استراتيجية الأمن القومي العراقي... بين النقد والتحليل

(الحلقة الثانية)

محمّد جواد سنبه

 بعد أنْ تناولنا في الحلقة الأولى من هذا البحث، بنية صياغة نص (استراتيجية الأمن القومي العراقي) وعنصر الخطاب الفاعل والمؤثر في الجماهير، والذي يجب ان ينبع من صميم مشاكلهم ومعاناتهم اليومية، ويجب ان يكون الغرض منه معالجة تلك الهموم عملياً. أمّا أنْ يخاطب الشعب بلغة كوكب عطارد، فالناس لا يفهمون تلك اللغة، ولا ينصتون لهذا الخطاب أساساً. إنَّ عدم امكانية التطبيق الملموس، أو عدم جنى فائدة مرجوّة من أيّ خطاب، لا تعدو عن كونها محاولة اشبه ما تكون بنفخ الهواء في قربة مثقوبة. و في هذه الحلقة من البحث نواصل تحليل ونقد (ستراتيجية الأمن القومي العراقي 2007- 2010) التي أعلنها وروّج لها دعائياً، في الصحف المحليّة والمواقع الألكترونية، السيد مستشار الأمن القومي العراقي المحترم شخصياً، وكانت اعلاناته توسم بعنوان (استراتيجية الأمن القومي نقطة ضوء أخرى). وحبذا لو يعرّفنا سيادة مستشار الأمن القومي، ما هي نقطة الضوء السابقة بالتحديد والتخصيص ؟، حتى نعرف نقاط الضوء السابقة، ونقيس عليها نقطة الضوء اللاحقة. وإذا مرّ أقل من شهر على ولادة هذه الاستراتيجية، وأصبحت (نقطة ضوء أخرى)، فأكيد بعد مرور شهرين ستكون كوكباً درياً لا محال !!!.

افتح هذا البحث استكمالاً للحلقة الأولى منه، بالفقرة الثانية (قانونيّة النصّ)، حيث تم ترتيت موضوع الكتابة بموجب تسلسل محدد.   

1.     قانونية النصّ:

من المعلوم للجميع أنّ النظم الديمقراطية تتحدد بثلاثة مبادئ رئيسيّة هي: سيادة القانون، وفصل السطات، وتنفيذ مواد الدستور. وأيّ خرق لأحد هذه المبادئ أو جميعها، يعتبر إخلالاً بالعمليّة الديمقراطيّة. فلا يحقّ لأي مسؤول، مهما كان منصبه الوظيفي، أنْ يبتكر أو يجتهد بدون مرجعيّة القانون، أو يتخطى جهة سنّ القانون، وهي السلطة التشريعيّة، وإلاّ عدنا إلى زمن النظام الشمولي، الذي يعتبر القانون مجرد (جرّة قلم) لا أكثر. ومن المعروف أنّ جميع دوائر الدولة بالمطلق، تسيّر أعمالها وفق قوانين وتعليمات وصلاحيات، وبالنتيجة سيكون القانون هو صاحب السلطة الشرعيّة، في تصريف شؤون جميع دوائر الدولة، كبرت أم صغرت على حدّ سواء.      

هنا أوجه السؤال التالي إلى رجال القانون باعتبار (قول المختص حجّة على غيره):

هل كلّ أو بعض ما جاء في صفحات (استراتيجيّة الأمن القومي العراقي)، يلزم قانوناً وزارات وهيئآت ودوائر الدولة أم لا ؟. أعتقد الاجابة ستكون بـ(لا)، لسبب بسيط، لأنّ القانون يحتاج لموافقة تشريعيّة عليه قبل صدوره، وهذا السبب وحده يكفي لأن تكون هذه الإستراتيجيّة، عديمة الجدوى على الإطلاق، لأنها لا ترقى إلى مستوى القانون. وإذا أراد السيّد مستشار الأمن القومي العراقي ومستشاريه، تطبيق استراتيجيتهم على دوائر الدولة فعليهم سلوك أحد طريقين، أما أن يقرها مجلس النواب حتى تكون مُلزمة عند التنفيذ، وهذا لم يحصل. أو تمريرها خارج إطار القانون، وهذا يعني خرق القانون، وبالنتيجة تدمير العمليّة الديمقراطيّة، وهي لم تزل حديثة الولادة بعد. وأحب أنْ أضع النصّ التالي أمام الأنظار، والذي ورد في كلمة السيد مستشار الأمن القومي: (تمثل استراتيجية الأمن القومي العراقي الخطوط العامة التي ستتبعها الحكومة لتحقيق المصالح الوطنية للشعب العراقي والتهديدات التي تواجهها وسوف تعتمد الوزارات المعنية عليها في وضع برامجها التفصيلية لتنفيذ مبادئ الاستراتيجية)(انتهى).

