مصطلحات ديموغرافية: هجرة

هجرة: Migration

شبكة النبأ: تعيِّن هذه الكلمة في آن انتقال شخص ناتج عن تغيير مكان الإقامة والظاهرة التي يميزها هذا النمط من الحدث.

ويتعلق الأمر بشكل خاص من أشكال الحركية. وترتبط دقة التحديد بدقة المضمون الذي سيعُطى لمفهوم مكان الإقامة، وغالباً ما تشير تلك العبارة إلى مكان إقامة الشخص الشخصي، أي مكان إقامته الرئيس. ويقلص هذا التحديد عدد حالات الانتقال التي يمكن اعتبارها بمثابة هجرات. وتستثني على وجه الخصوص حالات الانتقال اليومية المرتبطة بممارسة مهنة معينة أو حالات الانتقال ذات الطابع السياحي.. من ناحية أخرى، أن حالة التنقل شبه الدائمة لبعض الأشخاص (بدو رحل، بحارة) لا تسمح بأخذهم في الاعتبار في دراسات الهجرات.

ويشكل سجل السكان المصدر المثالي لدراسة الهجرات. ولكن بالإضافة إلى كون ذلك السجل يشكل مصدراً لا يتوفر إلا نادراً، فإن استغلاله لهذه الغاية من أصعب ما يكون. وهكذا يُرغم الباحث على اللجوء إلى أنماط من المعلومات ترتكز على تقطيع الزمان والمكان، وهما البعدان اللذان تدرج ضمنهما الظاهرة: فإن عُرف مكان وجود الأشخاص في تواريخ متتالية على قاعدة تقسيم الأقليم الخاضع للدراسة إلى عدد محدد من المناطق، فلن تعتبر هجرات سوى تلك التي أدت إلى تغيير منطقة وجود شخص بين تاريخين متتالين. وهكذا تُهمل الهجرات داخل منطقة معينة والهجرات الوسيطة، في حال حدوثها قبل بلوغ المحطة النهائية، ومجموع الهجرات إذا كان ثمة هجرة عودة. ويزداد عدد الهجرات المهملة بقدر تباعد التواريخ وإتساع مساحة المناطق. وإذا كان من الممكن التخلص من الضرر الناتج عن دراسة الأوضاع في تواريخ متتالية وعن تلك الدراسة فقط بإجراء ملاحظة استعادية مثلاً، فإن اللجوء إلى تقطيع الأقليم لتحديد حالات الانتقال التي سوف تعتبر بمثابة هجرات يمثل عملياً ضرورة قصوى.

أن يُؤخذ في الاعتبار منطقة أو إقليم معين يؤدي إلى تحديد مفاهيم مثل هجرات داخلية وهجرات خارجية وهجرة نازحة وهجرة وافدة وهجرة صافية وهجرة كلية. من ناحية أخرى، تؤدي دراسة الهجرات عند الاقتضاء إلى تصنيفها حسب رتبة حدوثها (هجرة من الرتبة الأولى، هجرة من الرتبة الثانية...) وإلى جانب الدراسات التي تموضع الهجرة في الإطار العادي للتحليل الديموغرافي يتم تبني التماسات كمية أخرى تدخل عوامل قادرة على تفسير الهجرة وخاصة العوامل التي تتدخل في نماذج الهجرات.

هجرة باقية

Migration survivante

هجرة لم تلها منذ حدوثها وفاة المهاجر.

هي إذن هجرة يمكن معرفتها باستجواب المهاجر حول تاريخ هجرته.

هجرة حاصلة

Migration resultante

هجرة إنطلاقاً من مكان محدد بحيث يكون مقصدها المقصد النهائي لسلسلة هجرات ابتدأت في ذلك المكان.

فإذا كان مهاجر يقطن في A وهاجر على التوالي إلى B وC...، Z، فالهجرة من A إلى Z  ستسمى هجرة حاصلة. وتعميماً، يمكن القول، ما دام هذا المهاجر لم ينجز سوى هجرة واحدة، وهي تلك التي أوصلته إلى B، أن الهجرة من A إلى B هي الهجرة الحاصلة. وفي حال حدوث هجرة عودة إلى A، ستكون الهجرة الحاصلة مساوية لصفر. ويتدخل هذا المفهوم في قياسات الهجرة التي ترتكز على الملاحظات المنجزة في أثناء استقصاءات دقيقة، ويرافقه التمييز بين الهجرات الحاصلة الخام والهجرات الحاصلة الباقية. وهكذا، نلاحظ أن من بين الأشخاص المقيمين في الأقليم A في التاريخ t1، سوف يقيم البعض في الأقليم Z في التاريخ t2 كنتيجة لإقامتهم في B وC... وسيسمح هؤلاء الأشخاص بقياس الهجرات الحاصلة الباقية من A في Z بين t1 و t2، وبإضافة المتأصلين من A الذين بلغوا Z قبل التاريخ t2 والذين توفوا في Z، نحصل على الهجرات الحاصلة الخام. فالهجرات الحاصلة والباقية في نهاية الفترة بين تعدادين هي تلك التي نبلغها حين نسأل في أثناء تعداد عن مكان إقامة الأشخاص في تاريخ التعداد السابق، وبالنسبة إلى الأولاد، حين نسأل عن مكان إقامة الوالدين عند تاريخ ولادتهم إذا تمت هذه الولادة بعد ذلك التعداد. ونتكلم في هذه الحالة على هجرات محثة والهجرات الحاصلة الباقية منذ الولادة هي تلك التي نحصل عليها حين نسأل في خلال تعداد ما عن مكان ولادة الأشخاص.

هجرة خارجية

Migration externe (ou exterieure)

هي بالنسبة إلى إقليم محدد، الهجرة التي تتم بين مكانين يقع أحدهما في الأقليم والآخر خارجه.

وقد يختلف تحديد الإقليم. ويكون عموماً بلداً محدداً أو مختلف الوحدات الإدارية لهذا البلد. وتبعاً لوجهة الهجرة سيستعمل مصطلح الهجرة النازحة والهجرة الوافدة.

هجرة داخلية

Migration interne (ou interiure)

هي بالنسبة إلى إقليم معين الهجرة التي تتم بين مكانين في الإقليم.

هجرة دولية

Migration internationale

هجرة من بلد إلى بلد آخر.

هي إذن شكل من أشكال الهجرة الخارجية التي ترتبط تجلياتها بالتشريعات الليبرالية إلى حد ما في ميدان الرحيل والاستقبال. من ناحية أخرى، لا تكون الدوافع هنا دوافع اقتصادية وحسب (البحث عن عمل، عن مستوى أفضل للحياة)، بل تكون أيضاً دوافع سياسية، أخيراً، وإلى جانب الحركات الفردية، توجد حركات جماعية تسببها مثلاً اضطرابات سياسية وإزالة الاستعمار، وتتخذ أحياناً شكل الانتقال القهري كما يحدث مثلاً في حال تغيير الحدود بين دول. ومنذ الحرب العالمية الثانية، أحدثت البلدان الأوروبية، في سعيها إلى اليد العاملة، هجرة مصدرها البلدان الأقل تطوراً، وهي هجرة اتخذت في الغالب طابعاً مؤقتاً وتبعتها عودة إلى مسقط الرأس. وازداد مؤخراً حجم نزوح الكفاءات (نزوح الأدمغة) باتجاه البلدان التي توفر ظروف حياة وعمل أفضل. تلك الحركة، وإن كانت غير مهمة على الصعيد العددي، قد ألقحت الضرر بالبلدان التي حُرمت بهذه الطريقة من قسم من نخبتها. فالهجرات الدولية، التي كانت في الماضي عاملاً مهماً من عوامل تعديل الإعمار (وأمريكا هي أبرز مثل على ذلك) لا تشكل حلاً للوصول إلى توزيع أفضل للسكان بين مناطق غير مأهولة بشكل متاوٍ، وغالباً ما يشكو قياس الهجرات الدولية، وهو قياس يرتبط بمراقبة جيدة على الحدود وبوجود إجراءات صارمة للتسجيل عند الوفود، من سوء تسجيل الخارجين.

هجرة صافية

Migration nette

تمثل الهجرة الصافية بالنسبة إلى إقليم محدد وفترة معينة الفرق بين الهجرة الوافدة والهجرة النازحة.

وتُستعمل أيضاً عبارة ميزان الهجرة أو رصيد الهجرة ويُشكل النمو الطبيعي والهجرة الصافية مركبي نمو السكان. وغالباً ما يستفاد من العلاقة الناتجة عنهما:

(J – B) + (N – T) = T2 – T1

لتقدير الهجرة الصافية:

(N – T) – (T2 – T1) = J – B

في غياب تسجيل يسمح بتحديدها بطريقة مباشرة. ولكن إذا كان النمو الطبيعي (N – T) يُعرف غالباً بدقة كبيرة، فإن النمو (T2 – T1) الذي توفره مقارنة تعدادين، يشوبه خطأ قد يمثل قسماً لا يستهان به من أعداد السكان، ويشوبه بالتالي خطأ مطلق قد يكون مهماً نظراً إلى الأعداد التي تؤخذ في الاعتبار. ويرجع حينها هذا الخطأ المطلق إلى الأعداد التي تتناولها الدراسة، وهي أعداد قليلة مقارنة بأعداد السكان، مما ينتج خطأ نسبي قد يقضي على هذه الطريقة، وتُحسب أيضاً الهجرة الصافية حسب العمر مع تمييز الجنس عند الاقتضاء.

هجرة العودة

Migration de retour

هجرة تُعيد مهاجراً إلى المكان الذي انطلق منه.

ويختلف تحديد مكان الانطلاق هذا تبعاً لإطار الدراسة، فإذا كانت الهجرات تُدرس منذ ولادة الفرد، فستكون هجرة العودة هي الهجرة التي ستعيده إلى مكان ولادته. وإذا كانت الهجرات تدرس في خلال فترة محددة من حياته، فسيكون هناك هجرة عودة إذا أعادت الهجرة الأخيرة في تلك الفترة المهاجر إلى مكان إقامته في بداية الفترة نفسها. وفي الدراسات التي ترتكز على تقريب أمكنة الإقامة في تاريخين، تؤدي هجرات العودة إلى القضاء على كل أثر للهجرات التي تمت في الفترة الفاصلة.

هجرة كلية

Migration totale

تعين هذه العبارة بالنسبة إلى إقليم محدد وفترة معينة مجموع حالات رحيل ووصل المهاجرين في ذلك الإقليم.

ومع الهجرة الكلية يتمثل الهدف في قياس أهمية الحركات التي تحدثها الهجرات ولهذا السبب لا يُدخل البعض سوى الهجرات الخارجية في حين يأخذ البعض الآخر في الاعتبار الهجرات الداخلية وفي هذه الحالة الأخيرة، تساوي الهجرة الكلية مجموع الهجرة الخارجية من جهة وضعف الهجرة الداخلية من جهة أخرى.

هجرة مُحثة

Migration induite

هجرة متعلقة بمولود جديد في فترة معينة ويبقى حياً حتى نهاية الفترة، وهي هجرة تتطابق مع الهجرة الحاصلة التي قام بها الوالدان أو أحدهما في خلال تلك الفترة.

هجرة مناوبة

Migration alternante

تنقل شخص بين مكان إقامته ومكان عمله.

وهو تنقل دوري، وغالباً ما يكون تنقلاً يومياً أو أسبوعياً؛ ويشكل التعبير هجرات هنا تعبيراً في غير موضعه لعدم حدوث تغيير لمكان الإقامة. ولهذا يفضل استعمال عبارة مكوك.

هجرة مستمرة

Migration subsistante

هجرة لا تليها بعد حدوثها هجرات أخرى أو وفاة المهاجر.

وتمثل الهجرات المستمرة في تاريخ معين الهجرات الباقية الأخيرة في ذلك التاريخ. وتُستعمل في المعنى نفسه عبارة الهجرة المستمرة من إقليم ما دام المهاجر يبقى خارج ذلك الإقليم ولا يتوفى. كذلك أيضاً تُستعمل عبارة الهجرة المستمرة إلى إقليم معين ما دام المهاجر يبقى في ذلك الإقليم ولا يتوفى.

هجرة موسمية

Migration saisonniere

هجرة سنوية تحددها عموماً ظروف عمل الشخص.

ولا يشكل هذا التعبير المكرس تعبيراً ملائماً إذ أن الظاهرة التي يعينها لا يلازمها تغيير مكان السكن المعتاد للشخص.

هجرة نازحة

Emigration

يعين هذا المصطلح بالنسبة إلى إقليم معين هجرة شخص من هذا الإقليم باتجاه الخارج، كما يعين أيضاً الظاهرة التي يميزها هذا النمط من الحدث.

هجرة وافدة

Immigration

يعيّن هذا المصطلح، بالنسبة إلى إقليم مُعين، هجرة شخص من الخارج باتجاه هذا الإقليم، كما يعين أيضاً الظاهرة التي يميزها هذا النمط من الحدث.

متعلقات

هجرة(1)

الهجرة هي أن يترك شخص او جماعة من الناس مكان إقامتهم لينتقلوا للعيش في مكان آخر ، وذلك مع نيّة البقاء في المكان الجديد لفترة طويلة ، أطول من كونها زيارة أو سفر. و من أهم أنواعها ظاهرة الهجرة القروية التي تمزق النسيج الأسري للكثير من المجتمعات العربية والعالم الثالث، فقضية الهجرة إلى المدينة قضية عالمية، وإن كانت مدن العالم تتفاوت في ضغط المهاجرين عليها, وكنا نظن قبل سنوات ان مدننا سوف تكون بمنأى عن تلك المشكلة ولكنها في السنوات الأخيرة عانت من كثرة الوافدين، فالمدن تستقبل في كل عام أعدادا كبيرة من سكان القرى، حتى ان أحياء نشأت في أطراف المدينة لا يقطنها إلا الوافدون من القرى.

 أنواع الهجرة

هجرة داخلية: هي هجرة سكان من منطقة معينة من مكان إلى آخر في نفس المنطقة

2الهجرة الخارجية:

 نتائج الهجرة

 نتائج ديموغرافية أو سكانية

تغير حجم السبوبة : يتحدد في اتجاهين متضادين .أحداهما في زيادة سكان المدن المستقبلة والأخر في تناقص عدد سكان الريف . الهجرة والنمو الحضاري بحيث يختلف نمط المهاجرين حاليا عن النمط القديم ... كانوا قديما عمالا غير مهرة او خدما في المنازل .. اما حاليا فهم عمال انتاج ومتخصصون احياننا في بعض الاعمال الفنية . كما ترتب علي النمو الحضري الهائل للمدن : نقص الخدمات الرئيسية بصفة عامة, نشأة المدن الصفيح (اكواخ), اختلاف عدد سكان المدينة ليلا عن نهارا ،وفود الي المدينة اعداد كبيرة من سكان المناطق المجاورة للحصول علي احتياجاتهم, زيادة البطالة ومعدلات الانحراف, ظاهرة ظاهرة التحضر الزائف : مجرد التغير في محل الاقامة دون التغير في العادات والتقاليد ومستوي المعيشة

نتائج اجتماعية:

على المدينة

انتشار العديد من الجرائم ، ممارسة القرويين لعادتهم التي لاتتفق مع الحياة الحضرية, انتشار مدن الصفيح ، وهي بؤر فاسدة اجتماعيا و تكدس المهاجرين في احياء مزدحمة تفتقر الي التخطيط الهندسي

علي الريف.

اختلاف التركيب النوعي ، وارتفاع نسبة الاناث في الارياف, عدم وجود فائض من الاستثمارات يوجه الي تطوير الريف وخاصة في الدول النامية ، وهذا يساعد علي زيادة تخلفة ومعاناته من نقص الخدمات

و للحد من هذه الافة التي تأرق المجتمع يجب البحث عن حلول نجيعة و جذرية لاستاصال هذه الظاهرة من جذورها ففي البادية مثلا يجب: توجيه الاهتمام لها بتوفير الخدمات الصحية والاجتماعية و استغلال خامات البيئه في اقامة صناعات محلية صغيرة اضافة إلى تحسين ظروف الحياة الريفية و تحسين اسلوب العمل الزراعي باتباع الطرق العلمية لزيادة الانتاج .اما في المدينة فيجب التخيف من مركزية الادارة و عدم تركيز الخدمات الصحية والثقافية والترفيهية بها اضافة إلى التخفيف من تركيز الجامعات و الصناعات الحديثة في العاصمة.]] 

فقدان المواهب لصالح بلدان أخرى.. هجرة العقول العربية(2) 

 الهجرة عملية سكانية زادت معدلاتها فى عالم اليوم بصورة ملحوظة ، نتيجة لمجموعة من العوامل والظروف تتفق وتختلف من مجتمع لأخر .

وقد ترتبت على الهجرة مجموعة من التغيرات فى حجم وشكل المجتمع حيث تطرح هذه القضية إشكاليات عديدة على مستوى المجتمعات المصدرة للعمالة بوجه خاص ، وعلى المستوى القومى العربى أيضا .

وبالرغم من تزايد حركة الهجرة الخارجية وتنقل العمالة بصفة خاصة بين الأقطار العربية فأن دراسة هذه الظاهرة وما ينتج عنها من آثار اجتماعية واقتصادية سواء كانت إيجابية أم سلبية ، تواجه بعقبة أساسية تتمثل فى نقص المعلومات والبيانات الاحصائية المتصلة بتلك الظاهرة . وترجع هذه المشكلة إلى سببين أساسيين :

الأول : إن بعض الدول العربية لم تجر تعدادا واحدا للسكان حتى الآن علاوة على أن ما يتم إجراؤه من عمليات إحصائية فى أغلب الدول العربية تشوبه عيوب كثيرة لعل من أبرزها الاختلاف فى التعريفات والمفاهيم أو فى التصنيفات الخاصة بخصائص العمالة الوافدة إليها .

الثانى : يتمثل فى عزوف بعض الدول العربية عن نشر معلومات وإحصاءات قوة العمل بها سواء كانت وطنية أم أجنبية وذلك لاعتبارات قد تراها من وجهة نظرها تتصل بأمور أمنية أو سياسية ، أو تقوم بنشر هذه المعلومات والاحصاءات متأخرة بحيث تصبح هذه البيانات غير ملائمة خاصة فى عالم يتسم بسرعة الأحداث والتغيرات .

هجرة العقول العربية .. الأسباب والآثار :

تعتبر هجرة العقول والكفاءات العلمية والفنية من أقدم المسائل التى واجهتها البشرية . وقد خلقت هذه الهجرات تفاعلا خلاقا بين الحضارات منذ القدم حيث انتقلت بعض اختراعات الصين إلى العرب ، وبعد أن قام العرب بتحسينها انتقلت من خلال الفلاسفة والعلماء العرب إلى أوروبا وهكذا .

