مأساة عروس البحر المتوسط: ارقام قياسية للهجرة في لبنان

اعداد/ صباح جاسم

شبكة النبأ: رغم ما ينسب الى لبنان من طبيعة خلابة وروح انسانية غاية في الروعة إلا ان هذا البلد كُتب عليه ان ينظم الى مجموعة البلدان الغير مستقرة على مر العقود، وبالنظر الى الهجرة التي هي من الاشياء المتأصلة في روح اللبنانيين فان الاوضاع السياسية والأمنية المثيرة للقلق اصبحت عاملا مساعدا في تسارع وتيرتها وتزايد نسبها مؤخرا.    

لبنان بات بلد الشيوخ، هكذا تؤكد دراسات حديثة تكشفت ان متوسط عمر القاطنين في لبنان بات أكثر من 40 عاما.

وترجع الدراسات أسباب تلك الظاهرة الى هجرة الشباب اللبناني المتنامية والمثيرة للقلق حتى ان المرجعيات السياسية جعلت من ملف هجرة الشباب والعقول من لبنان ملفا سياسيا يتم استثماره بامتياز.

وانطلقت أول شرارة للهجرة صوب مصر والولايات المتحدة. وعشية الحرب العالمية الأولى وما رافقها من مآس ومجاعة هاجر نحو ربع سكان جبل لبنان.

وفي بداية الانتداب الفرنسي تراجعت وتيرة الهجرة ثم ازدادت منتصف العشرينات. ومنذ الاستقلال عام 1943 ونهاية الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1975 تاريخ بدء الحرب الأهلية اللبنانية، استؤنفت الهجرة، لكنها اتجهت خاصة نحو البلدان العربية المصدرة للنفط.

وأثناء سنوات الحرب الأهلية (1975ـ1990) تسارعت الهجرة حيث شملت نحو %30 من اللبنانيين، وتوجهت نحو العديد من البلدان في أمريكا الشمالية والجنوبية وأستراليا، وأوروبا الغربية، والبلدان العربية، وبلدان أخرى في أفريقيا ولكن الدور الأهم على الصعيد الاقتصادي كان الهجرة الى البلدان العربية النفطية، من حيث حجم التحويلات المالية التي ساهمت في صمود اللبنانيين.

لا إحصاءات مؤكدة

ولا توجد احصائيات مؤكدة حول عدد المهاجرين اللبنانيين ولا أماكن تواجدهم، فثمة من يقول ان عددهم 16 مليونا. ولكن هذا الرقم مبالغ فيه كثيرا.الا ان الاعتقاد السائد أن عددهم يبلغ 11 مليونا في حين أن عدد المقيمين في لبنان من اللبنانيين لا يزيد على أربعة ملايين نسمة. بحسب د ب أ.

كذلك لا توجد أرقام دقيقة للذين هاجروا بعد الحرب الأهلية منذ عام 1990 حتى الآن.الا ان الدراسات تجمع على أن عددهم من عام 1975 حتى عام 1995 يزيد على 786 ألف شخص وأن عدد الذين هاجروا أثناء الفترة بين 1975 ـ 1990 هو بحدود 950 ألف شخص. ويشكل الفرق بين عدد اللبنانيين المغادرين وعدد الوافدين اليه المؤشر الأصدق على عدد المهاجرين السنوي.

وتراجعت الهجرة عام 1991 بعد انتهاء الحرب الأهلية وعادت نسبة لا تذكر الى الوطن للعيش فيه وبلغ رصيد الهجرة بين 1991 و1994 نحو 48 ألف شخص.

لكن مع دخول البلاد أزمة اقتصادية حادة وتباطؤ النمو وتفشي البطالة، ازدادت أعداد الذين يسعون الى الهجرة بحثا عن لقمة العيش ومستقبل أفضل.

