احتواء ايران بتعاون امريكي خليجي ام بدبلوماسية الحلول الوسط؟

شبكة النبأ: سعت ادارة الرئيس بوش منذ عام 2005 لوضع نهج شامل لسياستها ازاء ايران يلبي الحاجة لمعالجة العديد من المسائل التي تثير قلق الولايات المتحدة مثل طموحات طهران النووية وسعيها الحثيث لتأكيد نفسها كقوة اقليمية لا يستهان بها ولا يمكن ان تجري تغييرات استراتيجية في المنطقة دون اخذها بنظر الاعتبار.

سوزان مالوني الباحثة في  مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط، كتبت مقالا جاء فيه، كانت الغاية من الاستراتيجية الامريكية وضع زعماء طهران امام احد خيارين واضحين: اما الاعتدال او العزل.

وحققت واشنطن لفترة من الوقت نجاحاً كبيراً في اقناع تآلف واسع من الحلفاء واللاعبين الآخرين على المسرح الدولي، بدعم جهودها. كما أسهمت إيران نفسها بتوحيد العالم ضدها بسبب التصريحات والسياسات النارية الاستفزازية التي اطلقها الرئيس محمود احمدي نجاد منذ انتخابه رئيساً عام 2005.

لكن بالرغم من تحقيقها إجماعاً دولياً لم تسفر الاستراتيجية الامريكية هذه عن شيء يذكر، فقد استهزأت إيران بالحوافز التي قدمتها واشنطن في عام 2006 وكان منها عرض للدخول بمفاوضات مباشرة معها مقابل موافقة إيران على التخلي عن تخصيب اليورانيوم وعن النشاطات الأخرى التي يمكن أن تمكن إيران من انتاج المواد اللازمة لصنع قنبلة نووية.

كما سخرت طهران فيما بعد بمطالب مماثلة صدرت عن مجلس الأمن الدولي ثم ازداد تحديها لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة ولاسيما في العراق الذي يضع فيه العسكريون الامريكيون اللائمة على إيران في امدادات الذخيرة والسلاح التي تقتل الجنود الامريكيين هناك غير أن فشل السياسة الامريكية الراهنة ازاء إيران يعكس في الواقع مدى تشابك وتعقيد هذه المسألة التي احبطت ولاتزال المسؤولين الامريكيين على اختلاف انتماءاتهم منذ حوالى 30 سنة.

لكن لابد من الاعتراف ايضا ان هذا الفشل هو نتيجة لسنوات عدة من الدبلوماسية السيئة التي انتهجتها واشنطن نحو إيران والشرق الأوسط واستندت فيها إدارة بوش على جملة من الافتراضات الخاطئة.

من هنا، ينطوي فهمنا لاخطائنا ولماذا وقعنا فيها على أهمية بالغة كي نضمن تجنب تكرارها او الاستمرار في انتهاج سياسات غير صحيحة.

وتضيف الكاتبة مالوني، ان من اهم المسائل التي احبطت الاستراتيجية الامريكية هو ذلك التباين الموروث في تحديد الاهداف والمواقف، فقد فشلت جهود إدارة بوش إزاءإيران بسبب استحالة ربط مصلحتها في التفاوض مع طهران بموقفها الرافض للاعتراف بشرعية النظام الإيراني نفسه، ولاشك أن أي نظام في العالم لن يقبل أي مساومة على قدرته في الردع اذا كان يتصور ان الهدف النهائي لهذه المساومة هو إزالته.

على أي حال، نحن بحاجة عند استعراض الفرص الضائعة مع إيران لأن نتجنب وضع المسؤولية في استمرار النفور والتحدي الإيراني على عاتق الإدارة الامريكية وحدها بسبب سوء التقدير في التعاطي مع طهران، فحتى الزعماء الإيرانيون لم يظهروا استعداداً لتقديم التنازلات التي تعتبرها الإدارة الامريكية ضرورية في المجالات التي تشكل قلقا للولايات المتحدة. لذا بقيت احتمالات التقدم الى الأمام في التعامل مع إيران محدودة دائما بشكل لا يصدق وهذا بخلاف العوائق الايديولوجية والبيروقراطية على الجانب الإيراني ايضا.

سوء حسابات

وتضيف الكاتبة مالوني، من الأهمية بمكان ايضا التصدي لما يقال بأن السياسة الامريكية مسؤولة عن الاتجاهات غير «المواتية» التي اتسمت بها السياسة الإيرانية خلال السنوات القليلة الماضية اذ لم يكن بمقدور واشنطن انقاذ حركة الاصلاح في إيران لان انصار الخط المتشدد في ايران كانوا لها بالمرصاد وهذا عدا الاخطاء التي وقع فيها دعاة الاصلاح انفسهم.