 وكذلك النظر في النص الوارد في الصفحة الرابعة:(لكونها ترسم وتحدد الخطوط العامة لسياسة واهداف الحكومة المستندة على تحديد المصالح الوطنية وآليات الحفاظ عليها والدفاع عنها وتطويرها ثم اعتماد خطة اعلامية لعرض الإستراتيجية كما موضح في المرفق طياً...)(انتهى)

في الصفحة الاولى من نصّ (استراتيجية الأمن القومي العراقي) وتحت عنوان (تعريف عام) وبعد سطر (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...) يبدأ السطر الثاني بالنص التالي: (لقد نص الدستور العراقي 2005 في المادة (110) الفقرة ثانياً على ان (وضع سياسة الأمن الوطني وتنفيذها) هي إحدى الاختصاصات الحصرية للحكومة الاتحادية.)(انتهى). اسمح لي ياسيادة مستشار الأمن القومي أن أضع الملاحظات التالية:

أ. علمنا المنطق ان المقدمات الصحيحة تنتهي بنتائج صحيحة، وفي بداية السطر آنف الذكر قلتم: (نص الدستور العراقي 2005)، وهذا يعني أن هناك دساتير عراقية لها تسلسلات أو أرقام منها هذا الدستور حامل الرقم(2005)، وإذا كنتم تقصدون ياسيادة المستشار، الدستور الحالي فعليكم ان تصيغوا العبارة كما يلي (نصَّ الدستور العراقي لعام 2005)، كي يرفع اللبس الوارد من ذهن القارئ، ولا أدري إذا فاتكم هذا الأمر، كيف يفوت على السادة مستشاري المستشار، طيب الله انفاس الجميع ؟!!.

ب.  بالرجوع إلى المادة التي أشرتم إليها في الدستور العراقي لعام 2005، فهي لا تنصّ على وضع (إستراتيجية الأمن القومي العراقي 2007-2010)، وإنّما تنصّ على: (وضع سياسة الامن الوطني وتنفيذها، بما في ذلك انشاء قوات مسلحة وادارتها لتأمين حماية وضمان امن حدود العراق، والدفاع عنه.)(انتهى). فهذه المادة الدستورية لم تذكر بالمرة مصطلح (الإستراتيجية) وانما ذكرت(وضع سياسة الأمن الوطني) وهناك فرق كبير بين مصطلح (السياسة) وبين مصطلح (الإستراتيجية)، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، النص الدستوري في هذه الفقرة، لم يذكر عبارة (الأمن القومي العراقي) إطلاقاً، وإنّما ذكر (الأمن الوطني)، هكذا جاء في الدستور. إذاً فالدستور لم يذكر لا (إستراتيجية ولا قومية) وإنّما ذكر (سياسة الأمن الوطني). ولي ملاحظتان أخريتان ؛ الأولى: هل نعيد تكرار الخطاب الدعائي الرنان مرة أخرى، في عصر دمقرطة العراق الجديد، ويبقى المسؤول يتشبث بالمصطلح القومي، الذي سقط في بلد المنشأ (مصر العروبة)، وأصبح غير صالح للاستخدام البشري في الوطن العربي، ونعيد للاذهان قوميّة (عبد الناصر) وقوميّة (عفلق) ؟؟!!. والملاحظة الثانية: هل نغير الكلم عن مواضعه، ونفتري على الدستور بالدستور؟؟!!.

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 14 تشرين الثاني/2007 - 3/ذوالقعدة/1428