صانع القرار العراقي واستحقاقات المرحلة القادمة

خالد عليوي العرداوي/ مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

 قبل شهور قليلة لم يكن يراود كثير من العراقيين الامل في الحديث عن المستقبل والنجاح في بلوغ حياة افضل عندما كانت فوضى القتل تمد اذرعها الى كل قرية ومدينة بل ولكل بيت في بلاد الرافدين بلا تمييز بين طفل صغير وكهل عاجز اوبين امرأة ورجل او بين مسلم وغير مسلم او بين شيعي وسني، فالكل اهداف مشروعة تستحق القتل في نظر القتلة، وكان كل بيت ينظر افراده الى بعظهم عندما يخرجون صباحا نظرة مودع قد لايرجع مساءا، فكان هم البقاء والخشية من ماكنة القتل الاعمى يعلو صوته على كل صوت ويخرس ماعداه من الاصوات.

ولكن هذا الحال تغير هذه الايام بعد التطورات الاخيرة في الوضع الامني بعد ان امتلكت القوى الامنية العراقية زمام المبادرة ولاول مرة منذ اربع سنوات فسقط الكثير من القتلة قتلى او معتقلين، وتمت مطاردة من بقى منهم، فبدأ الناس ينزلون للشارع للتبضع او التنزه، وبدأ ليل المدن يستعيد شيئا من عافيته، وبدأت العوائل العراقية تزور بعضها البعض بشئ من الحرية، كما اخذنا نشهد نوعا ما خفوت في خطاب التهييج المذهبي والطائفي، وكل هذه التطورات تحسب بلا  شك لصالح الحكومة العراقية الحالية، كما تحسب ايضا لصالح الوعي الشعبي العراقي الذي لم تخدعه خطابات وفتاوى وخزعبلات مروجي الفتنة والقتل والدمار. لكن ماجرى على الصعيد الامني يلقي على عاتق صناع القرار العراقي الكثير من  المسؤوليات الجسام التي يجب عليه تحملها بجدارة للوصول بالمركب العراقي الى ضفة الامان والسلامة، والتي تعد من متطلبات المرحلة القادمة لبناء عراق ديمقراطي حر ومستقل وقوي، فما هي هذه المسؤوليات ؟

اولا: على الصعيد السياسي والدستوري

      يجب على السياسيين العراقيين استغلال بارقة الامل الحالية في نفوس الناس، فيتحملوا المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم من خلال ترك المهاترات والصراعات السياسية الدائرة بينهم على قدم وساق فيتخلوا ولوا لمرة واحدة عن المصالح الشخصية والفئوية الضيقة ويعملوا من اجل مصلحة العراق واهله، من خلال ترك التخندق الطائفي والحزبي والفئوي وترك النرجسية المبالغ فيها في مدح النفس وذم الاخرين، والانطلاق نحو فضاء رحب من التسامح وتقبل الاخر والحوار معه للاتفاق على برنامج سياسي وطني للنهوض بالعراق تتفق كل الاطراف عليه وتشعر انها جميعا صاحبة مصلحة في تطبيقه ونجاحه، فالى متى تتصادم البرامج الحزبية والفئوية المختلفة على حساب المصلحة العراقية العليا وعلى حساب مصلحة الشعب العراقي ؟

ان خروج السياسيين العراقيين من عقلية المعارضة وطلاب السلطة والتحلي بعقلية صانع القرار المسؤول ورجل الدولة المحترم امام شعبه والشعوب الاخرى هو الكفيل بظهور البرنامج الوطني المتفق عليه من كل الاطراف.

كما يتطلب هذا الامر اجراء مراجعة جدية وحقيقية لكل القواعد الدستورية التي وضعت بعد 9 /4 /2003 لمعرفة ماكان منها يخدم مصلحة العراق واستقراره فيثبت، وماكان نتيجة للظرف الطارئ فيعدل لان القواعد الدستورية انما وجدت لخدمة الشعوب لا لخلق الفوضى والاضطراب فيها،فكل ما اثبتت الخبرة والتجربة من القواعد الدستورية والنصوص القانونية كونه ملغم ولايسمح بخلق ادارة سياسية عراقية فاعلة ويتنافى مع حقوق الانسان وحرياته الاساسية يجب ان يبدل او يعدل.