بل ومن غير المحتمل ان تتمكن اية سياسة امريكية من التأثيرعلى ديناميكية الحياة السياسية الإيرانية اليوم. اذ لو أخذنا بعين الاعتبار علاقات واشنطن المضطربة تاريخيا مع طهران لتبين لنا لماذا لا تستطيع امريكا القيام سوى بدور محدود في دفع قضية الحداثة الى الامام داخل ايران.

ومع هذا من الواضح ان سوء حسابات ادارة بوش التي استندت الى قراءة خاطئة لديناميكية الحياة السياسية الداخلية في ايران أضاعت ما كان يمكن ان يكون افضل فرصة لتوليد زخم حققي لحل بعض المشكلات على الاقل مع إيران. والمثير ان سوء الحسابات هذا لايزال يشكل وسيدمر بالنهاية الدبلوماسية الامريكية ازء ايران.

هنا نلاحظ أن سوء الحسابات الاول ينبثق من اعتقاد الإدارة الامريكية ان النظام الإيراني على وشك الانهيار أو السقوط في اضطراب ثوري رهيب.

وتضيف مالوني، هذا الافتراض كان جذاباً بالطبع رغم انه لم يكن صحيحاً بدرجة كبيرة لكن يمكن أن نلتمس لإدارة بوش العذر في تصورها هذا للاسباب التالية:

وجود مجموعات عرقية ثائرة داخل إيران، اقتصاد غير فعال في ظل نظام منغمس في ايديولوجية غير قابلة للاستمرار وتتنازعه عداوات فئوية، غير أن الواقع لم يكن على هذا النحو بالتأكيد، فقد تمكن النظام من البقاء رغم الحرب، العزلة، عدم الاستقرار، تغيير القيادة، القحط والزلازل.

بيد أن هذا لا يعني ان النظام منيع، اذ ان استمرار جمهورية ايران الإسلامية خلال تلك الأزمات يعود إلى قدرة نظامها على التكيف وإلى عدم وجود قوة بديلة في الداخل اذ لم يتحول الاستياء الشعبي ابداً إلى معارضة منظمة، وليس هناك حتى الآن تحد يذكر أمام النظام الإيراني.

إلا أن كل هذا لم يكن على ما يبدو واضحاً أمام إدارة بوش التي كانت ترى في إيران آنذاك أرضاً مجهولة وهذا بالتأكيد كان سبب حساباتها الخاطئة وأوهامها المزعجة.

فبعد شيء من التردد والارتباك، بدأت إدارة بوش تصيغ سياستها حول فكرة مضللة تؤكد سقوط النظام، فقد أدخلت إيران عضواً في «محور الشر» الذي تحدث عنه الرئيس بوش في خطابه عن حالة الاتحاد في يناير 2002 ثم عززت هذه الصورة في بيان اصدره البيت الابيض في يوليو 2002 بمناسبة الذكرى السنوية لمظاهرات الطلاب التي كانت قد هزت ايران قبل ثلاث سنوات اذ اكدت الإدارة في ذلك البيان ان النظام لا يصغي لاصوات الشعب الذي هو الحاكم الحقيقي وان هذا الشعب سوف يتحرك نحو مستقبل حر، وسوف يرى في واشنطن عندئذ افضل صديق له.

استراتيجية جديدة

وتستنج الكاتبة مالوني، من الواضح ان ذلك البيان كان بمثابة اعلان عن استراتيجية جديدة تركز على إلهاب مشاعر الشعب لايجاد معارضة للنظام ككل. ولقد شكلت هذه الاستراتيجية سياسة ادارة بوش خلال السنوات الخمس الماضية، حيث اظهرت تصميمها عام 2003 على قطع حوارها الذي كان هادئاً مع طهران ثم تجنبت القيام بأي اتصالات معها من خلال قنوات خلفية مع مسؤولين إيرانيين كانوا يسعون للانفتاح لتقصي امكانات التوصل الى «صفقة كبرى» بين البلدين.

وانسجاما مع رفضها التعامل مع النظام بدأت واشنطن تسعى لتسريع التغيير السياسي داخل إيران وظهر جوهر هذه السياسة بالإعلان في فبراير 2006 عن تخصيص 75 مليون دولار من أجل تعزيز الديموقراطية في ايران، وكان لابد ان تفسر طهران هذه المبادر على ضوء تاريخ العلاقات الايرانية- الامريكية بأنها محاولة مكشوفة لتغيير النظام.

