الصمت المخيف...  والترقب الحذر

عدنان الصالحي/مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

الهدوء الحذر الذي يحيط الشارع العراقي الآن هو نوع من أنواع الصمت المخيف، ولا يستطيع احد كان أن يجرؤ على القول بإنه انتصار نهائي على التنظيمات الإرهابية أو العناصر المسلحة بشكل دقيق حتى القيادة العسكرية الأمريكية والمتمثلة (ببتريوس)، وبالتأكيد هناك شكوك إزاء ما أسمته صحيفة الغاردين البريطانية "الصمت المخيف" الذي حل في أماكن عدة بديلاً لأصوات الانفجارات وتبادل إطلاق النار في أوقات مختلفة من الليل والنهار.

    وحقيقة الأمر فان السيطرة على الأوضاع لا يمكن أن يتم بهذه الطريقة الفجائية والدليل القاطع على هذا التوقع هو حيرة الأمريكان عن التغيير المفاجئ والدراماتيكي في الوضع الأمني، فالمعلومات الاستخباراتية تشير بوضوح بان هناك الكثير من المناطق غير المسيطر عليها،  فالجنوب العراقي مازالت الوقائع تؤكد تمرد بعض الحكومات المحلية على حكومة المركز فيه، إضافة إلى سيطرة المليشيات على المصادر المهمة للطاقة ويؤكد ذلك الاختراق الحاصل في القوات العسكرية والأمنية الماسكة للأرض هناك، ومن المعلوم بان أهم تلك المليشيات هي (جيش المهدي) الجناح العسكري للتيار الصدري، فالقوة العسكرية لم تكن هي من أوقف تحركات أفراد ذلك التيار بل يرى البعض بان قرار زعيم التيار مقتدى الصدر بتجميد نشاطه هو من ساهم بنسبة كبيرة جدا في وقف انشطتة ولاسيما العسكرية وهذا قد لا يسجل أي انتصار لصالح الحكومة العراقية ولا القوات الأمريكية.

     المناطق التي تقع  في الوسط العراقي  تبدو ذات تحسن امني نوعا ما منذ بدء التغيير  والسر يكمن في ولاء أكثر القيادات في الحكومات المحلية لحكومة المركز وبالخصوص لرئيس الوزراء، مضافا إلى كون تلك المحافظات هي ذات تحسن امني منذ البدء  ماعدا بعض الخروقات على فترات من الزمن، واهم الأحداث فيها هي معركتا النجف وكربلاء مع القوات الأمريكية وأحداث منطقة الزركة  والزيارة الشعبانية مع القوات العراقية ، ورغم ذلك سجلت تلك المناطق على طول السنوات السابقة مواقع ذات مستوى امني جيد، فلا غرابة على الإطلاق في أي تحسن امني مضاف يطرأ فيها .

    أما المواقع والمحافظات التي أطلق عليها بالساخنة لسنوات أربع خلت فهي اليوم يبدو إنها تعيش حالة من النقاهة و التحول الذاتي في الوضع الجديد وهو قراءة البيئة الداخلية بعيدا عن تفكير ومشاريع تنظيم القاعدة ، هذا التغيير أنتج معادلات كثيرة منها مجالس الإنقاذ والصحوة وبعض المسميات الأخرى في مواجهة المد القاعدي في العراقي، وهذا بحد ذاته يولد تركيبا (مليشاويا) جديد وان اخذ التركيب الإداري الصبغة الأبرز فيه، هذا التحرك علامة أخرى ان النجاحات الامنية لاتحسب كاملا للقوات الأمريكية والعراقية ، بل قد يكون للمخابرات أو السياسة فيه دور ولكن الأهم هو عدم فعالية الفعل العسكري.

فالمناطق التي شهدت على طول السنوات السابقة مراحل التهجير والقتل والاختطاف والتي عبر عنها بأنها حواضن رئيسية للإرهاب هي نفسها اليوم  بدت بالتحول نحو طرد عناصر القاعدة وهي التي تملك زمام الأمور في إعادة ما تريده في حال عدم استمرار الصداقة الجديدة مع الأمريكيين والعراقيين في الحكومة الحالية، وهنا نعود لنقول إن زمام المبادرة ليس مطلقا بيد الحكومة العراقية ولا للقوات الأمريكية في هذه المناطق أيضا، ويبقى الوضع متأرجحا بين مطالب تلك المجلس والتشكيلات الجديدة وبين ماتراه الدولة من استطاعة في تحقيق مطالب الأخيرة.

    شمال العراق وكما هو واضح لا يخضع في واقع الحال إلى إدارة للحكومة العراقية بالأصل والتدهور الأمني فيه لا يضر الحكومة المركزية في شيء وبقاءه لا يقدم لها الكثير أيضا فهو مرتبط ارتباطا وثيقا بعلاقة الأكراد مع كل من الجانبين التركي والإيراني ومدى تحسن أو توتر العلاقات معهما.