غير أن هجرة العلماء والفنيين من الوطن العربى إلى الدول المتقدمة لا تقاس بهذا المقياس أذ هى تعتبر فى العلاقات الدولية من أهم الظواهر فى عالم الهجرة حيث تؤدى إلى تأخر الوطن العربى وبطء شديد فى عمليات التطوير العلمى والتحديث الاقتصادى والاجتماعى والتى يطلق عليها بعض الباحثين مصطلح النقل المعاكس للتكنولوجيا .

فمع التطورات العالمية الحالية يتراجع حجم الموارد المادية المتاحة أمام المعرفة البشرية حيث فرضت علينا الحقبة الراهنة بعض المصطلحات ، وأصبحت المعرفة ونتاج العقل البشرى هما العنصرين الرئيسيين لاعطاء أى مجتمع فرصة دخول القرن الحالى بقوة .

وفى الوقت الذى يعتبر فيه البحث العلمى أحد أدوات ومفاتيح هذا القرن – عصر العولمة وثورة المعلومات – فإن أعدادا كبيرة من المهنيين يهاجرون بعد حصولهم على دراسات عليا فى أوطانهم ومن ثم فأنهم يشكلون بصورة جزئية فائض نظام التعليم فى بلدهم .

وبسبب وجود هوة بين أنظمة ومناهج التعليم والتدريب واحتياجات سوق العمل فى المجتمع المحلى فقد أسفر عدم التوازن هذا عن ناتج زائد ، فتعين على الأفراد أن يسعوا للعمل خارج بلادهم أو تدفعهم الظروف الحياتية إلى الهجرة . ومن أشكال هجرة الكفاءات وأهمها أولئك الذين سافروا إلى الخارج لطلب العلم فبقوا فى المهجر

وسنفرق بين ثلاثة أنواع من نزيف العقول :

1- النزيف الخارجى للعقول :

وهو النمط الشائع فى هجرة العقول من الوطن العربى إلى خارجه .

2- النزيف الداخلى للعقول :

وهو ميل بعض العلماء فى الوطن العربى إلى المعيشة على هامش الحياة فى هذا الوطن ، وتوجيه أهتمامهم كله نحو العلم فى حد ذاته والمعرفة من أجل المعرفة وليس من أجل تطوير سبل الحياة وتسخيرها لخدمة المجتمع عمليا ، وكل ذلك من أجل الحصول على جوائز أو تقديرات وهى هجرة عقول داخلية .

3- النزيف الأساسى للعقول :

وهو إخفاق بعض الدول النامية فى الاهتمام بعقول مواطنيها نتيجة للعديد من العوامل لعل أبرزها نقص الإمكانيات وسوء التغذية الذى تعانى منه الأمهات والصغار فى العالم الثالث بالإضافة إلى العوامل السياسية وحجب المعرفة لأن المعرفة تعنى الإلمام بالحقوق ، والدفاع عنها يعنى النضال من أجل الحرية وترسيخ مفاهيم الديمقراطية الحقيقة .

وتعد ظاهرة هجرة الكفاءات والعلماء من الدول العربية إلى الخارج أحد أهم العوامل المؤثرة على تطور الاقتصاد القومى ، وعلى التركيب الهيكلى للسكان والقوى البشرية . وتكتسب هذه الظاهرة أهمية متزايدة فى ظل تزايد أعداد المهاجرين خاصة من الكوادر العلمية المتخصصة . وتتمثل أهم الآثار السلبية فى حرمان هذه الدول من الاستفادة من خبرات ومؤهلات هذه الكفاءات فى مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية . وتعانى مصر وغيرها من الدول العربية من آثار هذه الظاهرة حيث يقدر الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء المصريين المتميزين من العقول والكفاءات التى هاجرت للخارج بـ 824 ألفا وفقا لأخر احصاء صدر فى عام 2003 من بينهم نحو 2500 عالم

هجرة العقول(3)

في ضوء اتساع ظاهرة هجرة العقول من الدول النامية للدول الصناعية المتقدمة من ناحية، استمرار تخلف غالبية دول العالم الثالث من ناحية ثانية، تبلور مفهوم «استنزاف العقول» حيث تم اعتباره مشكلة تواجه العالم الثالث وتحد من قدراته على النهوض وتجاوز حواجز الفقر والتخلف.

 تعتبر هجرة العقول، أي هجرة المتعلمين والمؤهلين تأهيلا علميا وفنيا من الدول النامية إلى الدول المتقدمة مشكلة من أهم المشاكل التي تعاني منها المجتمعات ضعيفة التطور. تلك الهجرة ساهمت ولا تزال تساهم في توسعة حجم فجوة الثروة والعلم والثقافة والحرية التي تفصل الشعوب النامية عن الشعوب المتقدمة.

 إن إلقاء نظرة فاحصة على عالم اليوم سوف تظهر بوضوح بالغ أن الجماعات والشعوب والأمم الأقل علما وثقافة ووعيا من النواحي الاجتماعية والسياسية هي الأكثر فقرا وحاجة وجمودا،. كما يُلاحظ أيضا أن الشعوب الأقل علما وثقافة هي شعوب تعاني من غياب الحريات العامة وضعف فرص التقدم وتراجع العدالة الاجتماعية.

 وحتى على المستوى الفردي، يُلاحظ أن الشخص الذي يتمتع بقدر كبير من العلم والمعرفة والثقافة يكون عادة أكثر وعيا بحقوقه واقدر على المطالبة بها والحصول عليها، وتتوفر له إمكانيات عمل وفرص غير عادية ، كما تمنحه مرونة كبيرة للهجرة إلى الخارج .

إن ارتباط التقدم الاقتصادي وإمكانيات التحرر بالنسبة لكافة نواحي الحياة بالمستوى العلمي والتراكم التكنولوجي والنشاط الثقافي في المجتمع، يجعل بالإمكان الجزم بأن «الجهل يعكس فقرا وظلما، بينما يعكس الثراء علما وسلطة». وهنا لا بد من الإشارة بسرعة إلى أن الثراء الناجم عن توفر العلم والقوة لدى البعض لا يعكس عدلا اجتماعيا.

 قال فيديريكو مايور المدير العام السابق لمنظمة اليونسكو أن عالم الأميين هو نفسه عالم الجياع والعاطلين عن العمل.. إنه عالم أولئك الناس الذين ليس لديهم آفاق مستقبلية. وعلى الرغم من أنه بالإمكان توفير بعض الطعام للجياع وبعض الدخل للعاطلين عن العمل، إلا أنه ليس للأميين من مستقبل في المستقبل.

 ويعود السبب في تضاؤل فرص الجهلاء والفقراء في حياة منتجة كريمة إلى ارتباط الثروة بالمعرفة من ناحية، وتزايد احتياجات العملية الاقتصادية الحديثة للعلم والمعرفة التكنولوجية من ناحية ثانية، ولتزايد حدة المنافسة المؤسسة على المعرفة والتكنولوجيا بين الشركات والدول من ناحية أخرى.

 حيث يقوم الاقتصاد المعرفي المهيمن على العالم على إنتاج المعرفة وتخزينها وتحليلها وتسويقها واستخدامها في إدارة كافة شؤون الحياة. الأمية لا تعني أمية القراءة والكتابة فقط، بل وتشمل أيضا «الأمية الثقافية» التي تتفشى في البلاد العربية كالنار في الهشيم.

 بناء على ما تقدم يمكن القول ان المستقبل الذي بدأت ملامحه تتضح منذ بدايات القرن الحادي والعشرين لن يشهد وجود فقراء وأثرياء بالمعنى التقليدي المتعارف عليه، بل سيشهد جهلاء ومتعلمين. الشعوب والجماعات التي تعاني من الجهل وانتشار الأمية سوف تعيش حياتها فقيرة ومضطهدة وتابعة للجماعات والشعوب المتعلمة الثرية، حتى وإن توفرت لديها موارد طبيعية كثيرة.

 وفي المقابل، سوف تعيش الشعوب والجماعات المسلحة بسلاح العلم والمعرفة حياة رخاء وحرية تمكنها من قيادة الغير من الشعوب وتحديد مصائر الكثيرين من الفقراء والجهلاء. وهناك شعوب غنية بثرواتها الطبيعية مثل نيجيريا وفنزويلا بقيت فقيرة وعاجزة عن اللحاق بالعصر.

 بينما استطاعت شعوب فقيرة بثرواتها الطبيعية مثل سنغافورة وتايوان وكوريا الجنوبية واليابان استخدام العلم والمعرفة وسيلة لتحقيق التقدم وتكوين ثروات كبيرة والإسهام في قيادة المسيرة الحضارية الإنسانية.

العقول المهاجرة(4)

 هجرة العقول المتميزة ظاهرة عالمية وليست مقصورة على العلماء العرب فقط فهناك هجرة للعقول المتميزة من الهند وباكستان والصين واليابان وبعض الدول الافريقية ولكن اتجاهها دائماً من الدول النامية إلى الدول الصناعية الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبالاخص الولايات المتحدة الامريكية وكل ذلك جاء نتاج عدة أمور منها: -

1.ان الدول النامية لا تميز في كثير من الاحيان بين المتميز وغيره حيث توجد الانظمة الجامدة التي تعامل الجميع بنفس المقياس ولا تعطي للمتميز ما يشجعه على مزيد من البذل والعطاء ناهيك عن ان مجال العمل والبحث والتطوير محدود أمامه مما يجعله بين خيارين اما الاستكانة والقبول بالامر الواقع وهذا الاسلوب راح ضحيته آلاف من العلماء المتميزين ويذهب ضحيته اعداد هائلة في وقتنا الحاضر والخيار الثاني هو قبول العروض المغرية التي تقدمها المراكز العلمية في الغرب لكل متميز مبدع والتي تتمثل بالمال والجاه وكثير من المميزات التي لا يحلم بها في وطنه الأم.

2.من أهم أسباب الاحباط هو ان يكون الاقل كفاءة هو المسؤول عن تسيير دفة العمل والتخطيط في المراكز العلمية مثل الجامعات ومراكز الابحاث وغيرها فمثل هؤلاء تجد ان لديهم مركب نقص ويعرفون في دواخل أنفسهم مستواهم لذلك يعتبرون كل متميز عدواً لهم لان وجوده يظهر نقصهم امام الاخرين فيلجأون إلى كل وسائل الإحباط الممكنة للتخلص منه وإذا عجزوا عن ترويضه بالطرق العادية لجأوا إلى الهمز واللمز وإلصاق التهم وما أكثر أصحاب هذا النوع من الدس الرخيص في العالم الثالث.

3.بعض من ملكة العقل المتميز يدفعه إلى الهجرة طموح علمي لا يحققه الموقع الذي يتواجد فيه حتى وان احترم وقدم على غيره لذلك تجده يذهب إلى حيث يجد ضالته وهي إشباع روح البحث والتطوير أو المشاركة الفاعلة في الرأي والخبرة أو الحصول على الدعم المادي والمعنوي وإلى حيث يستجاب لطلباته مهما كلفت ما دامت سوف تؤدي إلى نتيجة تفيد الممول وتحفظ حق العالم والمؤسسة العلمية.

4.بعض منهم يكون قد ذهب لتلقي العلم هناك كطالب وبعد تخرجه بتميز يجد فرص العمل متاحة أمامه بل يُخطب لكي يلتحق به فيقرر بعضهم انه سوف يبقي هناك لفترة معينة ويعود إلى وطنه ولكن في الغالب يطول به المقام خصوصاً اذا حافظ على تميزه مما يجعله يتدرج في سلم المجد العلمي فيصعب عليه التفريط بما حققه من انجاز ناهيك عن عدم وجود ما يعول عليه في العودة إلى الوطن. من الناحية العلمية والمادية.

5.بعض منهم يضع اللوم على الاوضاع السياسية أو الاقتصادية في بلده لذلك نجد ان أكثر العلماء المهاجرين ينتمون إلى دول غير مستقرة سياسياً أو إلى دول فقيرة جداً ناهيك عن وجود نزاعات عرقية أو طائفية أو مذهبية بالإضافة ان بعضهم لا يتوافق ايدلوجياً مع النظام القائم في بلده مما يدفعه إلى البحث عن مخرج وكل هذا طبيعي فالاستقرار السياسي والوضع الاقتصادي الجيد من ابرز مقومات التنمية بما في ذلك المحافظة على العقول المتميزة في مختلف التخصصات العلمية والادبية وغيرها.

وعلى أية حال فإننا اذا تركنا الحديث عن الاسباب العامة التي ادت إلى الهجرة واردنا ان نتحدث عن الواقع القائم اليوم نجد ان العالم العربي لا زال في طور النمو ولا زالت المحسوبية عنصراً قائلاً لكثير من الطموح ناهيك عن عدم الاستقرار السياسي والامني في المنطقة وعدم إقدام الدول العربية على منهجية اقتصادية جماعية تجعل منها محور اقتصادي فاعل وبالتالي ينعكس على أوضاعها الاقتصادية ليس هذا فحسب بل ان اعداد المتعلمين الذين تدفع بهم الجامعات والمعاهد المتخصصة في ازدياد مستمر مع عدم توفر فرص العمل المناسبة مما يجعل كثيراً من المتميزين العرب عرضة لمغريات الهجرة إلى دول الغرب أو الشرق حيث تتوفر فرص العمل وإرضاء الطموح.

ومن الاسباب المستجدة التي تدفع إلى مزيد من الهجرة عدم القبول في الجامعات مما يدفع بالبعض إلى السفر للخارج للدراسة على حسابه الخاص وهناك ربما يحصل على مغريات للبقاء ان هو تميز. وربما استثنى من ذلك دول الخليج بصورة عامة والمملكة بصورة خاصة ذلك ان المملكة تتميز بالاستقرار السياسي والوضع الاقتصادي المتين بالإضافة إلى ان من يذهب إلى الغرب للدراسة والتعليم يذهب في الغالب على بعثات حكومية ويتلقى كثيراً من التشجيع خلال بعثته، ناهيك عن المملكة تقوم على اساس تحكيم الشريعة الإسلامية في كل أمورها مما يجعلها محط انظار الآخرين فكيف بأبنائها الذين يعودون إليها فور تخرجهم لذلك لا يوجد هجرة للعقول السعودية وان وجدت فهي لا تذكر لقلتها.

وعلى أية حال فإن الدعوات التي كانت تنادي بعودة العقول العربية المهاجرة إلى منشئها لتشارك في البناء أصبحت أقل قابلية لقصورها والآن حل محلها النداء الاكثر عقلانية وهو الذي يدعو إلى بناء شراكة مع العقول العربية المهاجرة فالعلماء العرب اليوم يتواجدون في اعرق المراكز العلمية والجامعية والبحثية والصناعية ويطلعون ويطورون كثيراً منها لذلك فإن بإمكانهم عند تقديم دعوة صادقة لهم للمشاركة من مواقعهم في بعض البرامج القائمة هنا في مراكز البحث والجامعات العربية ان يكونوا خير عون اذا أحسن الاختيار وصدقت النوايا من الجانبين خصوصاً مع الحملة الصهيونية من كل من ينتمي للعرب أو الإسلام بصلة.

ان توطين التقنية ونقل المعرفة من الدول المتقدمة صناعيا مثل أمريكا واليابان وجنوب شرق آسيا وأوروبا يحتاج إلى قناة اتصال اساسها العنصر البشري لذلك فإن وجود عقول عربية ذات خبرات وكفاءات متميزة في الدول المتقدمة يساعد في الإسراع في عملية النقل وخير شاهد على مثل هذا التوجه استفادة كل من الهند من علمائها المهاجرين وكذلك الصين وفي نفس الوقت لا ننسى تجربة اليابان وربما يكون أكبر من استفاد من هذا الاسلوب عدو الامة والبشرية إسرائيل حيث يهود الشتات وعلمائهم المنتشرون في كل مكان. ان هذا يعني ان وجود العقول العربية المهاجرة يعتبر عنصر شراكة بين الغرب والعالم العربي حيث انها زرعت في العالم العربي ثم اتت اكلها في الدول الغربية.

وفي الآونة الاخيرة قام العلماء العرب في الغرب بإنشاء شبكة للعلماء العرب في المهجر تسمى "شبكة العلماء والتكنولوجيين العرب في الخارج" والتي تعرف اختصاراً باسم الاستا (ALSTA) وقد انبثقت الشبكة نتيجة للمؤتمر الأول للعلماء والتكنولوجيين العرب في الخارج الذي عقد في عمان عام 1992م وهذه تهدف إلى التعريف والكشف عن مواقع الكفاءات في الدول الغربية ورصد إسهاماتها في مسيرة التقدم العلمي الحديث وذلك كخطوة أولى لاعداد دليل متكامل عنهم لكي توضع لمثل تلك الحقائق في متناول اصحاب القرار السياسي والاكاديمي والصناعي والاقتصادي في العالم العربي ناهيك عن تعريف العامة والخاصة بوجود مثل تلك العقوبات وإسهاماتها المتميزة.

وعلى العموم فإنه لا يمكن رصد جميع الكفاءات العربية بالمهجر ذلك ان تلك الكفاءات تتراوح ما بين الفني والاخصائي والتاجر إلى العلماء من حملة الشهادات العليا وغيرهم وبالتالي فإن المتميزين من أساتذة الجامعات وحملة الدكتوراه يمكن الوصول إليهم لانهم يشغلون مراكز مرموقة في كل من الجامعات ومراكز الابحاث والوكالات المتخصصة ناهيك عن كونهم من ابرز العاملين في مجال البحث والتطوير على المستوى العالمي. والإحصائيات الاولية تشير إلى وجود (284) استاذا جامعيا في مجال العلوم الهندسية والتطبيقية و(179) أستاذاً في مجال العلوم الحياتية والزراعية و(152) أستاذاً في مجال الصحة و(225) استاذا في العلوم التطبيقية والرياضيات و(136) استاذاً في مجال العلوم الإدارية وبالطبع فإن تلك الإحصائيات ربما لا تكون دقيقة بما فيه الكفاية إلا ان المعلومات المتوفرة تشير إلى نسبة العقول العربية المشاركة في التقدم العلمي والتربوي والتكنلوجي في الدول المتقدمة تصل إلى 2% من مجموع المتميزين فيها. وفي احصائية حديثة وجد ان عدد المتخصصين المصريين من اساتذة الجامعات المهاجرين إلى الدول الغربية يربو على (650) متخصصاً وجميعهم في العلوم التطبيقية والتكنولوجية تقريباً.

