القضية الكردية.. والحرب القومية

  بلاسم حامد مجيد*

 في وقت غادرت فيه الحضارة الغربية بكافة مجتمعاتها خيارات الحرب بعد أن أنهكتها الحروب الأهلية ثم الإقليمية... وأخيراً وليس أخراً الحروب العالمية الأولى والثانية متجهة بذلك نحو أفق أرحب نصراً وأخصب غنيمة الا وهو لغة الحوار والسلم واللاعنف... ولو بين مجتمعاتها حصرياً الا الحضارات الشرقية وبالكاد بكافة مجتمعاتها ما زالت رائحة البارود تفوح من مهاد أطفالهم.

 أنها لغة السيف وعسكرة الأفكار وإقالة كل الحلول السلمية والركون الى القتل والتشريد حلاً فيصلاً لكل اختلافاتهم حتى في توافه الأمور. وهي ـ أي المجتمعات الشرقية ـ بذلك قد وأدت أي مشروع نهضوي بنيوي شارعة بذلك الى تأسيس منطقة تكون حداً فاصلاً بين ايدولوجيات كلا الطرفين

( الغرب والشرق ) لذا فأن المتتبع للمجتمعات الغربية يرى أن جل حروبها الحالية غير عسكرية وذات منحى اقتصادي وثقافي غالباً ما يغض النظر عن أسباب الاحتراب سواء كانت أراضي او موارد او حتى أمم، فقلما تجد حروب ذات نزعة دينية أو فكرية او توسعية بعد أن قسم العالم تقسيماً عدلاً حسب الأتقافات الدولية المقررة عقب الحرب العالمية الثانية...

لذا فأن الغرب يرى بأن العالم بات قرية صغيرة واقل ما تتطلبه تعاملات هذه القرية هو مبدأ حوار الحضارات ناهيك عن أن القفزة النوعية في صناعة آلة الموت ( أسلحة الدمار ) باتت مكلفة جداً وقد توازي ميزانية دول ذلك من جهة وعدم ضمان تأثيراتها فقط على أطراف النزاع، لذلك فأن الغرب وبإصرار قد جنحوا الى الحلول الدبلوماسية وتشجيع لغة التفاهم والتحاور والاعتراف بالأخر متجنباٍ بذلك ذكريات مرة ومؤلمة أثخنت هذا الكويكب الوديع بجراح ما زال جبين الإنسانية يندي لها خجلاً ووجلاً....

    كلامنا هذا ليست تزكية ولا تعطير لسيرة المجتمعات الغربية ولا إقراراً منا بأنها باتت فردوسا.. فعلى العكس فثمة حروب أخرى باتت تضرب النصف الغربي من الأرض الا وهي حروب المعلوماتية والتكنولوجيا والحروب الباردة ( النفسية ) والحروب الاقتصادية بل وحتى حرب المياه وحصار الثقافات ومع ذلك فأننا نرى أن مثل هكذا حروب على كثرتها وتأثيراتها السلبية فهي على الأقل تضمن سلامة المجتمعات بل وفي رأيي الشخصي أن كل تلك الحروب لا تعادل القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما ونكازاكي.

 أما هنا، ها هنا بالشرق والشرق الأوسط تحديداً باتت الحروب ذات مفاهيم أخرى ودوافع وأسباب شائكة حتى بتنا نتصورها حرباً قومية ولما كانت الحضارات في هذه المنطقة اشد ما تكون تعنصراً لذاتها فكانت سمة الحرب ضارية. جرب فيها المتحاربون استخدام كل وسائل

الدفاع... لا عفواً... الهجوم، بغض النظر عن نوع الهدف المقصود وحجم الخسائر، فكانت هناك حروب عدة بأسباب بعضاً منها أوهى من بيت العنكبوت  لا مجال لذكرها!.

   الحرب القومية، وصفاً أكثر انطباقا على الحرب الجارية في المربع التركي الإيراني العراقي السوري وأن يرى البعض تسميتها بالحرب الكردية، فلو تعمقنا أكثر في سوسيولوجيا أطراف النزاع في هذه المنطقة فأننا سنلمس أولاً الحضارة العثمانية  أو ما يسمى بدولة الرجل المريض ( تركيا حالياً ) الذي كان يوماً ما وبالأخص في فترة شبابه يسيطر على عذارى أراضي المنطقة أكملها.

وهناك حيث حضارة فارس وسطوة كسرى ( إيران حالياً )  التي ما انفكت تضرب عروقها الثقافية والعلمية بل والدينية في تأريخ غابر حتى أصبحت مصدر ومنهل لكثير من الحضارات القائمة اليوم.. وبالتالي فذلك دافعاً لها في أن تبحث عن ذات المجد والشهرة والسطوة التي تمتعت فيه يوماً ما وهذا ما دفع إيران اليوم الى إعلان اكبر وأقوى تمرد شرقي على القوى العظمى من خلال ملفها النووي.

   إما هنا. فكان بني قحطان وعدنان بحضارتهم العربية الممتدة من شمال غرب المنطقة البؤرة نزولاً هلالياً الى جنوب غربها ( سوريا والعراق حالياً ) التي يرى العرب فيها أنهم مهداً للحضارات وعلى الأقل من الجانب الديني.

    أما الطرف الرابع في هذا النزاع متعدد الأطراف ورباعي الأبعاد أن لم نقل أكثر من

ذلك بعداً، فهو الحضارة الكردية ذات الأصول الجرمانية ( الأراية والأوربية ) كما يدعي الكرد، أنها حضارة الشروال وكاكا حمه ( الأكراد القاطنين حالياً في جنوب تركيا وغرب إيران وشمال العراق وشرق سوريا ).

    نزاع متعدد ومترامي الأطراف وبالتأكيد وراء كل طرف ثمة مساند يتكأ عليها، ومصادر يعتاش بها، سواء كانت دولاً إقليمية أو دول كبرى بمحركات سياسية مرة واقتصادية مرة أخرى وثقافية ثالثة بل وحتى دينية.

    كانت ومازالت دوافع وأسباب هذه الحرب غير المعلنة دوافع سياسية وأحياناً تدخلات أمنية غير مشروعة من هذا الطرف أو ذاك في حين أن الواقع يؤكد على أنها حرب قومية ليس الا. قومية حد النخاع، قومية بألفبائيتها، قومية وليس غير القومية، حيث يمسك كل طرف في هذه الحرب بوق ينفخ فيه قوميته يستجمع رفات أجداده لينتقموا من الغزاة الجدد. وهم بذلك أقالوا صوت التعقل بعد أن غلبوا المشاعر العنصرية والانفعالات العاطفية وتمويل الآخرين  ليحيلوا المنطقة حقيبة موقوتة. دوافع وأسباب شتى يتقولها أعلام أطراف النزاع ليصبغوا حروبهم بمشروعية ويشرعنوا قتل الإنسان واحتكاره وتحجيمه واختزاله.

1. الأتراك :

       لا يختلف اثنان على حجم الحضارة العثمانية وثقلها على الساحة الإقليمية بل والدولية يوم كانت تحكم الرقعة الخضراء من بلاد المسلمين بلا أله الا الله محمد رسول

الله، وما أن صحا الغرب من حروبه الأهلية والعالمية كانت محطته نحو الشرق، فانكسرت بذلك شوكة آل عثمان على يد أبو ناجي والطلياني، ليجيء بعد آل عثمان كمال أتاتورك الأب الروحي للأتراك الحضريين ليؤسس حضارته القوية ودولته المتينة العصية على التفكيك ليحولها بذلك الى رمز للعلمانية والديمقراطية والطورانية المطلقة بعد أن سلم مقاليد حكم البلاد الى المؤسسة العسكرية، وبالتأكيد فأن مثل هكذا عظمة لا يمكن أن توأد ولا يمكن أن تختصر على يد كاكا حمه او غيره من متمردي الجبال حسب الوصف التركي....

