قراءة في كتاب : لكي نفهم العراق

الكتاب: لكي نفهم العراق

المؤلف  : وليام بولك

الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر

عدد الصفحات: 244 من الحجم الكبير

عرض وتعليق: لطيف القصاب  

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ: الكتاب يعطي المامة سريعة لتاريخ العراق منذ بزوغ فجر الحضارة فيه ويقف عند ابرز المفاصل التي شكلت هويته  القديمة الجديدة ... ورغم ان المؤلف يقدم تحليلا كاشفا عن زوايا  معتمة في الحياة الاجتماعية للبلاد الا انه يقف في احيان اخرى في شبه حيرة مطبقة امام بعض الاسئلة المهمة  مثل نزعة التعلق  بالماضي لدى العراقيين والقدرة العجيبة على بعث  ذلك الماضي  حيا من رفاته ومن ثم اعادت انتاجه بصيغ اكثر تطورا من الناحية الشكلية ليس الا ....     

ويسرد الكاتب بعض الافكار التي يمكن ان يجدها المتتبع للشان التاريخي والاجتماعي العراقي في مؤلفات اخرى تناولت ذات الموضوع ,  من ذلك ما كتبه كل من الدكتور علي الوردي في كتابه " لمحات من تاريخ العراق الحديث " والاستاذ حنا بطاطو في كتابه  " العراق " ولكن مع فارق الايحاء والرغبة المبطنة في اضفاء مسحة من الغموض او الجمال ...  

اهم ما لفت انتباهي في الكتاب – قيد العرض _ انه صيغ باسلوب ادبي شيق في احسن الحالات ولايبعث على السام في اسوئها ...الامر الذي يجعلني اثني على المترجم في كل مرة ينتابني فيه شعور الامتنان او التقدير لقلم وليام فولك ... اذ ان  النص مدين في تفوقه الى قلم المترجم ايضا على الاقل من وجهة نظر شخصية  

 الكتاب لايخلو من هنات في اكثر من موضع منه وهو من جهة اخرى يهدف الى استجلاء فهم واضح عن المجتمع العراقي وتقديمه بين يدي مواطنيه الاميركيين في المقام الاول ولكن في المحصلة العامة يظل الكتاب جديرا بالقراءة حتى من قبل الجمهور الذي لم يضعه الكاتب في حسبانه الا وهم المثقفون العراقيون .... 

يتالف الكتاب  من تمهيد يتبعه مقدمة الكاتب  تتبعها  ستة  فصول مع ملاحظة هامة تتعلق  بتقديم الدكتور عبد الحي يحيى زلوم للكتاب حيث بلغ التقديم  زهاء الثلاثين صفحة وجاء تحت عنوان : "احتلال العراق احدى حروب البترول الاميركية" وحاول فيه زلوم ان يفض الاشتباك  بين افكار بولك وافكاره الخاصة بقوله :" نود ان ننوه بان هذه المقدمة تعبر فقط عن راي كاتبها الدكتور عبد الحي يحيى زلوم , ولا تعبر بالضرورة عن رأي الدكتور وليام بولك . كما ان ما جاء في الكتاب يعبر عن راي د. بولك ولا يعبر بالضرورة عن راي د. زلوم " 

واذا ما تجاوزنا التمهيد الذي لم يتعد الورقة الواحدة فان اهم مايطالعنا في مقدمة الكاتب القول الاتي : " ان الفترة الحالية _ التي يعيشها العراق  _ من غير دكتاتور قد يثبت انها كانت مجرد فترة بين الدكتور السابق والدكتاتور التالي " وفي القول انف الذكر ما يؤكد على طابع الفوضى التي سادت البلاد بعد سقوط نظام صدام حسين . 

الفصل الاول : العراق القديم :

 وفيه يسرد المؤلف معلومات تاريخية متواترة عن " ميزوبوتاميا " او بلاد مابين النهرين ولكنه يتجه في بعض الاحيان الى البحث في مضامين لم يتوصل الباحثون من قبله الى ثمرة ذات جدوى فيها لينتهي الى نفس المآل بعد اطناب لا داعي له سيما في حديثه حول اصل اللغة السومرية وهل هي سامية المنشأ او هندو اوربية ليبقى السؤال مفتوحا كما بدأه اول مرة.... 