ان مشكلة العالم العربي بصورة عامة وكل دولة من دوله بصورة خاصة ان جميع المؤسسات العلمية والبحثية فيها يعمل كل منها على شاكلته فليس هناك برنامج مدروس وهدف محدد ورؤية واضحة ترصد جميع الفعاليات لانجاز ذلك الهدف ناهيك عن عدم توحيد منبع القرار في تلك المؤسسات وجعلها مؤسسات تكاملية بدلاً من كونها تنافسية في المظهر لا في الجوهر لذلك فإن أية دولة عربية تنشد الاستفادة من العقول العربية المهاجرة أو تنشد نقل وتوطين التقنية بصورة عامة عليها ان تعد العدة وتكون جاهزة لذلك من خلال المؤسسات الجامعية ومراكز البحث العلمي والتطوير داخلها وخارجها ناهيك عن الجهات المعول عليها في نقل المعرفة العلمية والتكنولوجية وتوطينها لذلك فإنها منوطة بتبني نظام مبني على التعليم والتدريب والبحث ذلك ان تلك الاساليب هي الاكثر ملائمة للتحديث على المدى القصير والبعيد ولذلك فإن الدول المتقدمة تعتمد على اساليب التدريب المستمر ليس للخريج أو في بداية الالتحاق بالعمل فقط بل هي عملية مستمرة تستهدف الباحثين واساتذة المدارس ومديري الإدارات والفنيين وغيرهم مما يكسبهم التدريب مهارات جديدة وبالتالي ينعكس على ادائهم في عملهم لذلك فإنهم يعمدون إلى التواصل مع المراكز البحثية والصناعية وربط الدراسات العليا والبحث العلمي بالصناعة وجعل الجامعة مركزاً استشارياً عن طريق النزول إلى الميدان بدلاً من التركيز على التدريس وتخريج كوادر متشابهة لا يختلف فيها خريج هذا العام عن ذلك الذي تخرج قبل عشر سنوات وتسبب هذا التخلف في الغالب عدم وجود الحوافز ناهيك عن عدم وجود الدعم المالي الذي هو اساس البحث والتطوير لذلك نجد ان الاسلوب الاخير متفش في العالم العربي ذلك ان الدول العربية لا تصرف إلا نسبة ضئيلة من دخلها القومي على مجال البحث والتطوير وربما أكون متفائلا اذا قلت ان هذه النسبة ربما لا تصل في أحسن الظروف إلى (1) من ألف فقط من الدخل القومي.

وبعد فإن الواجب يقتضي ان تقوم الجامعة العربية بدراسة مكثفة عن واقع العقول العربية المهاجرة وعن واقع الهجرة القائمة حالياً والتي تستنزف اعداداً هائلة من الاكفاء والتي ربما يستفيد منها الاعداء إذا لم تستقطب وتربط بطريقة أو بأخرى بالوطن وشحذ روح الحس الوطني لديهم بدلاً من نسيانهم وذلك يتمثل بتشجيع إقامة تجمعات واتحادات واندية تجمعهم وتتيح لهم فرص التعرف على بعضهم البعض ناهيك عن ان مثل تلك الاتحادات تمكن المتخصصين في الوطن العربي الاتصال بهم والتعاون معهم كل في مجال تخصصه.

اما الوضع العلمي والبحثي والتعليمي في العالم العربي فإنه يحتاج إلى مزيد من التمحيص وإعادة البلورة بما يتوافق مع معطيات العصر ومتطلبات التنمية مما ينعكس ايجاباً على خفض نسبة الهجرة واستقطاب بعض العقول المهاجرة للمشاركة ولو من بعيد بهموم الوطن وحل مشاكله خصوصاً ان العالم اصبح قرية صغيرة والجامعات والمراكز البحثية اصبحت في متناول اصابع اليد في جميع أنحاء العالم بسبب ما حدث من تقدم تكنولوجي وثورة في مجال الاتصالات وربما يكون القادم من الاكتشافات اكثر فعالية ، ومع ذلك فإن ربط عقول متميزة مثل تلك التي تعمل في المراكز البحثية والجامعات العالمية بمراكزنا البحثية وجامعاتنا سوف يكون له بالغ الاثر على كل من الجهد البحثي والعمل الاكاديمي خصوصاً في مرحلة الدراسات العليا. ذلك ان توسيع دائرة الاهتمام والبحث عن الافضل هو ما يميز الجامعات العريقة والمتجددة.

تقرير:  الهجرة في منطقة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى(5)

موقع منطقة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى*

ألجمت المفاجأة لسان القائمين على التعداد في روسيا في عام 2002 عندما وجدوا أن عدداً كبيراً من المدن في المناطق الواقعة في أقصى الشمال والشرق من البلاد قد أصبحت خاوية على عروشها.

في حين أشارت البيانات المُستقاة في العام ذاته إلى أن عدد سكان موسكو قد ارتفع من 1.5 مليون نسمة إلى 10.4 مليون نسمة خلال السنوات العشر التي تلت انهيار الشيوعية.

وحسبما تشير النتائج التي خلص إليها هذا التعداد، فإن الروس كانوا في حركة دائبة بحثاً عن فرص عمل وظروف معيشية أفضل في مدن أخرى داخل الاتحاد الروسي ـ وحتى في بلدان أخرى.

 وكان الشيء نفسه يحدث في جميع أنحاء بلدان منطقة أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق، حيث باتت هجرة الأيدي العاملة اليوم تشكل ظاهرة بنفس الحجم الذي كانت عليه في عام 2002.

ووفقاً لتقرير جديد صادر عن البنك الدولي بعنوان "الهجرة والتحويلات النقدية: أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق"، فإن العديد من تدفقات الهجرة الأكبر حجماً في العالم ـ في حقيقة الأمر ـ تأتي من هذه المنطقة أو تتوجه إليها.

وتضم روسيا ثاني أكبر عدد من المهاجرين في العالم بعد الولايات المتحدة، إذ يبلغ تعداد المهاجرين نحو 3-3.5 مليون من المهاجرين ممن لا يحملون الوثائق اللازمة. وتعتمد الكثير من الاقتصادات بشدة على التحويلات النقدية التي يرسلها العمال المهاجرون إلى عائلاتهم في بلدانهم الأصلية من الخارج. حيث تشكل تلك التحويلات النقدية، وفقاً للبيانات والأرقام الرسمية، أكثر من 20 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في مولدوفا والبوسنة، وأكثر من 10 في المائة في ألبانيا وأرمينيا وطاجيكستان. وحسبما يقول هذا التقرير فإن ثمة شواهد غير موثقة تشير إلى أن تدفقات التحويلات النقدية الفعلية قد تفوق بكثير تلك الأرقام الرسمية.

يقول بروس كويلين، الخبير الاقتصادي بالبنك الدولي الذي شارك في تحرير هذا التقرير مع علي منصور ـ وهو أيضاً أحد الخبراء الاقتصاديين بالبنك الدولي، "إن الهجرة ـ الوافدة من هذه المنطقة والمتوجهة إليها ـ موجودة لتبقى".

وطبقاً لما ورد على لسان كويلين، فإن معدلات الهجرة ستشهد كذلك على الأرجح زيادة في السنوات المقبلة، ويرجع ذلك إلى أن روسيا والبلدان الأخرى ـ التي كانت ذات يوم جزءاً من الاتحاد السوفيتي السابق ـ تعاني نقصاً في القوة العاملة مع تقدم سكانها في العمر، بالإضافة إلى سعي العمالة الماهرة الصغيرة السن لديها إلى العمل في بلدان شرق وغرب أوروبا، وأمريكا الشمالية.

ويضيف كويلين ـ الذي شملت أبحاثه إجراء تحليل للدراسات الاستقصائية وبيانات التعداد وغير ذلك من المعلومات الإحصائية والكمّية الأخرى، فضلاً عن إجراء دراسات استقصائية عن المهاجرين في ستة بلدان ـ أنه في حين يمكن سد جزءٍ من الطلب على العمالة من بلدان أخرى في منطقة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، إلا أنه سيتعين في آخر المطاف توفير النسبة المتبقية من الخارج، "ومن المرجح أن يكون ذلك من أفريقيا أو آسيا".

ويتدفق العمال من كل من طاجيكستان وجمهورية قيرغيز وأرمينيا وجورجيا والصين بالفعل في الوقت الحالي للحصول على فرص عمل في روسيا وكازاخستان، ويشمل ذلك المناطق التي تعاني نقصاً شديداً في السكان في روسيا والبلدان التي شكلت الاتحاد السوفيتي السابق.

ويستطرد كويلين قائلاً "لا يمكن لأحد أن يحدد بدقة أرقام تدفقات العمالة الصينية إلى روسيا، حيث إن معظم هؤلاء المهاجرين تقريباً لا يحملون الوثائق اللازمة"، ناهيك عن أن جزءاً كبيراً من تلك التدفقات قد يكون مؤقتاً، أو "دائرياً".

تشجيع الهجرة الدائرية

تخلص هذه الدراسة إلى أن جزءاً كبيراً من هذه الهجرة هو من البلدان الأعضاء في كومنولث الدول المستقلة إلى روسيا، ومن بلدان وسط وشرق أوروبا إلى بلدان منطقة غرب أوروبا.

ويقول كويلين إن العمالة الأكبر سناً التي تهاجر مع عائلاتها إلى البلدان الغنية في أوروبا ترغب على الأرجح في البقاء هناك، في حين تميل العمالة الأصغر سناً والمتعلمة وغير المتزوجة إلى العودة إلى أوطانها الأصلية بعد العمل في الخارج.

ويُعد جزء كبير من هذه الهجرة غير شرعي ـ وهو وضع يُلحق الضرر بالبلدان وكذلك بالعمال أنفسهم الذين قد يتعرضون لمعاملة سيئة، وقد لا يكون بوسعهم الحصول على الخدمات الطبية وغيرها من الخدمات الأخرى.

من جهة أخرى، ينوه وليم فان إيغهن، وهو خبير اقتصادي أول في مكتب منطقة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى بالبنك الدولي، إلى أن البلدان "المصدرة" للعمالة تشهد "هجرة في الكفاءات" المتوفرة لديها حيث تخسر تلك البلدان العمالة الماهرة، في حين تخسر البلدان "المتلقية" عائدات الضرائب أو أنها تعاني تكلفة اجتماعية أو أن العمالة غير الشرعية تؤدي إلى تدني مستوى أجور العمالة المنخفضة المهارة أو المهاجرين الشرعيين.

 "يوفر المهاجرون منافع كثيرة للبلدان، إلا أن لذلك تكلفة ليست بالقليلة كذلك، وإذا ما نظرت إلى الطريقة التي تتم بها إدارة الهجرة، فسوف تدرك أن هناك بالتأكيد إمكانيات لتحسينها".

وتقول هذه الدراسة إن الاتفاقيات الثنائية لتنظيم العمالة بين البلدان قد لا تتسم دائماً بالفعالية. كما تطرح توصيات أولية لتحسين إدارة تدفق الأيدي العاملة المهاجرة حتى يمكن لهؤلاء العمال زيادة دخولهم ومدخراتهم، وأن يظلوا على صلة بعائلاتهم، في الوقت الذي يمكن فيه للبلدان التي يعملون بها أن تسد النقص في العمالة، ويمكن لبلدانهم الأصلية أن تشهد زيادة في إجمالي الناتج المحلي بها نتيجة للتحويلات النقدية، بالإضافة إلى الانتفاع بالمهارات التي يكتسبها هؤلاء المهاجرون في الخارج عند عودتهم إلى أوطانهم الأصلية.

ويضيف كويلين قائلاً، "هذا هو السبب في القول بأنه إذا ما أمكن وضع وتفعيل سياسات ملائمة لتشجيع الهجرة الدائرية، فإن ذلك سيحقق كسباً ثلاثياً ـ للمهاجرين أنفسهم، وللبلدان المصدرة للعمالة، وكذلك للبلدان المتلقية لها".

وتجدر الإشارة إلى أن فان إيغهن يقود جهداً يهدف إلى وضع برنامج تجريبي على مدى العام المقبل سيضطلع باختبار مدى تشجيع الاتفاقيات المبرمة فيما بين البلدان المعنية للهجرة الدائرية عبر حوافز معينة، من قبيل تحويل استحقاقات الضمان الاجتماعي إلى البلدان الأصلية للمهاجرين، أو تيسير الإجراءات حتى يتسنى للمهاجرين بدء أنشطة تجارية عند عودتهم إلى أوطانهم.

ويضيف، "القصد هنا هو تشجيع الهجرة الشرعية. ونحن نرى أنه في حالة المفاضلة بين أن تكون تلك العمالة شرعية أو غير شرعية، فإن السواد الأعظم من العمال وأرباب العمل سيفضل أن تكون تلك العمالة شرعية. ولكن، في ضوء القيود التي تواجهها تلك العمالة اليوم، فلا تتوافر لديها في الغالب أية خيارات أخرى إلا أن تسلك سبل الهجرة غير الشرعية".

ويستطرد قائلاً إن تحسين إدارة تدفقات العمالة فيما بين البلدان يحمل في طياته إمكانيات هائلة لتقليص الفقر في هذه المنطقة وفي مناطق أخرى من هذا العالم.

"فثمة دراسات تبيّن أن أثر الهجرة يمكن بالفعل أن يفوق بكثير جميع المعونات المُقدمة، وعليه، فإذا كانت التنمية وتخفيض أعداد الفقراء في العالم يمثلان مصدر اهتمام لنا، فمن الضروري أن تكتسي الهجرة بالقدر نفسه من هذا الاهتمام".

تنامي هجرة العمل الدولية (6)

 أحدثت العولمة تغيرات غير مسبوقة في العلم والمعرفة والتكنولوجيا المتقدمة خاصة في مجالات الاتصال , صاحبها بروز الشركات المتعددة الجنسيات , وتغير أنماط العمل وأماكنه , وفي أحجام المشروعات وأهدافها , ومن أهم المؤشرات حول ابرز التحولات التي شهدتها الهجرة على الصعيد الدولي وبخاصة خلال العشرية الأخيرة , تفيد التقارير الدولية الحديثة والمعنية بقضايا الهجرة الدولية وبالأخص تقرير اللجنة الدولية للهجرة وتقرير الأمين العام للأمم المتحدة 2006م والتقارير السنوية لمنظمة الهجرة الدولية وتقارير منظمات التعاون والتنمية , بان اتجاه حجم الهجرة للعمل خلال الفترات الأخيرة في تزايد , كما تتوقع تناميها أيضا خلال الفترات التالية , حيث تزايد عدد المهاجرين في العالم خلال الفترة ما بين 1990م و 2005م بحوالي 35 مليونا , وبالتالي فان إجمالي المهاجرين في العالم بلغ حوالي 191 مليون شخص , واتجه معظم هذه الهجرات الحديثة إلى البلدان المصنعة الغربية , حيث يهاجر واحد من كل ثلاثة إلى إحدى الدول الأوروبية , ويوجد واحد من كل أربعة مهاجرين بالولايات المتحدة الأمريكية , غير انه يلاحظ أن نسبة المهاجرين من مجموع السكان في البلدان الغربية لا تتعدى 11 %, وذلك خلافا للهجرة إلى بعض الدول النامية , مثل دول مجلس التعاون الخليجي التي تصل الهجرة إليها إلى أكثر من خمسة إضعاف هذه النسبة .

ـ ويتبين أيضا تناقص عدد الدول الرافضة للهجرة إليها , حيث تراجعت نسبة الدول الراغبة في الحد من الهجرة من 40 %إلى %22 خلال العشرية الأخيرة (1996م و 2005م ) , وتتوقع الاستشرافات المستقبلية كافة تزايد أعداد المهاجرين على نحو عام , باعتبار تداعيات العولمة وتدعيم الفجوة واستمرارها بين البلدان المصنعة والبلدان النامية بالجنوب , حيث صاحب العولمة بروز أسواق عمل كوكبية عابرة للجنسيات , فبعد أن كانت الجنسية من بين أهم محددات استقبال الأيدي العاملة ـ حيث كانت كندا تركز على الرجل الأبيض فقط على سبيل المثال ـ أضحت الهجرة إليها تشمل كل الجنسيات ومن كل القارات , فوصلت الهجرة إليها من الصين والهند في عام 1999م إلى 30% من إجمالي المهاجرين , وبعد أن كانت الهجرة إلى الولايات المتحدة تأتي من 21 بلدا وصلت إلى 41 بلدا , وزاد اتجاهها نحو العمالة الآسيوية بكثافة واضحة بعد أن كانت تضع قيودا أمام هجرة العمالة من هذه البلدان .

ـ والظاهرة الأخرى الملفتة للانتباه في التحولات في خصائص المهاجرين إلى الدول الغربية في ذلك التنامي المتواصل لهجرة الكفاءات والمتعلمين, حيث ارتفع عدد الذين أكملوا التعليم الجامعي والمولودين خارج بلدان الهجرة من 9.4 مليون عام 1995م إلى 14.7 مليون عام 2000م, وتضاعف عددهم في أوروبا خلال عشرية التسعينات من 2.5 مليون عام 1990م إلى 4.9 مليون عام 2000م , وقد حدث هذا نتيجة لتغيرات كثيفة في تكنولوجيا الإنتاج والمعرفة , والحاجة الملحة إلى عمالة بمواصفات خاصة عالية الكفاءة والمهارة والقدرة على التعليم الذاتي , وفي نفس الوقت عالية الأجور وقليلة العدد , فكان تنامي الإقبال على الكفاءات والسعي المتواصل لجذبها بكل السبل الممكنة .

ـ ويبين التقرير الدولي للهجرة في العام 2005م تبعات هذه الظاهرة من حيث تداعياتها على دول الإرسال النامية , خاصة تزايد هجرة العاملين من القطاعات الحيوية بها , مثل قطاعي الصحة والتعليم , واللذين يمثلان التحديين الرئيسيين لتحقيق التنمية في هذه البلدان ويمثلان أيضا أولوية في أهداف التنمية للألفية , وفي حين ترفض العديد من البلدان الأوروبية قبول العمالة العادية , فهي تدعم تطوير القوانين والتشريعات المشجعة للهجرة الانتقائية لصالح الكفاءات والميسرة دخولهم وإقامتهم ببلدان الاستقبال الغربية .

وحدث ـ ربما ـ على نحو صامت تحول هام في خصائص المهاجرين , حيث تزايدت على نحو ملحوظ هجرة النساء ما بين الستينات والتسعينات من 35 % إلى 48 %من مجموع المهاجرين لتصل عام 2005م إلى %50 , وزادت نسبتهن من الدول النامية لنحو 105 مليون أسيوية , يعملن في مجال التمريض والترفية والخدمات الشخصية , ومعظمهن غير مسجلات في بلدان الاستقبال .

ـ وأخيرا , يلاحظ تنامي الهجرة الموسمية والهجرة المؤقتة , حيث تضاعف ـ على سبيل المثال ـ عدد المهاجرين تحت هذا المسمى ثلاث مرات في استراليا ومرتين في ايطاليا وأربع مرات في أمريكا الشمالية خلال الفترة 1991و2000م مقارنة بالفترات السالفة , وهذه الظاهرة جديرة بالانتباه وبالأخص بالنسبة للدول العربية المرسلة للعمالة , والتي تواجه سياسات غلق الأبواب من قبل الدول الأوروبية , حيث قد يمثل هذا النوع من الهجرة إحدى الفرص التي يمكن توظيفها بشكل جيد للتخفيف من استمرار انسداد أفق الهجرة إلى البلدان الأوروبية , خاصة فيما يتعلق بإمكان إبرام اتفاقيات لهجرة مؤقتة تبدو الأسواق الأوروبية في حاجة إليها , باعتبار مرونتها في الاستجابة لاحتياجات أسواق العمل المتغيرة ومحدودية مدتها , كما يمكن أن تساهم هذه الهجرة أيضا في التخفيف من حدة الطلب على الهجرة وخاصة الهجرة غير النظامية للعمالة قليلة المهارة من دول الإرسال العربية , علما أن قسما من هذه الهجرة المؤقتة يتحول إلى هجرة دائمة .