    فكانت هذه أولى دوافع هذه الحرب،  أنه التعنصر والقومية، فبعد أن كانت حضارة كاكا حمه تغض النظر عن أصولها الجرمانية وترضخ كحمل وديع سارحة في مرابع آل عثمان وأتاتورك وما أن بدء لمعان الدول العثمانية يخفت وسيطرتها على البلاد العربية ينحسر كان السطوع الكردي يشمر عن ساق اللمعان كنتيجة طبيعية لذلك الانحسار، لذلك فوجود

( 24000000) مليون كردي في تركيا وسبعة ملايين في إيران وستة ملايين في العراق ومليونين في سوريا لهو دافع قوي بأن يتشكل رأي عام على الأقل من جهة الكرد يحتم عليهم ضرورة العمل على مبدأ الاستقلال والتعبير عن ثقافاتهم بطريقتهم الخاصة سيما وأنهم لطالما كانوا يشكون من شوفينية وعنصرية حاولت وتحاول تحجيمهم وأختصارهم سواء كانت تركية او إيرانية او حتى عربية

   فمن جهة تركيا يرى الأكراد فيها بأن الحكومات التركية وعلى اختلاف الحقب الزمنية كانت قد مارست معهم شتى أساليب التموقع والاختزال وصولاً الى حضر الكردية لغة والعلم الكردي رمزاً بل وحتى الزي الكردي دلالة وهم بذلك يختزلون ـ أي الأكراد ـ ضمن بوتقة تركية ولم يشعروا يوماً بأنهم أبناء هذا الوطن تربطهم به ثمة ألفة ما أو رابطة معينة،  سيما وأن عددهم يمكن أن يشكل دولة إذا لم نقل أكثر من دولة على غرار دول المنطقة، ناهيك عن وضوح معالم حضارتهم بما لا يسمح لهم بالذوبان في أحضان المجتمع التركي بل أنهم يرون أنفسهم أعرق من الأتراك وأكثر قرباً للعرب من الأتراك والفرس..

    لذا فأن الأتراك يرون أن أكرادهم يطمحون بشغف ويتحينون الفرص الى إقامة الدولة الكردية الكبرى وهو أمر اقل ما يحتاجه هو اجتزاء الجزء الجنوبي من تركيا باعتباره الجزء الأكبر مساحة والأكثر سكاناً الذي يسميه الأكراد بـ ( كردستان الشمالية )  في حين يسميه الأتراك بـ ( أتراك الجنوب ) و( أتراك الجبال ) وهذا أمراً بالنسبة لتركيا أّمر من العلقم فهو من دواعي التمرد أولا ووفقاً للقوانين والأعراف والاتفاقيات الدولية فمن حق تركيا أن تحمي شعبها بمختلف الوسائل

المتاحة ( ومن ضمنها الاختزال ومصادرة الحرية بل والعمل العسكري المسلح ).

    وبذلك فأن الأتراك يرون في الحرب ضد الكرد مشروعية وشرعية كافية بناءاً على معطيات حاولت أنقرة أن تدولها لتخطف تعاطف المجتمع الدولي باعتبار أن تركيا تواجه مداً إرهابيا ( طبعاً ذلك بعد أن وصمت الكثير من الحركات والأحزاب الكردية ومنها حزب العمال وحزب بيجاك بالإرهاب بالنسبة للأمم المتحدة والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية )، وهم بذلك ـ أي الأتراك ـ قد أعطوا انطباع المظلومية على تركيا مستفيدين بذلك من تجييش الرأي العام معهم مستغلين سوء التصرف الدموي الذي مارسته بعض الجماعات الكردية وأخرها قتل نحو ( 37 ) جندي تركي في حادثين منفصلين في أيلول 2007، كما أن الأتراك يرومون فوائد جمة من الموقف العسكري من الأكراد ومنها مثلاً :

1. تفتيت وتشتيت ديموغرافيا الكرد والضغط على النواة الكردية ( كردستان العراق) بإعتباها المصدر الممول للأفكار القومية، ناهيك عن أن نجاح التجربة الفدرالية في شمال العراق جعل الأمل في الدولة الكردية الكبرى قاب قوسين أو أدنى حسب الضن الكردي بسبب الميول والتوجه القومي لحكومة إقليم كردستان والداعية والمطالبة دوماً بالدولة الكردية الكبرى.

2. ترى تركيا أن العمل العسكري ضد الكرد يمكن أن يجهض النجاحات الكردية في كردستان العراق والقضاء على بوادر التنمية الاقتصادية والعمرانية سيما وأن الساسة الأكراد باتوا مشروعاً صريحاً لاستقطاب تركمان كركوك الغنية بالنفط وذو الأصول التركية تمهيداً للاستفتاء المزمع إجراءه حسب بنود المادة (140) من الدستور العراقي الحالي وهذا بحد ذاته أمراً يدفع تركيا لتعويق التنامي والتكامل الكردي باعتبار أن تركمان كركوك يشاطرون الأتراك في سوسيولوجيتهم، ناهيك عن كون مدينة كركوك تعد من أخصب مناطق العراق نفطياً وهذا أمراً يدعوا الى ازدياد المطامع والمطامح الدولية لأن النفط بات من أول وأهم المغريات السياسية والاقتصادية. وبذلك فإن تركيا أرادت أكثر من معنى من خلال رسالتها في استعداءها للأكراد بل وحتى شنها للهجوم العسكري، ومن هذه المعاني :

أ. محاولة تصفية القيادات الكردية وبالأخص قيادات حزب العمال الكردستاني وقيادات حزب بيجاك الكردستاني المتواجدين في شمال العراق وشمال غرب إيران وشمال شرق سوريا والذين تعدهم أنقرة الداينمو المحرك للتمرد الكردي في جنوب تركيا باعتبارهم قاعدة لانطلاقة للمسلحين الأكراد في تركيا.

ب. أرادت تركيا توجيه رسالة الى من يقف ويدعم الأكراد ويمدهم بالعون المادي وحتى الغطاء الدولي الشرعي من قبل بعض المنظمات الدولية تحت مدعاة حقوق الأنسان وحق تقرير المصير.

جـ. تقليص الاقتصاد الكردي وإضعافه باعتباره مصدراً ممولاً للجماعات الكردية المسلحة كما وأن ذلك الازدهار الاقتصادي يؤثر سلباً على الاقتصاد التركي لأن الكرد يسعون الى تغيير سوقهم باتجاه الغرب وفقاً لتحالفات سياسية دولية مرحلية.

د. الشعب التركي والمؤسسة العسكرية التركية وبالتحديد بعد فوز الإسلاميين في حزب التنمية والعدالة باتوا في توجس وريبة من أن تكون تركيا ملاذاً أمناً ومخصباً وثير لحواضن معدة لخدج تنظيم القاعدة فتوجيه ضربة أستباقية الى الأكراد هو رسالة من المؤسسة العسكرية دلالتها ان تركيا أولاً كما وأن تركيا قادرة على ضرب أي علامة تمرد وهي جادة جداً في ذلك  ناهيك من أن الرسالة العسكرية التركية ( من خلال الهجوم العسكري ضد مقاتلي حزب العمل الكردستاني ) في اغلب فصولها موجهة لرئاسة الحكومة والجمهورية باعتبارهم إسلاميين على عدم التهاون مع ملف الإسلاميين المتشددين من تنظيم القاعدة في كردستان وأنصار الإسلام وهو أمراً اقل ثمراته أنه يعيد المجد لجنرالات المؤسسة التركية بعد أن سحب من تحتها البساط  بفوز الإسلاميين.

لذا فأن تأريخ تركيا حاضراً بمشاهد مؤلمة كانت قد مورست من قبل الجماعة الكردية المسلحة وليس من الحكمة أن تسمح أنقرة بكسر الجرة في كل مرة، فذاكرة الأتراك ما زالت تحتفظ  بصور الهجوم الذي شنه الأكراد في ديار بكر والذي راح ضحيته ( 312 ) سائح تركي وأجنبي والذي كلف تريا كساداً سياحياً، ثم أن التمرد الكردي كان مسوغاً لعدم سيطرة الأتراك على الكثير من عوائد الحركة الاقتصادية والسياحية في جنوب تركيا.

