امريكا بين فوضى المتشددين ودكتاتورية العسكر في باكستان

شبكة النبأ: في خضم الأزمة السياسية وترشيحاتها الأمنية في باكستان يبقى الهاجس الرئيسي الذي يؤرق الإدارة الامريكية هو احكام السيطرة الحكومية الباكستانية على المواقع النووية وكل ما يتعلق بها. وفي سبيل ذلك قدمت الحكومة الامريكية ولا تزال ملايين الدولارات من المساعدات على شكل معدات تكنولوجية واسلحة الغرض منها حماية تلك المواقع وضمان عدم تسرب اية مواد ومعدات تتعلق بالانشطة النووية.

ولكن ذلك لن يكون كافيا اذا لم تحسن الادارة الامريكية التعامل مع الجيش الباكستاني الذي يسيطر على تلك المواقع باعتباره الحامي الوحيد من خطر المتشددين الاسلاميين الذين لن يتوانوا في استخدام قوة التفاوض النووية في حال فوزهم في الانتخابات القادمة او سيطرتهم على الاسلحة النووية بشكل من الاشكال.

وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش انفقت نحو 100 مليون دولار خلال السنوات الست الماضية على برنامج سري لمساعدة الرئيس الباكستاني برويز مشرف على تأمين اسلحة بلاده النووية.

وقالت الصحيفة نقلا عن مسؤولين حاليين وسابقين في الادارة الامريكية ان هذه المساعدة اخفيت في بنود سرية من الميزانية الاتحادية واستخدمت لتمويل تدريب باكستانيين في الولايات المتحدة وبناء مركز تدريب نووي امني في باكستان مازال بعيدا عن طور التشغيل.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول سابق كان مشاركا في البرنامج قوله، كل شيء استغرق وقتا اكثر مما كان يجب. وانت لست متأكدا على الاطلاق مما انجزته فعلا.

وقالت الصحيفة ان الاضطرابات التي وقعت في الاونة الاخيرة والتساؤلات بشأن بقاء مشرف في السلطة أثارت نقاشا داخليا في الادارة بشأن هذا البرنامج.

وظهرت باكستان التي تواجه تنافسا اقليميا مع جارتها الهند المسلحة نوويا كقوة نووية في عام 1998 عندما اجرت ست تجارب تحت الارض.

وقالت الصحيفة ان معدات تراوحت بين طائرات هليكوبتر واجهزة للرؤية الليلية ومعدات كشف نووي سلمت لباكستان لمساعدتها على تأمين مواد خاصة بها ورؤوسها الحربية ومعاملها النووية التي كانت بـ"موقع اسوأ حالة انتشار نووي معروفة في العصر الذري."

وقال مسؤولون امريكيون انهم يعتقدون أن الترسانة آمنة في الوقت الحالي ويقبلون ضمانات باكستان بان الامن تحسن بشكل كبير على الرغم من احجام باكستان غالبا عن اعطاء تفصيلات بشأن كيفية او مكان استخدام المعدات.

وذكرت الصحيفة انها علمت بجوانب هذا البرنامج السري منذ اكثر من ثلاث سنوات من خلال اتصالات مع مسؤولين امريكيين وخبراء نوويين ولكنها امتنعت عن نشر ذلك عندما قالت ادارة الرئيس جورج بوش ان الكشف عنه قد يضر بالجهود الرامية الى تأمين الاسلحة.

وقالت الصحيفة إن البرنامج وضع موضع التنفيذ بعد هجمات 11 سبتمبر عندما ناقشت واشنطن تزويد باكستان بتكنولوجيا حماية نووية تعرف باسم "أدوات العمل الاختياري" الذي يحمي ضد أسلحة تتفجر من دون ترميز أو إذن مناسب.

غير أن إدارة بوش قررت عدم تزويد باكستان بهذه التكنولوجيا ووافقت بدلا من ذلك على أشكال أخرى من المساعدات حيث رأى بعض المسؤولين مخاطر من أن باكستان قد تحصل على معلومات أكثر من اللازم عن الأسلحة الأمريكية. كما قالت الصحيفة أن تحليلا قانونيا للموقف توصل إلى أن مساعدة البرنامج النووي الباكستاني حتى ولو بوسائل حمائية فقط سيعد انتهاكا للقانون الأمريكي والدولي.

وأضافت الصحيفة أن قائد جهود الحماية النووية الباكستانية الجنرال خالد كيدواي دأب منذ ذلك الحين على الاعتراف بتلقي مساعدات " دولية" كوسيلة لطمأنة واشنطن بأن البنية التحتية النووية الباكستانية آمنة.

وقالت تايمز إنها أبلغت إدارة بوش الأسبوع الماضي أنها ستعيد تناولها للبرنامج نظرا لانعدام الاستقرار الحالي في باكستان من جانب ولأن البيت الأبيض سحب طلبه لحجب المعلومات من جانب آخر بينما يواصل أيضا رفض مناقشة البرنامج.