هجرة العمالة وتأثير العولمة(7)

 قد يكون صحيا أن نبدأ حديثنا عن الهجرة من زاوية الوصف، والتقريب لكن في اعتقادي هذا لا يعطي تصورا دقيقا على حالة المهاجرين، وغالبا من ينطلق من هذه المقومات يتوصل إلى نتائج معروفة مسبقا وسطحية دون لمس مكامن التأثير، ولا اولويات المعالجة.

إن موضوع الهجرة يكتسب أهميته من الخصوصية التي يتمتع بها، والتي تتجلى بالأساس في تغيير الأجواء العامة في دول الاستقبال، وقد بينت أحداث الشغب التي جرت في ضواحي مدينة باريس، والمظاهرات المليونية للمهاجرين في الولايات المتحدة الأمريكية أن ملف الهجرة مرشح بشكل كبير إلى مزيد من الإثارة، وقريبا سيكون متربعا على أجندة سياسة الدول المستقبلة إن لم يكن كذلك الآن، ويبدو أن السياسة اتجاه المهاجرين بدأت تتغير بشكل واضح منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتمتد إلى أوربا عبر إقرار نظام جديد للهجرة يحد في جوهره من توافد المهاجرين، كالذي أقرته الداخلية الفرنسية منذ سنتين، وقال ساركوزي معلقا على النظام الجديد: " سنسمح للأدباء والعلماء والطلبة المتفوقين والفنانين بالقدوم إلى فرنسا " بل يرى البعض أن ما نشهده من تشريعات في الدول المتقدمة يهدف إلى الحد من حرية انتقال اليد العاملة (1) وقد تكون لهذه الخطوة نتائج عكسية تؤثر بالخصوص على المكانة الاقتصادية للدولة المستقدمة ولا نستبعد بالتالي تقهقر اقتصاديات كبيرة ورائدة.

ولعل الحديث عن هجرة العمالة كما أتصور هو حديث عن واقع يدفع هؤلاء المهاجرين يحتكمون إلى حل الهجرة كخلاص وملجأ.

البنية العامة للمجتمعات المصدرة

نستطيع أن نحدد البنية العامة التي تختص بها مجتمعات العالم الثالث في عدة نقاط يمكن أن تلعب دورا حاسما في تكوين خصوصية معرفية ذات استشعار معين ترقى إلى مستوى التفكير في الهجرة ومحاولة تحسين الوضع المعاش:

-1- النمو الديمغرافي، لا بد من الإشارة إلى أن النمو الاقتصادي كما هو متعارف عليه في سياقه الطبيعي يؤدي إلى انخفاض نسبة الخصوبة بشكل سريع، ويتحول الطفل إلى عبئ اقتصادي بعدما كان أداة إنتاج ومشارك صحي في إدارة عجلة الاقتصاد عندما كان في منظومة اقتصادية لا توفر الحماية، ولا تطبق عليه قوانين الشغل، وبالتالي إذا عدنا إلى الحسم في النسب المرتفعة للنمو الديمغرافي ن والتي تختص بها دول العالم الثالث بشكل خاص تكون لدينا خصوصية العجز وغياب التنمية (2).

-2- الإنتاجية، لاشك أن حديثنا عن الإنتاجية لدى بلدان العالم الثالث، هو حديث بالدرجة الأولى عن الوسائل والنمط الإنتاجيين، ففيما يخص هذا الأخير هو من أهم المحددات للبنى والتكوينات الاجتماعية التي تولد بدورها توجهات الناس وأفعالهم وخصائص حضارتهم (3). بالنظر إلى الحالة العامة المتعلقة بالإنتاجية نلاحظ أن الطابع العام ذي الفردانية العشوائية تجهز على تطوير أساليب الإنتاج، وبالتالي تتكون لدى الفرد قناعة على إيجاد حل امثل يمكنه من تحسسه بقيمة العمل والاعتراف به كفاعل إنتاجي، ولا باس أن يعيد نفس العمل لكن هذه المرة باجر محترم ووسائل مفضلة.!

-3- ضعف التنمية: الجانب المتعلق بالتنمية يحيلنا بشكل تلقائي على البحث في مؤشرات أساسية نستطيع أن نقول عنها المرآة العاكسة للمجتمع:

- مجال التكوين والتعليم: بالرغم من انخراط منظمة اليونسكو في مبادرة عالمية تستهدف التعليم للجميع (coordination internationale de l éducation pour tous) إلا أن المؤشر العام على تحسن مستوى التعليم يظل ضعيفا، والأمية توسع انتشارها وتصل في بعض البلدان إلى حد 60 في المائة من مجموع السكان، وهذا تفسير أخر لجعل مجموعة من الأسر تبحث عن إمكانية أفضل توفر من خلالها التعليم الجيد، والإمكانيات اللازمة لأولادها.وهكذا كانت هذه المعوقات سببا في عدم قيام مجتمع المعرفة الذي يفضي في النهاية إلى غياب التنمية الاجتماعية، وغياب الحافز الأساسي في قيام الكفاءات والخبرات القادرة على تسيير الاقتصاد الوطني.

- مجال الصحة: صحيح أن الطب طوال العقود الخمس الماضية عرف تطورا مهما شكل قطيعة نهائية مع بعض الأمراض الفتاكة، لكننا إذا ما استحضرنا نسبة الاستفادة من هذا التطور عند الدول النامية نجد أن هذه الدول لم تستطع حتى القضاء على أمراض بدائية تجاوزها الطب الحديث أيما تجاوز، بل الأكثر من هذا لا توجد مساواة في منظومة العلاج المتبعة في هذه الدول وتوجد مناطق عديدة من كل دولة خارج التغطية الطبية.

يظهر أن ضعف التنمية يشكل سببا رئيسيا من أسباب الهجرة والبحث عن فرصة عمل توفر العيش الكريم وتفضي إلى الاستفادة من الخدمات الاجتماعية والصحية ويفعل مبدأ المواطنة.

حجم المهاجرين

تعد حركة الهجرة العمالية إلى الدول المتقدمة ظاهرة بدأت خلال الستينات من القرن الماضي عندما كانت الحدود مفتوحة والتنقل يسير (جواز السفر فقط) فالمغرب مثلا شكلت فيه الهجرة واقعا مركزيا طيلة حقبة الاستقلال، وأبرمت أول اتفاقيات اليد العاملة خلال سنتي 1963 و 1964مشجعة على تسريع وتيرة الهجرة نحو الدول الأوربية المستقبلة خاصة فرنسا(4).

خلال فترة السبعينات عرفت ظاهرة الهجرة انتعاشا كبيرا خصوصا أثناء الانفجار النفطي في دول الخليج التي كانت بحاجة ماسة إلى استخراج كميات وافرة لمراكمة الثروة.

وحسب منظمة العمل الدولية فان حركة انتقال العمالة عبر الحدود شملت ما يزيد على 10 ملايين شخص سنويا خلال العقد الماضي (5) وهذه الأعداد في تزايد مستمر خاصة خلال السنوات الأخيرة، وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من الدول أكثر استقبالا للمهاجرين (20%) ثم روسيا (7.6%)ثم الدول الأخرى بنسب متقاربة.

تأثير العولمة

أول مؤشر يجيلنا إلى تلمس ترابطية معقدة في تأثير العولمة على السير العام لحركة الهجرة واستفادة الدول المصدرة لها من مهاجريها هي الجوانب نفسها المتحكمة في ضرورة الهجرة. ويظهر أن هذا عامل أساسي اعتمد في إضفاء صيغة الخير المطلق من اجل مزج التوجه العولماتي بمتطلبات الهجرة والمهاجرين.

وتبين أيضا أن من تناقضات الخدمة التي تفرضها العولمة كون غالبية العمالة التي في المهجر تعاني من الاستلاب، سواء في استفادتها من القيمة الإنتاجية أو في آلية الممارسة للعمل المنوط بها وهذا يدفعنا بشكل أو بأخر إلى تحسس أن العامل في بلد الاستقبال يعاني من السلطوية، والإخضاع بالإكراه الروتيني لإشباع حاجات خارجة عن سلطة العمل، وبالتالي يكون العامل يقوم بدورين في دور واحد ويتقاضى أجرا لا يعبر بالضرورة حتى على أدائه للعمل الطبيعي (الأول).

إن هذه الأهداف الغير الشرعية للعولمة نزعت الشرعية عن قيمة العمل كصورة إنسانية وربطت القيمة العمالية بأهداف إمبريالية لا يمكن أن يستفيد منها العامل في إطار ممارسته الشرعية للعمل أولا، وكمهاجر مقيم ثانيا. والكثيرون غالبا ما يعتقدون بان نظام الاقتصاد لبلدان الاستقبال هو الأمر الواقع الذي يجب أن يتغير متناسين تماما أن من يفرض هذه السياسة الاقتصادية الغير العادلة (الشركات الكبرى بالخصوص).

ويمكن القول أن العامل بخصوصيته التي قدم منها جعلت هذه الشركات تطمئن إلى روح القدرة الإنتاجية والمكافئات التي ستجنيها من هذه الخصوصية، وتقول نوريا هيرتس في كتابها " السيطرة الصامتة " واصفة حال العمال المهاجرين في جنوب إفريقيا " إن العمال والمستهلكين لم يعودوا يشترون المنتج، وإنما يشترون روح الشركة. وما تفعله الشركات أو تبيعه لا ينفصل عن ما تفعله، وقد أخذت الشركات تكتشف أنها عندما تتحمل بعض النفقات التي تخلت عنها الحكومات تستطيع أن تحسن موقفها في المجتمع (6).

 إن الأسلوب القائم إذن في أجندة الشركات المنخرطة في نظام اللاحدود هو أسلوب الخداع والكسب الوفير بطريقة غير شرعية، ومراكمة الثروة عبر تحقير ثقافة العامل في فهم القوانين التي تعمل بها هذه الشركات.

وهناك تطلعات تبشر بالحد من الهجرة عن طريق تنمية البلدان الطاردة ووضع لهذا التطلع برنامج سمي ببرنامج " المعونات بدل الهجرة "، وفي حالة الدول العربية يتعين على هذه الأخيرة أن تدفع(35 مليار) دولار سنويا على مدار السنة (7)، لكنني بعد المعالجة تبين لي أن هذا الاقتراح هو عبارة عن مدخل جديد للشطر الثاني من نظام الاستنزاف الحاصل وسط الطاقة العاملة، وارى أن هذه الاقتراحات ما كانت لتتم لو لم تكن هناك حاجة إلى استقطاب مهاجرين من صنف أخر باعتبار أن المهاجرين التقليديين لم يعودوا صالحين.

ينبغي النظر في إلى هذا الموقف من زاوية استقطاب الكفاءات، فهذا تعبير فاضح في اعتقادي على تغيير سياسة بسياسة أخرى هي اشد فتكا باقتصاديات دول العالم المصدرة وأثارها مدمرة على نظام التوازن الاجتماعي.

 ويمكن القول أن هذا الاستغناء عن الطبقة العمالية البسيطة ناتج من التقدم التقني الذي عرف توسعا كبيرا وكما يرى جورج فريدمان من شان مثل هذه التقدمات أن تكون حافزا لانتشار موارد الاستهلاك (8) وبالتالي الاستغلال يكون أكثر والتخلي عن الطبقة العاملة البسيطة دون تعويضهم أمر واقع ومحتوم.

يقدر انه بحلول العام 1976 كان قد غادر البلدان العربية وحدها نحو 23% من المهندسين و 50% من الأطباء و 15% من جميع حملة الشهادة الجامعية الأولى إلى المهجر. فمن اصل 300000 من خريجي المرحلة الجامعية الأولى في العام الدراسي 1995/1996 يقدر أن نحو 25% هاجروا إلى أمريكا الشمالية ودول السوق الأوربية. وبين عامي 1998و 200 غادر أكثر من 15000 طبيب عربي إلى الخارج (9)..

 لا يمكن تصور الخسارة المترتبة على هجرة الكفاءات إلا بفهم دقيق لتوجهات العولمة فنحن ندرك ظاهريا أن الدول المصدرة للكفاءات تخسر أموالا طائلة في إعداد هذه الكفاءات وان الاستفادة الوحيدة والمهمة تقوم بها الدول المستقبلة وكان هذه الدول (المصدرة) تقدم عطايا وهدايا لدول الاستقبال.

يجب أن نكون أيضا على دراية جيدة بالواقع العالمي الذي يتجه في إطار القطبية الواحدة والنمط الإنتاجي الواحد وكيف يمكن للعامل الكفؤ أن يكون لاعبا أساسيا لصالح الدول المتجهة في إطار " القطبية الواحدة ".

إن التغييرات السياسة التي شهدها العالم خلال العقدين الماضيين بينت أن أصحاب النظام الانفتاحي تجاوزا في تفسيراتهم الاستمرارية والسيطرة (10) في بعدها التقليدي، وتوجهوا إلى خلق نماذج تكون في الأصل كفاءات قادمة من أنظمة ودول الو وقت قريب كانت تعادي السياسة الامبريالية وفي تقديري هذا بحد ذاته تعبير ذو وجهين الأول، ينم على فتح الفرصة أمام الكفاءات لإثبات المهارات، والثاني، وهو الوجه الحقيقي يتطلع إلى السيطرة وأحكام القبضة على كفاءات الدول النامية حتى تكون دائما تابعة لنظام السيطرة مع العلم أن الدول المتخلفة لا تملك في رأسمالها سوى كفاءاتها العلمية والفكرية.

أفاق

أعتقد أن التجربة التي خاضتها الدول النامية وما تزال على مستوى هجرة عمالتها حتمت علينا أن نكون أكثر واقعيين وان يعترف الجميع بان الدول المصدرة، والمستقبلة للمهاجرين لها مصالح مشتركة. وبالتالي فعنصر الاشتراك هذا يجعل الدول كلها مترابطة ربما بمصير واحد (11) ومن المنطقي أيضا أن تكون هناك آليات عادلة للتعاون بدل أنظمة السيطرة، والإخضاع لوهم اللاحدود، ومهما بلغت سياسة المكر والخداع في التعامل التعامل الدولي سيأتي يوم يكتب فيه التاريخ هذه الحقائق، ولكننا ما دمنا كعناصر فعالة في هذا العالم لا يجب أن نكون رواسب في قنينة هذا التاريخ. باختصار يجب على نظام السيطرة المستبد الذي يعاني منه العالم.

الهوامش:

1) د. سمير رضوان: مجلة السياسة الدولية، العدد 165 يوليو 2006.

Herné le bras. Les himites de la planéte. flammaroin 1994 (2.

3) تقرير التنمية الإنسانية العربية (2003)

4) تقرير الخمسينية (المغرب الممكن: إسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك)

5) د. سمير رضوان، مجلة السياسة الدولية، العدد 165 يوليو 2006.

6)السيطرة الصامتة: (الرأسمالية العالمية وموت الديموقراطية) تأليف نورينا هيوتس، ترجمة صدقي حطاب.منشورات عالم المعرفة عدد 336 فبراير 2006

7)عبد الحافظ الصاوي: مجلة المجتمع، عدد 1570

George Friedman 7(problèmes humains du machinisme industriel p. 158)(8

9) تقرير التنمية الإنسانية العربية 2003

10) بانكاج غيماوات: مجلة Foreing policy النسخة العربية، عدد مارس/ أبريل 2007-05-08

11) د. مفاوى شلبي: مجلة السياسة الدولية العدد 165 يوليو 2006

الهجرة ... هاجس تطور أم إعلان لمسخ الهوية(8)

 الهجرة عبر التاريخ القديم

 مرّ التاريخ البشري بمراحل تـــطور سلبيّة وأخرى على شكل نقلات نوعية اختزلت حقب زمنية تحمل مورثاً تاريخياً متراكماً لتحيله عبر انعطافة تاريخية إلى أطلال مندرسة بعدما يتشكل نموذجاً حضارياً وفق معطيات تغيير تحتمها طبيعة هذه المرحلة.

ومثّلت مرحلة التطور السلبية الحركة الطبيعية لنمو المجتمعات البدائية، حيث الخلود إلى تأثيرات الطبيعة على حياة الإنسان بشكل لا يمكنه التدخل لإحداث أي نوع من التغيير، لاعتقاده بأنه يكسر بذلك نواميس الطبيعة المقدسة لديه فقوّة النار التدميرية جعلته يقدسها ويعبدها بدلاً من مقاومة آثارها السلبية عليه، والأعاصير والحيوانات المفترسة أصبحت قوى تغضب عليه وتملك الحق في مجازاته وعقوبته.

بينما مثلت مرحلة التطوّر الإيجابية في المجتمعات، بعثة الأنبياء والرسل(ع) الذين يظهرون بين فترة وأخرى فيحاولون انتشال هذه المجتمعات من الحياة السلبية التي تفتقر إلى مقومات العيش الطبيعي للبشر ومن ثم الانطلاق نحو الهدف الأسمى لهذه الحياة وهو عبادة الله تعالى.

وقد لاقت دعوة الأنبياء(ع) عنتاً شديداً ومقاومة عنيفة شكّلت خطراً على حياتهم فاستشهد الآلاف منهم وعذّبوا وذبحوا بأعنف الطرق، فكانت الهجرة إحدى الوسائل الدفاعية التي لجأ لها الأنبياء(ع) للحفاظ على حياتهم وحياة اتباعهم أولاً ثم توفير منطلقاً آمناً لنشر دعواتهم الإصلاحية؛ ولم تخلو حياة نبي من الأنبياء أو رسول من الرسل من شكل من أشكال الهجرة فردية كانت أو جماعية وقد ذكرت الاخبار الواردة عن الرسول(ص) والائمة(ع) الكثير من قصص هجرة الانبياء ففي كتاب الكافي باسناده إلى أبي جعفر(ع) أن نبي الله إدريس قد أُمر بالهجرة بعد أن توعّده أحد الجبابرة بالقتل «فأوحى الله إليه أن اخرج من قريته وخلني وإياه فوعزّتي لانفذنّ فيه أمري..»(1)، فخرج وأصحابه «وعدّتهم عشرون رجلاً فتفرقوا في القرى وشاع خبر إدريس في القرى»(2)، وكانت مدة هجرته عشرين سنة، وكانت هجرة نبي الله نوح من النوع الثاني الذي ذكرناه حيث فصلت هذه الهجرة بين زمن نسل آدم والزمن الذي سمي باسم نوح(ع) وقد قضت هذه الهجرة على كل أنواع الشرك والكفر حيث لم يترك الطوفان إلا من آمن وركب مع نوح في السفينة، أما هجرة نبي الله إبراهيم(ع) إلى مكة مع زوجته هاجر وابنه إسماعيل التي وردت في القرآن على لسان إبراهيم(ع) بقوله:( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) .