 لذا فأن الأتراك يعتقدون جازمين بأن حزب العمال الكردستاني بل وحزب الحياة الحرة وكل الأحزاب الكردية العراقية والتركية والسورية والإيرانية  بصورة عامة توسعيون أكثر من اللازم ناهيك عن الأيديولوجية التي يتسم بها حزب العمال ذو النزعة الماركسية اللينينية التي لطالما وصمته أنقرة بأنه ممول من جهات مشبوهة وغير شرعية كالمافيا الدولية. كما وأن بعض الأحزاب الكردية الأخرى تراهم أنقرة بأن لهم مصالح خاصة يسعون الى تحقيقها حتى لو كان على حسان تركيا الأم.

2. فارس :

تعد الحضارة الفارسية من أعتق وأعمق الحضارات في المنطقة وأن أصطبغت مؤخراً بالصبغة الإسلامية الا أنها ما زالت تحن وتتحين تلك الإمبراطورية التي لطالما تمتعت بالعلمية والثقافية والدينية.

يتواجد الكرد على حافات هذه الأمراطورية في حدودها الغربية والشمالية الغربية، وهم أكثر ميلاً للعراق من ايران بسبب التداخل الجغرافي بين البلدين، وبكثافة سكانية تصل الى ( 7000000 ) ملايين كردي،  لذلك وبسبب ميل الكرد الأيرانين وهم يعيشون في ظل دولة أسلامية بحتة الى أكراد تركيا وأكراد العراق كان سبباً كافياً ومقنعا لحكومة طهران في تحجيم أكرادها وأختزالهم وهذا أمراً لم يأتي من فراغ بل نتيجة طبيعية للطموحات الكردية ذو النزعة الأنفصالية غير المشروعة حسبما تراه طهران ناهيك عن أن رغبات الكرد الإيرانيين باعتبارهم من عروق سنية ومعظمهم ذو ميول ماركسية  وهذا أمراً لطالما أرق طهران بسبب المخاوف من استقطاب الأكراد الأيرانيين ديموغرافياً وجغرافياً من الروس الشيوعيين او من قبل الإسلاميين الشيشان ذو النزعة المتطرفة وهما ايدولوجيتين في غاية التناقض مع طموحات ايران كدولة إسلامية شيعية.

        لذلك وكخطوة أستباقية سارعت طهران بعيد انتصار الثورة الأسلاميية فيها الى الحد من طموحات اكرادها من خلال المنع العلني الذي مورس ضدهم في كتابة الدستور الإسلامي الجديد الذي كتب بعيد الثورة الإسلامية فيها، ناهيك عن الموقف السلبي الذي اتخذته طهران من وراء منع القيادي الكردي المعروف قاسملو والحد من نشاطاته وفعالياته السياسية ومن غير أن تحاول  استقطاب الكرد بل واجهتهم سياسياً بمنع الحزب  الديمقراطي الكردستاني والحزب اليساري ( كومه له ) وعلى الرغم من تدويل الأكراد الأيرانيين لقضيتهم مستفيدين من انشغال طهران بالحرب العراقية الإيرانية فلم يتغير الموقف الرسمي منهم الا في أيام الرئيس خاتمي ـ باعتباره أصلاحي ـ  بعد أن سمح ولأول مرة بتنصيب محافظ كردي لمحافظة كردستان كما وانه ـ أي خاتمي ـ كان قد سمح بتشكيل الأحزاب الكردية كحزب الإصلاح الكردي ومنظمة الدفاع عن حقوق الكرد ولكن ذلك تحت رقابة مشددة من الأجهزة الأمنية الإيرانية.

 ومع ذلك ولأن الكرد الأيرانيين هم أكثر أندفاعاً نحو التمرد حسب الرواية الإيرانية فرغم الضمانات والتسهيلات التي قدمتها حكومة خاتمي الإصلاحية فوجئ الرأي العام الإيراني والدولي على حداً سواء باستقالة ستة نواب كرد من البرلمان الإيراني تحت مدعاة التهميش والإقصاء فجاء الرد الرسمي في حينها بما مدلوله الاستفهام عن أي إقصاء وأي تهميش يتحدث الكرد الأيرانيين وهم في نيابة البرلمان الإيراني وهم بذلك يثبتون بأنهم ليس أهلاً لذلك.

وتاريخيا فأن ان الموقف الإيراني السلبي ضد الأكراد لم يأتي من فراغ فلطهران ذكريات مرة حسبما تراه من أكرادها ففي عام 1946 حيث أقام الأكراد جمهوريتهم المهاباد التي سرعان  ما وئدت بعد شهور من ولادتها بتعاون إيراني سوفيتي في حينها، ووصولا الى أحداث مقتل قاسملو وشوان الذين كانا  ردة فعل طبيعية للمخاوف الإيرانية من أعادة الأكراد كرتهم الثانية في الوصول الى مراكز متنفذة في الحكومة.

     ثم جاءت مرحلة الحرب العراقية الإيرانية التي طالما كانت طهران توصم اكرادها بأنهم خونة بعد أن ثبت للقاصي والداني تعاونهم مع حكومة بغداد في حينها بدلالة ما أثير في حينها عن عمالة الناشط الكردي الإيراني شوان قدري لحكومة بغداد، كما وأن بعضاً من الأحزاب الكردية الإيرانية ثبت يقيناً بأن لها توجهات وارتباطات إرهابية وعلاقات إستخباراتية عسكرية دولية ومنها كمثال لا الحصر حزب الحياة الحرة الذي قتل قرابة (130 ) إيراني بعد ستة أشهر فقط  من تأسيسه بدعم من اللوبي الأسرائلي حسبما أعلنته طهران وقتئذ.

    وبذلك فقد غير الكرد الأيرانيين أساليب عملهم بعد إحداث حزب الحياة الحرة وبالتحديد بعد فرض ما يسمى بـ ( الملاذ الأمن ) من فرض حضر الطيران على شمال العراق كعقوبة ضد نظام صدام مما أعطى دفعاً معنوياً لاستقلال إقليم كردستان العراق وهذا بدوره رفع من معنويات الكرد الأيرانيين في طرح طموحاتهم باعتبار أن كردستان العراق كانت لهم تجربة رمزية ناجحة يمكن ان يحذوا حذوها وبالتالي تحقيق مكاسب وغنائم سياسية وثقافية على غرار ما حصل عليها جيرانهم الأكراد في العراق وبالتالي يرى الأكراد في ايران ان من حقهم استخدام كل الوسائل بما في ذلك العسكرية وصولاً لتحقيق مأربهم في الحصول على وزارة او نيابة برلمانية وحقوق ثقافية.

    وما أن تسنم المحافظون سد الحكم في طهران عادت مظاهر التوتر بين الطرفين مما دفع طهران الى عقد قمة أمنية مع تركيا داعية بذلك الى ضرورة التحرك السريع ومكافحة التمرد الكردي ومؤخراً كانت لطهران موقف صريح وواضح ضد حزب العمال الكردستاني الذي تراه طهران تنظيماً ارهابياً وهذا ما أعطى دافعاً لطهران في قصفها لمواقع حزب العمال الكردستاني وغيره من الأحزاب والحركات الكردية غربي ايران وشرقي العراق ناهيك عن موقفها الأخير في تقديم مساعدات لوجستية وتعبوية بل وإعلامية مضادة للكرد بصورة عامة وموافقة لموقف انقرة وبغداد ودمشق.

