بعد أربع سنوات.. محاولات لإصلاح قارب السياسية

جعفر ضياء الدين

 في ظل أجواء تحمل تباشير الخير والاطمئنان باستتباب قدر لا بأس به من الأمن والاستقرار في عموم إنحاء البلاد، تبدو للعيان أزمة جديدة ـ قديمة تتصاعد ليس في الشارع هذه المرة، وان لم تنتهِ أزمات المواطن، وإنما في أروقة الحكم، إذ كان المسؤولون في مجالات عديدة وفي وقت سابق مطمئنين الى وجود شماعة الإرهاب والفوضى الأمنية لتعليق الفشل او التأخر في تنفيذ استحقاقات المرحلة من قبيل الخدمات وفرص العمل وغير ذلك.

فبعد ان كانت أزمات العراق تدور في الإطار الاجتماعي وأحيانا الاقتصادي وان معظم أسباب تفشي ظاهرة العنف وانتشار الجماعات الإرهابية هو الغبن والتهميش الذي طال شرائح من المجتمع العراقي، نجد ونسمع حاليا أصواتاً من الساحة السياسية ومن سياسيين يشكون التهميش  تارة ويحاولون تجديد الظهور تارة اخرى علماً إننا استقبلنا في الانتخابات البرلمانية الأولى والثانية شخصيات وجماعات خاضت التجربة الديمقراطية الجديدة وهي تلاحظ البون الشاسع بين النظرية والتطبيق في هذه  التجربة، وليس أدل على دخول النواب إلـ (275) الى قاعة البرلمان وهم مشرفون على دخول عامهم الثاني، عن طريق القوائم المغلقة، رغم الحديث والمطالبة بعدم تكرار هذه الطريقة بعد تمريرها في الانتخابات الأولى، لكن إدراك الجميع ـ جميع المرشحين والجماعات التي تقف خلفهم ـ بصعوبة التخلّي عن هذه الطريقة خلال عام واحد، وظل الناس أمام قوائم وليس أشخاص، حتى جاء اليوم الذي أفصح فيه النائب بهاء الاعرجي عن الكتلة الصدرية وبعد كل هذه المدة عن وجود خلل في الأداء الديمقراطي بشكل مطالبا بإجراء انتخابات مبكرة (تتمخض عن برلمان يمثل الناخبين تمثيلاً حقيقياً).

وفي مكان آخر نقرأ فكرة جديدة عن العمل السياسي، إذ نقلت بعض وسائل الإعلام عن النائب ورئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري، عزمه تشكيل (تيار) سياسي جديد يحمل طابعا وطنيا ويضم في صفوفه على سبيل المثال ـ كما جاء في الإخبار ـ حزب الفضيلة او التيار الصدري، وان المبرر لتشكيل هكذا تيار هو تجاوز حالة الاصطفاف الطائفي والقومي في البلاد والعمل بروح وطنية، في حين ان الأسماء التي وردت كاحتمال للانضمام للتيار المقترح وشخص الجعفري أيضا، دخلوا الحياة السياسية تحت راية الدين والمرجعية الدينية، بخلاف من أعلن منذ البداية ان لواءه الوطنية مثل أياد علاوي او القومية مثل الحزبين الكرديين في شمال العراق وسواهم، وربما حاول الجعفري تقديم فكرة جديدة ذات بعد ثقافي ـ سياسي ـ تضاهي فكرة التحالف الرباعي الذي سعى وراءه رئيس الوزراء نوري المالكي وسعى أيضا لان يكون خماسياً ليضم الحزب الإسلامي ـ السني ـ الى جانب حزب الدعوة والمجلس الأعلى الإسلامي والحزبين الكرديين، وإيجاد قاعدة سياسية متينة للحكومة تتمكن منها بالانطلاق نحو تحقيق مشاريعها في ميادين الأمن والاقتصاد وغير ذلك، وقد شهدنا وشهد الجعفري قبلنا إخفاق هذه الفكرة بسبب إصرار جبهة التوافق ومعها الحزب الإسلامي على مقاطعة الحكومة، مما دفع بالمالكي لإيجاد مخارج اخرى لازمته الحكومية...