فان الآية الكريمة تدل على الأهداف التي كانت وراء هذه الهجرة ومنها تكوين مجتمع إيماني حول الكعبة المشرّفة وعمارة الأرض التي كانت صحراء قاحلة قبل هذا التاريخ وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن هذه الهجرة قد خطت منهجاً جديداً في حياة البشر لأنها خرجت عن الأسباب التي يهاجر من اجلها من سبق نبي الله إبراهيم(ع)، لطلب الأمان والاستقرار المؤقت في مهاجرهم لأن الإقامة في مكة هنا دائمة كما أشار القرآن لذلك على لسان إبراهيم(ع).

وهكذا كانت الهجرات على طول تاريخ الأنبياء والتي عبّر عنها القرآن الكريم بعدة ألفاظ إلى أن جاء خاتم الأنبياء(ص) وهاجر الهجرتين بأمر من الله تعالى.

ومما تقدم نستنتج أن الهجرة كانت أمراً ملازماً لكل الرسالات كما تحدثنا قصص الأنبياء في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة الواردة عن رسول الله(ص) وأهل بيته(ع).

 الهجرة في التاريخ الحديث

 ثبت أن الهجرة هي سنة حياتية رافقت كل العصور البشرية وقد أدت نتائجها إلى ثورات إصلاحية وتغييرات جوهرية في المجتمعات المنحرفة، واستحداث مجتمعات جديدة واعمار الأرض وإصلاحها.

وهكذا بقيت هذه السنّة تتأصّل في النفس البشرية التي ظلت توّاقة إلى اكتشاف العالم الجديد عبر الرحلات الفردية والجماعية. وفي العصور المتأخرة نشر الإنسان وسائل استكشافه عبر البحار والمحيطات ليوسع من رقعة استعمار الأرض ففي بدايات القرن السادس عشر الميلادي بدأت الهجرة إلى ما سمي بـ (العالم الجديد) اعني القارتين الأميركيتين واستراليا وقد بدأت هذه الهجرات بنوع من حب الاستطلاع على يد الرحالة (كولومبس) ثم توالت موجات الهجرة إلى هذا العالم وتكوين المدن والحواضر الحالية ولم تنقطع هذه المواجهة عن التوافد إلى هذه البلدان حيث تستقبل هذه البلدان سنوياً الآلاف من المهاجرين الجدد من كل بلدان الأرض..

 الهجرة سلباً وإيجاباً

 الهجرة الداخلية:

تأثّر المسلمون في العصر الحديث إثر التطوّر الحاصل في العالم اجمع بعملية الهجرة بعدة أشكال ومنها الهجرات الداخلية والتي تمثلت في الهجرة من الريف إلى المدينة والهجرة من المدن الصغيرة إلى العواصم والمدن الكبيرة مما خلق عدة مشاكل اقتصادية واجتماعية وسكانية ألقت بأعبائها على المجتمع بأكمله، فحصل نقص حاد في القطاع الزراعي وتضخّم سكاني ملحوظ وبطالة متفشية في المدن وتركز الكفاءات في مدن وقلتها في الريف والمدن الأخرى، كما أوجد هذا النوع من الهجرات تفكك في التركيبة الاجتماعية التي يتميز بها المجتمع المسلم..

كما أن هذه الهجرة قد اتخذت طابعاً آخر في الانتقال غير المنظم وغير المدروس بين الدول الإسلامية، فهاجر الكثير من سكان الدول الفقيرة إلى البلدان الغنية بالموارد الاقتصادية مما شكل ضغطاً على هذه الدول -والتي غالباً ما تكون صغيرة المساحة - ورغم أن هناك من الإيجابيات في هذه الهجرة إلاّ أنها تترك آثارها السلبية على البلدان الفقيرة خصوصاً إذا كانت نسبة أصحاب الكفاءات هي الأعلى بين المهاجرين إلى البلدان الأخرى وقد توقفت هذه الهجرة تقريباً بعد الإجراءات والقوانين الحديثة كما هو الأمر عليه في بلدان الخليج الغنية بالبترول..

الهجرة الخارجية:

أما المشكلة الكبيرة التي مُني بها المجتمع الإسلامي فهي الهجرة إلى العالم الغربي لأسباب سياسية واقتصادية ونتيجة للكوارث والحروب والاضطهاد التي غالباً ما تعصف بالبلاد الإسلامية فيضطر الكثــــيرون الى ترك بلدانهم والإقامة في أوروبا وأميركا واستراليا طلباً لتحسين وضعهم الاقتصادي أو طلب اللجوء السياسي في البلدان التي تمنحهم حق الإقامة فيها، ورغم أن هؤلاء المهاجرون لم يكن بنيتهم الإقامة الدائمة بادئ الأمر إلا أن الكثيرين منهم يأخذهم الاندماج بهذه المجتمعات لتنقطع صلاتهم بالوطن الأم تدريجياً خصوصاً وان هناك برامج خاصة معدة لهذا الغرض وقد ارتبطت هذه الحالة بالمهاجرين من أوائل القرن العشرين حتى السبعينيات منه بينما جاء عقد الثمانينات بثورة الاتصالات التي قرّبت المسافات بين المهاجرين الجدد وأوطانهم التي نزحوا عنها وبذلك قلّت إمكانية ذوبانهم بالكامل في مجتمعات دول اللجوء وتشكلت جمعيات وهيئات لرعاية هؤلاء اللاجئين في البلدان التي يقيمون فيها أو في البلد الأم، وأخذت المؤتمرات تعقد بين الحين والآخر مما أعطى لهؤلاء المهاجرين خصوصيتهم وتثبيت هويتهم.

هجرة نوعية:

وافرز عقد التسعينات هجرات امتازت عن سابقاتها كون غالبية المهاجرين من البلاد الإسلامية تجمعهم بعض الروابط المشتركة وهي الهجرة السياسية بعد انتشار الصحوة الإسلامية الحديثة وتعرّض القائمين عليها للضغط السياسي الذي أجبرهم على الانتقال إلى البلدان التي تتمتع بالحرية النسبية التي تضمن لهم ممارسة بعض أنواع النشاط الديني وحتى السياسي في بعض البلدان.

ولو أخذنا حالة العراق مثلاً، فبعد الانتفاضة الإسلامية عام 1991م هاجر الآلاف من هذا البلد الإسلامي إلى الدول الغربية والدول المجاورة وبعد أقل من خمس سنوات على هذه الهجرة بدأت الجماعات المهاجرة بتأسيس المساجد والحسينيات في كبريات العواصم والمدن الغربية والاتصال بالمرجعيات الدينية بحـــيث شكّل التواصل سمة بارزة لغالبية هؤلاء المهاجرين ولم يقتصر الأمر على الجانب الديني، ففي الجانب الاجتماعي بدأت ظاهرة جديدة لم تعهدها الجماعات السابقة وهي عزوف أغلبية المهاجرين عن الزواج بالأجنبيات والعودة إلى البلدان الإسلامية واستصحاب زوجات مسلمات إلى محال إقامتهم الجديدة.

وبعد هذا الانتشار الواسع للمسلمين في البلاد الغــربيــة كان لزاماً على المؤسسات الدينية والمرجعيات أن تولي اهتماماً بهذه الشرائح الإسلامية المهمة، وهكذا التحق العديد من طلبة العلوم الدينية والمدرسين بهذهِ المهاجر لإدامة التواصل والتبليغ الإسلامي فيها، وقد اتضحت الجوانب الابجابية لهذه الهجرة عن طريق عدة مظاهر منها:

1- التعريف بالإسلام ونشر الكتاب الإسلامي في هذه البلدان.

2- تقوية الجالية الإسلامية فيها والتلاحم مع الجاليات القديمة وإعادتها إلى الصف الإسلامي.

3- نفي التهم التي كانت تلصق بالإسلام عن طريق الاتصال المباشر بالمجتمعات الغربية.

4- تطور الحالة الاقتصادية والسياسية للمهاجرين بحيث شكلوا جماعات ضغط لم تعهدها الفترات السابقة.

بقي أن نذكر أن لهذه الهجرات سلبيات لا تخلو منها، إلا أن إمكانية تلاشيها نتيجة الوعي المتزايد الذي تشهده مراكز الهجرة يجعل منها حالة مؤقتة قد تزول بزوال ظروف اللاجئ الصعبة في السنين الأولى.

ولا ننسى أن التعامل مع حالة الهجرة يجب أن يأخذ أنماطاً جديدة مراعاةً للظرف الخاص لهذه الشريحة المهددة بالانفصال عن تراثها وقيمها إذا لم يتنبه المسلمون ويعطوها جزءاً من جهودهم الإعلامية والثقافية وغيرها من عوامل إبقاء جسور التواصل قائمة معها، ومد يد العون الممكنة في هذه الجوانب قد يحفّز المهاجرين على تفعيل طاقاتهم في سبيل الأهداف الإسلامية المشتركة..

احصائية تكشف عنها الهلال الأحمر قريباً تفضح تفاصيل معاناة الملايين في مخيمات الهجرة الداخلية

بيوت مليون مواطن في بغداد تتعرض للنهب بعد أن هجرتها العوائل خوفاً من الاضطهاد الطائفي (9)

  تمثل الهجرة الداخلية في العراق –طبقاً لمعلومات جـُمعت من قبل آلاف العاملين في مجال الإغاثة الدولية- إعادة تشكيل جذرية للمشهد الطائفي والإثني في العراق، لكنّ عملية الإزاحة معقدة جداً في المناطق الكثيفة السكان والمختلطة (أي تسكنها طوائف وقوميات عدة). ورغم ذلك فإنّ الدعوة الى تقسيم البلد الى "جيوب شبه مستقلة" كردية أو شيعية أو سنية، لن تكون أمراً سهلاً.

إنّ بيانات الهجرة التي من المتوقع أن تكشف عنها منظمة الهلال الأحمر العراقية هذا الأسبوع، والتي حصلت عليها بشكل مسبق صحيفة النيويورك تايمز الأميركية، تشير الى وجود 170.000 عائلة مهجّرة في بغداد وحدها، تضم حوالي مليون مواطن، جمعهم هربوا من بيوتهم بحثاً عن الأمان، والمأوى، والماء، والكهرباء، أو المدارس أو الوظائف.

وتـُظهر المعلومات أن الكثير من العوائل نزحت مرتين أو ثلاثاً، فهي في المرة الأولى تهرب من الخطر الداهم الفوري، ثم تفكر في الحسابات المستندة الى توفر الخدمات في المدن كالمدارس و"التوحد الطائفي مع الجيران" وغيرها من الاعتبارات. وفي العموم هناك ما يؤكد حرص العراقيين على العيش في أحياء مختلطة.

وتذكر الاحصاءات  أن مئات الألوف من رجال الإغاثة التابعين لجمعية الهلال الأحمر العراقية  المنتشرين في انحاء العراق يقدمون الخدمات لما يقرب من 280.000 عائلة، وهو عدد ضخم وهائل لأكبر هجرة داخلية معقدة الأسباب والنتائج.

وكصورة يمكن أن تلتقط لمشهد تحوّلات الهجرة العراقية، تشير البيانات الى أنّ الهجمات على ضريحي العسكريين في سامراء سنة 2006 قد خلـّف نزاعات طائفة حادة، ادت الى هجرة العوائل السنية عموما نحو الشمال والغرب، فيما هاجرت العوائل الشيعية نحو الجنوب. اما العوائل المسيحية فقد هاجرت الى مناطق الشمال البعيدة. لكن صورة الكثافة السكانية المختلطة في الوسط وبالتحديد في بغداد، باتت معقدة جداً. 

والمشكلة أن هناك من يعتقد بأن خلق مناطق متجانسة طائفياً يساعد في تحقيق الأمن للمناطق نفسها لكنّ عمليات العزل الطائفي يمكن ان تشكل في المستقبل بؤراً للاحتراب المتبادل.

وتقول صحيفة النيويورك تايمز إن الأرقام الجديدة تكشف عن أنّ الهجرة لم تقسم بغداد بشكل منتظم فعلى طول نهر دجلة من جهة الغرب تمتد الأحياء السكنية التي تقطنها غالبية سنية، تقابلها على الضفة الشرقية للنهر الأحياء السكنية للشيعة. وبدلاً من ذلك فإن بعض السنة ينتقلون الى ضفة النهر التي يهيمن عليها الشيعة، ليقطنوا في الأحياء السكنية العلمانية أو المختلطة والتي تكون فيها الخدمات أحسن طبقاً للمعلومات التي يذكرها العاملون في مجال الإغاثة.

وفي حي الدورة ببغداد –تقول الصحيفة- أجبرت عشيرة سنية تتكون من 250 عائلة على مغادرة مساكنها، وبدلاً من أنْ يذهبوا الى مناطق سنية (نشداناً للتجانس الطائفي) اختاروا الذهاب جنوباً الى منطقة (ابو دشير) الشيعية. وهؤلاء رحبوا بهم ووفروا له المساكن.    

وبالنسبة لكثيرين من العراقيين الفقراء الهاربين من العنف الذي تثيره العصابات التابعة للقاعدة في بلاد الرافدين خاصة في مناطق ديالى لا يجدون غير ضواحي مدينة بغداد ملجأ لهم في تلك المخيمات المنتشرة الآن بأعداد كبيرة.

ويقول الدكتور (سعيد حقي ) وهو الطبيب الذي يرأس منظمة الهلال الأحمر العراقية: إن البلد تعرّض لأزمة صعبة بمثل هذه الهجرة الداخلية الضخمة والقاسية من حيث ظروفها، وربما تكون عواقبها المأساوية استثنائية جداً حتى على صعيد المستقبل. فالعديد من فقراء القرى جمعوا في مخيمات هي في الأغلب أكواخ طينية لا تتوفر لها أدنى الخدمات.

 ويضيف الدكتور (حقي ) قائلاً: "بالتأكيد هي مأساة. فأنا مارست الجراحة طوال حياتي لكنني لم أشعر بالموت ورهبته كما شعرت به في العراق. لقد هزني طول معاناة هذا الشعب من عمليات القتل والتهجير والاضطهاد التي تعرّض لها من جهات مختلفة وليس فقط من القاعدة او من الميليشيات.

ويؤكد (ستار نوروز) ممثل المنظمة أن الحكومة تدعي انها أعدت خطة أمنية لإعادة الألوف من العوائل الى مساكنها في بغداد. لكنّ الأرقام المتوفرة لدى المنظمات الدولية تؤكد عدم صحة هذه الادعاءات.

وتشير المعلومات الدقيقة للهلال الأحمر التي يوفرها كادر من المتطوعين يزيد عددهم على 94 ألف شخص، فيما تستخدم وزارة الهجرة العراقية 600 شخص منتشرين في العراق لجمع المعلومات عن المهجرين الى عمليات التطهير العراقي ازدادت بعد وصول القوات الأميركية الإضافية الى العراق في شهر كانون الثاني الماضي.

والناس الذين هربوا من العراق الى سوريا والأردن بدأوا بالعودة بسبب طلب هذين البلدين للفيزا المسبقة. وهذا مما يعقد الأمر كثيراً في العديد  من المناطق، خاصة في ديالى وبغداد.

والعديد من العائدين الى بيوتهم وجدوها قد نهبت أو خرّبت. وتؤكد صحيفة النيويورك تايمز أن المعلومات الموثقة التي أنجزت احصائياتها وبياناتها شبكة من العاملين في منظمة الهلال الأحمر بمعاونة العديد من الوكالات الدولية، ستوفر أدق التفاصيل عن حياة الملايين من المهجرين في العراق، والذين تشكل عملية اهمال الخدمات التي كان يجب توفر لهم منذ وقت مبكر فضيحة انسانية كبيرة، خاصة فيما يتعلق بمياه الشرب ومدارس الأطفال والمستلزمات الصحية.

الهجرة إلى المدن نزيف لابد أن يتوقف والبلديات تبحث عن الحل..؟! (10)

 كشف عدد من المسؤولين بأمانات المجالس البلدية أن البحث عن العمل وتحسين مستوى الدخل يتصدر أسباب الهجرة إلى المدى الكبرى بالإضافة إلى البحث عن فرص التعليم الجامعي والحصول على الخدمات الصحية المتطورة والمتخصصة.

وأشار المسؤولون إلى أن تشجيع الاستثمار في المناطق الطاردة وتأمين الخدمات الصحية، علاوة على إنشاء مشاريع تنموية جديدة تتواكب مع النهضة الاقتصادية كإنشاء المدن الصناعية والاقتصادية تُمثِّل عوامل مهمة لإيقاف الهجرة إلى المدن الكبرى.

وأكدوا على ضرورة تكثيف الجهود وتبني خطط إستراتيجية للتشجيع على الاستيطان وتحدُّ من الهجرة للمدن الكبرى.. والتحقيق التالي يكشف المزيد من التفاصيل حول أسباب الهجرة إلى المدن الكبرى وسبل إيقافها.

تحسين مستوى الدخل

كشفت دراسة للدكتور محمد بن سليمان السكران الأستاذ بجامعة الملك سعود بالرياض بعنوان: (حجم الهجرة الداخلية ومحدداتها وآثارها بالمملكة) بمشاركة الدكتور صديق الطيب منير محمد أن المجتمع السعودي شهد في السنوات الأخيرة نمواً مطرداً وملحوظاً في المدن والمراكز الحضرية الكبيرة على حساب القرى والمدن الصغيرة، مما أثَّر في التوزيع الجغرافي للسكان بين المناطق الإدارية، وعلى مستوى المنطقة الواحدة بين الريف والحضر، وبالتالي التأثير على السمات والعملية السكانية، وقد هدفت الدراسة إلى فهم الهجرة الداخلية، ومن ثم توفير بيانات دقيقة تساعد القائمين على أمر التنمية بصورة عامة والتنمية الاجتماعية خصوصاً على اتخاذ القرارات المناسبة والتخطيط السليم، وأوضحت نتائج الدراسة التي أُجريت في مناطق الرياض ومكة والشرقية والباحة وجازان وحائل وجمعت بيانات الدراسة من عينة عشوائية مكونة من 3000 أسرة من السكان السعوديين واستخدمت الدراسة طريقتي مكان الميلاد ومكان الإقامة قبل 5 سنوات لحساب معدلات الهجرة.. أن هناك هجرة داخلية بمعدلات مرتفعة بين المناطق الإدارية، كما أبانت أن العوامل الاقتصادية متمثلة في البحث عن العمل وتحسين مستوى الدخل هي أهم أسباب الهجرة الداخلية، تليها بعض العوامل الاجتماعية مثل الالتحاق بالتعليم الجامعي والحصول على خدمات صحية جيدة.

وأشارت الدراسة إلى أن المهاجرين أفضل تعليماً وأصغر عمراً من غير المهاجرين بتلك المناطق، مما يعني فقدان تلك المناطق لأكثر الكوادر البشرية قدرة على المساهمة في عملية التنمية.