    وترى إيران بأن القصف الإيراني لمقرات وجيوب حزب العمال الكردستاني يدفع الى تقلص نفوذ الكرد الآخرين في ايران وعدم أستقواءهم باعتبار أن طهران جادة في قمع أي تمرد ذلك من جهة، ومن جهة أخرى ترى طهران ضرورة التحرك العسكري من قبل بغداد وطهران ضد التمرد الكردي حماية لأنفسهم ودفعاً للأكراد وجرهم الى الساحة التركية بما يعطي صفة شرعية للحرب التركية ضد الأكراد من غير أن يصطبغ الصراع بصبغة دولية ويبقى شأناً تركياً داخلياً وبذلك فأن ايران تغير من نهجها السابق أيام الشاه الذي كان يمد الأكراد في حركاتهم الأنفصالية سواء في تركيا او في العراق بل وحتى في سوريا أحياناً ولو بشكل سري.

    ويرى المتتبع للقضايا الدولية بأن الساسة الأيرانيين أرادوا ان يفهموا الساسة الأتراك من ضرب الأكراد في جبال قنديل بأن ايران تشاطر تركيا في مخاوفها من التوسعية الكردية والتمرد الكردي وبذلك فأن المرحلة تتطلب تحالفاً سياسياً بين البلدين ( سيما وأن الجهاز الحاكم في تركيا بات اسلاميا لا علماني وهو الأقرب الى النظام الحاكم في طهران ولو من جهة الدين لا المذهب ).

    ولا ننسى الإشارة الى ان ايران ( وهي تمر بأحرج فترة مع المجتمع الدولي على أثر ملفها النووي ) حاولت تحقيق مكاسب سياسية مستفيدة من تشنج الوضع في كردستان العراق وجنوب تركيا بما يعطي انطباعا دولياً سلبياً على الأكراد باعتبارهم توسعيين ووصوليين على حساب القضية الوطنية الإيرانية وهذا ما شجع ايران على شجب واستنكار تصريحات الساسة الكرد وهي

بذلك ـ واقصد ايران ـ ضربت أكثر من  عصفور بحجر واحد الأول هو إثبات موقف مع تركيا والعراق بما يفك شيء من العزلة الدولية المفروضة على طهران والثاني تقليص النفوذ الكردي في ايران والثالث كسب الود العالمي على أن ايران باتت ترفض لغة السلاح والتمرد الذي يستخدمه حزب العمال الكردستاني الذي سبق وأن أدرج ضمن لوائح الجماعات الإرهابية الى الساحة التركية بما يعطي صفة شرعية للحرب التركية ضد الأكراد. لذا فأن الملف الإيراني ضد الأكراد له أكثر من مغزى ومعنى ومنها :

1. أن طهران أرادت أن تكسر حالة الجمود في علاقاتها الدولية التي تقلصت أن لم نقل تشنجت  مع الكثير من الدول بناءاً على ضغط الولايات المتحدة الأمريكية ضد ايران وتضامناً مع صدام حسين في حربه ضد ايران ومن هذه الدول مثلاً تركيا والأردن ومصر ودول الخليج فالموقف الإيراني المضاد للأكراد قطعاً سيفتح افقاً رحبة للدبلوماسية مع انقرة وإصدقاؤها تحت ذريعة الاشتراك في محاربة الإرهاب الدولي.

2. بعد أن أقرت الولايات المتحدة بأن حزب العمال الكردسيتاني منظمة إرهابية أرادت طهران أن تشاطر واشنطن في هذا الرأي بما يخفف من النقاط الخلافية بين الدولتين.

3. للموضوع ابعاداً اقتصادية لها صلة بحجم التبادل التجاري والصناعي بين كل من طهران وأنقرة وبالتأكيد فأن طهران لا تريد أن تنهي هكذا مشاريع على حساب المجاملات السياسية لبعض الأحزاب الكردية الصغيرة.

4. ان لطهران روحاً انتقامية بناءاً على الماضي الدموي الذي مورس كردياً في محافظة كردستان الإيرانية ضد الجيش الإيراني بعيد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ولأكثر من مرة بما شكل رأي إيرانيا عام ضاغط على الحكومة الإيرانية ومطالب في إستأصال الملف الكردي الذي بات شبح يرعب الكثير من الجنود الأيرانيين خصوصاً مما يدعون بحرس المخافر الحدودية.

3. العرب

        يشكل العرب أكثر من جبهة مجاورة لأكثر من حضارة، فمن جهة يحاذي العرق كل من تركيا وإيران، ومن جهة أخرى تحاذي سوريا تركيا، مما ولدّ لدى العرب مخاوف وهواجس من هذه الدول بناءاً على كثافتها السكانية ومساحته الواسعة إذا ما أرادت هذه الدول التوسع على حساب الأراضي العربية سيما وأن الماضي يذكرنا بخضوع الدول العربية هذه الى حكم هذه الإمبراطوريات ( الفارسية و العثمانية)، ذلك من جهة ومخاوف وهواجس من الكرد الذين يقطنون في أراضي سوريا والعراق باعتبارهم يشكلون ثقلاً لا يهمش في هذه البلدان إذا ما أختار الكرد الخيارات العسكرية مما دفع العرب الى توثيق علاقاتهم بروابط اقتصادية وسياسية ذات بعد إستراتيجي هادف كضمانة لهم من توتر العلاقات مع ايران وتركيا.

أ. العراق :

      يشكل أكراد العراق قرابة 6000000 ملايين كردي يقطنون بالكامل ثلاثة محافظة هي كل من ( اربيل ودهوك والسليمانية ) ولهم بقية باقية في كل من كركوك وديالى وصلاح الدين، وعلى الرغم من أن الأكراد العراقيين يعدون من أثرى الأكراد في المنطقة تحقيقاً لأهدافهم بناءاً على مكاسبهم في الحكم الذاتي الذي أقر أيام الرئيس احمد حسن البكر، الا أن كرد العراق باتوا أكثر رغبة في تطوير طموحاتهم وتحريك أهدافهم نحو أهداف أكثر وأخصب مما دفعهم الى تشكيل أفواج مسلحة سميت من قبل المؤسسة الإعلامية العراقية في الثمانينات ب( العصاة المتمردين ) الذين كانت لهم عمالة مزدوجة لأكثر من طرف بل وأكثر من طرفين ولما كان العراق يحكم بآلة من الحديد والنار من حكم صدام حسين الذي حاول السيطرة بكل الوسائل على التحركات الكردية وأختزالها ولو دموياً، فبدءاً من الأتفاقية المعقودة بين بغداد وأنقرة أيام صدام حسين التي تسمح للقوات التركي بالتوغل لأكثر من (30 ) ميلاً في عمق الأراضي العراقية لملاحقة المتمردين الأكراد حسب نص الأتفاقية والتي يصر الأتراك على نفاذها حتى الآن في حين ترى حكومة  بغداد الحالية بأن الأتفاقية لاغية بانتفاء الموضوع والأشخاص.

    إما في الوقت الحاضر فأن ملف الكرد العراقيين من أعقد الملفات التي تواجه الحكومة العراقية الحالية سيما وأنه يضيف عبأ أمنياً عليها مما دفع حكومة السيد المالكي الى عقد اتفاقية أمنية بتوقيع وزيري الداخلية لكلاً من العراق وتركيا تبيح للأخيرة ملاحقة مقاتلين حزب العمال الكردسيتاني الإرهابي حسب نصب الأتفاقية بمشروطية التنسيق مع حكومة بغداد.

