآن هو عودة في السياسة الخارجية الى
المسار الصحيح. اننا نشاهد الان انهيارا لعقيدة بوش وصراخا وعويلاً من
جانب المحافظين الجدد لادراكهم ان نفوذهم اخذ بالتفاؤل.
ولا بد من الاعتراف ان التقرير يشكل كارثة لسياسة بوش ازاء ايران.
صحيح انه لا يزال يرفض ابعاد الخيار العسكري عن الطاولة الا ان من
الصعب عليه الآن ان يُعطي امراً بالتوجه للحرب. كما اصبح من الأصعب
عليه اقناع روسيا والصين بتأييد فرض عقوبات اقتصادية أشد على ايران.
والملاحظ ان عويل المحافظين الجدد الذي تحدث عنه سيرنيسيون بدأ خلال
ساعات فقط من نشر التقرير. فقد ظهر بولتون الذي لا يزال مقربا من تشيني
على شاشة محطة أخبار «سي. ان. ان» وانتقد مؤلفي التقرير دون ذكر
لاسمائهم.
وقال بولتن ايضا في مقال كتبه في صحيفة واشنطن بوست ما يلي: ان
الكثيرين ممن وضعوا مسودة التقرير واولئك الذين صادقوا عليه ليسوا من
محترفي الاستخبارات بل (لاجئون) قادمون من وزارة الخارجية، لكن مهما
يكن الامر تُبين احداث الاسبوع الذي شهد نشر التقرير ان الرئيس بوش فقد
بلاشك ذرائعه لشن حرب اخرى خلال الاشهر الثلاثة عشر المتبقية له من
رئاسته في البيت الأبيض. |