في ظل الشلل الاقتصادي:انفاق رفح الفلسطينية من تهريب السلاح الى تهريب المنشطات

اعداد/ صباح جاسم

 شبكة النبأ:  السجائر والفياغرا تحل محل الكلاشنكوف في انفاق رفح عندما اعلنت الكلاشنكوف هبوطها في سوق الحاجة الإنسانية نتيجة الإكتفاء والتخمة، فسرعان ما يستبدلها الزمن فيما تكون الحاجة هي الغول المهيمن على الساحة الفاعلة. وهذا ما يعكسه المهربون على حقيقته الواقعة وهم يتحدثون عن طرقها واحوال ظروفها المتنوعة.

محتَمين من الانظار وراء كوخ من الصفيح المتهالك الذي اصفر لونه من حرارة الشمس يعمل خمسة مهربين بلا كلل في النفق الضيق ويقول احدهم الاسلحة؟ لم تعد تستحق عناء جلبها.. الطلب الان اكثر على السجائر وحبوب الفياغرا.

وفي الخارج يدوي صوت انفجارين وتسقط القذائف الاسرائيلية على مسافة اقل من مائة متر من الجدار الاسمنتي الرمادي الطويل الممتد حتى البحر.. انها الحدود بين قطاع غزة ومصر.. الا ان هذه المسافة لا تكفي لاخافة المهربين الفلسطينيين وجعلهم يتوقفون عن العمل.

وفي النفق الذي يصل طوله الى 700 متر بارتفاع وعرض متر تقريبا يتعين في هذا الجو الخانق السير على الركبتين او الزحف مع الاسترشاد بضوء لمبات صفراء صغيرة تفصل بين كل منها عشرة امتار.

وتوضع البضائع المهربة في غالونات بلاستيكية ترسل من خلال كابل يعمل بمولد كهربائي. ويقوم  بملء هذه الغالونات في الجانب المصري معارف يتولون تلبية طلبات المهربين الذين يبلغونهم بها هاتفيا. جاء ذلك بحسب تقرير لفرانس برس.

واذا كان هذا النشاط يدر ربحا مجزيا الا انه ينطوي ايضا على خطورة شديدة.. ويقول احد هؤلاء المهربين ويدعى رامي قتل شخصان في هذا النفق بعد ان القى فيه المصريون غازا معدوم الرائحة، وهو غاز قاتل.

كما يمكن ايضا ان ينهار النفق، ويضيف هذا الرجل بلهجة مجردة وهو يسحب انفاسا عميقة من سيجارته: بقي بعضهم محتجزا لثلاثة ايام وكنا نمرر لهم الهواء والماء من خلال الأنابيب.

لكن هذه الايام يشهد هذا البيزنس تباطؤا.. فمع توقف معارك حزيران/يونيو العنيفة بين مسلحي حركتي حماس وفتح ومنع حمل السلاح انهارت سوق تهريب الاسلحة التي كانت مربحة جدا.

ويقول رامي: لم يعد احد يشتري الاسلحة التي انخفضت اسعارها بشدة، فبعد ان كان الرشاش الكلاشنيكوف الروسي يباع قبل انقلاب حماس بنحو الفي دولار هبط سعره الان الى 800 دولار فقط.

وهكذا فرضت منتجات جديدة نفسها على المهربين مثل الفياغرا التي تجد اقبالا شديدا في غزة وقطع غيار السيارات والمنتجات الغذائية التي تعاني الاراضي الفلسطينية من نقص شديد فيها بسبب خفض الواردات والحصار الاسرائيلي ولا سيما الحليب.

ويقول احد هؤلاء الرجال بالنسبة للسجائر الامر شديد الصعوبة وحماس تعلم كل شيء وتحظر تهريبها الذي يتم عبر انفاق سرية جدا.

وبعد ان اصبح الدخان نوعا من الترف يتهم البعض في رفح حماس باحتكار هذه السلعة المربحة من خلال تهريبها عبر انفاقها الخاصة.

ويؤكد مهرب اخر في المدينة تم الالتقاء به سرا في جراج منزله الذي يقع على بعد خطوتين من الحدود ذلك قائلا: لا شيء يحقق ربحا الان اكثر من الدخان.. فالاسلحة انتهى امرها.

ومنذ بضعة اسابيع يقوم هذا الرجل بارسال السجائر الى غزة في كرتونات كاملة مع تفضيل السجائر الاميركية وهي الاغلى سعرا حيث يشتري الخمسمائة علبة بالفي دولار لكنه يحقق منها مكسبا كبيرا.. وهو يفضل بيعها لتجار جملة وليس للمحلات الصغيرة حتى لا ينكشف امره.