     لذا فأن المتغيرات الأخيرة في العراق باتت تتطلب موقفاً صريحاً يسمح للعراق بلملمة أوراقه المتناثرة ومنها الورقة الكردية التي يراها العراقيين العرب والقوميين بالتحديد بأنها متمردة من خلال سيطرة الحزبين الكرديين على شمال العراق سيطرة مطلقة ذات أيحاءة انفصالية أكثر منها توائمية، ناهيك عن تواجد مؤسسات عسكرية خاصة بالكرد تحت طواعية حكومة الإقليم وليس القيادة العامة للقوات المسلحة في العراق وهذا بحد ذاته يشكل خرقاً للفدرالية الإدارية المتفق عليها دستورياً مما يؤكد المخاوف العربية في العراق من النزعة الأنفصالية الأستقالالية التي يتحرك بها الكرد في شمال العراق وبالتالي الترويج كردياً الى ثقافة المد القومي الكردي التي باتت تعمل على الانفصال وقيام دولة كردستان مما وفر دعماً قومياً وسياسياً لحزب العمل الكردستاني من قبل أكراد العراق والذي جعل المشروع برمته يؤرق الساسة العراقيين حتى الشيعة فضلاً عن السنة الرافضين اصلاً مبدأ الفدرالية جملة وتفصيلا ً

    لذلك فأن بغداد ترى أن سلوكيات حزب العمال الكردستاني ( الذي يراه الكرد الشرارة الأولى لقيام الدولة  الكردية الكبرى ) تؤثر سلباً على العلاقات الإقليمية ويمكن من خلاله أن تدان بغداد بحجة عدم مراعاتها للقانون الدولي فجاءت هذه الاتفاقيات بين البلدين ( تركيا والعراق ) بإعتبارها صادرة من حكومة مركزي دستورية تؤكد مبدأ حسن الجوار.

    والحقيقة تقال فأن الحكومة العراقية قد سعت من خلال الاتفاقات والزيارات والملفات المشتركة الى تعزيز سلطتها المركزية كونها هي المسؤولة مباشرة عن علاقات العراق الدولية مما أثار حفيظة الكرد المتطلعين الى كيان مستقل.

     لذلك فأن إصرار بغداد على موقفها السلبي بل وتهاونها في حماية الكرد له عدة دوافع حسب رؤية بغداد الإستراتيجية :

1. إشعار الأكراد بالخطر التركي وأن فكرة استقلالهم غير مجدية وغير عقلانية ولو في الأمد القريب لأنها غير كافية في حمايتهم سيما وأن تمردهم على فكرة الفدرالية أعلن عن حقيقة نواياهم مؤكدة على ان الساسة الأكراد ما زالوا في طور النضوج السياسي بل وأن الخطوط العريضة للكردية كسياسة قومية ما زالت غير واضحة المعالم.

2. إشعار الأطراف العربية بأن العراق ما زال عربياً قومياً وأن كان له أكثر من واجهة ذات قومية كردية ( رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية ) سيما وأن للعرب عن طريق جامعة الدول العربية موقفاً مضاد مع أكراد العراق وملفهم العام.

3. أرادت بغداد أن ترسل رسالة الى أنقرة مفادها بأن بغداد مستعدة للتعاون مع الأتراك للتخلص من التمرد أياً كان سيما وأن التمرد الذي يضرب باقي المدن العراقية كافي لأن يثقل هم الحكومة الحالية فهي غير قادرة على فتح جبهة أخرى إذا ما توسع الإرهاب العمالي في شمال العراق او إذا جوبه عسكرياً من تركيا.

4. أرادت بغداد اختزال الموقف الكردي الذي بات يبالغ في صلاحياته وطموحاته وبالتالي إشعار الكرد بضرورة التشاور مع الحكومة المركزية قبل الشروع في أي موقف باعتبارهم ما زالوا تحت علم العراق وتحت اسمه وهذا يحتم عليهم احترام تلك السيادة والولاية.

5. بسبب كون بغداد ما زالت تدفع ضريبة وجود منظمة مجاهدي خلق والتي قطعاً قد فوتت على بغداد الكثير من المصالح والمغانم لا أقلها هو استمرار الوضع تردياً في بعض المحافظات الوسطى مثل ديالى وصلاح الدين فهذا يحتم من بغداد ان لا تعيد الخطأ ثانية بالسماح لتواجد مقاتلي حزب العمل الكردستاني بل وأن رؤى وتوجهات حزب العمال مثلاً وغير من الأحزاب الكردية التي اتخذت من السلاح طريقة للتعبير عن صوتها هي حسب الرؤية في بغداد لا تستحق التعاطف معها.

6. أن بغداد كانت قد حسبت القضية حساب رقمياً بعد مقارنة الفوائد والنتائج الايجابية سواء الاقتصادية او السياسية او العسكرية من كل من تركيا مرة وحزب العمال مرة أخرى فكانت كفة الحفاظ على تركيا حليفاً استراتيجيا هي الراجحة على حساب كفة التمرد الكردي. 

ب. سوريا

يقطن ما يقارب ( 2000000 ) مليون كردي في سوريا من سكان ما يسمى كردياً بكردستان الشرقية في حين سورّياً يدعون بالجزيرة، وتاريخيا ان دمشق كانت قد توجست كثيراً من الأكراد بسبب علاقاتهم السرية البعيدة عن الطرق الرسمية الدبلوماسية مع أكراد تركيا والعراق وإيران  مما سوغ لدمشق في عام 1962 وبعد الإحصاء السكاني الى عزل الجبهات المتمردة بمدعاة اللاجنسية.

ومن ثم وبالتحديد في عام 1966 كان ـ والرواية كردية ـ  مبدأ التعريب الذي ضرب بعض المحافظات الشرقية لسوريا. ثم وكرد فعل على الحملة التطوعية التي قام بها أكراد سوريا للتطوع مع صفوف الأكراد العراقيين إبان أزمتهم مع بغداد عام 1975 كانت شرارة أولى لتوتر العلاقات السورية العراقية. التي كلفت الاقتصاد السوري والسياسة السورية الكثير الكثير. وقد زاد الوضع سوءاً بعد أحداث قضية ملعب كرة القدم في القامشلي عام 2004 بين فريق عربي من دير الزور وأخر كردي من القامشلي التي سرعان ما تحولت الى مواجهات عسكرية انتهت باعتقال الآلاف من ألأكراد بعد أن قيد الموضوع بعنوان (( حركة داعية لانفصال جزء من الوطن )). وأخيرا كانت وثيقة ( كردستان الكبرى ) التي وزعت في سوريا بعيد سقوط النظام العراقي عام 2004 مفترق طرق وطلاق بائن بين الحكومة السورية والكرد السوريين باعتبار أن دمشق كانت قد قرأت الوثيقة من وجهة الجهود الكردية السورية الهادفة الى الانفصال بناءاً على ما جاء في أحدى بنود الوثيقة من مطالبة الدول الإقليمية بتأسيس البيت الكردي وتدويل القضية الكردية وخصوصاً قضية أكراد سوريا مما ولد حنقاً دوليا على سوريا زاد الطين بلة.

كانت سوريا ولا زالت حليفاً إستراتيجياً لتركيا منذ أيام الرئيس حافظ الأسد وأن كانت قبل ذلك وجود تعاطف لا بأس به من السوريين ايام القوتلي وغيره مع الأكراد، وما قضية عبدالله أوجلان الا واحدة من أهم مفاصل العلاقة السورية التركية، فبعد طرد سوريا لأوجلان كانت الرسالة الدمشقية التي حملها زاجل وزارة الداخلية السورية الى أنقرة في طرد كل القادة الأكراد وهذه العملية كانت بمثابة كعكعة المصالحة بين البلدين سيما وأن العلاقات بين البلدين كانت على أسوء ما يكون بل ووصلت أكثر من مرة حد الصراع التركي السوري على بعض الناطق الحدودية فجاءت قضية أوجلان بمثابة عصر جديد من العلاقات الطيبة وحسن الجوار، ومن ثم جاءت الزيارات الرسمية وعلى أعلى المستويات إيذانا بأن البلدين باتا حليفين إستراتيجيين.

   كل تلك الأحداث والوقائع كانت دوافع مقنعة لدمشق في ان تنتهج النهج الحاد حيال الملفات الكردية وبالتحديد ملف حزب العمال الكردستاني.

جاءت اتفاقية أضنة الأمنية التي تحظر أي نشاط كردي على الأراضي السورية بعد أن أدركت دمشق أن انقرة بقرة حلوب، وبعد ذلك جاء الموقف الرسمي السوري الحالي الذي شرعن لتركيا الى  دخولها الى العراق بل وشجعها على ذلك تحت دواعي حق الجيش التركي في الدفاع عن بلاده من التمرد الكردي لذلك فأن الموقف السوري وبالتحديد رسالة الرئيس بشار الأسد كانت لها أكثر من معنى ومنها :

1. الدعوة الصريحة الى زيادة الاحتقان والتوتر في المنطقة بما يشتت النظر الغربي عن سوريا  باتجاه ملفات أخرى كإيران وتركيا ودار فور.