وأوصت الدراسة بتشجيع الاستثمار في المناطق الطاردة لإيجاد فرص عمل بها، وتحفيز القطاع الخاص لتوظيف القوى العاملة السعودية، كذلك العمل على قيام - على الأقل - جامعة حكومية في كل منطقة إدارية، وتشجيع قيام الجامعات والكليات الأهلية في المناطق الطاردة لاستيعاب الذين يهاجرون بحثاً عن فرص للتعليم الجامعي.. كما أوصت على تحسين الخدمات الصحية بالمناطق الطاردة لتقليل أعداد الذين يذهبون للاستشفاء في مراكز العلاج الرئيسة بالمدن الكبيرة، وأوصت كذلك بتحسين الخدمات الزراعية للمزارعين لتحسين دخولهم، كما أوصت بتمويل الأنشطة المدرَّة للدخل لتشجيع التوظيف الذاتي.

بيئة تعليمية وصحية

ويشير الأستاذ عبد الله بن سليمان البرادي أمين المجلس البلدي لأمانة منطقة القصيم إلى أن انتقال المواطن من القرى للمدن كان قبل سنوات حلماً يراود كثيراً من سكان القرى لأسباب عديدة منها: قلة المدارس بمختلف مستوياتها وكذا الخدمات وقلة فرص العمل وعدم توفُّر الأسواق التي يجد فيها المواطن حاجياته من السلع وعدم اتصال المدن بالقرى عبر شبكة من الطرق، ولذلك كله وغيره كان المواطن يطمع في الرحيل عن القرى إلى المدن بحثاً عن مكان آمن تتوفر فيه كل المظاهر الحضارية التي يحتاجها في يومه وليلته.

ويضيف: بما أن القرى الآن بدأت تشهد نهضة حضارية جعلت من المستحيل ممكناً وبدأت تتبدل العملية على أن يتم إيقاف الهجرة إلى المدن الكبرى باكتمال النهضة بتوفير جميع المرافق والخدمات المختلفة وشبكات القرى أي بما يكفل للمدن المتوسطية والقرى أن تقارع المدن الكبرى.. فالمدن الصغيرة والقرى أصبحت تمتلك مساحات شاسعة وذات أسعار مناسبة بإمكانها أن تتحوَّل إلى مدن صناعية وزراعية وتجارية تكون ثمرة لسياسات تخطيطية سليمة تتواكب وازدهار وتطور البلاد في شتى المجالات لغرض أن تصبح ذات وضع اقتصادي مهم في العالم.

ويؤكد المهندس خالد الغليقة مدير إدارة المباني باتصالات منطقة القصيم وعضو المجلس البلدي لمدينة بريدة أن المملكة مرَّت بطفرة ونقلات على كافة المستويات تواكب معها هجرة من القرى إلى المدن الكبرى بذلت معها الدولة جهوداً كبيرة في تشجيع الاستيطان بالهجر والقرى من خلال مشاريع تنموية كثيرة مبيناً أنه ومع تزايد النمو والنهضة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد ولله الحمد فإن الحاجة تستدعي تكثيف الجهود في وضع خطط إستراتيجية للتشجيع على الاستيطان، وتحد من الهجرة للمدن الكبرى، وذلك لإنشاء مشاريع تنموية جديدة تتواكب مع النهضة الاقتصادية كإنشاء مدن صناعية بالقرى والمدن المتوسطية وتسهيل القروض الزراعية والصناعية في تلك المناطق على غيرها من المدن الكبرى.. وأضاف: كما يتطلَّب الأمر أيضاً توفير بيئة تعليمية وصحية من خلال إنشاء الجامعات والمعاهد الصناعية والمستشفيات والمراكز الصحية ومراكز الإسعاف ودور الرعاية الاجتماعية ودعم النشاط المؤسسي للمجتمع المدني بالقرى والهجر، التي سوف تكون مؤسساً للنشاط التجاري والاجتماعي لما تحققه من أمن اجتماعي كما يتطلب الأمر أيضاً توفير شبكة مواصلات حديثة وسلسلة من شبكة القطارات لتسهيل نقل المنتجات، وقد بدأت قيادتنا الحكيمة من خلال قرارات خادم الحرمين الشريفين بإنشاء مدن اقتصادية وصناعية في أقاليم ومدن متوسطية.. وأعتقد أنه من الأهمية أن تتناسب طبيعة كل منطقة وإقليم مع كل مشروع سواء كان ذلك مشروعاً اقتصادياً أو زراعياً أو صحياً وغيره بمعنى أن تتميز كل منطقة بمشاريع تتناسب مع ظروفها وطبيعتها مثل (مناطق سياحية) (مناطق تعليمية عالية) (مناطق زراعية) (مناطق صناعية) (مناطق تخصصية طبق تقنية عالية).

التوازن في المشاريع

ويشير الأستاذ حمد بن صالح السلمان عضو المجلس البلدي لمدينة بريدة إلى أنه يجب المحافظة على التوازن في المشاريع التي تكفل أن تكون جميع مناطق المملكة متساوية في مشاريع التنمية التي تساهم في تقدم وتطور كل منطقة.

وأضاف: هذه العملية من شأنها أن تخفف الزحام على المدن الكبرى، وتسهم في تخفيف التلوث، وهي التي تزيد من القلق النفسي والتوترات العصبية، كذلك تسهم هذه العملية في ضبط الأمن في كافة المدن.

وقال: أرى أن يتم إحياء المناطق وذلك في جعل النهضة شاملة حيث يتم تدعيم أساسياتها وتجهيزاتها كونها أسهل وفق الأنظمة الحديثة بمعنى أن التأسيس لكافة هذه المشاريع أفضل بمعايير صحيحة بدلاً من أن يتم تعديلها وتُصنف في النظام الأول، كما يجب استثمار الأراضي الخام للفرص الصناعية والزراعية والتي بدورها توفر الوظائف والعمل الذاتي، كذلك يجب أن تتم مساواة المناطق في الأجهزة العسكرية الخاصة بقطاعات الجيش والدفاع والحرس الوطني فإنها مجال خصب للوظائف واستقرارها في منطقة معينة جعلها مقصداً للشباب والأسر.

فمساواة أطراف مملكتنا الحبيبة مع مناطق الوسط يُوجد هذا التوازن المطلوب الذي يجعل عملية الاستيطان بالمدن الصغيرة وارداً وبشكل كبير، وبذلك تنشأ المجتمعات المتقاربة المترابطة التي بفضلها بعد الله يتم القضاء على الزحمة ويمكن السيطرة أمنياً على كل مدينة من قبل الأجهزة المختصة فيها وبالتالي يتم - وهو الأهم - تطور البلاد المتعدد الجهات.

ويفيد الأستاذ عبد الله بن سليمان المشيقح اختصاصي في أبحاث التسويق بأن هناك عدة عوامل يمكن من خلالها إيقاف الهجرة إلى المدن الكبرى والمحافظة على استمرار تقدم ونمو المدن الصغرى ذلك النهج، الذي تنهجه القيادة - أيدها الله - ومنها:

- تمركُّز الوزارات والمصالح الحكومية بالمدن الرئيسة، حيث من الممكن تنويع مواقعها بتوزيعها على كافة المدن.

- إتاحة المجال للاستثمارات المتنوعة كونها تتيح الفرص الوظيفية.

- ارتفاع الكثافة السكانية في المدن الكبرى ساهم في وجود سوق أعلى بالأرباح للمردود التجاري وبالتالي فإن إقامة أسواق تبدأ صغيرة وتنمو في المدن الصغيرة من شأنه ارتفاع الكثافة السكانية فيها.

- لا بد من توفُّر جميع الخدمات الصحية والاجتماعية، الخدمية.

- توفر المواصلات خاصة الخارجية (الدولية).

مدن صناعية وطرق

ويقول المهندس عبد المحسن الحبيب مدير إدارة التخطيط باتصالات منطقة القصيم إن ما يحتاجه المواطن حتى يبقى في مدينته أو قريته مرتاحاً ومهتماً في مسألة إقامة المسكن وضمان الحياة المتكاملة له ولأسرته هو الاستمرار في تقديم المشاريع التنموية ولا سيما ذات الصلة بالخدمات لكافة مدن وقرى المملكة بحيث يتمكن من خلالها العيش بها وعدم الانتقال إلى المدن الكبرى.. فما تشهده المدن الكبرى كالرياض وهي أكبر مثال هو أنها متكاملة الخدمات فهناك فرص العمل والطرق والجامعات والمعاهد والمدارس جعلها مقصداً لكثير من المواطنين الذين وجدوها فرصة ذهبية للاستفادة من تلك الخدمات فينتقل ليعيش فيها وربما يؤثر على أقربائه وبالتالي تحدث الهجرة المستديمة التي تؤثر على الرياض في كافة الجوانب.

ولا شك أن علاج مثل هذه المشكلة هو أن تتوفر في المدن الأخرى الجامعات والمدارس والمعاهد المتخصصة، وكذلك بالإمكان جعلها مدناً تخصصية كأن تكون زراعية أو صناعية بحيث تفتح فيها المدن الصناعية كي تتوفر فيها الفرص الوظيفية والأهم أن تتوفر فيها الطرق المناسبة التي ترتبط من خلالها بالمدن الكبيرة كي يمكن للفرد العمل في المدينة الكبرى والسكن في مدينته.

ويضيف المهندس إبراهيم بن سليمان القسومي مهندس تخطيط: العملية برمتها بحاجة إلى دراسة تخطيطية يُنظر فيها كافة الجوانب ولا سيما التي تكفل للمواطن الاستقرار في مدينته أو في قريته ويكون لهذه الدراسة الاهتمام البالغ من قِبل الدولة - أيدها الله -.. فالوطن وما يشهده من تطوُّر وتقدُّم أوشك أن يكون مزدهراً في كل بقاعه ضماناً للاستقرار النفسي للأسر السعودية التي أصبحت تهاجر عن مدنها بحثاً عن الخدمات المفقودة كالتعليم الجامعي والفرص الوظيفية والاحتياجات البلدية والصحية والاجتماعية، فحينما تكون تلك الخدمات موجودة في المدن الصغيرة فإنها بلا شك ستصبح وسيلة لإبقاء الأسر والأفراد فيها ذلك أنها مضامين للحياة المتكاملة.

دعم السوق العقاري

ويقول الأستاذ عمران بن عبد الله العمران صاحب شركة عقارية ومن منظور اختصاصي في العقار إن تطور العقار في المملكة بات حاجة ملحة في مسألة استيطان الأسر والأفراد كون هذا المجال يمتلك سوقاً كبيرة في البلاد استطاع هذا السوق المحافظة على مكانته واتزانه مهما حصل له من عمليات مد وجزر خلال عمره.. وأضاف: فمع تطوير هذا المجال فإن العمليات الشرائية تسهم في التوسع بالأراضي وبالتالي التوسع العمراني الذي من شأنه تشغيل مؤسسات المقاولات ومؤسسات بيع المواد الخاصة بالبناء وبتجهيز البيوت وفي الأخير قيام أحياء جديدة يكون للدولة الاستطاعة في تقديم خدمات تنموية مناسبة فيها.. كذلك فإن انتعاش سوق العقار واستمرار ظهور المخططات السكنية يزيد من فرص الاستيطان ذلك أن استمرار تعدد السكان يفتح لهذه المدن فرصاً للدراسات التنموية، التي تهتم بإقامة المشاريع المتنوعة.. فهذه القصيم مثال واضح على التطور حتى أصبحت الآن منطقة كبيرة تتوفر فيها غالبية الخدمات المطلوبة، وحينما نتكلم عن مدينة بريدة بالذات فقد ازدهرت هذه المدينة عمرانياً حتى أصبحت الأولى توسُّعاً على مستوى الشرق الأوسط وهذا كله ساهم في أن يكون فيها العديد من الفرص التي تجعل الأسر فيها يفضلون الحياة في ربوعها.. وحتى يستمر العقار في ازدهاره فإن المأمول هو أن تقوم الدولة بزيادة القروض العقارية ومضاعفة أعداد المستفيدين حين الإعلان عن الدفعات الدورية، كذلك الاهتمام البالغ من الجهات المختصة في مراقبة أسعار مواد البناء، فهذه العملية تضفي بدورها على سعر السوق وبالتالي الاستعداد لإنشاء المساكن في نفس المدن، فالمعلوم أن أسعار هذه المواد في المدن الكبرى، أقل منها في المدن الصغرى نظراً لوجود وكالاتها وتجارها فيها وهي مفقودة في المدن الأخرى.

المحددات النظرية للهجرة الخارجية: إشارة للبلدان المغاربية(11)

مقدّمة:

تهتم ورقتنا البحثية هذه بأسباب الهجرة التطوعية للعمل على المستوى الدولي. وهي تعرف بالهجرة الحرة الفردية والجماعية التي تختلف عن تلك الهجرة المفروضة والناتجة عن إشكاليات سياسية أو اجتماعية أو دينية أو عن أية عوامل اقتصادية أخرى والتي تجعل منها هجرة غير إرادية وغير إدارية.

وفي حين تعتبر هذه المحددات هامة في تفسير التدفقات الهجرية الدولية، فإن الاعتبارات الاقتصادية تلعب دورا مميّزا على المستويات العالمية والإقليمية والوطنية والمحلية، وتتحكم الى حد بعيد في استمرار وتطورات هذه الظاهرة الإنسانية.

ويقتضي تفسير الهجرة الدولية اقتصاديا، إدراكا وتفهما دقيقا للمتغيرات التي تطرأ على القوى الاقتصادية والاجتماعية الشاملة وانعكاساتها على القرارات الصادرة عن الأفراد من أسر ومؤسسات وبلدان مهما تباينت ظروفهم المعيشية والاقتصادية.

وسنحاول تباعا التركيز أولا، على هذه القوى الاقتصادية والاجتماعية الشاملة التي أفرزت عرضا لا محدودا من حيث عدد العمال المهاجرين في المجال الأورو متوسطي والذين يرغبون دائما في مغادرة بلدانهم للعمل بالخارج. وبالرغم من العرض المفرط بالنسبة لحاجات بلدان الهجرة الداخلية، فإن قسطا وافرا من الهجرة الدولية للعمل متأت من عدد محدود من البلدان المتوسطية. وسوف نتعرض في جزئنا الأول الى أسباب هذا الوضع.

أما في بلدان الهجرة الخارجية، فلا بد من الإشارة هنا، أن انتقاء الأفراد المهاجرين يقع ضمن شرائح اجتماعية ضعيفة ومتوسطة الدخل عموما. وبدون شك، تستحق العوامل الانتقائية المتوخاة الدراسة والتحليل الدقيق لكي يتسنى لنا معرفة القوى الجاذبة للعرض بالنسبة للتحرك الدولي لقوى العمل.

ويبقى تحقيق "طاقة الهجرة" رهين تواجد طلب فعلي على صعيد الهجرة الداخلية، الشيء الذي يقودنا في ورقتنا البحثية الى التطرق للقوى الاقتصادية المتسببة في تلبية طلب العمل الأجنبي داخل بلدان الهجرة الداخلية مع الإشارة الى محدودية نمو هذا الطلب على الهجرة.

كما سندرس ثانيا، مكانة وأهمية الهجرة المغاربية في البلدان الأوروبية كنموذج للهجرة الخارجية المتوسطية ثم نحاول أخيرا وفي خاتمة تحليلنا تقديم بعض الاستنتاجات الكمية والنوعية التي تؤثر في التدفقات الهجرية في البلدان المتوسطية خاصة، والبلدان الأوروبية عامة.

1) السمات الأساسية لعرض الهجرة الخارجية للعمل:

تفسر هذه السمات للهجرة الخارجية للعمل بعديد الأسباب الكلية والجزئية الاقتصادية والاجتماعية نذكر أهمها:

أ) طاقة الهجرة والتفاوتات الشاملة:

لقد أدت التحولات التي شهدها العالم خلال العشريات الأربع للقرن الماضي والتي تلت الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) الى بروز طاقة هائلة للهجرة الدولية اتسمت بأحادية الاتجاه من البلدان الفقيرة والأقل نمو الى البلدان الصناعية والأكثر نموا والغنية نسبيا ونقصد بها البلدان الأوروبية أساسا. وتدل عديد الدراسات التحليلية والتجريبية على تظافر عوامل كثيرة لإنماء طاقة الهجرة نذكر منها ما يلي:

ـ الزيادة الهامة التي عرفها حجم السكان في البلدان المتوسطية النامية إذ وصلت المعدلات السنوية المتوسطية الى أكثر من 4% ولم يواكب هذه الزيادة السكانية المفرطة نمو مماثل في المعدلات الإنمائية وفي فرص التشغيل المحدثة.

ـ لعبت الانماط التعليمية والتكوينية التي فرضت على البلدان النامية المتوسطية الحديثة العهد بالاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية من طرف البلدان الأوروبية المستعمرة، دورا مميزا في هجرة قوى العمل الوطنية، سيما وأن هذه الأنماط المستوردة لا تتكيف شكلا ومضمونا مع الحاجات الإنمائية للبلدان المعنية النامية.

ـ أدت الثورة الاتصالية المتنامية من سنة لأخرى في العالم وخاصة في البلدان الصناعية المتقدمة التي تشهد مستويات نمو مرتفعة الى جلب قوى العمل المتوسطية الجنوبية الباحثة عن الشغل القار والظروف المعيشية المتطورة والمسالك المهنية المستقرة المنعدمة في بلدانها الأصلية.

ـ تفاقم التفاوت بين البلدان الأقل نموا والبلدان الأكثر نموا على الرغم من ارتفاع الدخل نسبيا لعدد وافر من الأسر في البلدان النامية في السنوات الأخيرة.

ـ الزيادة السكانية الهامة التي عرفها سكان المعمورة منذ سنة 1950 حيث بلغ سكان العالم 6 مليار نسمة 80% منهم في البلدان النامية الفقيرة والباقي في البلدان المتقدمة والصاعدة الأوروبية والآسيوية والأمريكية اللاتينية.

ـ التباين المستمر والمتنامي بين معدلات النمو السكاني ومعدلات النمو الاقتصادي التي تتحكم في إيجاد فرص العمل، مما أدى الى ارتفاع نسب البطالة بكل أنواعها الظرفية والهيكلية والتقنية.

تؤثر هذه الضغوط السكانية سلبا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وبالأحرى على التكاليف والامتيازات المادية والمالية للإقامة في البلدان النامية أي فيما يعتبره الفرد الاقتصادي الرصيد النفعي لمقر إقامته، الشيء الذي يشجع على ترك البلد الأصلي ويزيد بالتالي في الميل للهجرة الخارجية نحو بلدان بديلة.

ـ من أهم الأسباب الدافعة للهجرة كذلك، توفر العملة أو نقدية الاقتصادات الوطنية، فانفتاح الأسواق التقليدية النامية على العلاقات الاقتصادية الدولية المعولمة والحرة، أدى الى تطور استعمال العملة والكف عن المقايضة في العلاقات التجارية مع بروز وتوسع الأسواق النقدية والمالية في البلدان النامية التي تمكّن من ضمانات عديدة للائتمان والإقراض بغية تمويل برامج نوعية للتدفقات الهجرية في البلدان الصناعية.

