مؤتمر أنابوليس بين العلاقات العامة

 والتأسيس لعملية سلام مبدئية واقعية

د. حيدر حسـن الحسيني

 قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام :

(( منْ أبدى صفحته للحق ملك، ومنْ أعرض عن الحق هلك ))

وقال الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام :

(( منْ طلب الأمر من وجهه لم يزل، فإنْ زل لم تخذله الحيلة ))

أخيراً وافقت الدول العربية على حضور مؤتمر انابوليس على مستوى وزاري، وسوريا تقول إن مرتفعات الجولان أدرجت على جدول أعمال المؤتمر ذلك في الوقت الذي تمّ تأجيل إنتخاب رئيس للبنان والى بعد أنابولس بينما كان  الرئيس اللبناني لحود يحزم أمتعته لمغادرة القصر الجمهوري تاركا فراغا رئاسيا وذلك بعد موافقة جامعة الدول العربية يوم الجمعة عقب اجتماع حضره الرئيس الفلسطيني محمود عباس على حضور المؤتمر الذي سيعقد في مدينة أنابوليس الأمريكية يوم الثلاثاء المقبل بشأن السلام في الشرق الأوسط على مستوى وزراء الخارجية.

وحضر الاجتماع الذي عقد بمقر الجامعة العربية بالقاهرة 12 وزير خارجية والمندوبون الدائمون لثلاث دول عربية أخرى لدى الجامعة وممثل السلطة الفلسطينية.

وقال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في بيان تلاه في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع "قررت لجنة متابعة السلام العربية قبول الدعوة لحضور مؤتمر أنابوليس للسلام في الشرق الأوسط على مستوى وزاري."

وكان الرئيس الأمريكي جورج بوش قد دعا لعقد مؤتمر أنابوليس الدولي حول الشرق الأوسط في تموز الفائت معلنا بأن الفلسطينيين يواجهون لحظة اختيار، وأنّ البدائل ليست كثيرة أمامهم، وقامت وزيرة الخارجية الأمريكية منذ منتصف سبتمبر- أيلول الماضي بثلاث زيارات إلى الشرق الأوسط وهو ما يؤكد الرهان الأمريكي الكبير على نجاح المؤتمر.

وجاءت الموافقة العربية بعد توجيه وزارة الخارجية الأمريكية الأربعاء 21-11-2007 الدعوات الرسمية لحضور المؤتمر. وشملت لائحة المدعوين 40 دولة، بما في ذلك سوريا والسعودية.

ويأمل الرئيس الأمريكي في أن يؤدي المؤتمر الذي يعقد بعد سبع سنوات من آخر محاولة كبيرة للتوصل إلى اتفاقية سلام فلسطينية إسرائيلية إلى استئناف المفاوضات بشأن إقامة الدولة الفلسطينية.

وحضر الاجتماع يوم الجمعة في مقر الجامعة العربية وزراء خارجية مصر والأردن والسعودية واليمن والسودان وقطر وسلطنة عمان ودولة الإمارات العربية وسوريا وتونس والمغرب. ومثل لبنان وموريتانيا والجزائر المندوبون الدائمون للدول الثلاث في الجامعة العربية. ومثل المفاوض الفلسطيني البارز صائب عريقات السلطة الفلسطينية.

وأكد الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في المؤتمر الصحفي أن مؤتمر أنابوليس ليس لعقد اتفاق.

وقال "ليس هناك اتفاق في أنابوليس. هناك إطلاق لعملية سلام."

ورفض الأمير سعود وموسى وصف الحضور العربي في مؤتمر أنابوليس بأنه تطبيع.

وقال موسى "ليس هناك تطبيع وإنما هناك حركة في اتجاه السلام."

وقال الامير سعود "التطبيع تحكمه المبادرة العربية وهذا ما تلتزم به الدول العربية. التطبيع يتبع السلام الشامل."

وتدعو المبادرة العربية التي تقدمت بها السعودية وأقرها مؤتمر القمة العربي الذي عقد في بيروت عام 2002 إلى علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وجميع الدول العربية مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 وموافقتها على قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية والوصول إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم قبل إعلان قرار المشاركة مؤخرا بأن الولايات المتحدة وافقت على إدراج مرتفعات الجولان المحتلة على جدول اعمال مؤتمر انابوليس للسلام لكن سوريا ستقرر ما اذا كانت ستحضر عندما تتسلم جدول الاجتماع.

ونقلت وكالة الانباء العربية السورية في وقت سابق عن وزير الخارجية السوري قوله إن الولايات المتحدة :

"بعثت بتأكيدات بانها ستضمن المسار السوري الاسرائيلي..الجولان..على جدول اعمال اجتماع انابوليس."

وكانت الحكومة السورية أكدت مرارا انها لن تحضر الاجتماع الذي تستضيفه الولايات المتحدة ويهدف إلى استئناف المفاوضات بشأن اقامة دولة فلسطينية الا اذا كانت مرتفعات الجولان التي احتلتها اسرائيل عام 1967 مدرجة على جدول الاعمال.

ودعت حكومات عربية مؤيدة للولايات المتحدة في وقت سابق سوريا لحضور المؤتمر الذي يعقد في أنابوليس بولاية ماريلاند الامريكية حتى إذا لم تدرج مرتفعات الجولان بشكل واضح على جدول الأعمال. ويقول دبلوماسيون إنه ستعقد جلسة عن السلام الشامل بين العرب وإسرائيل ستتطرق الى قضية مرتفعات الجولان.

هذا وقد شدد في وقت سابق الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي على ضرورة مشاركة سورية في مؤتمر السلام، إذ قال أولمرت "إن إسرائيل معنية بأن تشارك سورية في مؤتمر أنابوليس"، معتبرا مشاركة دمشق "خطوة سليمة قد تشجع عملية مماثلة مع سوريا."

