قراءة في كتاب: سادينا.. والصراخ داخل أسوار المنفى

الرواية:(سادينا)... والصراخ داخل أسوار المنفى

تاليف: دينا سليم و سعد حمزة

عرض : د. نجاة فضول - أستراليا

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ: عن (دار نعمان للثقافة) صدرت مؤخرا  رواية (سادينا) وهي عمل روائي شعري مشترك للأديبة الفلسطينية دينا سليم والشاعر العراقي سعد حمزة، وتصميم الغلاف للفنان العراقي المبدع  ستار كاووش المقيم في هولندا.

(سادينا) بمثابة تجربة أدبية جمعت الروائية والشاعر خارج الوطن الأم لكليهما، ليجمعهما المنفى بكل تداعياته، وجاء العمل على شكل لوحات فنية ممسرحة تجمع بين الصورة الشعرية والسرد الروائي، الذي يضع المتلقي أمام دهشة كبيرة لمناجاة كائنين فقدا الانطلاقة الاولى، وهما يستعدان لتأسيس بيت جديد للانطلاقة الثانية التي يلفها الحزن والخوف من فقدان الهوية الأصلية، والتي باتت واضحة من بداية العمل حتى نهايته، وتسكن في ثنايا الكلمات المدهونة برائحة التراب الأول ضمن نسق هرموني جاء متكاملا ومتماسكا بين وحدة الموضوع والشكل الفني.

بطل الرواية كان يسوده القلق، التابو العالي للحزن والصمت الذي جاء أحيانا بلغة الصراخ للتفريغ عن أسارير هذا الكائن الباحث خلف أسوار المنفى عن الحرية المصادرة التي كلفته هذا الرحيل الى ما لا نهاية فهو يقول:

أنا اسكن في منتصف تورطكِ

وكنت سبب كل هذا الهذيان

الذي أوصلك الى عتبة المنافي

أنا رئيس حكومة عقلك الممرغ

بالخروج الى عوالم العشق

(ساد) طعنة كبيره، لولا صراخي في سبات المقابر

حواء وحدها جففت دمعة الاحتجاج

وقبل أن تسلمَ على الأرض

تركت من خياناتها

هي السكين للآن في مدخلي

(سادينا) أنتِ أمي ومستودع الأسرار

هذا ليس صوتي

انما هي محكمة الأشياء

ستبقى تحملني حتى آخر المفردات

أو نتّفق

لا تستخدمي لقادم العذابات

ولن يصرخ للناطق باسم خرابك

استخدام فعل الأفعال

كلانا سيغلق أبوابه

وسينتظر الحقيقة السراب

أما شريكة البطل في خرابه (سادينا) التي هي عبارة عن مجموعة أحلام وردية اغتالها القدر فراحت تبحث في هذا العالم المسكون بالخراب عن الكائن الذي يشاركها هذا المشوار السادي ليشكل بالتالي معها توليفة لعزف حزين لا ينتهي عويله فتقول:

-أنام على حلم وأصحو على حلم يا نذا ، يا توأم الحلم، يا شريكي وطريدي، يا مشتهاة روحي وانقاض بقائي، يا أنتَ يا أطلال، يا تذكرة حياة، هديتك باقية، حلما مقدسا وأرضا بلا وطن.

هنا يطفو فوق سطح الحكاية الطويلة معادله موضوعيه هو القلق الكوني الذي شكّل وحدة الارتباط بين البطلين.

سادينا... عالم تسكنه الأصوات، الصراخ الطويل المستمر الى ما لا نهاية أو لنقل هي وحدة صراع الأصوات. الأصوات المسكونة في داخلين تبحث عن مأوى يجمعهما كي تشكل في آخر المطاف ناقوس واحد يدق في عالم يسكنه الصمت المطلق، يقول ساد:

-         من دائرة البوح

يصرخ هذا الذئب المسور بالمحنة

بقميص اسمه الكذبة

وهو الخارج من لعنة التراتيل

نازلا الى قمامة الله

يتسول وجها نسيه

أو ينحني لجلال التمرد

ولا مرة أنصفته لعنة التواريخ

هي بقعة دم فوق ثياب النقاء

أصدقاء الأمس

موسيقى خرساء تنفع لمجزرة قادمه...

حتى نهاية المقطع يقول ساد:

-         (سادينا) سقط الصراخ من فمي

كيف أحتج على بقاياي

هي مجزرة السؤال وما تبقى من فضيحة الألم

وحدي أحمل صخري

أجوب به فوق خارطة التذكر

وكنت وحدك... آخر شاهد على مشنقة الأفق

هكذا أرى نزولي عابثا من ساعة لا توقظني

لكني سأوقظ خراب الورق كي يمشي في جنازة الشعر

اذن ليس هناك أي اختلاف في لغة الصراخ الذي يجمع (ساد) و(سادينا)، هي ذات الكائنات المسكونة في داخليها كما هي في وحدة الخراب الذي جمعهما.

تقول (سادينا) في مقطع:

-         اترك شباك الصيد في مكانها وابتعد يا (ساد)

شباكك تولد مزيدا من النهايات

دع الكواكب تنتفض خجلا، وازرع الدمع في عين القمر والزمن

 لن أطرق سوى وجهة الطرقات

 أبحث عن طريق مسدود توقف منذ زمن بعيد عن اطلاق القهقهات

 اتركني أناجي الحزن وأتوسد الصمت العائم في ضباب الكلمات...

ان الغوص في رواية (سادينا) يدعونا الى المزيد من التأني، فهي تحمل في سطورها وجعا انسانيا وحبا وجدانيا ورحيل الى شواطيء لا تنتهي بالأمان، و(فوبيا) عاليه من المجهول، والممنوع لا يسمح به في عالم مسموح، به قتل الأبرياء في عالم مسموح به قتل الحب، قتل الكلام وقتل الحريات، قتل انسانية الانسان تحت ذرائع لا تقترفها إلا الديكتاتوريات، اذن رواية (سادينا) تحتاج الى دراسة سيكولوجية عميقة والأخذ بها الى سطح الشمس في عالم يسكنه الظلام والبؤس، يسكنه الضياع لكائنات تبحث فوق أرض المستحيل لزرع حرية الصوت.

(سادينا) هي الرواية الثالثة للأديبة الفلسطينية المغتربه، بعد روايتيها (الحلم المزدوج 2004) و(تراتيل عزاء البحر 2007) دار العودة بيروت.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1 كلنون الاول/2007 - 20/ذوالقعدة/1428