والرجل الذي يعمل في هذه المهنة منذ وقت طويل يعرف كل دخائلها.. ويوضح التهريب ليس عملية سهلة.. الحدود المعابر والحواجز كلها تفتح بالنقود.

ومع الحصار الاسرائيلي لقطاع غزة الذي يزداد احكاما يوما بعد يوم تعتبر انفاق رفح نقاط اتصال ثمينة بالعالم الخارجي.

ويقول رامي حماس في حاجة الى هذه الانفاق.. فهي بالنسبة لهم وسيلة لكسر الحصار الذي تفرضه اسرائيل على القطاع.

مصائب قوم عند قوم...

يؤكد المزارع يوسف العطاطرة (68 عاما) وهو يتفقد اوراق التبغ الجافة التي يميل لونها للذهبي في ارضه ببلدة يعبد شمال الضفة الغربية ان الاوضاع الاقتصادية السيئة ادت الى رواج استخدام السجائر المعبأة يدويا بالتبغ وبالتالي الى زيادة زراعته.

وقال يوسف العطاطرة لوكالة فرانس برس ان، الحصار الاسرائيلي والوضع الاقتصادي السيء في المجتمع الفلسطيني جعل الايدي العاملة الفلسطينية تتجه لزراعة الارض مجددا وفقر يضطر الفلسطينيين الى تدخين سجائر معبئة بالتبغ المفروم.

واضاف سعر علبة السجائر الاجنبية 20 شيكل (5 دولارات) وهناك مدخنون يستهلكون سجائر بما يتراوح بين مئة الى مئتي دولار شهريا ونتيجة للبطالة لجأ المدخنون لاستعمال الدخان الطبيعي وغير المصنع لانه ارخص وذلك زاد الانتاج والاستهلاك.

وتحدث عن انواع نباتات التبغ التي يزرعونها فقال نحن نزرع تبغ فيرجينيا وتارابزوني وبيرلي (الصفراء) وهناك ايضا كوالا وزراعتها خفيفة.

وتشكل زراعة التبغ المورد الرئيسي لمزارعي بلدة يعبد ومحيطها، ويقول نجحت هذه الزراعة على مدى قرون في هذه المنطقة بسبب غناء الارض بالمواد العضوية وعدم احتياها للري وهي ينمو المحصول بطريقة البعل، واضاف ان مزارعي التبغ اكتسبوا خبرة كبيرة عبر تعاقب الاجيال.

وقد قام المزارعون وتجار التبغ بتعبئة علب سجائر مصنوعة مع فلتر وتوزيعها على الاسواق الفلسطينية المحلية، وتباع علبة السجائر التي تحتوي على مئة سيجارة بعشرة شيكل ما يعادل دولارين ونصف.

وقال سمير العطاطرة رئيس اتحاد مزارعي التبغ في يعبد ان عدد مزارعي التبغ في يعبد 430 مزارعا وقد ازداد انتاجه في السنوات الثلاث الاخيرة بشكل مضاعف موضحا في السابق كنا ننتج نحو 400 طن من التبغ سنويا نوزع منها حوالى 100 الى 150 طنا من القطفات البكر الاولى والثانية الى شركة سجائر القدس والباقي للاستهلاك المحلي والاسرائيلي.

ولم يستطع خبراء التبغ تقدير كمية الانتاج المحلي بدقة في السنوات الثلاث الاخيرة لكن امجد محمود (27 عاما) الذي يستورد سجائر فارغة للتعبئة قال قمنا بدراسة جدوى اقتصادية لكمية انتاج التبغ لنتأكد من قدرتنا على تغطية محلية لوارداتنا من السجائر الفارغة الجاهزة للتعبئة.

واضاف امجد، قدرنا كمية الانتاج السنوي لبلدة يعبد وقراها من التبغ بمعدل 600 الى 800 طن سنويا.

وقال نستخدم نحن في مشروع تعبئة السجائر الفارغة نحو 200 طن سنويا اضافة الى 150 الى 200 طن تستخدمه شركة سجائر القدس و400 طن من التبغ المفروم يباع في الاسواق المحلية ومن ضمنه تبغ النرجيلة (المعسل) والتنباك والهيشي واللف وما تبقى يستعمله المزارعون انفسهم. واكد امجد، تاثرنا هذا العام باغلاق قطاع غزة الذي كان يستهلك كمية جيدة من دخاننا.

ولم يقتصر طموح ابناء يعبد على تعبئة السجائر ذات الفلتر المستوردة بل ذهبوا الى بناء مصنع صغير للسجائر يقوم بالعمليات الاولية من فرم وتبخير عبر الافران ولف السيجارة الفارغة مع الفلتر.