ويمثل المبلغ الذي أنفق على البرنامج النووي السري وهو يقل عن 100 مليون دولار أقل من واحد بالمئة من المساعدات الأمريكية المعلنة لباكستان منذ هجمات عام 2001 والتي يقدر حجمها بنحو 10 مليارات دولار.

والبرنامج الذي صممته وزارتا الطاقة والخارجية اعتمد بصورة مكثفة على جهود جرت على مدى السنوات العشر الماضية لتأمين الاسلحة النووية ومخزونات الأسلحة ومواد أخرى في روسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق.

وصرفت معظم المبالغ المخصصة لباكستان على عمليات حماية مادية مثل إقامة أسوار شائكة وأنظمة رقابة ومعدات رصد للمواد النووية التي يمكن تهريبها.

وقالت الصحيفة إن مرحلة ثانية من البرنامج تناقش الآن إمداد باكستان بمزيد من المعدات والمروحيات وأجهزة السلامة.

الولايات المتحدة لا تملك خيارات لدرء خطر "كابوس" نووي في باكستان

وحذر خبراء من ان الولايات المتحدة عاجزة نظريا عن منع وقوع اسلحة نووية باكستانية في ايدي اسلاميين اذا ما خرجت الازمة السياسية الباكستانية الراهنة عن السيطرة.

ولهذا السبب يعتبرون ان واشنطن لا تملك خيارا الا ان تساعد في حل الازمة السياسية وان تبقي علاقاتها القوية مع النخبة العسكرية الباكستانية المقربة من الغرب سواء بقي الجنرال برويز مشرف في سدة الحكم ام رحل.

وقال دانيال ماركي المخطط السابق للسياسات الحكومية في جنوب آسيا لوكالة فرانس برس، ليس هناك من حل عسكري جيد على الاطلاق.

واضاف انه في حال استولى الاسلاميون على السلطة في باكستان فان الامر سيكون بالنسبة الى القوات المسلحة الاميركية اشبه "بكابوس مروع" اذا ما حاولت العثور على المواقع النووية الباكستانية وتأمينها بسبب نقص معلوماتها الاستخباراتية عن هذه المواقع في بلد ذات مساحات شاسعة مثل باكستان.

واضاف ماركي الذي كان سابقا مسؤولا في وزارة الخارجية الاميركية ويعمل اليوم في مجلس الشؤون الخارجية، ان نكون متأكدين من قدرتنا على ايجاد هذه المواقع هو برأيي امر غير واقعي.

وحذر من "سيناريو كابوس" مشيرا الى ضرورة اقامة علاقات جيدة مع الجيش كما هي الحال منذ اعوام. واضاف، علينا الا نخدع انفسنا بانه يمكننا التعامل مع باكستان من دون التعامل مع جيشها وهذا لا يعني ان علينا دعم ديكتاتور.

وحذر من انه اذا ما حاولت الحكومة الاميركية ان تتخلى عن مشرف فعليها ان تحذر من الا يؤدي عملها هذا الى الاطاحة بعلاقاتها مع المؤسسة العسكرية التي يقودها الرئيس الباكستاني مشيرا الى ان "هذا التوازن هو الصعب".

وقد يكون نائب مشرف في قيادة الجيش الجنرال اشفاق كياني الخلف البديهي له ولكن خبراء ابدوا تشككهم في ان يتم انتقال السلطة العسكرية بين الرجلين انتقالا سلسا حتى وان كان كياني يقيم علاقات مقبولة مع واشنطن.

لكن الجنرال مشرف الذي استولى على السلطة في 1999 في انقلاب ابيض واصبح حليفا رئيسيا للولايات المتحدة في الحرب على الارهاب بعد اعتداءات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر 2001 يشدد على ان ليس هناك ما يدعو الى القلق.

واكد مشرف في مقابلة مع اذاعة "فوكس نيوز" الثلاثاء ان السلاح النووي الباكستاني تحت "السيطرة الكاملة" لافتا الى تطبيق تدابير امنية مشددة تتعلق بهذه الترسانة النووية منذ عام 2000.

ومنذ فجرت قنبلتها الذرية الاولى في ايار/مايو 1998 اصبحت باكستان تمتلك 50 رأسا نووية بحسب التقديرات.

وبدوره شكك ليونارد سبيكتور نائب مدير مركز جيمس مارتن لدراسات منع انتشار السلاح النووي في معهد مونتيري للدراسات في كاليفورنيا في وجود خيارات عسكرية امام الولايات المتحدة في هذا الاطار.

وقال "فكرة اننا سنتدخل بطريقة او بأخرى هي احتمال مستبعد جدا".

واوضح ان الحكومة الاميركية تبحث حتى الساعة عن ضمانة من مشرف بان هرمية امرته العسكرية فعالة وثابتة في حال حصول انتقال في السلطة.

وقال "فقط اذا ما حصل انقلاب كامل في المجتمع ستكون هناك مشكلة. وحتى في تلك الحال اعتقد اننا سنجد اطارا عسكريا مواليا يحمي الترسانة النووية".

