في رحاب الإمام الصادق عليه السلام

مراجعة للذات الولائية وتركيز للوعي الإسلامي

بقلم المهندس غريبي مراد عبد الملك(*)

 الإمام جعفر بن محمد أبوعبد الله الصادق عليه الصلاة والسلام، شخصية جد حاضرة عبر الزمن الإسلامي بعلومها وأفعالها الطيبة العظيمة ومواقفها الجليلة وجهادها الصداح وحواراتها الإنسانية، ولا أبالغ إذا قلت أنها منذ العهد الإسلامي الأول عهد حبيبنا وسيدنا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، حيث روى الإمام السجاد عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا ولد إبني جعفر بن محمد فسموه  "الصادق" )، ومرت السنين وولد الإمام جعفر الصادق عليه الصلاة والسلام واستشهد عليه السلام بعد مشوار رسالي ضخم لا تزال آثاره وثماره تنفع العالمين حتى يومنا هذا.

إنه من ولد المصطفى عليه وآله أفضل الصلاة وأزكى التسليم، هو حلقة من حلقات مسلسل الحكمة الربانية والحجة الإلهية والمسؤولية الرسالية في الدنيا، ومهما كتبت فمن أكون بين أولئك العظماء والعلماء والنجباء الذين سطروا أسفارا خالدة ترشد الناس لحجج الله في الأرض، فبعد مسيرة صعبة مستصعبة في مضمار البحث عن الحقيقة وفي خضم الولوج في رحاب الأطهار عليهم السلام أدركت بكل رحابة ومصداقية ومسؤولية أوسع وأعظم أن الواحد من المسلمين المخلصين للشهادتين يستلهم عظمة الأئمة عليهم الصلاة والسلام بمدى ثقافته الواعية لسيرهم الرسالية وتجسيده لوصاياهم وإرشاداتهم واستيعابه لمواقفهم أمام الطغيان والاستبداد والطواغيت.

 ومن خلال وفائي لأئمة الهدى عليهم السلام بأن أكون دوما من الدعاة لحقهم وفكرهم وثقافتهم الإسلامية السمحة الأصيلة النابعة من الوعي العميق لآيي الذكر الحكيم، جاءت هذه السطور المتواضعة بعد أن اتصل بي احد الأحبة من البحرين مستغربا : لماذا أستاذ غريبي لم نقرأ لك مقالا حول ذكرى شهادة الإمام الصادق عليه السلام هذه السنة؟ 

لا أخفيكم أنني تفاجأت ولم اعرف ماذا أجيب بالرغم أنني مواظب على إحياء ذكريات الأطهار عليهم السلام لحالي في مكتبي ببيتي، وعلاقتي على طول اليوم وكل السنة بأحاديثهم ووصاياهم من خلال الكتب والمحاضرات بمكتبتي الشخصية ونشاطاتي الثقافية والاجتماعية، خصوصا ما يتعلق بمواضيع الساعة الوحدة والحوار والتسامح والسلام والتعارف والتعايش، لكن سر عدم رفعي لقلمي والإفساح عن إحياء هذه الذكرى  الأليمة المغنية للوجدان الإسلامي هذا العام، أنني شعرت في عمق أعماقي أنه مهما كتبت لا أفي للإمام عليه السلام حقه ويبقى الواجب الولائي يرهقني ليصلح ذاتي وشخصيتي حتى أكون صدقا وعدلا أتمثل الصادق بصدق الشعور واللسان والموقف  والحركة، وهكذا يبدولي أن الإنسان المسلم أحيانا يستغرق في التنظير فلا يعيش الفكر النبيل الأصيل واقعا لأنه يخشى أن ينزل به في تفاصيل الحياة الاجتماعية، حيث يبقى هذا رأيي ونظرتي إلى أن أعظم وأجمل إحياء لذكريات الطيبين الطاهرين عليهم السلام هي محاسبة النفس وتزكيتها ودوام الاستقامة والدعوة للوحدة بين المسلمين ليس بالخطابات بل بالتواصل واحتثات الحقد من قلوبنا لننزعه من صدور الناس، فالإمام الصادق يقول(ع): "ثلاثة هم أقرب الخلق إلى الله عزَّ وجلّ يوم القيامة حتى يُفرَغ من الحساب: رجلٌ لم تَدَعْهُ قدرتُه في حال غضبه إلى أن يحيف على مَنْ تحت يده  ورجلٌ مشى بين اثنين فلم يَمِلْ مع أحدهما على الآخر بشعيرة ورجلٌ قال الحقَّ في ما له وعليه"، وهذا مصداقا لقوله تبارك وتعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوعَلَى أَنْفُسِكُمْ}(النساء/135).

 وسر كلمات الإمام الصادق عليه السلام لا يمكن أن يبلغه مسلم لا يزال يعيش التقوقع والفقر الرسالي ناهيك عن الإستكبار الحركي والتصور الضبابي لمسؤوليته في الحياة تجاه بني مذهبه ودينه والخلق كلهم والأدهى والأمر إذا كان هاجرا لكتاب ربه...

بهذا يكون إحياء ذكرى الإمام الصادق عليه السلام الجميل والمعبر أن تراجع علاقتك بربك وهذا  عين منطق الأئمة عليهم السلام بأنه من كان مطيعا لله والرسول فهولنا مطيع، والعكس بئس المصير والضلال المبين، فأرجومن الأحبة المؤمنين الملتزمين بثقافة الثقلين أن يركزوا في رحاب الإحياء وليراجعوا أنفسهم كل ليلة ويحاسبوها كما يحاسب الشريك شريكه فالأعظم والأخطر أن تدعي الولاية للأطهار عليهم السلام وأنت واقعا شين لهم في كل حركتك ومواقفك وكلماتك...

تعالوا نعتبر ونفكر ونتفكر في ولايتنا للأطهار في كل حين حتى لا نبلغ درجة السفهاء والعياذ بالله الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا...

قبل الختام والسلام من المؤسف أن يبقى بعض المسلمين الذين يعيشون الغباء الحركي في العالم العربي والإسلامي يتحدّثون بمنطق المذهب الأهوائي  عن الآخر حتى ضيقوا كل معابر اللقاء وجسور التواصل بإسم الحقيقة والحق والحرية، هذه المفاهيم التي ساء وعيها وتحريكها حتى أدت إلى إنتاج الإرهاب بكل أشكاله  بدلا عن إغناء الشخصية الإسلامية بعلوم الأطهار عليهم السلام وتبادل الرؤى والتحاور بسلم وسلام وتسامح ووفاق، وبقي رواد الفتنة الذي يمثّلون أهداف أمريكا وإسرائيل وكل الظالمين المستكبرين بالمجان أوبالدولار،في معارضتهم لكل دعوة للوحدة وللعلم والحق والتعايش والتسامح ؛ الأمر الذي يفرض ـ حسب المنطق الإسلامي الإمامي ـ تشجيع العمل الإسلامي الجامع  الذي يحمي المصالح الإستراتيجية للأمة الإسلامية، ويضيق  على أهل النفاق والفتنة بكلّ قسوة وحكمة واتحاد. 

 والسلام على إمام الإسلام الصادق الأمين جعفر بن محمد ولا جعله الله آخر العهد مني إليكم يا سادتي وأنوار قلبي وبصيرتي ويا من بكم ينال المسلم القلب السليم والحمد لله ر ب العالمين. 

(*) كاتب وباحث إسلامي

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12 تشرين الثاني/2007 - 1/ذوالقعدة/1428