الخطوة التالية

    يقال في الحكمة المعروفة (فرض المحال ليس بمحال) وعلى أساس إن الحالة الشبه مستقرة حاليا هي حالة قد تدوم طويلا أو هي ناتجة من فعل سياسي متعاشق مع إجراء عسكري ومدني وإداري للحكومة والقوات الأمريكية أنتج هذا النوع من الهدوء، ولكن الكل يعترف بان العراق اليوم يواجهه معركة عالمية للإرهاب على ساحته، هذه المعركة لاتقودها بالضرورة عناصر القاعدة بل قد تتلون الإشكال وتتعدد الأسماء ولكن تبقى الحالة السياسية هي أساس الاختلاف في ذلك، وعليه ففترة النقاهة التي تمر فيها البلاد الآن قد تكون مؤدية إلى احد الطريقين:

   الأول: إن حالة الهدوء النسبي والنتائج الجيدة والسريعة للواقع الأمني على الأرض قد يعطي للحكومة العراقية والقوات الأمنية فرصة جذب الأنفاس، وبالتالي، حدوث نوع من الخمول هنا أو هناك نتيجة كثرة الحملات الأمنية خلال السنوات السابقة وشعور الحكومة والقادة الأمنيين بالانتصار، سيؤدي بالنتيجة إلى فتح ثغرات كبيرة امام المسلحين والعناصر الخاملة والخلايا النائمة في التحرك لترتيب عملها لفترة قادمة وسيكون اندلاع العنف من جديد ضربة قاصمة لأمنيات وتعهدات الحكومة الحالية، والتي ستتحمل جميع التبعات على ذلك لان الأمريكيين سيلقون باللائمة على الحكومة لكونها تسلمت مواقع أمنية مستقرة ولم تستطلع مسك الأمن فيها وهذا يؤدي بالنتيجة إلى فقدان شبه تام بقدرة الحكومة على السيطرة على الملف الأمني كاملا.

الثاني: في حال تحركت الحكومة المركزية بسرعة كبيرة وعلى المستويات الأمنية والسياسية والإدارية لاستغلال الفرصة والوقت في احتواء العناصر المسلحة التي يمكن الحوار معها واختراق البنية الهيكلية لتنظيماتها، فسيؤدي ذلك بالنتيجة إلى مسك زمام الأمور بصورة حقيقية وإحداث خرق نوعي في جميع المناطق التي تتواجد فيها العناصر المسلحة، وهذا ما فشلت فيه الحكومة لحد الآن....

    والدليل الأوضح على ذلك هو التعامل السلبي  الكبير مع قرارا تجميد نشاط (جيش المهدي) والذي كان من الممكن استغلاله لجذب عناصره إلى النشاطات المدنية بعيدا عن العسكرية، وعدم مطاردة عناصره بالصورة التي حدثت في بعض المناطق حيث كان من الممكن بناء جسور من الثقة بين ذلك الفصيل والجهات السياسية في البلاد والذي أخفقت فيه الحكومة.. وبالتالي حولت عناصر هذه الجيش إلى مطلوبين للقوات الأمنية وهذا سيرسل برسالة غير طيبة لجميع الفصائل والجماعات الأخرى التي تحاول الاقتراب من الحكومة العراقية للتفاوض وردة فعل سلبية في حال عاود الأخير نشاطه  في أي وقت.

ما يمكن فعله

1- قد تكون الحالة الأمنية التي رافقت التغيير السياسي في البلاد ولمدة الأربعة أعوام ونيف العذر الرئيسي لكل حكومة تترأس البلاد في الإخفاق  في حركة الأعمار والسير بالبلاد نحو طريق المصالحة الحقيقية والنهضة الاقتصادية، الفرصة التي سنحت لحكومة المالكي تكاد تكون أشبه بهدية مجانية أعطيت لحكومته، والآن بقيت النتيجة وردة الفعل متسمة بما ستتولاه من ردود أفعال تجاه هذا الوضع المستقر نسبيا.

2- الخطوة التي كان من المفترض على الحكومة اللجوء إليها بٌعيد وقف أكثر العناصر المسلحة نشاطها هو فتح حوار مباشرة كبادرة حسن نية في تصفية الأمور وبناء قاعدة تعاون بعيدة الأمد مما يجلب الثقة لتلك العناصر بالتعاون أكثر واحتمالية إقناع المتبقين باللجوء إلى نفس الطريق، مع بقاء المطلوبين للقضاء خارج نطاق اللعبة.

3- تحريك العملية السياسية بصورة أسرع وباتجاهات متعددة وتفعيل مشاريع الأعمار لاستقطاب اليد العاملة وسحب اكبر كتلة بشرية من الشارع إلى المواقع الإنتاجية والعلمية.

4- إشراك مراكز الدراسات والبحوث في إمكانية المشاركة في تأهيل وتحويل العناصر ذات الفكر العسكري إلى خط مدني بناء وتفعيل الإعلام تجاه الالتزام بالقانون على أساس انه الفيصل الأول بين الجميع.

5- استخدام الجانب الإعلامي للتثقيف و الفصل بين العناصر المسلحة لأسباب خاصة والمغرر بها وبين عناصر الإرهاب العالمي ذات الدوافع التخريبية وتحديد الجهة الأخيرة في زاوية ضيقة مما يسهل التعامل معها و القضاء عليها.

6- تركيز العمل في المناطق المستتب الأمن فيها حديثا وتعويضها عن الفترات السابقة من الوضع الأمني المتدهور واستخدام اليد المحلية في ذلك.

7- الالتفات إلى جانب الفساد الإداري والمالي في المرافق الحكومية والتسريع بالكشف عن الجناة وتقديمهم للعدالة حفاظا على مبدأ المساواة في المحاسبة والدفع الشبه عن أساسيات بناء القانون .

8- وضع برامج خاصة تطويرية وتاهيلية لإشاعة ثقافة التسامح ونبذ العنف وتخصيص مساحات كافية للجانب الإعلامي  في ذلك.

9- التركيز على تطوير الأجهزة الأمنية في باب احترام حقوق الإنسان والاستفادة من الأخطاء التي حدثت في إثناء تطبيق بعض الخطط الأمنية والتجاوزات على حقوق المواطنين وتشخيص المرتكبين لتلك الأخطاء.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6 كانون الاول/2007 - 25/ذوالقعدة/1428