وقال اندرو كوش المحلل الامني في شركة "سكرايب ستراتيجيز اند ادفايزورز" للاستشارات ان السلاح النووي الباكستاني موجود حتى الآن بين ايدي "نخبة شديدة الاحتراف مقربة من الغرب" ضمن شبكة محمية.

وقال ان حركة طالبان او تنظيم القاعدة اللذين يقاتلان النظام في شمال غرب باكستان لن يتمكنا في حال سطتا على احد مخازن هذه الترسانة من استخدامها لان الرؤوس النووية محفوظة في امكنة مختلفة عن تلك التي تحفظ فيها الاسلحة. وقال "عليك ان تسطو على مخزنين للحصول على الجزئين" المكملين للسلاح النووي.

واضاف ان العسكريين المسؤولين عن البرنامج النووي معروفون بكرههم للاسلاميين. ولكنه اشار الى ان بعض العلماء المرتبطين بالبرنامج النووي يعتقد انهم يتعاطفون مع المتشددين وقد يسربون اسرارا نووية الى الارهابيين او الى انظمة معادية للغرب حتى وان لم يعمدوا الى تهريب الاسلحة النووية.

وباكستان هي الدولة الاسلامية الوحيدة في العالم التي تمتلك سلاحا نوويا واهتزت سمعتها بعدما تم الكشف عن ان "اب" قنبلتها النووية عبد القدير خان باع معلومات نووية سرية الى كل من ايران وليبيا وكوريا الشمالية.

الجيش سيواصل السيطرة على الأسلحة النووية

من جهته قال مشرف مدافعا عن قراره اعلان حالة الطوارئ ان أسلحة باكستان النووية لن تقع في أيدي من يجب ألا تكون بحوزتهم ما دام الجيش يسيطر عليها.

وتأتي التصريحات التي أدلى بها في مقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي.) وأذيعت في الوقت الذي يزور فيه مبعوث الولايات المتحدة جون نجروبونتي باكستان لممارسة ضغوط على مشرف حتى يلغى حالة الطوارئ التي أعلنها قبل أسبوعين ويتوصل الى مصالحة مع الزعيمة المعارضة بينظير بوتو ويجري انتخابات حرة.

وقال مشرف انه اذا أُجريت الانتخابات في "أحوال مضطربة" فقد تأتي بعناصر خطرة قد تهدد "القدرات الاستراتيجية" لباكستان.

وأضاف، لا يمكن أن تقع في أيدي من يجب ألا تكون بأيديهم اذا تدبرنا أمرنا سياسيا. الجيش موجود.. وما دام الجيش موجودا لن يحدث شيء للقدرات الاستراتيجية فنحن نضطلع بالمسؤولية ولن يفعل أحد شيئا بها.

وقالت وزارة الخارجية الباكستانية في وقت لاحق ان مشرف لم يكن يعني أن ثمة أي احتمال لوقوع الاسلحة النووية في أيدي من يجب ألا يسيطروا عليها.

وأضافت في بيان، كان يوضح أن قدراتنا الاستراتيجية امنة تماما وليست عرضة لخطر السقوط في أيدي من ينبغي ألا يحوزوها لان المؤسسة العسكرية مسؤولة عن أمنها وسلامتها.

وكان مشرف قد أشار عندما أعلن حالة الطوارئ قبل أسبوعين الى تصاعد التشدد الاسلامي ومناهضة القضاء لحكومته كسببين لاعلانها. وقال في وقت لاحق ان الانتخابات العامة ستجرى قبل التاسع من يناير كانون الثاني وانه يتوقع التنحي عن منصب قائد الجيش وأداء اليمين كرئيس مدني قبل ذلك.

وفي المقابلة مع (بي.بي.سي.) هَوَن مشرف من فرص فوز بوتو في الانتخابات. وكانت قد عادت الى البلاد الشهر الماضي بعد ثماني سنوات في الخارج لتقود حزب الشعب الباكستاني في الانتخابات.

واتهمها مشرف بافساد فرص التوصل الى اتفاق كان من شأنه أن يتيح لها تولي منصب رئيس الوزراء في ظل رئاسته.

مشرف: الانتخابات في باكستان ستجري في الثامن من يناير

وفي اخر الانباء اوصى الرئيس الباكستاني برويز مشرف لجنة الانتخابات بالدعوة لإجراء انتخابات برلمانية في الثامن من يناير كانون الثاني ولكنه لم يوضح مااذا كان سيتم إلغاء حالة الطواريء قبل الانتخابات.

ونقلت وكالة اسوشييتدبرس الباكستانية الرسمية للانباء عن مشرف قوله، ستجري الانتخابات العامة ان شاء الله في البلاد في الثامن من يناير .

وقال مشرف ان سلطات الطواريء ستعزز مكافحة المتشددين الاسلاميين الذين يهددون استقرار باكستان وستساعد على ضمان امن الانتخابات. ولكن زعيمة المعارضة الرئيسية ورئيسة وزراء باكستان السابقة بينظير بوتو قالت انها قد تقاطع الانتخابات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20 تشرين الثاني/2007 - 9/ذوالقعدة/1428