وتوقع أولمرت في وقت سابق بأن توجه الولايات المتحدة الدعوة الى سوريا لحضور المؤتمر واصفا مشاركة سوريا بأنها ملائمة، ودون أن يحدد أي شروط مسبقة لحضور سوريا، و أشارت صحيفة "الثورة" السورية إلى الرسالة التي تسلمها الرئيس السوري بشار الأسد من نظيره الروسي فلاديمير بوتين والتي حملها إلى دمشق يفغيني بريماكوف المبعوث الخاص للرئيس الروسي وتتعلق بوجهة نظر روسيا حول اجتماع أنابوليس، دون تفاصيل أخرى.

وعن برنامج المؤتمر قيل قبل المؤتمر يعتزم الرئيس بوش الاجتماع مع أولمرت وعباس كل على حدة في البيت الابيض، وسيدلي بتعليقات مقتضبة في المساء على مأدبة عشاء في مقر وزارة الخارجية سيحضرها جميع أولئك المدعوين إلى مؤتمر انابوليس.

وفي اليوم الثاني للمؤتمر سيعقد بوش اجتماعا ثلاثيا مع الزعيمين في انابوليس وسيلقي خطابا. ثم سيبدأ المؤتمر ثلاث جلسات عمل مغلقة مدة كل منها 90 دقيقة لبحث الدعم الدولي والتنمية الاقتصادية وبناء المؤسسات الفلسطينية والسلام الشامل بالشرق الأوسط.

ومن المتوقع أن يحضر أكثر من 100 مسؤول الاجتماع بينهم ممثلي مجموعة الدول الصناعية الثمانية، والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى جانب مبعوث السلام الى الشرق الاوسط ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.

ويشكك البعض في جدية وجدوائية المؤتمر زاعما أن هذه المؤتمرات لايصب الا في خانة مهمات الدبلوماسية العامة الاميركية فلا تعدو كونها دعاية وترويج لتحسين الصورة الأميركية وإلقاء الحجة وكسب الرأي العام الأميركي والحصول على التأييد الدولي للتفرغ للأهم والإنفراد بإيران مستدلاً باللحظات الحرجة للملف الايراني النووي وأزمة الرئاسة اللبنانية الت علقت على نتائج أنابول وبالتناقضات الصعبة المعقدة المتشابكة الحاكمة وبالدعوة الى المؤتمر في الوقت الضائع من ولاية بوش وبالتقارير التي وردت من إسرائيل والتي قالت إن مؤتمر السلام الذي دعت إليه الولايات المتحدة في أنابولويس لن يستغرق أكثر من يوم.

إذا اريد للمؤتمر أن لا يختصر في العلاقات العامة فلابد من نبذ  الجميع للإكراه والعنف و الإلتزام في الحل بالديمقراطية والشرعية الدولية والواقعية المبدئية وبما يحفظ حقوق وكرامة الشعب الفلسطيني المظلوم ومنْ وقف ويقف معه في كفاحه مع الابتعاد عن كل ما يتجاهل حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وقضية القدس وعن ما يحرر اسرائيل من التزامها بقضية اللاجئين فنجاح المؤتمر رهن تحويله من مصلحة اسرائيلية اميركية الى مصلحة لجميع الاطراف ودون استهداف لعزل فضرب أي طرف وذلك يستدعي وضع جدول زمني محدد وغير مطاط لانطلاق مفاوضات متوازية حول القضايا الجوهرية وعلى المسارات المختلفة وصولا للوضع النهائي بعد اختتام مؤتمر أنابوليس مباشرة من أجل الوصول إلى حل سلمي كامل وشامل قبل نهاية ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش مع الحيطة من محاولة اللعب الاسرائيلية على المسارات عند لحظة الحقيقة والاستحقاق على مسار معين.

انها بحاجة الى جرعة كبيرة وكبيرة جدا من الأمل والتفاؤل المفرط والجدية وضبط النفس في كل مكان لأن القضية معقدة ومتشابكة ومترابطة وتتضمن محاولة  لتحديد مستقبل المنطقة برمتها وهي قضية عمرها قرن فلا يمكن حلها في أيام أو أسابيع أو حتى أشهر ولأنه لا بد بديل عن الحوار والمقايضات الذكية الواقعية المبدئية فكما عن الإمام علي بن موسى الرضاعليهما السلام :

(( منْ طلب الأمر من وجهه لم يزل، فإن زل لم تخذله الحيلة. ))

وعن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام :

(( منْ أبدى صفحته للحق ملك، ومنْ أعرض عن الحق هلك.))

وإذا كان القصد من رعاة المؤتمر - كما يـُزعم - إلقاء الحجة وسحب الذرائع وتلميع الصورة فقط فأنه يمكن أن يحقق للمشاركين نفس الاهداف حتى إذا فشل المؤتمر لكن لابد من الإحتفاظ بأعلى درجات الجهوزية لإنقاذ المنطقة بالحكمة من أي حرب جديدة ضد لبنان أو إيران أوغيرهما لأنه سيدفع بالحل الى خانة المستحيل ويمزق المنطقة وأياً كانت المبررات والذرائع فالحوار هو الدواء والداء... دواء لمن لايبدي صفحته للحق ولا يعرض عنه، وداء لمنْ هو ليس كذلك والتمكين والحق توأمان ومنْ طلب الأمر من وجهه لم يزل، فإنْ زل لم تخذله الحيلة مهما طال الزمن.

‏*  معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 12 كانون الاول/2007 - 1/ذو الحجة/1428