في رحاب ملكة سولاندا

حسين ابو سعود

 ارى من الواجب قبل  البدء بقصتي في رحاب ملكة سولاندا ان اشير الى ان القصة حقيقية بالكامل وتفاصيلها مو ثقة بالاسماء والتواريخ والاماكن، لذا اقتضى التنويه.

كان ذلك في الشهر الماضي وانا اتجول او اتسكع  لوحدي في اكسفورد استريت وسط لندن، رايت رجلا في كامل اناقته ترجل من سيارة فارهة واتجه نحوي وقال لي: سيدي هل لك بمرافقتي، لابلغك رسالة هامة، خفت في الوهلة الاولى ولكني شعرت بالاطمئنان عندما اراني بطاقته الذهبية وكانت من نوع فيزا، وفي الطريق لم يتحدث الرجل بكلمة واحدة فاسحا المجال لي  لكي اتخيل ماهية المفاجاة، فضربت اسداسا باخماس واسباعا باثمان واتساعا باعشار، دون ان يخطر ببالي ما كان ينتظرني في القصر الراقي المطل على نهر التايمز، اجلسوني على اريكة  من المخمل الشاموا لم ار اكثر منها نعومة  غطست فيها للاخر وتمنيت لو يطول عليها  جلوسي، فدخلت حورية من الحور الطين، مفاتنها تسبق كلامها، قدمت نفسها بانها السكرتيرة الخاصة جدا لملكة سولاندا، وسولاندا هذه دولة صغيرة جدا تقع في منطقة باردة  الا ان جميع  مرافقها مكيفة تكييفا منعشا، ولا يتعدى عدد سكانها نصف مليون نسمة اكثرهم من النساء  اذ يبلغ  نسبة الرجال هناك 10% فقط تحكمها الملكة (س – م ) وهي شابة تجاوزت العشرين بقليل ورثت العرش من امها التي ماتت من الفرح وادعت انها رأتني في احدى الفضائيات، احاول بعث الحياة  في حوادث مرت عليها الف عام ويزيد وقد اعجبت الملكة بي بالكامل وقررت ان اكون زوج المستقبل، فقلت  بلا فاصلة: قبلت التزويج، دون ان افكر للحظة واحدة بزوجتي واطفالي ووطني اذ قلت بان اهلي  سيجدون لهم مخرجا واما وطني وابناء وطني فعليهم ان يصبروا  لان الصبر مفتاح الفرج.

 وفعلا بدأت اجراءات الاستلام والتسليم، فصارت الايادي تتلقفني، تلك تحلق شعري  واخرى تحسن ذقني واخرى تاخذ مقاساتي، وقد اخذوني الى حمام كبير  مصنوع من المرمر الزبرجدي الاخضر وفيها احواض بلورية ونساء عديدات، واحدة  تدلك واخرى تمسج وواحدة تعزف على الة الكمان، فذكرت الحرمان الطويل والذل الذليل، ولا ادري لماذا خطر ببالي السلطان سليمان القانوني وحز في نفسي ان الموت اختطفه بالرغم  من عظمته وبذخه وترفه وحراسه وامبراطوريته العظمى، وهناك احسست لماذا ينسى النعيم التفكير بالاخرين ومعاناتهم، نسيت معاناة الشعوب ومجاعات افريقيا وكوارث اسيا، والحق باني كنت اعتبر كل من اراها تمر امامي  هي ملكة سولاندا  لجمالها الاخاذ وقدها الممشوق ونعومتها المفرطة، فكان يقال لي  لا بل الملكة  اجمل وانعم واحلى واشهى واطيب، ولكنك لن تراها بهذه السرعة فامامك مراحل كثيرة اخرى منها دورات الاتيكيت والبروتوكول واللغات  وركوب الخيل والسباحة والرماية.

 وقد قام طاقم القصر بتجريدي من ملابسي القديمة  ومافي جيوبي من بطاقات باهتة وعناوين منسية وقصاصات متفرقة ومناديل ورقية، جاءوا لي باقلام راقية من مون بلان وساعات روليكس واوديمار بياجيه وبدلات من لانفان وربطات عنق من سان لوران وعطور كوتشي، ولم اكن ادري بان الملكة كانت تنظر الي من خلال كاميرات سرية مثبتة في الاماكن التي اتواجد فيها في القصر الرحب ( وليس الرحاب خوفا من سوء العاقبة ) وصاروا يقدمون الطعام لي بالقسطاس المبين حتى لايزيد وزني او ينقص، وانا الضعيف امام القوزي والكباب والكبة والدولمة، وقيل لي ان الزفاف سيكون في مونت كارلو حيث تم حجز فندق باكمله لهذه المناسبة، وسيتم  التوجه الى هناك بسيارة رولز رويس سوداء فيها جميع وسائل الراحة، وفعلا بدات دروس اللياقة والنظام والثقافة  وتم احاطتي بجدار لا يمكن  اختراقه من الحماية وسألوني عن تاريخ ميلادي، فقلت: اعتبروا مولدي اليوم وانسوا الماضي برمته وتراكماته، وصارت استعدادات الزفاف طاغية في جميع انحاء المملكة وانتثرت اثار الفرح على جميع مرافقها  وانشغلت اجهزة الدولة بمافيها المخابرات  بنشرالسرور والحبور، وقيل ان الملكة اصدرت اوامرها باعداد فستان الفرح من الساتان الابيض المرصع بالفين ماسة والف ياقوتة  ومئة لؤلؤة، وستكون هناك العاب نارية واطلاقات مدفعية واضاءات في الشوارع،وستنهال بلا شك على جنابي  هدايا لاتقدر بثمن من ملوك ورؤساء الدول الاخرى، والشوكولاته ستاتي من بلجيكا والازهار من هولندا والبوظة من النمسا  والقيمر من المجر الكبير   والفطاير من مصر والباجلاء بالدهن من العراق.

واًخبرت  من الحاشية  بان ملكات سولندا حريصات على عدم استبدال الازواج والبقاء معهم طول العمر وان الملكة الحالية ترغب في انجاب طفل يحمل مواصفات خاصة شكلا ومضمونا، ولو اردت الاطالة لطال بي المقام غير اني اقول بان البشارة جاءت عن قرب موعد اللقاء بالملكة البارعة في الجمال والدلال والسحر الحلال، ولاادري لماذا شعرت حينها بالام في مفاصل الركبة، جعلتني اشعر بازعاج واضح وصرت اتلوى  من الالم فجاءت احدى الوصيفات ووقفت على راسي تحركني وتهذي ببعض الكلمات العربية مثل انهض، موعد الطبيب، مدارس الاولاد، فاتورة الغاز والكهرباء، نظرت اليها مليا واذا بها زوجتي، ادرت ناظري في ارجاء الغرفة فوجدت نفسي  في سريري اليومي المعتاد، وفردة حذاء هنا وفردة هناك والاولاد يتصارخون ويتصارعون على سندويتشات الجبن والبيض، وقد بطل العجب بعد ان ظهر السبب ورايت جريدة ملقاة عند السرير كنت اقرأ فيها قبل النوم عن  زواج الملكة ناريمان من الملك فاروق رحمهما الله جميعا ورحمنا من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا وكيف انه طلقها فتزوجت باثنين آخرين بعد طلاقها وقلت الحمد لله على النعمة ولا دائم الا وجهه، وهل الاحلام الا انعكاسات العقل الباطن ؟ اللهم نعم.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 11 تشرين الثاني/2007 - 30/شوال/1428