ولاشك أن غياب الاتصالات الدبلوماسية الطبيعية يعيق الى حد كبير عملية اتخاذ القرار السياسي اذ دون أن يكون لها عيون على الارض تبقى الحكومة الامريكية محرومة من المعلومات الاساسية التي تأتي من خلال موظفي السفارة ومعروف ان روتين الأعمال اليومية داخل السفارة يوفر معلومات لا يمكن الاستغناء عنها لفهم طبيعة الشعب في الدولة التي تستضيف السفارة.

لذا، بقيت حكومة الولايات المتحدة بعد ثلاثة عقود من انقطاع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بحاجة شديدة لمعرفة طبيعة الديناميكية السياسية والثقافية في هذه الدولة.

ومن الواضح ان هذاالافتقار لفهم إيران اثر بشكل مباشرة على الاستراتيجية الامريكية، فبالرغم من الأحاديث الكثيرة المتداولة بين المسؤولين الامريكيين منذ اعتلاء احمدي نجاد سدة الحكم حول اسقاط النظام فإننا لا نعلم سوى القليل حول شكل وطبيعة السلطة في ايران اليوم لدرجة أرغمت مسؤولي وزارة الداخلية للاعتماد على «غوغل» لتحديد المجالات التي يمكن ان تخضع في إيران لعقوبات الامم المتحدة كما ان الاعتقاد بأننا نستطيع اللعب من خلال الخلافات الموجودة داخل النظام هو أمر غير وارد اذا تذكرنا عدم قدرتنا على التنبؤ حتى بظهور حركة الاصلاح أو ببروز جيل جديد من انصار الخط المتشدد كالرئيس محمود أحمدي نجاد.

لذا، اذا كنا نريد انتهاج سياسة مؤثرة ازاء ايران علينا الاعتراف أولاً بمدى العقبات والقيود الشديدة التي سنواجهها.

خيارات الدبلوماسية والطريق للمستقبل

وتستكمل الكاتبة مالوني بالقول، ان من المغري بالطبع تكريس معظم المناقشات على تحليل اخطاء الماضي لاسيما أن سوء حساباتنا في العراق والمنطقة ككل اثار تحديات استراتيجية معقدة ولاشك أن الغاية الحقيقية لاية مناقشة تتناول الماضي هي الوصول للقدرة على معالجة المسائل المهمة على نحو افضل وهنا نلاحظ أن التحدي الماثل ليس سهلاً على الاطلاق.

فالعاصمتان واشنطن وطهران منهمكتان في حملتين سياسيتين ربما لا تفضيان للتفكير بخيارات سياسية واقعية، وتكفي الاشارة هنا الى أن برنامج ايران النووي قطع شوطا بعيدا وتحول العراق وافغانستان الى نقاط التهاب ليس فقط بين المصالح الامريكية والايرانية بل وبين القوات المسلحة للبلدين ايضا «امريكا وايران»، لذا ليس ثمة صيغة بسيطة يمكن الاخذ بها لتخفيف درجة التحدي الذي تثيره إيران امام مصالح الولايات المتحدة أو لتقليص حدة التوتر وانهاء النفور المستحكم بين العاصمتين.

وتختتم الكاتبة مالوني رؤيتها بالقول، لكن هناك سلسلة من المبادئ العامة يتعين ان تشكل استراتيجيتنا اذا اردنا لها النجاح:

أولاً، وقبل كل شيء يتعين أن يدرك النهج الامريكي- «اذا اردنا له النجاح» أن الدبلوماسية هي الخيار الوحيد المتوفر أمام صانعي القرار في الولايات المتحدة، فنحن ببساطة نفتقر إلى الخيار العسكري الذي يمكن أن يخدم على نحو أفضل مصالح أمريكا في الشرق الأوسط.

بل ويمكن القول ان أي لجوء للقوة لمعالجة الأخطار المتعلقة ببرنامج إيران النووي أو تورطها في الإرهاب، سوف يؤذي بشكل كبير جدا أهدافنا الرئيسية في المنطقة. لقد تعلم زعماء إيران جيدا درس مفاعل «أوزيراك» الذي قصفته إسرائيل في العراق في عهد الدكتاتور صدام.