ويبدو ان الفكرة التي يحاول الكاتب جاهداعلى لثباتها  تنصب على ان السومريين القدماء  هم الاسلاف الحقيقيون لمعظم عراقيي هذا العصر من دون سائر الاقوام الاخرى ويمكن ملاحظة هذا النسق من التصور  حتى في ربط القالب الديني الاوتوقراطي  المعاصر على حد وصفه بالقالب الديني الذي عرفه العراقيون منذ عصور سحيقة وفي هذا الباب يقول الكاتب : كان ابناء المجتمع العراقي القديم يتوجهون الى بعض الادعياء للقيام بالطقوس الرامية الى كسب الرضا الالهي . وكان هؤلاء الادعياء يعملون باسم الاله ويديرون بيته , أي المعبد , ولهذا اعطوا انفسهم حق المطالبة بالعطايا للاله  . وهكذا استطاعوا ان يجمعوا ممتلكات اداروها نيابة عنه .., فاصبحوا اغنياء , واصبحوا اقوياء ومحترمين فكانوا رواد اسلوب اوتوقراطي في الحكم اصبح سمة غالبة في العراق الى هذا اليوم " وخلاصة فكرة الكاتب تتمثل في ان مدنا من امثال كربلاء والكاظمية وسامراء هي امتداد طبيعي لمعبد "نيبور" الذي وجد في العراق قبل 5000 عام .

وفيما يخص الاشوريين فان الكاتب يحدد لهم صفات القوة والتفوق والريادة في سكن وادي الرافدين في اجزائه الشمالية ولكنه يشير الى ان الاشوريين وبعد التوسع في مناطق نفوذهم التي شملت مناطق تواجد السومريين ايضا اضطروا الى تغيير سياسة اعتمدوها طويلا تقضي بالاعتماد فقط على ابناء الشعب الاشوري الى سياسة اخرى مفادها استقدام مرتزقة من دول او دويلات اخرى لينتهي به المطاف الى القول 69 : بدات الدولة المترهلة ويعني بها الدولة الاشورية في استخدام اعداد كبيرة من المرتزقة الذين جلبوهم من الجبال المجاورة التي تحيطهم وما حدث لايمكن توثيقه لكنه لابد ان يكون قد لعب دورا في تشكيل ما ما يمكن ان يوصف بانه السابقة التاريخية لما يسمى اليوم كردستان".....

يتحدث الكاتب باسهاب ايضا عن علاقة الفرس بالعراقيين القدماء منهم والجدد ليقع في مازق ينتهي به الى القول "ان الكهنة الزرادشتين القدماء في بلاد فارس كانوا نموذجا للكهنة الشيعة المعاصرين " 71وهو بهذا يناقض قوله المتقدم في كون المؤسسة الدينية العراقية المعاصرة هي امتداد لاسلافهم الكهنة السومريين كما اوردنا ذلك سابقا... 

الفصل الثاني : العراق الاسلامي :

 في هذا الفصل وبعد استعراض لخطوات فتح العراق يتحدث الكاتب عن تطوير مفهوم العشيرة ليتحول فيما بعد  الى مفهوم الامة يقول الكاتب 83 : " كان الافتراض لدى محمد واتباعه الاوائل ان اولئك الذين سيعتنقون الاسلام سيكونون عربا وعندما كانوا يتلفظون بكلمة المسلم فانها كانت تعني العربي ايضا"ويستطرد الكاتب في مفارقة غريبة عن الواقع فيقول في ذات الصفحة ان المسلمين لم يحاولوا ادخال غير العرب الى حظيرة الاسلام وكل مافي الامر انهم شجعوا الاجانب على التشبه بالمسلمين ولايخفى على احد ما في هذا المعنى من مجانبة للحقيقة والصواب .

ثم يحاول الكاتب تصوير العراقيين بعد الفتح على انهم فئة مضطهدة تساورها مشاعر النقمة والسخط نحو الفاتحين بخاصة من ولدوا من امهات عراقيات واباء عرب وصنفوا في طبقة الموالي وكان البعض من ذوي الثقافة الرفيعة في هذه الطبقة تنتابهم حالة من الغضب الشديد كلما راوا البدو الاميين الجهلة يستهلكون خيرات بلد كان يعود الى اسلاف امهاتهم .  83  لهذا فان العراقيين من هذه الطبقة كانوا مهيئين لنصرة علي والحسين بدعوى الحفاظ على مؤسسة الخلافة ولهذا فقد كانت الكوفة هي المكان الذي بدات فيه الحركات الثورية وظلت

كذلك حتى الاطاحة بالامبراطورية الاموية . 