 ان النجاح على هذا الصعيد من قبل صناع القرار العراقي سوف يثبت انهم قادرون على النجاح في بقية الصعد والا فأن فشلهم لاسامح الله سوف يجر الى سلسلة لانهاية لها من الفشل  تقود الى فوضى وتأخر في  العراق.

ثانيا: على الصعيد الامني والعسكري.

    لاشك ان القوى الامنية العراقية المختلفة قد اكتسبت خبرة واسعة من خلال التجربة في مقارعة القوى والتنظيمات والخلايا والافراد الذين يدعمون العنف والفوضى والتخريب في البلد، وهذه الخبرة تحتاج ان تشذب وتصقل لتصل الى درجة الاحتراف، وهذا الامر يتطلب جهد وعمل كثير للقيام به لابد من:

1- عزل قيادات القوى الامنية وافرادها كافة عن الولاءات الحزبية والفئوية والطائفية الضيقة بجعل ولاءها للوطن فقط، وكل من يثبت عليه خلاف ذلك يقصى لان هذه القوى هي ضمانة للعراق وشعبه وليست ضمانة لاية جهة سياسية.

2- تزويد القوى الامنية بأحدث ماتوصلت اليه التقنية من الاسلحة والمعدات التي تخدم عملها مع ايجاد كوادر مهيأة لاستخدامها من خلال الحرص على استخدام ذوي الشهادات اذ ان الدول المتقدمة تميل الى جعل قواها الامنية متفوقة علما وكلما ارتقت الدرجات العلمية لقواتها كانت اكثر كفاءة.

3- فك الارتباط بين قوات الامن العراقية ونظيرتها في متعددة الجنسية وصولا الى اعتماد القوات العراقية على نفسها بشكل كامل وانتفاء الحاجة لغيرها واعداد الظروف المناسبة لخروج القوات الاجنبية من العراق.

4- تزويد قواتنا الامنية بجهاز استخبارات متقدم لان النجاح في كثير من الحروب يكون رهن بدقة المعلومات لا بضخامة حجم القوات المسلحة.

5- كذلك يتطلب نجاح العراق في صراعه مع الارهاب ومن يدعمه توقيع اتفاقات امنية متبادلة مع دول الجوار وغيرها بما فيها اتفاقات تسليم المجرمين تكون ملزمة لاطرافها جميعا، وهذا يتطلب الى جانب مايتطلبه وجود دبلوماسية عراقية نشطة قادرة على الاقناع وتوضيح الاخطار المترتبة على بقاء العنف في العراق والمنطقة.

6- ان سعي الحكومة العراقية في القضاء على جميع المليشيات المسلحة بجميع صورها هو نهج صحيح اذ لايعقل في دولة حديثة ان تكون هناك دول داخل الدولة، لكن الاستمرار في هذا النهج يحتاج الى البراعة والاستيعاب وان لايستغل لتصفيات للحساب بين القوى السياسية فتخلق الفوضى من حيث اراد صانع القرار النظام.

ثالثا- على الصعيد الاقتصادي

   ان العراق بحاجة الى تقدم اقتصادي شامل ينتشل ابنائه من العوز والحاجة وكثرة البطالة ويقود الى تحسيين مستويات المعيشة لكل فئات وطبقات الشعب، وهذا الامر لايتم فقط من خلال رفع رواتب الموظفين وكثرة انشاء المشاريع والاسراف بصرف الاموال، بل انه بحاجة الى خلق فلسفة اقتصادية واضحة للاقتصاد العراقي، اذ ان الوضع الاقتصادي الحالي للبلد مربك ومحير فعلا، فهل نحن في ظل اقتصاد راسمالي ام موجه ؟ وهل نحن ازاء اقتصاد اسلامي ام غير اسلامي ؟ وهل نحن خليط من اقتصادات متنوعة مبرمج العمل بها ام فوضى اقتصادية تسير بالتجربة ؟ حقيقة هذه الاسئلة وغيرها يجب على صانعي القرار العراقي الاجابة عنها في المرحلة القادمة، اذ لايعقل ان يكون هناك بلد في العالم يعمل بلافلسفة محددة لاقتصاده، ومتى ماوجدت هذه الفلسفة يجب ان يكون معيارها العدالة في توزيع الدخل والثروة وبما يتناسب مع متطلبات الواقع العراقي، والحرص على خلق قطاع خاص عراقي متقدم وقادر على المنافسة وطنيا واقليميا ودوليا، وان يكون رفع الرواتب والاجور، وانشاء المشاريع الاقتصادية والخدمية المختلفة،  وعقد الاتفاقيات والمعاهدات الاقتصادية كله مستوحى من الفلسفة الاقتصادية المؤمل تحديدها بحيث يمكن بعد خمس او عشر سنوات ان نجد ان كل ذلك مترابط ببعضه ويسير بالاقتصاد العراقي بخطى واثقة نحو المستقبل ولايكون سيره متخبطا وعشوائيا وغير مفهوم.