لذا عملوا على تحصين منشآتهم النووية وتوزيعها في مناطق متباعدة عن بعضها قرب مراكز سكانية. وأكثر من هذا، لو تذكرنا فشل الاستخبارات الأمريكية في العراق، لما توافر لنا أي سبب يدعونا للثقة بأن الضربة الأمريكية سوف تشل برنامج إيران النووي بالكامل.

كما ستؤدي الضربة إلى تعميق المشاعر الوطنية لدى الشعب وتدفعه لتأييد حكومته، وعندئذ سوف تشعر كل المنطقة برد فعل النظام الانتقامي، ولاسيما حلفاء أمريكا فيها، وسوف تقضي مثل هذه المواجهة بعد ذلك على كل احتمالات العودة من جديد لعملية السلام أو إضفاء الاستقرار على العراق، كما لن يستفيد من مثل هذا الصراع العسكري بين واشنطن وطهران إلا القوى الراديكالية المناوئة لأمريكا في العالم الإسلامي.

ثانيا، إن التعامل الدبلوماسي هو الأداة الصحيحة والمؤثرة لمعالجة خلافاتنا العميقة مع طهران.

مع تحرك سياسة إيران أكثر باتجاه الجناح السياسي اليميني المتطرف، تراجع الميل للتعامل مع طهران حتى لدى أولئك الأمريكيين الذين كانوا يدعون لمثل هذا التعامل خلال الفترة القصيرة التي مهدت لمجيء رئيس إصلاحي في إيران في أواخر التسعينيات، غير أن هدف الدبلوماسية يبقى متمحورا دائما حول خدمة المصالح، لكن علينا أن نلاحظ هنا أن الانهماك في التعامل مع إيران لن يؤدي آليا للتقارب بين واشنطن وطهران.

كما يتعين ألا يتضمن عرضا بـ«صفقة كبرى» من جانب واحد، بل عودة لموقفنا القديم الذي يتضمن استعدادنا للتحدث مع الزعماء الإيرانيين بجدية وصدق كوسيلة لمعالجة المسائل الخطيرة التي تثيرها السياسة الإيرانية وتهدد بها المصالح الأمريكية وحلفاء واشنطن.

ويتعين أن يتضمن الالتزام الأمريكي بالتعامل مع إيران تخصيص مفاوض مؤهل بصلاحيات واسعة يلخص العملية الدبلوماسية لتحقيق التقدم في جملة من المسائل المعقدة.

ومن المهم أن نلاحظ أيضا أن غياب أي التزام أمريكي هادف للتعامل مع إيران، واعتماد إدارة بوش المفرط على سياسة «العصا بدل الجزرة» لن يؤديا بالنهاية لتغيير سلوك طهران، بل من المرجح أن يُفضي الضغط الدولي إلى تعزيز النظام أكثر من إسقاطه، وستعمل طهران على تصعيد الأزمة إذا ما تم حشرها في الزاوية.

بيدأن التعامل مع النظام الإيراني لا يعني التخلي عن التزامنا في انتقاده علنا حول انتهاكه حقوق مواطنيه، إن علينا الوقوف بجانب الليبرالية اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا في إيران، وعلينا العمل بقوة ضد أعمال النظام القمعية التي زادت كثيراً في الشهور القليلة الماضية بحق المنشقين والناشطين والطلبة.

ثالثا: من غير المرجح أن يُفضي الضغط المتواضع إلى حدوث تغييرات دراماتيكية في السياسة الإيرانية، أو حتى في حسابات قيادتها على الصعيد الاستراتيجي.

لكن بالرغم من التصور السائد، وولع قيادتها بالشعارات، يمكن القول ان إيران وسياساتها ليست غير قابلة للتغيير فقد تغيرت إيران بشكل دراماتيكي منذ الثورة، أولا نتيجة لسكانها الذين يغلب عليهم جيل الشباب، وثانيا نتيجة للتحول المستمر في جيل القيادة.

كما تغيرت سياسات النظام أيضا، وظهر هذا واضحا في عدد من المسائل الداخلية وفي نهجها على المستوى الدولي ولا يزال هذا التحول مستمرا بالرغم من التراجع أو الارتداد الذي حدث في الساحة الداخلية، والمثال على ذلك تأييد القائد الأعلى في إيران، الذي لا سابق له في عام 2006، للحوار مع واشنطن، إن مثل هذا الموقف كان يُفضي إلى السجن قبل بضع سنوات لو أعرب عنه منشق معارض.

على أي حال، نحن بحاجة لتوخي الحذر فيما يتعلق بالأوضاع التي يمكن من خلالها حدوث تراجع شامل في المسائل الأساسية مثل القضية النووية.