ثم يسترسل الكاتب في تسلسل للاحداث في العراق بعد نجاح الثورة العباسية التي رفعت شعارات شيعية ثم تنصلت منها بعد ذلك لاسباب سياسية معروفة لتنتهي الحقبة العباسية باجتياح المغول لبغداد عام 656حسب التقويم الهجري وهنا يقرر الكاتب مايلي : "ن المذابح المنغولية في بغداد كانت ادهى وانكى بكثير من الكارثة التي عانتها اوروبا الحديثة في الطاعون الاسود المميت" ثم يزري الكاتب بعقيدة القضاء والقدرعند المسلمين فبحسب فهم وليام بولك الذي اخذه بدوره عن هولاكو فان المستعصم بالله اخر خلفاء بني العباس الذي لفه المغول بسجادة ومن ثم قتلوه ركلا بالاقدام كان يستحق ما ال اليه من مصير .

اما العصور التي تلت سقوط بغداد على ايدي التتر فان الكاتب يستعرضها بسرعة لكنه يقف وقفة متانية عند العهد العثماني حيث بلغ فيه العراق الدرك الاسفل في الجانب الحضاري حتى بالقياس الى الدول العربية الاخرى التي كانت تحت النفوذ العثماني مثل مصر وبلاد الشام رغم ما كان يتمتع به العراق من ثروات وموقع جغرافي مهم . 

الفصل الثالث : العراق البريطاني :

 من المعلومات المهمة التي يسردها الكاتب في هذا الفصل والتي قد تكون غائبة عن اذهان الكثيرين ان بريطانيا اعترفت بالكويت رسميا قبل ان تعلن الحرب على الدولة العثمانية التي كانت ارض الكويت جزءا منها وتابعة لولاية البصرة .....

وفي معرض جوابه عن سؤال لماذا احتلت بريطانيا العراق يورد الكاتب معاذير وتبريرات يراها الكاتب متطابقة الى حد بعيد مع ما ساقه الاميركان من اسباب وتبريرات قبل احتلال العراق ويكاد هذا الفصل يبدأ وينتهي بمقارنات _لبعض منها موضوعي والاخر يشوبه الاقحام _ بين الاحتلالين البريطاني للعراق عام 1917 والاميركي عام 2003.

وفي عهد الاحتلال البريطاني ظل العراقيون يعيشون حالة من عدم التوازن الاجتماعي على صعيد ادارة شؤون بلادهم بالتعاون مع القوات البريطانية المحتلة فنالت الطائفة السنية الحظوة لدى البريطانيين بينما بقيت الطائفة الشيعية على حالها من ناحية التخلف والافتقار وعدم ولوج الميادين السياسية , هذا الامر سيتكرر مع احتلال العراق من قبل الاميركان ولكن بطريقة معكوسة الى حد بعيد ...

ولكي يمهد الكاتب للفصل الرابع وهو بعنوان العراق الثوري يرجع بولك اسباب ثورة 1958 م الى سببين مهمين الاوهما نظام الاقطاع الذي ولد في العراق عام 1932 م بمباركة الانكليز والى معاهدة حلف بغداد عام 1955م

التي جعلت من العراق مخفرا اماميا للامبراطورية البريطانية بحسب تعبير وليام بولك . 

الفصل الرابع : العراق الثوري :

 يستهل الكاتب هذا الفصل بايراد فكرة كانت تسود ضباط الجيش العراقي الذي تاسس عام 1922م ومفادها ان ضباط الجيش هم خيرة البلاد واكثرهم نزاهة وابعدهم عن ميادين الفساد الذي كان سائدا مجتمع السياسيين المدنيين....

وفي حديث الكاتب عن مفهوم الوطنية عند ساسة العراق فانه يضع اسم نوري السعيد الى جانب عبد الكريم قاسم لكنه وفي مفارقة اخرى عن الواقع يضع الى جانبهما صدام حسين الامر الذي يستغربه أي باحث مطلع على الشان العراقي لان صدام هذا كان مغرما بالقومية العربية التي تناى بطبعها عن مفهوم الوطنية والعمل لصالح الامة العراقية الذي امتاز به طابع الدولة لدى قاسم والسعيد . 