رابعا- على الصعيد الاداري

     هل يخفى على ائ مسؤول او مراقب مستوى الفساد المالي والاداري الذي بلغه العراق على المستوى العالمي؟ قطعا الاجابة هي كلا، اذا ماالحل ؟، ان الحل يكمن في خلق ثورة ادارية على مستوى البلد، يكون رائدها وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بصرف النظر عن المسميات والانتماءات، فمتى ماتحقق ذلك لم يعد هناك خشية وخوف من الفساد في اية موسسة في الدولة، كما يجب محاسبة ومعاقبة كل مقصر من اعلى المستويات الى ادناها من خلال جهاز محاسبة ومراقبة مطلق الصلاحيات ولايحد عمله الا القانون.

 لاشك  ان القيام بهكذا ثورة ادارية يتطلب وضع اليات صحيحة للتعيين والقيادة في المؤسسات العراقية بعيدا عن المحسوبية والمنسوبية والانتماءات الضيقة والرشوة، فوضع الاليات الصحيحة للتعيين الى جانب المحاسبة والرقابة المستمرة لعمل المسؤول سوف يكون خير علاج للقضاء على آفة الفساد المالي والاداري المستشري في  البلد، علما ان تحقيق هذا الهدف سوف يزيد من مصداقية العراق وقوته اقليميا وعالميا، لذا يجب على صناع القرار العراقي ان يجعلوا ذلك من اولى اولوياتهم في المرحلة القادمة.

خامسا- على صعيد حقوق الانسان

    يقال دائما ان الكلام والكتابة اسهل من الفعل، وهذا الامر ينطبق على قضية حقوق الانسان التي ارتأيت جعلها اخر شئ اتكلم فيه على الرغم من اولويتها على بقية الاشياء، فاي عمل اوسلوك ينتهجه صناع القرار العراقي اذا لم يكن متوافقا مع حقوق الانسان فمصيره الزوال والفناء وانعدام الفائدة، اذ لايكفي الكلام عن سقوط الشرير وتحرير الانسان واعلان لوائح بحقوقه في الوقت الذي يتم فيه تقمص شخصية الشرير في الممارسة.

ان مايجب على صناع القرار العراقي في المرحلة القادمة  هو ايلاء قضية حقوق الانسان العراقي كتطبيق وممارسة مزيدا من الاهتمام والرعاية بعيدا عن الشعار والكلام، وليعلموا ان شعبهم قد عايش انتهاك حقوقه لقرون طويلة فألف سلوك الاشرار والطواغيت  وعلم صدقهم من كذبهم  ولن تخدعه اية شعارات واقوال براقة لايوجد تطبيق لها، والاهتمام بحقوق الانسان قولا وفعلا يعكس السلوك الحضاري للمسؤول وامانته في تحمل المسؤولية المكلف بها، كما يزيد من حب الشعب ومؤازرتهم له  للنجاح في مسعاه، وتطوير الوعي بحقوق الانسان يحتاج الى غرس الثقافة الانسانية الصحيحة في عقل وروح الحاكم والمحكوم، تلك الثقافة التي تجمع ولاتفرق، وتزرع المحبة والامل بدلا من العنف والكراهية واليأس، وتمنح الامن والامانة بدلا من الخيانة وبيع الضمير.

ان الصعد المذكورة آنفا تأتي في قمة الاولويات التي تحتاج الى سعي حثيث من صناع القرار العراقي للنجاح في انجازها كأستحقاقات لابد منها في المرحلة القادمة لكي يصل المركب العراقي الى مرافئ المسقبل السعيد المزدهر واذا لم بنجحوا فيها اثبتوا انهم لم يكونوا جديرون بقيادة العراق في ظرفه الخطير الراهن والمستقبل سوف يكون حاكما لهم او عليهم.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

http://fcdrs.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17 تشرين الثاني/2007 - 6/ذوالقعدة/1428