ويشير مسح المعطيات الاحصائية للسكان والمساكن الذي أعدته وزارة الشؤون الاجتماعية بين أعوام 1997 و2004 الى أن عدد المهاجرين هو نحو 44 ألف لبناني سنويا. بينما هذا العدد ارتفع منذ عام 2005 الى نسبة تتراوح بين 60 ألفا و65 ألفا سنويا وبلغ ذروته خلال حرب يوليو 2006.

ويؤدي هذا النمو المضطرد في عدد المهاجرين بطبيعة الحال الى ارتفاع معدل الشيخوخة في مقابل انخفاض عدد الفئات الشابة.

رغبة بالهجرة

ويشير مركز دراسات الانتشار اللبناني الى دراسة أعدها المركز عن تأثير حرب يوليو 2006 على الهجرة، تفيد بأن %60.5 من اللبنانيين المقيمين أبدوا رغبتهم في الهجرة وأن %80 منهم من حملة المؤهلات العليا والماجستير.وأكد %68.4 من الراغبين في الهجرة أن الحرب ساعدتهم على اتخاذ قرار الرحيل.

أما بالنسبة لأسباب الهجرة فان %39.3 من الذين استطلعت آراؤهم قالوا انهم سيهاجرون لضمان مستقبلهم فيما عزا 25.3 السبب الى الوضع السياسي في لبنان.

وخلصت الدراسة الى تزايد هجرة »العائلة النواة«، أي التي تضم طفلا أو اثنين الى جانب الأب والأم وأن الهجرة تشمل جميع الطوائف دون فارق يذكر، اضافة الى تزايد هجرة الفتيات.

دراسة أخرى

وتشير دراسة أخرى عن هجرة الشباب انه بين عامي 1991 و2000 هاجر 350 ألفا من فئة الشباب. وبين عامي 2001 و2005 هاجر 210 آلاف من الشباب فيما هاجر خلال يوليو 2006 أكثر من 120 ألفا.

وتتوقع الدراسة أيضا أن يتغير التوزيع النسبي لسكان لبنان المقيمين حيث تنخفض نسبة السكان دون الـ 15 عاما من %31.1 في عام 2006 الى %24.7 عام 2021 وسترتفع نسبة السكان بعمر 65 وما فوق من %7.2 في عام 2006 الى %8.1 عام 2021.

وتشير الدراسة الى تراجع عدد الأطفال خلال الـ25 عاما الأخيرة ما أدى بدوره الى انخفاض معدل الاعالة بالنسبة للقوى العاملة من %63 عام 1996 الى %49 عام 2021.

كذلك فان الهجرة المتزايدة ستقلص قاعدة السكان الشبابية من %19 عام 1996 الى %17 عام 2021.

وتلفت الدراسة أيضا الى انخفاض معدل المواليد من أكثر من تسعة آلاف مولود حتى شهر أغسطس من عام 2000 الى أقل من سبعة آلاف مولود في الفترة نفسها من عام 2005.

وترى أن نسبة العزوبية المرتفعة بين النساء تؤثر في الزيادة الطبيعية للسكان.

وتؤكد الدراسة أن متوسط حجم الأسرة انخفض من 4.6 أفراد في عام 1996 الى 4.3 أفراد في عام 2004.

وبذلك يتضح أن الهجرة من لبنان أصبحت »جزارا وطنيا« وكارثة كبرى. وأن المشاكل السياسية التي لا حلول لها في لبنان، هي أكثر ما يدفع الشبان الى الهجرة. كما أن تفاقم مشكلة هجرة الشبان ذوي الكفاءات العالية يهدد بافراغ لبنان من أهم ميزة لديه وهي الموارد البشرية ذات التعليم الجيد.

وتشكل تحويلات اللبنانيين في الخارج نحو %25.8 من الناتج المحلي الاجمالي بالاستناد الى حسابات ميزان المدفوعات عام 2006 اذ بلغ حجم هذه التحويلات 5.6 مليارات دولار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26 تشرين الثاني/2007 - 15/ذوالقعدة/1428