ويبدو كذلك وجود اتفاق كلي بين دارسي الهجرة الدولية عموما حول اعتبار هذه الظاهرة كرد فعل على التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين البلدان، سيما وأن هذا التفاوت ما فتئ يتطور بسرعة في العقود الماضية، وينذر هكذا، بتفاقم الأزمات الاقتصادية الدورية مستقبلا، مما يزيد من حجم التدفقات السكانية المهاجرة من البلدان الفقيرة الى البلدان الغنية وبالأحرى الأوروبية والأمريكية.

ب) الهجرة كرد فعل على تباين مستويات الدخل:

أكدت مختلف الأدبيات الاقتصادية على الفوارق الجغرافية في توزيع الدخل بين الأفراد الاقتصاديين كعامل رئيسي مسبب للهجرة الخارجية. وقد أدمجت مقاربة الهجرة كعامل ميسر لحياة اقتصادية أفضل مقارنة بما هي عليه في بلدان الأصل.

ففي التحليل النيوكلاسيكي الحدي المبني على المفاضلة بين المزايا والتكاليف وتعظيم المنفعة بأقل الأثمان، تعد الهجرة استثمارا قادرا على إحداث فائض صاف إيجابي يتأتى من الفارق بين الدخل المتحصل عليه في بلد الأصل والدخل المتوقع الحصول عليه في بلد المضيف مع احتساب وطرح نفقات النقل والتنقل.

وقد تطورت هذه المقاربة التحليلية الليبرالية على امتداد الفترات الزمنية الماضية لتدمج في هذا الفائض مؤشر البطالة في مناطق الاستقبال، الشيء الذي أدى الى ظهور مقاربة المردود المتوقع من ظاهرة الهجرة، وذلك مع تنامي تواصل الهجرة الداخلية في البلدان النامية من الريف صوب المدن والتي زادت من حدة البطالة الحضرية حجما وبمعدلات كمية وكيفية هامة.

من جهة أخرى توصلت بعض الدراسات التطبيقية حول الهجرة الداخلية الى نتائج مطابقة نسبيا للتحاليل النظرية القائلة بأن تباين مستويات الدخل عند الأفراد الاقتصاديين يلعب دورا هاما وفعالا في اتخاذ القرارات الخاصة بالهجرة الخارجية. لكن هذه الدراسات المتوفرة مازالت مكبلة بإشكاليات منهجية كبيرة، إذ تحوم شكوك جدية حول نجاعة الطرق الحالية لتقييم تفاعل تدفقات الهجرة مع ما يشهده تباين الأجور من تغيرات مستمرة ومتنامية.

وقد أكدت تحاليل الاقتصادي الأمريكي لوكاس (1985) أننا مازلنا نرى ذلك الإنسان الهامشي الذي يستعمل حاسبته الجيبية.. قصد ضبط مردود الاستثمار في الانتقال الى أماكن أخرى يحسّن فيها وضعه المادي الخاص.

إن النموذج الحدي النيوكلاسيكي المبني على قاعدة التكلفة والفائض تعرض لعديد الانتقادات التحليلية في مدى قابليته للتطبيق بخصوص الهجرة الدولية، نذكر أهمها في العناصر التالية:

ـ لا نستطيع اليوم أن نتوقع تزايدا قطعيا للهجرة الخارجية كنتيجة لتفاقم تباين الدخل بين البلدان نظرا لما اكتسته هذه الهجرة من أبعاد سياسية واجتماعية وعرقية فاصلة تتسم تارة بالضغط وطورا بالجزر. زد على ذلك، أنها تختلف عن الهجرة الداخلية أساسا لكونها عرضة لمراقبة إدارية وسياسية بدرجة كبيرة.

ـ تمثل المعايير الانتقائية الصارمة أمام تدفقات الهجرة في البلدان الاوروبية المتوسطية معوقات جمّة لا تشجع المترشحين للهجرة وتحد هكذا من حجمهم، كما تشكل عمليات الشرطة حاجزا أمام المهاجرين الوافدين غير القانونيين سواء اتجهت نواياهم للإقامة المؤقتة أو الدائمة في البلدان المضيفة.

ـ تشكل أيضا معظم الهجرة الدولية هجرة تعاقدية للعمل بصفة مؤقتة منظمة في إطار اتفاقيات دولية بينية ومتعددة الأطراف وضمن إستراتيجية أوروبية جديدة موحدة بالتعاون مع البلدان المتوسطية المصدرة لهذه الهجرة.

ت) المقاربات الماركسية والبدعية حول الهجرة الدولية:

من المقاربات الأخرى التي تقر مفهوم نمو طاقة الهجرة تلك التي تؤكد على الوضع المحيطي للبلدان الفقيرة والنامية في إطار عالمي دائري تحتل البلدان الغنية الصناعية مركزه وتعمل البلدان الغنية على امتصاص ثروات بلدان المحيط الى حد تفقيرها واستغلالها اقتصاديا وسياسيا وجعلها بالتالي تابعة لها.

إن سلوك البلدان المستغلّة يزيد في اتساع الهوة بين هذين الشقين ويمثل حافزا للهجرة من بلدان المحيط في اتجاه بلدان وسط الدائرة أي الغنية الصناعية او الأوروبية. الشيء الذي يمكّن هذه البلدان الأوروبية من الاستفادة من الموارد البشرية المكونة وغيرها لتعزيز نموها الاقتصادي وتقدمها التقني.

من جانب خر تشكل مقاربات تطبيق "أثر الدوّامة" أو التسبب التراكمي لمردال (1957) تطابقا مماثلا للتحاليل المرتكزة على أفكار المحيط والدائرة حيث تعتبر هاتان الأطروحتان عدم وجود فائض في قوى العمل بالمعنى الرأسمالي للكلمة، عرضا من أعراض التفاعلات التاريخية بين الوسط المتقدم والمحيط المتخلف. فالهجرة إذن، هي حالة من حالات الاستغلال والسيطرة والتبعية الاقتصادية والاجتماعية التقليدية.

ومهما يكن من أمر وبغضّ النظر على الأسباب التي أفرزت هذه الظاهرة الهجرية الدولية، فإن الاقتصاد العالمي الحر والمتفتح، يجعل من المهاجرين خارج البلدان النامية المتوسطية إما أفرادا عاطلين عن العمل في بلدانهم الأصلية أو قابلين للتعويض من قبل غيرهم من العاطلين في حالات عدم استقرار في البلدان الأوروبية المتوسطية المضيفة التي لا يهمها إلا الأمان والاستقرار الداخلي والإقليمي بالأساس.

ومن المنطلق يمكننا اعتبار الهجرة الخارجية كصمام أمان بالنسبة للبلدان النامية المتوسطية لتقليص الضغوط السكانية والحد من البطالة وتمكينها من تحويلات نقدية ومالية هامة للتنقيص من عجز موازينها التجارية والمدفوعات في الأمدين القصير والمتوسط، ولكن وفي الوقت ذاته وفي المدى البعيد - تكبل هذه الظاهرة السكانية البلدان الفقيرة والنامية بإبقائها داخل نظام اقتصادي عالمي توزع امتيازاته بصفة متفاوتة لصالح البلدان المتقدمة الغنية.

ث) الآثار الاقتصادية لسياسات تصدير العمل:

تعزى الى الاقتصاديين "بريبيتس" (1950) و"سنجر" (1968) مقاربة شاملة تؤكد بأن البلدان النامية تنتفع أقل من البلدان الغنية من مساهمتها في الاقتصاد الدولي. ويؤمن الاقتصاديان بكون التفاوت الدولي ينتج عن تدهور في معدلات التبادل الاقتصادي في العالم بصفة مواتية للبلدان المتقدمة وعلى حساب البلدان النامية.

وتمثل التجارة الدولية الحرة الآن عاملا من عوامل تنمية التفاوتات بين هذه البلدان. وإذا كانت الهجرة الخارجية من البلدان الفقيرة للبلدان الغنية مرتبطة بتباعد الدخل بين القسمين، يمكننا التأكيد هنا بأن هذه التجارة تساهم ولو بصفة غير مباشرة، على دفع وتنمية الهجرة الدولية في المنطقة المتوسطية.

كما تتبلور مختلف القوى الاقتصادية في الطاقة الهامة للتدفقات الهجرية البشرية من البلدان النامية الى البلدان المتقدمة. إلا أن المدى الذي يمكن أن تصل إليه هذه الطاقة يتوقف عموما على سياسات الهجرة الخارجية والهجرة الداخلية في البلدان المعنية. فالسياسات الاقتصادية المعتمدة في بلدان الهجرة الخارجية مرتبطة أساسا بتصورها للفوائد والتكاليف المنجزة من الهجرة الخارجية للعمل حيث تتمثل امتيازات تصدير قوى العمل للخارج في ما يلي:

ـ تحسين الموازنات الاقتصادية الخارجية الكبرى عبر تحويلات قوى العمل التي تشتغل في البلدان الأوروبية المتوسطية.

ـ الحد من وطأة البطالة وتوظيف قوى العمل الزائدة.

ـ اكتساب مهن وحرف وتقنيات جديدة بواسطة خبرة العمل بالخارج مع إمكانية

إحداث المشاريع بالمشاركة الخارجية.

ـ إدماج الاقتصادات الوطنية في سيرورة العلاقات الاقتصادية الدولية المعولمة ودفع التنمية الاقتصادية على أسس تحررية.

لكن هذه الآثار الاقتصادية المنجزة ليست فقط إيجابية بالنسبة للبلدان النامية، بل تتسم في نفس الوقت، بجوانب سلبية نذكر منها:

ـ تقليص حجم قوى العمل الإنتاجية كمّا ونوعا سيما وأن جل البلدان النامية المتوسطية الجنوبية قد انتهجت سياسات اجتماعية تحد من تزايد السكان والمسماة بالتنظيم العائلي والأسري الذي حقق نتائج إيجابية في التقليص من الزيادة السكانية.

ـ استنزاف الكفاءات الضرورية المتكونة بواسطة هجرة الأدمغة والتي تمثل اليوم إحدى معوقات التنمية الشاملة المعتمدة على التقنيات والتكنولوجيات المتطورة الضرورية لهذه البلدان الصاعدة.

تمثل هذه الآثار الاقتصادية السلبية عوامل خطيرة تفقد مرونة الاقتصادات وتطورها في الأمد الطويل وتجعلها غير قادرة على السيطرة على ثرواتها المادية والبشرية وتتطلب تنظيما كميا وكيفيا للتدفقات الهجرية الخارجية يرمي الى تيسير عودتها الى بلدان الأصل بعد مضي فترات زمنية محددة ومبنية على توفير العناصر الرئيسية التالية:

* العمل على تنوع نسبي للهيكل الإنتاجي الاقتصادي للبلدان.

* توفير عرض العمل بصفة كافية للقادمين.

* إيجاد أنظمة مالية وإنمائية قادرة على استثمارات بسيطة وذات مصادر مختلفة عبر أنشطة اقتصادية كفيلة بضمان الاستمرارية والديمومة.

* تشجيع إعادة توطين رؤوس الأموال الوطنية المستثمرة في الخارج بأطر قانونية ومالية وتنظيمية محكمة.

2) مكانة الهجرة المغاربية في البلدان الأوروبية:

ترجع ظاهرة الهجرة العربية عموما والمغاربية على وجه الخصوص نحو البلدان الأوروبية، الى عدة أسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية. فالظروف الاقتصادية مثل ندرة الموارد المادية، وما يتعرض إليه الإنسان من بطالة وفقر، وفقدان القدرة على إشباع حاجاته الحيوية، تدفعه في كثير من الأحيان الى مغادرة بيئته الطبيعية الى بيئة غريبة عنه. كما أن الظروف السياسية والاجتماعية المتغيرة وما يلاقيه الإنسان من غياب الحرية الحقيقية، قد يكون أحيانا بفعل قوة خارجية كما يحدث أثناء فترات الاستعمار، ترغم الإنسان على هجر موطنه الأصلي بحثا عن مكان آخر يمكّنه من وجود حدّ أدنى من الأمان والطمأنينة والعيش الكريم.

وتتعدد الأسباب وتتنوع بتعدد المهاجرين، ولكنها تتجمع كلها لتدل على وجود بيئتين: الأولى طاردة والثانية جاذبة. ويكون اتجاه حركة السكان من البيئة الطاردة الى البيئة الجاذبة. ويدل التحليل النفسي الاجتماعي لهذه الحركة على وجود بعض العوامل في البيئة الطاردة التي تحدث في نفس المهاجر شعورا داخليا ينفره من بيئته الأصلية، ويدفعه للبحث عن بيئة جديدة يتوقع أن تكون ظروف الحياة فيها افضل من الظروف التي يعيش في ظلها في موطنه الأصلي.

ويعتمد ذلك على تقييم المهاجر أثناء الساعة التي يقوم فيها باتخاذ القرار الانتقالي، لكن عملية الهجرة لا تكتمل إلا باستعداد البيئة الأخرى لاستقبال المهاجر أي ضمن سياسة اقتصادية محددة واضحة الأهداف ومرسومة الوسائل ترتكز عليها البلدان المتقدمة الأوروبية صاحبة البيئة الجاذبة لتوطين مهاجري البيئة الطاردة النامية العربية المغاربية.

بعبارة اخرى، سواء اعتبرنا الهجرة موضوعا رئيسيا أو ثانويا في العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، فإنها تبقى في نظرنا دوما، ظاهرة عالمية ضرورية فالبلدان المتقدمة الأوروبية هي التي اجتذبت في الماضي البعيد والقريب، عمال البلدان المغاربية لعدة غايات سياسية نذكر منها الحروب الاقليمية والعالمية، والاقتصادية المتمثلة أساسا في احتياج الاقتصادات الاوروبية لليد العاملة قصد بناء مقوماتها التي أتت عليها الحروب وتطلبتها فيما بعد ضرورات النمو.

وانطلاقا من الإشكاليات القائمة الآن حول الحجج التي تبرر الهجرة أو التي ترفضها، فإن المسألة الأساسية تتعلق بأحقية تواجد المهاجرين العرب المغاربة بشكل عام في بلدان السوق الأوروبية الموحدة. فهذه الهجرة العربية تستحضر سلسلة من الارتباطات ومجموعة من المواضيع المحتوية على حالات ضمنية منها:

ـ الهجرة واختلال التوازن الاجتماعي، الهجرة والمجتمع، الهجرة والفشل

المدرسي، الهجرة ومظاهر العنصرية، الهجرة والبطالة، الهجرة والركود.

فالانتعاشة الاقتصادية الاوروبية التي تتطلب دراسات ضافية وعميقة لا يمكننا تحليلها في هذه الورقة التي تهدف في المقام الأول وقبل كل شيء الى دراسة السمات الأساسية لأوضاع المهاجرين العرب في البلدان الأوروبية المعنية والتي تعتبر منذ بداية الثمانينات والى اليوم القضية الراهنة الأولى بالنسبة للبلدان العربية المغاربية والاوروبية المتوسطية وغيرها.

إن الهجرة العربية المغاربية، كانعكاس للعلاقة الاستعمارية، تحتل مكانة هامة في العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية الحالية نتيجة لبروز الوازع القومي في جل بلدان العالم وحتى في بلدان اوروبا الشرقية بعد سقوط حائط برلين واندثار المنظومة الاشتراكية، وأيضا نتيجة لظهور عدة صعوبات اقتصادية واجتماعية في بعض البلدان المغاربية والعربية ادت الى تكاثر الهجرة نحو البلدان الاوروبية.

ولقد كانت بلدان المغرب العربي الثلاثة (الجزائر وتونس والمغرب) مستعمرات فرنسية منذ نهاية القرن التاسع عشر والى منتصف القرن العشرين. مما حدا بفرنسا الى استقبال حوالي 80% من قوى العمل المغاربية المتنوعة والمتواجدة الآن في بلدان أوروبا الموحدة.

وقد هاجر هؤلاء لتحسين دخلهم المادي وتنمية معارفهم الشيء الذي مكّنهم من العمل والاستقرار في المجتمع الفرنسي والذي كان دوما في حاجة لهم لشد ازر نموه الاقتصادي. إلا أنه سرعان ما أهمل هذا الجانب من طرف بعض السياسيين والدارسين الفرنسيين. وأصبح مشكل الهجرة مطروحا أمام الباحثين والسياسيين.

بعبارة أدق، بقدر ما تفرض مسألة الهجرة العربية المغاربية نفسها اليوم، فإنها تثير نوعين متناقضين من التحليل الخاص بمكانتها في الاقتصادات الاوروبية أو بالأحرى الفرنسية. يعتبر التحليل الأول أن الهجرة المغاربية تشكل جزءا لا يتجزأ من القضية السكانية في أوروبا، وأن مواصفاتها الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية ناتجة عن ظواهر الهجرة في السابق والتي مازالت متواصلة الى اليوم بشكل أقل. فالأمر يتعلق إذن بظاهرة مشتقة من الهجرة الماضية أكثر مما يهم مسارا مستمرا.

أما التحليل الثاني فيعتبر أن شكل الهجرة في أوروبا يختلف في عدة نقاط خصوصا مع بداية فترة الستينات، على الأشكال القديمة للهجرة. فالاقتصاد، الذي يبدأ مرحلة من التطور من خلال تغييرات في الهياكل الانتاجية، يتطلب قوى عمالية جديدة، يقتصر دورها على أنشطة لا تفترض درجة عالية من المهارة ولا مستوى عاليا من التكوين المسبق في الأمد القصير.

وبناء على هذا، فإن الهجرة قد تغير هدفها وطبيعتها بالمقارنة مع الفترات السابقة من تاريخها حيث كان المهاجرون يحلّون في هذه البلدان لتعويض العمال الأصليين أو تعزيز صفوفهم نتيجة العجز الديموغرافي الجهوي والوطني الحاصل باستمرار. فالعنصر العربي المغاربي المهاجر لأوروبا مطلوب لمواصفاته الخاصة بعدم مهارته مقارنة بالعمال الأوروبيين.

فيجب إذن، وضع الهجرة المغاربية في الصف الأخير من سلّم الشغل بحيث لا تستطيع منافسة العمال المحليين الذين يحصلون بذلك عن موقع مميز على مستوى العمل. وهكذا نرى أن المهاجرين المغاربة يعيشون في دمج انتقائي في دائرة الإنتاج. ومن هنا نفهم لماذا يحتل المغرب العربي مكانة متزايدة الأهمية شيئا فشيئا من المناطق الأخرى الموفرة لليد العاملة المهاجرة.