وهناك غموض الآن فيما يتصل بالعقوبات المالية بعد صدور تقرير الاستخبارات الأمريكية الأخير الذي ذكر تعليق إيران لبرنامجها النووي منذ خريف عام 2003 .

لكن من الواضح أن العوائق المتزايدة أمام أي تفاعل بين إيران والنظام المالي الدولي المستند إلى الدولار، زادت التكاليف بدرجة كبيرة أمام طهران نتيجة لتلك العقوبات.

غير أن الحكومة لن تتأثر في النهاية طالما استمرت إيران في تصدير النفط، وذلك بسبب توافر احتياطات مالية ضخمة بلغت حوالي 70 مليار دولار أمريكي هذ السنة.

رابعا: التآلف الدولي الواسع هو أفضل وسيلة للتأثير خارجيا على إيران.

الحقيقة أن تعبئة المجتمع الدولي لاتخاذ موقف موحد في التعامل مع إيران يمثل مشكلة صعبة أمام واشنطن بسبب تباين مصالح وأساليب حلفاء وشركاء أمريكا. صحيح أن الإجماع الدولي حول إيران واسع إلا انه ليس قوياً في النهاية.

ففي الوقت الذي يتوافر فيه نفور مشترك من امتلاك إيران قدرة نووية، هناك تباين كبير حول طبيعة هذا التهديد ومداه، لذا وفي سعيها لفرض أقسى ما يمكن من عقوبات على طهران بسبب عدم التزامها بقرارات الأمم المتحدة في هذا الشأن، ومراوغتها في التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بذلت الولايات المتحدة جهودا كبيرة للحفاظ على الإجماع في الموقف الدولي من إيران، ووجدت تردداً لدى بعض الدول ولاسيما منها روسيا، الصين، وألمانيا.

لذا، ليس غريبا أن تحملت إيران درجات متنوعة من الإجراءات الأحادية من واشنطن منذ عام 1979، وبالرغم من أن هذه الإجراءات أعاقت بلا شك الاقتصاد، فإن النظام تمكن من البقاء بل وعزز قبضته على السلطة نتيجة لتلك القيود.

خامسا، الاحتواء هو الاستراتيجية البديلة القابلة للتطبيق.

في غياب الجهود الدبلوماسية أو الخيارات العسكرية، تستطيع واشنطن اللجوء لسياسة الاحتواء بل وعليها أن تفعل ذلك، فهذه السياسة هي ثاني أفضل خيار أو وسيلة بعد العقوبات.

إذ بإعادة التوازن إلى علاقات الولايات المتحدة الأمنية مع دول الخليج، والتوصل لاستراتيجية سليمة للانسحاب من العراق، تستطيع واشنطن كبح قدرة طهران على إثارة متاعب إقليمية، والبدء بنقل أي اضطراب أو حالة عدم استقرار طائفي إلى داخل إيران في المستقبل.

إن احتواء إيران يجب أن يبدأ من منطقة الخليج، وليس من خلال التوصل لاتفاقيات تسلح كبرى تقدمها واشنطن رداً على الوضع الإقليمي غير الواضح بل من خلال التعاون مع تلك الدول لوضع إطار عمل لأمن إقليمي على المدى الطويل.

ويتعين أن يتضمن هذ الجهد أيضا رؤية صادقة لدور أمريكي متضائل في العراق باعتبار ذلك وسيلة لاسترداد ثقة حلفائنا الإقليميين.

ومن فوائد الاحتواء انه يفتح المجال على المدى الطويل أمام الدبلوماسية لتحدث ولو بعض التأثير، ولاشك أن الصبر مفيد سياسياً من ناحيتين الأولى أنه يساعد على تحقيق إجماع دولي واسع، والثانية أنه وسيلة للتعامل مع قيادة لا يمكن التنبؤ بتحركاتها.

لكن يبدو أن طهران مهيأة للتحرك نحو الوسط بشكل دراماتيكي مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في مارس 2008 والانتخابات الرئاسية في السنة التالية.

فبالرغم من المواقف المتشددة التي يتميز بها عهد الرئيس أحمدي نجاد، ثمة ميل عام لأول مرة في تاريخ إيران ما بعد الثورة للحوار مع واشنطن.

وتختم الكاتبة مقالها ناصحة الادارة الامريكية بالقول، ومع تطلع واشنطن بدورها نحو عهد سياسي جديد، يتعين ألا نستبعد قيام تعاون ودي مع طهران حول العراق في المستقبل القريب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 12 كانون الاول/2007 - 1/ذو الحجة/1428