في هذا الفصل يستعرض الكاتب نشاة الاحزاب في البلاد فيمر بصورة سريعة على الحزب الشيوعي العراقي والاحزاب القومية من قبيل حركة القوميين العرب وحزب البعث العربي الاشتراكي فضلا عن تاسيس الحزب الاسلامي السني الذي هو امتداد لحركة الاخوان المسلمين وايضا تاسيس حزب الدعوة الاسلامية نهاية الخمسينات من القرن الماضي

وفي هذا الفصل يتحدث الكاتب عن نماذج من سياسة عبد الكريم قاسم وبخاصة مطالبته بالكويت باعتبارها ارضا عراقية ووقوف جمال عبد الناصر بالضد من موقف قاسم فضلا عن صراع كل من الصديقين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف الذي ينتهي بعداوة قاتلة ففي عام 1963م انقلب الثاني على الاول انقلابا دمويا لم يكن الاصورة مصغرة من ثورة تموز عام 1958م ولم يلبث عارف في السلطة طويلا ايضا كسابقه قاسم فمات بحادثة تحطم طائرته جنوب البلاد وحل محله شقيقه عبد الرحمن الذي بقي في السلطة حتى انقلاب 1968م حيث نفي الى خارج البلاد ووافته المنية في عام 2007 في الاردن , ليبدأ بعد ذلك عهد صدام الذي بدا واضحا بعيد العام 1968  . وفي استعراض لنمط شخصية صدام التي امتازت بالخبث والتآمر على اقرب المقربين اليه وما جره على البلاد من من ثلاثة حروب عبثية ينتهي هذا الفصل ليبدأ الفصل الخامس الا وهو العراق الاميركي  

الفصل الخامس : العراق الاميركي :

في هذا الفصل يحدد الكاتب تاريخ العراق التاريخي بحسب تصنيفه بعام 1990 حينما غزى العراق الكويت وسيظل العراق اميركيا الى زمان الناس هذا , فيما يتعلق باتخاذ قرار الغزو نجد الكاتب يتبنى وبشكل يكاد يكون سافرا لطروحات النظام السابق التي سوغت للشارع العراقي على الاقل قضية الغزو من حيث الاصل فالعراق بهذا المعنى يحتاج الى منفذ اكبر على الخليج او هو في حقيقته طريق لتسوية موضوع الحدود بين البلدين ..., وفي ذلك تجني على حقائق التاريخ القريب سيما ان الذاكرة الشعبية مازالت تعج بعنجهية النظام واقدامه على اعمال كارثية من غير ما روية او اناة كما يحاول ان يثبت الكاتب نقيضها , وع اتفاقنا مع الكاتب على حقيقة وجود اشارات من قبل الادارة الاميركية فهمها  النظام على انها ضوء اميركي اخضر يسمح باجتياح الكويت , وفي هذا الفصل يكرر الكاتب ما سبق واورده من ان النفط لاغير هو السبب الحقيقي وراء حروب الخليج قاطبة , ويمر الكاتب على احداث اذار 1991 التي اعقبت هزيمة العراق في الكويت مرورا سريعا رغم ان المفروض ان تاخذ هذه الاحداث موقعا كبيرا من كتاب يفترض ان يعالج التاريخ الاجتماعي للعراق , على ان ما اورده من نقاط حول اسباب فشل الانتفاضة يمكن ان يعد اسبابا حقيقية فقد خذل العراقيون من قبل الايرانيين والاميركيين على حد سواء ولم يتبق للثوار الا اليد العزلاء وسرعان ما بترت شر بترة . ثم ينتهي هذا الفصل بالاجتياح الاخير للعراق من قبل الاميركان عام 2003 والذي كان معدا سلفا والهدف ايضا هو الخزان النفطي الهائل الذي يتربع فوقه العراق . 

الفصل السادس : عراق من ؟ :

 يسرد الكاتب في هذا الفصل اسئلة منها : هل سيكون العراق اميركيا او اسلاميا او ديمقراطيا او ديكتاتوريا ...هل سيظل العراق بيد العملاء.. هل سيبقى  فوضويا.. هل تنتهي الكارثة ام ان الكوارث في هذا البلد سلسلة مأساة بدات قبل الاف السنين ولن تنتهي قبل الاف السنين ...

من وجهة نظر الكاتب ان من يضع حدا للكارثة العراقية التي تسبب بها الاميركيون هذه المرة على نحو رئيسي هو في رحيل الاميركيين ومعرفة الجيران اخيرا للقوانين التي تفرضها الجيرة الطيبة واذا ما تحققت هذه الغايات فان العراق سيكون للعراقيين كما كان دائما او في غالب الاحيان .

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 12 كانون الاول/2007 - 1/ذو الحجة/1428