2. تأكيد العداء السوري الكردي المتولد منذ حركة الناشط الكردي القيادي في حزب العمال

الكردستاني  مصطفى طاب الذي خذلته سوريا بعد أن قاد تمرداً كردياً على دمشق وأد لحظة انطلاقته.

3. أرادت دمشق أن تعطي تركيا رسالة مفادها بأن دمشق مستعدة أن تضحي بأكرادها حفاظاً على الأواصر الإستراتيجية بين دمشق وأنقرة.

4. كما وأن دمشق أرادت ان تفهم أنقرة بأن تحالفها مع إسرائيل عام 1996 هو تحالفاً غير إستراتيجي قياساً مع التحالفات مع الدول العربية كسوريا والعراق بسبب تشاطر هذه الدول مع تركيا في وحدة الموضوع ( حركات انفصالية كردية ـ وحدة مياه ـ اقتصاد ـ ضغوط دولية) وهذا يعني ـ حسب الرواية السورية ـ بأن دمشق أكثر خصوبة من تل أبيب بالنسبة لأنقرة وعلى أنقرة أن تعيد النظر في المعادلة الدولية.

4. الكرد

     يعتبر الكرد أمة ذات أصول ضاربة بعمق التأريخ، ويرى الأكراد بأن أصولهم تعود الى أكثر من 1750 قبل الميلاد، وبالتالي فهم أعرق وأقدم حضوراً وحضارة من العرب بل وحتى الفرس، وقد سكنوا أجزاء متجاورة في كل من العراق وتركيا وسوريا وإيران، كما وأنهم يتواجدون ولو بإعداد قليلة في جنوب غرب أرمينيا وأذربيجان ولبنان.

      ينحدر المجتمع الكردي من طبقتين من الشعوب، الطبقة الأولى تسمى شعوب جبال زاكروس، في حين أن الطبقة الثانية تدعى طبقة الشعوب الهندوأوروبية.

     يقدر عدد الأكراد في العالم بحوالي 50000000 مليون نسمة وبالتالي فهم يعتبرون أنفسهم من أحدى أكبر القوميات التي لا تمتلك وطنا أو كياناً سياسياً موحداً معترفاً به عالمياً. كما ويرى الأكراد بأن مشكلتهم قد تفاقمت     ووصلت إلى قمة الظلم منذ الحرب العالمية الأولى عندما أتخذ محور الحلفاء بعد نصرهم على ألمانيا قراراهم المجحف بتقسيم الكرد الى أربع دولاً متجاورة هي كل من ايران والعراق وسوريا وتركيا بدلاً من مساعدتهم في تحقيق طموحاتهم بتكوين دولتهم القومية وتهميشاً لمعاهدة سيفر الخاصة بحق تقرير المصير بادر الحلفاء وحسب اتفاقية لوزان الى تقسيم كردستان الى هذه الأقاليم الأربعة مجهضين بذلك أحلاماً وردية للكرد في كل بقعة يمكن ان تحتوي أكراداً. مما ولد ردة فعل لهذا التقسيم حيث يرى الأكراد بأن الدول التي يتواجد فيها الأكراد او التي اقتسمت كردستان بأنها دولاً محتلة ولطالما كان الكرد يعانون من الشوفينية وأساليب القمع ومصادرة الحريات التي تقوم بها هذه الدول حسب الرواية الكردية.

    وفقاً لخطة ممنهجة، سعى الكرد الى تفعيل مطالبهم في احتضان استراتيجي موحد، والسعي الى تنظيم البيت الكردي من أجل جمع الأحزاب السياسية الكردية المختلفة وكذلك القوى والمنظمات الكردية وتنسيق العمل الاستراتيجي بينها لتأسيس أجندة وطنية كردية موحدة تكون مسعى لهم وللأجيال التي تأتي من بعدهم وصولاً للاستقلال.

       فكم من وثيقة وبرنامج ومقرر قد أقر من خلال التجمعات الكردية الساعية دوماً الى تفعيل قضيتهم على مختلف الأصعدة، بل وبناء علاقات حميمة مع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية خصوصاً الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة وكذلك الدول الإقليمية والدول ذات السطوة الدولية. بل ويسعون الى التأثير على المجتمع الدولي لضمان الحماية الدولية لظهور الدولة الكردية الفدرالية عن طريق تضخيم المظلومية التي يمرون بها على اعتبار أن إقامة كردستان مستقلة محمية من المجتمع الدولي سوف تضمن الا يكون الشعب الكردي عرضة للإبادة او الانتهاكات الخطيرة في حقوق الأنسان في المستقبل كما حصل لهم من الحكومات التي يتواجدون على أراضيها حسب ضنهم.

      يرى الأكراد بأن تحقيق تقرير المصير أمرا يحتاج الى العمل الدءوب وفقاً لجملة إستراتيجيات مختلفة وسيناريوهات وخيارات متعددة بناءاً على خصائص كل جزء من كردستان وحسب الظروف المتاحة لهم.

     من الجانب التركي، يرى أكراد تركيا بأن الحكومات التركية كانت قد مارست معهم شتى الانتهاكات بدءاً من تبني أتاتورك نهجاً سياسياً يتمحور حول إلزام الأقليات العرقية المختلفة في تركيا ومنهم الكرد باستخدام اللغة والثقافة التركية حصراً ( تتريك المجتمع الساكن في تركيا )، وكذلك منع الأقليات العرقية من تأسيس الأحزاب والمنتديات الجامعة لقومياتهم ومنعهم من استخدام لغتهم وإلا عد العمل فعلاً جرمياً جنائياً.

    إما الاتهامات العسكرية فيرى الكرد بأن الحكومات التركية مارست معهم إبادات جماعية دمرت خلالها أكثر من ( 3000 ) قرية وقتل قرابة ( 4000000 ) إلف تركي وأعتقل مئات الآلاف من المواطنين الكرد والمئات من الشخصيات الكردية.

      كما يعتبر الكرد ان من مظلوميتهم في تركيا هو تطبيق السلطات التركية لقانون الطوارئ في الإقليم الكردي فقط. ومع ذلك والغريب بالأمر بأن الأكراد أول الساعين الى ضم تركيا الى الاتحاد الأوربية وقد يكون هذا الشيء الوحيد الذي لا يختلف فيه الأكراد مع الأتراك وذلك لأن الأكراد يعتقدون بأن انضمام تركيا الى الاتحاد الأوربي يوفر لهم أملاً في إقامة برلمان كردي في تركيا وكتلة برلمانية في الاتحاد الأوربية والمجموعة الأوربية بما يسمح لهم بتدويل قضيتهم باعتبار أن أهم مطلب لضم تركياً للاتحاد الأوربي تقديمها لضمانات عدم انتهاك حقوق الأنسان الكردي في تركياً كما ويتطلب الأمر خلو سلجها من الحظر السياسي أياً كان.

      سياسياً يرى الكرد أنهم الأكثر ظلماً ومنعاً من التعبير عن هويتهم السياسية كما ويرون بأن حزب العمال الكردستاني ( ذو النزعة المسلحة والذي يعتبر أولى علامات السلب على الحراك الكردي حسبما تؤكد المنظمات الدولية ) يراه الكرد بأنه دفاعاً عن النفس وحماية للحقوق الكردية من الافتراس التركي وما حدث لعبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني من مؤامرة عربية تركية ـ حسب الرواية الكردية ـ والحكم عليه بالإعدام الذي خفف الى النفي بعد الحركات البهلوانية التي قام بها الكرد في المنظمات الأوربية، ويعترض الكرد على تسمية حزب العمال الكردستاني بمنظمة إرهابية ويرون وكرد فعل على التشكيك بمصادر تمويلهم بأنها من تبرعات الشعب الكردي والشخصيات والأصدقاء العرب الديمقراطيين والأصدقاء الغربيين وشيء من الكمارك الناشئة من التجارة المارة بأراضيهم. في حين يراها الأتراك ناتجة من تسيير عصابات الابتزاز والعلاقات المشبوهة دولياً.