ولنا ان نتساءل: بأن مشكلة التراضي وانعدام الثقة بين الفرقاء هل هي مشكلة سياسية عندنا في العراق أم مشكلة السياسة عند السياسيين؟، ان كانت المشكلة سياسية ومألوفة كما يحاول معظم السياسيين عندنا الإيحاء بذلك، فاعتقد ان وجود هكذا مشكلة في أي بلد من العالم لن يسمح باستقرار الأوضاع بل لن يكون هناك حجرٌ على حجر سوى الفوضى وانعدام الحياة، والدليل هو وجود القوات متعددة الجنسية، وفي طليعتها القوات الأمريكية والى جانبها السفارة الأمريكية، أي حشود من الجنرالات والخبراء العسكريين والسياسيين والمختصين في شؤون مختلفة، يقفون كلهم في الكفة الأخرى من الميزان مما يجعل أمر الانسحاب الأمريكي في هذه البرهة الزمنية من المستحيلات... إما إذا كانت المشكلة تعود الى السياسة كنظرية وتطبيق فهذا شأن السياسيين والمتصدين للعمل في هذا الميدان، هم الذين يجب ان يثبتوا جدارتهم في إدارة الحكم مجتمعين قبل ان يكون العراق بحاجة الى ثقل يرهق كاهله اقتصادياً وامنياً ونفسياً لإيجاد التوازن في نظام الحكم..

ومن الواضح قراءته خلال الأربع سنوات الماضية، مفهوم خاطئ عن السياسة يكلف السياسيين ـ كما نرى ـ الكثير من الجهد للبحث عن صلات وصل بجذور المجتمع العراقي ذو الطبيعة المحافظة، فالمجتمع يتحدث دائماً عن الفضائل والصفات الايجابية والقيم الانسانية، ونجد مصاديق ذلك بدرجات متفاوته، إلا اننا نلاحظ شبه اجماع لدى السياسيين بأنهم غير قادرين على الحديث عن هكذا مفاهيم في اروقة السياسة، في حين نلاحظ ونشهد نظراء للسياسيين عندنا من قبل الوزير او المدير او الرئيس او المحافظ وغيره في دول اخرى تطبق الديمقراطية بشكل صحيح، لا يواجهون الحرج الكبير الذي تحدث عنه بصوت عال بهاء الاعرجي وهو في ذلك يتحدث عن الواقع العام، ولا يشعرون بحاجة الى تيار يحمل الناس على افكار جديدة لمقاصد سياسية، كما لو ان الناس عاجزون عن السير والحركة إلا بواسطة (تيار) يحملهم او يدفع بهم الى الامام..

منشأ كل هذا الخلل هو في الصياغة التي اتت بها الديمقراطية بمعية الدبابات الامريكية الى العراق، وهذا لا ينفي دور الساسة العراقيين في الادلاء بدلوهم في هذا الميدان ما زالت التجربة الديمقراطية قائمة، فمن منطلق ثقافي نوجه اللوم والنقد لامريكا واوربا لعدم بذلها المساعي المطلوبة لتطبيق الديمقراطية الصحيحة في العراق، والتي وصفها احدهم مؤخرا بأنها لا تعدو ـ حاليا ـ عن كونها عطاء (لمحاصصة طائفية) وحتى ليست محاصصة سياسية كما يتحدث عن ذلك الكثير.... وفي ذلك اشارة بشكل واضح الى محاباة الامريكيين للسنّة بالرغم من وجود صناديق الاقتراع التي يفترض ان تحدد هويته الدولة وتعطي الحق للاكثرية..

اما من منطلق سياسي فأن المسؤولين مطالبون امام الله والشعب بإداء دورهم التاريخي والاخلاقي في بناء البلد، فالذين ادلوا بأصواتهم في صناديق الاقتراع وسيفعلون ذلك مستقبلاً، لا ينظرون الى الخلفية النظرية للديمقراطية ومن وضع اسسها واول من طبقها وغير ذلك وانما ينظرون الى الصناديق بأنها بمثابة ارصدة جماهيرية يحملها المرشحون.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 25 تشرين الثاني/2007 - 14/ذوالقعدة/1428