وقال امجد اشترينا عدة ماكينات لتصنيع السجائر وما زلنا نواجه مشاكل فنية فلم نستطع تشغيل المصنع بكافة جهوزيته في انتطار قدوم فنيين من الخارج.

ويرى عاصم صبحي احد العاملين في مجال تعبئة السجائر بان هذا العمل وفر فرص عمل لنحو الف عائلة فلسطينية موضحا اوزع علبا تتسع لمئة سيجارة مضيفا ولقاء تعبئة عشر علب فيها الف سيجارة يكسب الشخص 30 شيكل (اي 7 دولارات ونصف) وتستغرق تعبئة مئة سيجارة ما بين اربعين دقيقة وساعة.

اقتصاد قطاع غزة يعاني شلل تام

ويعاني اقتصاد قطاع غزة الذي تفرض عليه اسرائيل اغلاقا محكما من الشلل فالواردات تقتصر على المواد الغذائية والصادرات معدومة في حين تقدر الخسائر بمئات ملايين الدولارات وسط معدلات بطالة قياسية.

كان نعيم السكسك عندما تولى شركة والده المعروفة "بشير السكسك وشركاه" في العام 1999 يطمح في جعلها اكبر شركة لصناعة قساطل من مادة "بي في سي" للقنوات ومضخات المياه في غزة.

لكن منذ فرضت اسرائيل الاغلاق التام على قطاع غزة مع سيطرة حركة حماس عليه في حزيران/يونيو الماضي توقف العمل في الشركة، وبات هاجس واحد يراوده: الهجرة مع تفضيل كندا كما فعل قبله في الاشهر الاخيرة عشرات الفلسطينيين الذين ينتمون الى الطبقات المتوسطة.

ويقول نعيم وهو في الثلاثين من عمره "منذ حزيران/يونيو انتاجنا لقساطل بي في سي معدوم. لا يمكننا استيراد المواد الاولية" التي تمر عادة عبر معبر المنطار (كارني) قرب غزة.

ويوضح نعيم: خسائري تقدر بثلاثين الف دولار شهريا. منذ مطلع السنة عملنا 55 يوما في مقابل 160 يوما العام 2006" مشيرا الى ان غالبية العاملين لديه البالغ عددهم نحو المئة باتوا في بطالة تقنية. ويضيف: وصل كل رجال الاعمال في قطاع غزة الى الاستنتاج ذاته. لقد فقد الامل. ولا نرى النور في اخر النفق.

والقطاع الخاص في قطاع غزة ولا سيما القطاع الصناعي العمود الفقري للاقتصاد منهك ومحروم من موارده.

ويقول عمرو حمد رئيس اتحاد الصناعات الفلسطينية: نمر باكبر ازمة اقتصادية في تاريخنا. ويضيف: القطاع الصناعي يضم 3900 شركة و35 الف موظف. ويمكن القول ان ثمة اكثر من 30 الف شخص عاطلون عن العمل حاليا و95% من الشركات مغلقة.

والانتاج الصناعي في قطاع غزة (مفروشات والبسة واغذية ومواد بناء) مخصص بثلاثة ارباعه للتصدير الى اسرائيل والضفة الغربية على ما يفيد تقرير مركز التجارة الفلسطيني (بالتريد) الذي تشكل ارقامه مرجعا للبنك الدولي.

لكن منذ 12 حزيران/يونيو اي قبل يومين من سيطرة حركة حماس على قطاع غزة لم يصدر اي منتج بسبب اغلاق معبر المنطار على ما يوضح المركز الذي يعتبر ان البطالة في القطاع الخاص تصل الى حوالى 70%.

ويفيد المصدر ذاته ان خسائر القطاع الصناعي وصلت خلال شهر ايلول/سبتمبر لوحده الى 110 ملايين دولار، وتقول حنان طه مديرة المركز الاخطر بالنسبة للصناعيين انهم سيخسرون عقودهم مع اسرائيل اذا تواصل الاغلاق.

ويشير المركز كذلك الى ان "95% من مشاريع البناء (في قطاع غزة) توقفت بسبب عدم توافر مواد البناء. وتقدر قيمة هذه المشاريع بـ160 مليون دولار".

وتحذر حنان طه من مشاكل اخرى مع اقتراب موسم تصدير الفاكهة والخضار في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر موضحة "الخسائر ستكون هائلة في حال بقي معبر كارني مغلقا".

ويؤكد مركز التجارة الفلسطيني كذلك ان الزراعة في قطاع غزة التي توظف عددا كبيرا من العمال  قد تخسر كل عائدات الصادرات للموسم بكامله المقدرة بـ13 مليون دولار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 11 تشرين الثاني/2007 - 30/شوال/1428