إما من الجانب السوري، فيرى الأكراد بأنهم قد ظلموا وتعسفت بحقهم السلطات السورية بدءاً من تعريب مناطق الجزيرة والحسكة والقامشلي بعد تأسيس الحزام العربي وبالتالي ـ حسبما يراه الأكراد ـ بأن حكومة دمشق ضربت الأكراد بطوق عربي يمنع تحركاتهم، في حين ترى دمشق بأن الأمر لا يعدو سوى تمييز السوريين ممن لا يحمل جنسية ( البدون ) او(حملة البطاقة الحمراء ) ودلالة على حسن النوايا السورية ما أشار إليه الرئيس بشار الأسد في أحدى كلماته مؤخر ما مفاده بـ (( ان القومية الكردية جزء من التأريخ السوري والنسيج السوري )) والحق يقال بأن أكراد سوريا قد عدوا هذه الكلمات تغييراً استراتيجياً في منهجية التعاملات السورية الرسمية معهم بعدما كانوا مواطنين بلا جنسية. وبعد ان تعرضوا الى سياسة التعريب وتجريد قرابة (120000 ) سوري من جنسيته، وللتذكير فأن الأمم المتحدة في قراراً لها عدت النظام السوري من الأنظمة الشوفينية بعد أن منع قرابة ( 240000 ) من الجنسية وبالتالي جواز السفر وهو أمرا أدى الى منع أي دولة من استقبالهم لعدم توفر الجوازات الخاصة بهم.

كما يتهم الكرد الحكومة السوري بانتهاز فرصة بناء سد الفرات فأعادت توزيع الأراضي الزراعية بعد سحبها من الكرد وتمليكها للعرب عوضاً عن أراضيهم التي غرقت، كما وأن السلطات السورية منعت تسمية المحال والماركات التجارية بأسماء كردية بل ومنعت المواليد الجدد من أصول كردية بتسميتهم أسماء كردية. وكذلك منع الأكراد من الوظائف الرسمية والقبول في كليات الطب والهندسة.

إما من جهة الحكومة السورية، فأن نشاطات حزب الاتحاد الديمقراطي والحزب الديمقراطي التقدمي كانت بذرة الخلافات مع الأكراد بعد وصمهم بالمتمردين وممن يريد ان يقتطع جزء من أراضي الوطن، وقد قرأت دمشق الأوراق الكردية جميعها خصوصاً بعد تأسيس اللجنة العليا للتحالف الديمقراطي الكردستاني.

جغرافياً، توجد مناطق متداخلة بين تركيا وسوريا، والحق يقال فأن الكثير من مقاتلي حزب العمال كانوا يلوذون بهذه الناطق إذا ما أحرجوا عسكريا في تركيا والعراق، وهذا أمراً لطالما استنكرته دمشق وطالبت الكرد بطرق دبلوماسية مرة وعسكرية أخرى في عدم التوجه الى هذه المناطق.

إما ملفات الزعيم عبد أوجلان، فأن القراءات السورية حوله تؤكد بأنه متمرد تركي يعتاش على الخلافات الدولية لدول المنطقة ومنها تركيا وسوريا، وبناءاً على اتفاقية ( أضنة ) بادرت دمشق الى طرد هذا المتمرد ـ والرواية سورية ـ وكان ما كان له من اعتقال في دولة أخرى.

إما الجانب الإيراني، فالأكراد في إيران يرون بأنهم يشاطرون إخوانهم في غير ايران بالقمع والإقصاء، ولا أقل من ذلك حسبما يرون الأكراد هو المنع المتعسف ضد الأكراد في كتابة الدستور الإيراني وعدوه أمراً خطيراً ذو دوافع سياسية ودينية مذهبية وقومية. ويرد الأكراد على الاتهامات الإيرانية حول التحالف الكردي مع النظام العراقي ايام الحرب العراقية الإيرانية بأنها فرية إيرانية يراد بها تسقيط الكرد في المجتمع الإيراني وتحشيد الرأي العام الإيراني والدولي ضدهم.

ويعتبر الكرد بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني حزب وديع لا يستخدم السلاح ولا يرتجي القوة نوالاً له إما حزب ( كومه له ) فهو حركة كردية غير واضحة المعالم وهم ـ أي الأكراد ـ غير مسؤولين عنها، وبالمناسبة فأن تحركات حزب ( كومه له ) كانت الأكثر دموية في طهران وقد كلفاتها المئات من مقاتليها إبان الحرب العراقية الإيرانية.

ومن ملفات هيئات حقوق الأنسان الدولية، يرى المتتبع لوثائق الأمم المتحدة بأن الهيئة قد أدانت في أكثر من قرار ما أسمته بـ ( تدمير القرى الكردية ) التي يعدها الأكراد قرابة ( 271 ) قرية كردية ضمن الأراضي الإيرانية.

وعلى الرغم من القناعات المفقودة لدى الكرد بالحكومات الإيرانية، الا أنهم يعدون حكومة السيد محمد خاتمي من الحكومات الأكثر تحرراً من النزعة الدينية والقومية الضيقة.

 بقي فقط قضية الناشط الإيراني شوان قدري الذي اتهمته ايران بالعمالة والخيانة، يصر الأكراد على اعتباره رمزاً قومياً لهم ويعبرون مقتله رسالة الى كل كردي أن مصيركم كمصير شوان في يوماً ما.

بقي فقط الجانب العراقي، الوضع الكردي في العراق غيره عن بلدان المنطقة، وذلك بسبب المكاسب التي حصل عليها الكرد في العراق من حكم ذاتي وجنسية كردية وحقوق ثقافية ومدارس بل وتؤكد الحكومة العراقية ايام صدام حسين بأنها درست مادة باللغة الكردية في المدارس العربية في كل إنحاء العراق وبذلك فأنهم الأكثر حضاً، إما الآن فأن وضعهم بات أكثر ازدهارا خصوصا بعد تشكيلهم لبرلمان رسمي ويشاطرون أخوانهم العراقيين في البرلمان المركزي ولهم تمثيل رفيع المستوى في الحكومة العراقية ورئاسة الجمهورية. وأبعد من ذلك لهم حقوق اقتصادية يأخذونها من موارد الخزينة المركزية مضافة الى مواردهم الخاصة.

ولا ننسى الاعترافات الرسمية بهم حتى على مستوى فتح سفارات وقنصليات للدول في إقليمهم وفتح ممثليات كردية في الكثير من البلدان.

ويتهم بعض الساسة العراقيين العرب إخوانهم الكرد بأنهم توسعيون وأنهم اخذوا أكثر من نصيبهم وبأنهم باتوا مصدراً لتشجيع التمرد في كل من تركيا وإيران وسوريا بسبب احتضانهم للحركات الكردية الأنفصالية في هذه البلدان مما شكل ذهنية لدى المجتمع الدولي مفادها بأن كردستان العراق باتت مرتعاً لكل المتمردين الكرد، ولا أدل من ذلك هو الإرهاصات الأخيرة التي قام بها حزب العمال الكردستاني ومن ثم سحب قواته الى داخل العراق، والحق يقال أن تواجد الجنود الأتراك المختطفين في تركيا ونقلهم الى شمال العراق لهو أمرا فيه أكثر من دلالة.

ومن نافلة القول بأن الكرد في كافة بقاع الأرض باتوا يأملون خير من كردستان العراق سيما وأنهم يسمونها العاصمة والتي يرجون ويأملون منها كثيراً في احتضان أحلامهم والعمل على تدويل قضيتهم سيما وأن اقرأنهم في العراق باتوا ذوي سطوة في العراق وتأثير في العالم بسبب المناصب التي يعملون فيها حالياً.

ومما يؤخذ على كرد العراق على قدم استقلالهم الذي بدء منذ فرض حظر الطيران في شمال العراق بعد حرب الخليج 1990، لم يستغل الكرد قضيتهم بدقة وانشغلوا في صراعات وجدالات داخلية بين الحزبين الرئيسيين، كما يؤاخذ عليهم احتكارهم ـ والرواية من داخل الكرد ـ للنظم السياسية وسيطرة الحزبين الكبيرين على القرار في الشمال. وهذا امراً قد يدفع غيرهم الى التمرد عليهم وتأجيج الخلافات الكردية ـ الكردية.

خلاصـــــة

تاريخيا وعملياً ثبت وجود شعب كردي قوامه قرابة ( 50000000 ) مليون نسمة، لهم أراضي غالباً ما تكون جبلية تمثل الجزء الجنوبي والجنوبي الغربي من تركيا والشمالي الشرقي من سوريا والشمالي من العراق والشمال الغربي من ايران ويضاف إليه شمال أرمينيا وغرب أذربيجان وشيء من لبنان، وبالتالي فهم وجود لا يفنى ولا يهمش، وهذا ما يفترض ان تتعامل معه الدول التي تتضمن أكرادا على أراضيها.

لذلك فأن هكذا أمماً يفترض إعطاءهم استقلالهم او على الأقل احتواءهم بالعيش الكريم ضمن المجتمع الذي يعيشون فيه، وإلا بقي الوضع كفتيل ينتظر شرارة. وبالتالي ولأن العالم يسير للخيارات الديمقراطية، فأننا نرى ضرورة أعطاء الكرد حقوقهم بالعيش الكريم واستخدام لغتهم وإعطاءهم الحق في تأسيس الأحزاب والتنظيمات السياسية كأي شريحة ضمن أي مجتمع. وبالتالي احتواء طموحاتهم بعد تذويبهم في المجتمع العربي السوري او العراقي او في المجتمع التركي او الإيراني كبديل لطموحاتهم في الاستقلال واحتواءهم ضمن أوطانهم لا قومياتهم.

 إما قضية الجماعات الكردية المسلحة فهي معلم خطير يشير الى وجود بذرة شريرة في نفوس بعض الكرد ومثل هذه البذرة يمكن تطويقها وفصلها عن الطموحات السلمية المشروعة من الكرد بل ولابد من إحراج الكرد في أبداء مواقفهم الصريحة من هكذا حركات.

ولابد ان يعمل الجميع على حلحلة البعد الوطني واختصار البعد القومي وبالتالي فأن الكرد لهم ثقافات وعقول يمكن أن يستفاد منها أي مجتمع يمكن ان يعيشوا فيه.

وما على الكرد أن يحدوا من طموحاتهم الأنفصالية باعتبار أن العالم كله ـ برغبته الخاصة أو بتأثير القوى الكبرى فيه ـ سائر نحو التقسيم والتجزئة لينال كل الأقليات حقوقهم وهذا أمراً قد يدفع الكرد الى الاستقلال الذاتي ضمن مجتمعاتهم سواء في ايران او تركيا او العراق او سوريا بل وحتى أذربيجان وأرمينيا عوضاً عن تجمعهم كقومية مستقلة.

لذلك يجب على المجتمع الدولي والدول الإقليمية العمل على تثبيط شريان القومية وتفعيل الحس الوطني أتقاءاً لشرور حرب قومية قد تكون منطلقاً لتحالفات قومية أكبر بما يؤدي الى اندلاع حرب عالمية ثالثة.

كما ويجب على الأكراد أن يأخذوا بنظر الاعتبار طبيعة المجتمعات التي يقطنونها، فمثلاً الظروف التي يمر بها العراق من نكوص امني هو بحد ذاته أمراً لا يشجع لإثارة هكذا ملفات وبالتالي فيتحتم على الكرد عدم استغلال هشاشة الوضع العراقي في الضغط على دول المنطقة.

إما في تركيا فأن قضية انضمامها الى الاتحاد الأوربي أمراً يعود بالفائدة الطيبة على المنطقة ومنهم الكرد وبالتالي فعلى الأكراد مساعدة تركيا في هذه الرغبة.

إما ما يخص الجماعات المسلحة كحزب بيجاك وحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني الإيراني وحزب كومه له الإيراني وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري وحزب الاتحاد الإسلامي الكردستاني أن تفهم بأن استخدام السلاح امراً قد يقوض مباني كردستان ومكاسبها في العراق، وما عليهم هو كسب الود العالمي والرأي العام والحصول على رغباتهم بطرق السم والحوار. لأن إثارة هكذا ملفات في فترة تعد مرحلة احتقان كوني بسبب القطبية المنفردة في العالم امراً قد يدفع الى تجييش المشاعر العربية والتركية والإيرانية بل والإقليمية ضد هكذا رغبات غير منطقية بسبب الزمن أولاً وأسلوب العمل ثانياً.

ولابد من الإشارة الى أن طموحات الكرد الغير معقولة ولو حالياً كحد أدنى أنما هي ردة فعل على حالة التهميش والإقصاء التي يعانيها الكرد في بعض البلدان، وبالتالي فحرمان الرد مثلاً من الجنسية ـ أي جنسية ـ لهو دافع الى الحصول عليها ولو بفكرة بعيدة المنال كفكرة الاستقلال وبالتالي العمل على تحقيق هكذا فكرة، والأمر نفسه ينسحب على فكرة التعريب التي مارسها النظام العراقي والنظام السوري والتي تستبطن فكرة محو الهوية الكردية والتذويب القسري لهم في مجتمعات بُني بنيهم وبينها حاجزاً نفسياً بسبب إيحاءات الأنظمة الحاكمة والمستبدة في بعض الدول.

ولابد أن تفهم حكومات البلدان التي يقطنها الأكراد بأن استخدام العنف والإقصاء والتهميش أمرا اقل أضراره هو تأسيس موقف من الجماعة الدولية والمنظمات العالمية بالضد من هذه الدول باعتبارها لاغية للأخر الذي يبدو من شخصيته لا يفنى ولا يمكن اختصاره بسبب عمق حضارته وكثافة سكانه ناهيك عن ان الكرد باتوا متمرسين في تمرير مظلوميتهم وطرحها بأسلوب أضخم مما هي عليه وهو امراً استفاد منه الكرد في السنوات الماضية.

كما ومن واجب هذه البلدان ـ وأقصد المتضمنة كرداً ضمن شعبها ـ أن لا تهمش ولا تسقط بنود القانون الدولي والمعاهدات والأعراف الدولية كحق تقرير المصير وحق العيش ضمن الشعب المختار وحق التنقل وحق استخدام اللغة والثقافة بل وابعد من ذلك حق الحصول على الجنسية او التنازل عنها طواعية لا كرها.

لذلك فأننا نرجح لغة الحوار كبديل الى حالات الاستثارة المسلحة، كما وأننا نرى بأن شعوب المنطقة كلها مهددة في أي حل غير حكيم مما يؤثر سلباً على العالم كله وليكن الحل العسكري أخر دواء قد يستخدمه إطراف الحرب القومية لأن الحروب القومية كما يبدو لي أكثر تأثيراً من الحروب الاقتصادية وحرب المياه وغيرها من الحروب العصرية بسبب أن القوميات بالتأكيد موزعة على الكثير من البلدان وهذا أمرا يدفع أبناء أي قومية لأن يثأروا لقوميتهم في غير موطن النزاع وبالتالي انتشار شرارات هذه النار لا قدر الله بسبب ألامتزاج والتزاوج الثقافي الذي وزع أبناء القومية الواحدة على أكثر من قطر ومصر في وقت بات فيه العالم كأنه برميل بارود.

* مركز العمل للدراسات الإستراتيجية

منظمة العمل الإسلامي

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22 تشرين الثاني/2007 - 11/ذوالقعدة/1428