إن الشكل المعاصر للهجرة يختلف عن الحركات السكانية التي مازال بعضها متواصلا ولكنها كانت أكثر حيوية خاصة قبل الاستعمار الأوروبي. أما حركات الهجرة المعاصرة التي ظلت بطيئة نسبيا الى حدود 1929، فما فتئت تشتد منذ الحرب العالمية الثانية وقد أصبحت الآن عامة بالرغم من صعوبة الإحصائيات حول تحديد معنى المهاجر وضبط أهدافه.

إن هذه النظرة الاجمالية لمسألة الهجرة، بغض النظر عن تعدد طرق التحليل، يمكنها إلقاء الضوء أمامنا للوقوف على المجهودات التي تقوم بها البلدان العربية عموما والمغاربية خصوصا المصدرة لليد العاملة قصد تنظيم الهجرة وربطها بالسياسات الاقتصادية الإنمائية فيها علما أن هذه الهجرة تشكل موردا ماليا هاما لها نظرا لأهميتها وعدد أفرادها المتنامي.

أ) وضع الهجرة العربية المغاربية في أوروبا الموحدة:

* هيكلة العمال المهاجرين القادمين من المغرب العربي:

احتل العمال المهاجرون العرب بسرعة، من حيث الكم، مكانة هامة، فقد بلغ عددهم قرابة 16 مليون مهاجر سنة 2000 منهم 20 مليونا في اوروبا أي حوالي 10% من إجمالي السكان الناشطين. وقد شكلت أوروبا المتوسطية في السنوات الأخيرة أهم مخزون لليد العاملة المهاجرة حيث يستقر الآن بفرنسا بقرابة 5 ملايين مهاجر عربي مغاربي، نصفهم من الجزائريين الذين يمثلون ظاهرة قديمة جدا. وهذا يفسر باختلاف الوضع الاستعماري حيث شجّعت فرنسا حسب حاجياتها هذه الهجرة المغاربية خدمة لحروبها ولنمو اقتصادها بعد الحرب العالمية الثانية أي مع بداية تطبيق مخطط مارشال الأمريكي.

من جهة أخرى، تبرز لنا دراسة طبيعة الهجرة المغاربية ما يلي:

ـ 85% من المهاجرين موجودون بفرنسا سنة 2000 و6% في بلجيكا و6% في ألمانيا والباقي في هولندا وبريطانيا والسويد.

ـ لقد تضاعفت الهجرة المغاربية نحو فرنسا بمعدل 2% بين سنتي 1974 و1993 وذلك بالرغم من التدابير التي اتخذتها السلطات الفرنسية من أجل الحد من هذه الهجرة.

ـ يمثل المهاجرون الوافدون من المغرب العربي حوالي 30% من مجموع الجالية الأجنبية بفرنسا.

* فروع النشاط والمهارة:

تشير الإحصائيات التي أجريت أخيرا في ما يخص العمال المهاجرين الى قلة مهارتهم وقوة تجمعهم في عدد قليل من الأنشطة القطاعية الاقتصادية. وبالإضافة لذلك، يتقاضى المهاجرون العرب المغاربة أجورا متدنية مقارنة بنظرائهم من البلدان الأخرى. كما تجدر الإشارة هنا، الى أن أرباب العمل في البلدان المضيفة الاوروبية ينتفعون من التكوين المسبق الذي استطاع العمال المهاجرون الحصول عليه في بلدانهم الأصلية ولا يمكنون هؤلاء العمال إلا من درجة تأهيل ضعيفة جدا مقارنة بالعمال الاوروبيين الآخرين. الشيء الذي يؤكد أن وضعية العمال العرب المهاجرين والقادمين من البلدان المغاربية تبقى مهمشة اجتماعيا وخاصة في إطار الأزمات الدولية المستفحلة.

ب) الأزمات الاقتصادية الدولية كعامل محدد للهجرة العربية:

اتخذت الحكومات الاوروبية غداة "الصدمة" النفطية الأولى قرارات عنيفة وزجرية لتجميد الهجرة متناسية بذلك الوعود الداعية لتنمية تبادل القدرات البشرية والمالية بينها وبين البلدان العربية. وقد حاولت البلدان الاوروبية من وراء قراراتها الحد من هذه الهجرة والتنقيص منها على امتداد بعض السنوات الماضية وعلى إثر التوجهات اليمينية واليسارية السياسية التي تهدف الى الحد من عدد الوافدين على بلدانها.

إلا أنه وعلى العكس من بعض التوقعات، فإن هذه القرارات المنبثقة من الأزمة الاقتصادية لم تحدث حركة ضخمة باتجاه العودة نظرا لحاجة الاقتصادات الأوروبية لليد العاملة المهاجرة حيث ارتفعت معدلات الهجرة غير الرسمية نحو أوروبا الموحدة ورفضت اليد العاملة المهاجرة الرسمية شروط العودة المقترحة لكونها لا تفي بالحاجة بالنسبة لهؤلاء المهاجرين عند رجوعهم الى أوطانهم، زد على ذلك الإشكاليات العويصة التي أفرزها واقع الأجيال المتعاقبة للمهاجرين الذين اتخذوا من البلدان الأوروبية المضيفة أوطانا جديدة لهم.

وبشكل عام، نلاحظ أن اليد العاملة الأجنبية في أوروبا لم تتقلص بصورة ملحوظة خلال سنوات الأزمات الدولية حيث بقي معدل نمو الهجرة في حدود 105% في المتوسط سنويا بين 1974 و1993 و2000.

وسواء تعلق الأمر بتخفيض أو إعادة هيكلة الجالية العربية المغاربية المهاجرة على الخصوص، فإنه ليس من المؤكد أن أبواب التوظف أصبحت مغلقة نهائيا. فمن هنا فصاعدا أصبح الأمر مرهونا بحشد الإمكانات الداخلية قصد استقبال اليد العاملة المهاجرة العائدة الى البلدان العربية الأصلية، وهذا ما تهدف إليه كل السياسات العربية المغاربية الاقتصادية المعنية في إطار برامجها الإنمائية القطرية.

أخيرا، لا بد من الإشارة هنا أن الاقتصادات الأوروبية التي تمر بفترات ركود ونمو بطيء خلال الفترات الزمنية الأخيرة، شهدت تقلصا شديدا في إجمالي وظائف الشغل الجديدة حيث بقيت معدلات البطالة هامة، الشيء الذي يؤكد بوضوح أن الأزمة الاقتصادية ليست السبب الرئيسي في تنامي البطالة والحد هكذا من الهجرة، بل لا بد هنا من تدارس الأسباب الحقيقية انطلاقا من المقومات الأساسية للمنظومة الإنتاجية في البلدان الاوروبية.

ت) من تحول العمال العرب الى التحويلات المالية:

تأتي ضخامة حجم العمال العرب المغاربة المهاجرين لأوروبا كدليل قاطع على حاجة الاقتصادات المعنية لهم، وكمبرر هام يدحض الادعاء السائد بأن هؤلاء لا يستطيعون بلوغ مستوى إنتاجية العمال الاوروبيين بالرغم من ثقل الانشطة القطاعية الاقتصادية التي هي في حوزتهم. ولعل التحويلات المالية الهامة المتأتية من سعيهم والقاصدة البلدان العربية الأصلية خير دليل على مجهوداتهم المنتجة حيث شكلت مثل هذه التحويلات بالنسبة لبلدان المغرب العربي نسبا هامة (سنة 1993) نذكرها كما يلي:

ـ 26% من المداخيل الخارجية في الجزائر.

ـ 24% بالنسبة للمغرب.

ـ 10% بالنسبة لتونس.

مما يبرز بجلاء مكانة مساهمة هذه التحويلات في توازن الموازين التجارية والمدفوعات في البلدان المغاربية الثلاثة وأيضا في المشاركة الفعالة في عملية البناء الاقتصادي الداخلي لهذه البلدان.

على أنه، لا يجب الوقوف فقط على أهمية هجرة اليد العاملة العربية نحو أوروبا، بل علينا أيضا ذكر نوع خر من الهجرة ألا وهو هجرة الأدمغة العربية. فقد أوضحت بعض الدراسات التي أعدتها الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة أنه ما لا يقل عن 30 مليونا من العمال والباحثين غادروا أوطانهم في اتجاه البلدان الرأسمالية كالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الموحدة. وتحتل قوى العمل العربية نسبة مهمة من هؤلاء المهاجرين تقدر بحوالي 10% والذين أصبحت تسميتهم بـ "مرشدي رأس المال" بالإضافة الى ذلك، هناك على الأقل 200 ألف علاّمة عربي من طبيب ومهندس واختصاصي غادروا بلدانهم الى كندا وأمريكا وأوروبا الموحدة مما يدل على اتساع هجرة الأدمغة العربية من بلدان نامية في أشد الحاجة لهم قصد التنوع في الاختصاصات الحديثة للعلوم.

ث) الهجرة العربية طرف فقير في النظام الاقتصادي الدولي الجديد:

إن بناء اقتصاد دولي جديد يتطلب حسب نظرنا ما يلي:

* لا نطعن في المبادئ الاقتصادية المبنية على الحرية والمبادرة الفردية واقتصاد السوق، بل ندعو الى شمولية العدالة في توزيع المكاسب المترتبة على العلاقات الاقتصادية الدولية على كل الفئات الاجتماعية المتدخلة في صياغة وتجسيم هذه العلاقات.

* عدم إهمال مجالات الهجرة بكل أصنافها كرافد من روافد العلاقات الاقتصادية الدولية. وأن لا تقتصر على تبادل السلع والخدمات وحرية انسيابها وتدفقها متناسية بذلك محركيها.

* تنظيم مسالك الهجرة وتدفقات المهاجرين بين مختلف البلدان والعمل على إيجاد تشاريع خاصة بالهجرة متعددة الأطراف علما وأن الاقتصاد العالمي اصبح متداخلا، متجانسا، متبادل الاعتماد يحتاج الى يد عاملة متنوعة ومختصة من جميع البلدان.

أخيرا، وفي سياق أزمات الاقتصادات المتقدمة، فإننا نميل الى الاعتقاد بأن الهجرة العربية عموما والمغاربية على وجه الخصوص ليست مجرد عنصر من جملة من العناصر الاقتصادية المهمشة بل هي في المقام الأول عامل حاسم في تغيير النمط التقليدي المختلف وفي دفع حركية النمو الاقتصادي والرقي الاجتماعي.

الخلاصة:

لقد انتهينا في تحاليلنا السابقة الى عديد الاستنتاجات بشأن قوى العمل الاقتصادية المولدة للهجرة الخارجية للعمل نذكر أهمها:

* تشير كل الدلائل الى أن اتجاهات الاقتصاد والسكان الشاملين أدى الى وجود عرض لا محدود للعمال الراغبين في الخروج من أوطانهم الأصلية وبالأحرى البلدان النامية مستغلين فرص الشغل المتاحة والكامنة في البلدان المتقدمة بقطع النظر عن تباين انماط التجاوب مع فرص الهجرة الدولية في البلدان المتشابهة من حيث خاصياتها السكانية والاقتصادية والثقافية.

* على الرغم من أهمية الهجرة غير الرسمية واللاقانونية، فإن محددات حجم الهجرة الدولية تكمن في السياسات الضابطة للهجرة الوافدة، في البلدان المضيّفة الغنية المتقدمة، تلك السياسات التي ترسم بدورها اتجاهات مرتبطة بنجاحات الشغل فيها.

* تلعب الهجرة المغاربية المتوسطية دورا مميزا في كلا الشطرين المتوسطيّين. فهي تمثل إحدى الحلول الهامة التي تمكّن بلدان الأصل الجنوبية من الحد من معظلة البطالة المتنامية والاستفادة من حجم التحويلات النقدية والمالية المتزايدة مع تمكين قوى العمل المهاجرة من الحصول على تكوين تقني وتكنولوجي ينعدم في بلدانها الأصلية، كما تتيح الفرصة للبلدان المضيفة المتوسطية الشمالية الأوروبية من استغلال هذه القوى الإنتاجية كمّا وكيفا في سيرورته الاقتصادية الإنمائية وتطورها التقني.

* لا تمثل الهجرة الخارجية المغاربية إلا حلولا ظرفية بالنسبة للبلدان المغاربية المدعوة من الآن فصاعدا الى تنظيم هذه التدفقات المهاجرة بتوفير حد أدنى من شروط التشغيل المعيارية لصالح مواطنيها فور رجوعهم، من الإقامة والشغل في ظروف معيشية وأمنية مقبولة ومستقرة وذلك عبر اتفاقيات بينيّة ومتعددة الأطراف مع بلدان الاستقبال الأوروبية المتقدمة.

* العمل أخيرا، على إعطاء المكانة المناسبة لظاهرة الهجرة الدولية في النظام الاقتصادي العالمي الجديد بسن قوانين دولية وتجسيدها تحترم المهاجرين وتصون حقوقهم المادية والأدبية وتزيل عنهم سمات التهميش والعنصرية في المجتمعات المضيفة.

* دعوة للبلدان المغاربية الخمسة التي أبرمت اتفاقيات شراكة ومناطق للتبادل الحر مع بلدان الاتحاد الاوروبي الى إيلاء هذه الظاهرة الاقتصادية والاجتماعية مكانة مميزة في علاقاتها المستقبلية على أسس متينة ضامنة للنمو والتطور والأمن في المجال الأورومتوسطي.

الهجرة والتحويلات الدولية (12)

نظرة سريعة:

 للهجرة الدولية، وهي انتقال الأفراد عبر الحدود الدولية، آثار هائلة على نمو ورفاهية كل من بلدان المنشأ وبلدان المقصد.

يعيش نحو 200 مليون شخص خارج بلدان مولدهم. هناك ضغوط قوية على الهجرة الدولية مدفوعة بالفروق في النواحي الديموغرافية والدخول الحقيقية بين البلدان. وتكمن القضايا الرئيسية في كيفية تقليص الآثار الهدامة للهجرة الدولية الواسعة النطاق وتعزيز أثرها الإنمائي.

تشير الأبحاث إلى أن المكاسب الاقتصادية لكل من البلدان المتقدمة المستقبلة للمهاجرين والبلدان النامية التي ينزح منها المهاجرون ستكون ضخمة حتى بالنسبة لأية زيادات صغيرة نسبياً قد تطرأ على قوة العمل في البلدان الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD)، كما تشير إلى أن المكاسب النسبية ستكون أعلى كثيراً للأسر المعيشية في البلدان النامية مقارنة بالأسر المعيشية في البلدان الغنية.

 تشكل موجات الهجرة الكبيرة للمواطنين من ذوي المهارات العالية ـ أو ما يطلق عليه "نزيف العقول" ـ مشكلات مزعجة للكثير من البلدان المنخفضة الدخل الأصغر حجماً. على سبيل المثال 80 في المائة من خريجي الجامعات المولودين في هايتي أو جاميكا يعيشون بالخارج.

ومن المتوقع أن تصل التدفقات المسجلة من التحويلات إلى البلدان النامية إلى 207 بلايين دولار أمريكي في عام 2006. ويُعتقد أن الحجم الحقيقي لتدفقات التحويلات، متضمنة التحويلات غير المسجلة من خلال قنوات رسمية وغير رسمية، أكبر من ذلك بكثير.

تتجاوز تدفقات التحويلات ضعف مجموع المعونات الإنمائية، وهي تمثل أضخم مصدر للنقد الأجنبي للعديد من البلدان.

نظراً لأن التحويلات هي معاملات خاصة، لذا، لا ينبغي النظر إليها على أنها بديل عن الديون، أو تدفقات المعونات. وينبغي على الحكومات معاملة التحويلات كأي مصدر آخر للدخل الخاص.

إن تخفيض تكلفة إجراء التحويلات يحقق مكاسب كبيرة لأسر المهاجرين. وبالإضافة إلى زيادة مستويات الاستهلاك، فيمكن للتدفق المُطرد للنقد الأجنبي الذي توفره هذه التحويلات أن يؤدي إلى تحسين درجة الجدارة الائتمانية للبلد المعني بالنسبة للاقتراض الخارجي.

تتضمن الجهود التي يبذلها البنك الدولي لتحسين بيانات الهجرة قاعدة البيانات الأكثر شمولاً عن المهاجرين من ذوي الخبرات حتى هذا التاريخ، بناءً على بيانات إحصائية ومسحية من البلدان الأعضاء لدى منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، إضافة إلى مصفوفة ثنائية عن تدفقات الهجرة العالمية تشمل الهجرة فيما بين بلدان الجنوب، وأنماط متنوعة من التوعية، ناهيك عن الأبعاد الخاصة بالمساواة بين الجنسين وأعمار المهاجرين

نظرة عامة

اجتذبت الهجرة اهتماماً متزايداً بين واضعي السياسات، بسبب كل من النمو الذي طرأ مؤخراً على تدفقات التحويلات وكذلك بسبب دواعي القلق المتعلقة بالهجرة في كل من البلدان المتقدمة والبلدان النامية

تشمل الآراء التي برزت مؤخراً بشأن الهجرة والتحويلات ما يلي:

أن فوارق الدخل، وكذلك القوى السياسية والديموغرافية لها التأثير الأقوى على أنماط الهجرة. فالهجرة هي آلية كبرى لتحقيق التوازن الاقتصادي، حيثما كان ذلك ممكناً.

أن الهجرة الدولية تعزز مستويات الدخل في العالم. إذ إنه بالسماح للعاملين بالانتقال إلى حيث يكونوا أكثر إنتاجية، تؤدي الهجرة إلى حدوث زيادة في إجمالي الإنتاج والدخل.

أن معدلات التحويلات تميل إلى التفاوت حسب تكاليف العمليات وكذلك حسب مدى الاحتياج، أو بعبارة أخرى، الفجوة في الدخل بين أفراد الأسرة في البلدان المضيفة وبلدان المنشأ.

أن التحويلات تؤدي ـ بصفة عامة ـ إلى تخفيض مستوى وشدة الفقر.

أن التحويلات كثيراً ما تؤدي إلى زيادة تراكم رأس المال البشري، والاستثمار وتنظيم مشروعات العمل الحر.

تؤثر الهجرة على قرارات الرعاية الصحية للأسر المعيشية، ويكون ذلك التأثير بوجه عام من خلال ما يتم من تحويلات.

يبرز استنزاف العقول فروقاً وديناميكيات ملموسة فيما بين مختلف المناطق، حيث تتخللها آثار أكثر خطورة على البلدان المنخفضة الدخل والأصغر حجماً المعزولة اقتصادياً.

مبادرات البنك الدولي بشأن الهجرة والتحويلات

يركز البنك الدولي حالياً، في إطار جهوده المتعلقة بالهجرة، على محدداتها؛ وتأثيرها وتأثير التحويلات على النمو الاقتصادي، والتنمية، واستنزاف العقول؛ وعملية الانتقال المؤقتة للأفراد؛ والصلة بين التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر والهجرة؛ وقضايا الحماية الاجتماعية؛ وإدارة الحكم.

يهدف برنامج أبحاث البنك الدولي بشأن الهجرة إلى تحديد وتحليل الأثر الإنمائي لها، وذلك لتحديد إصلاحات السياسات واللوائح والمؤسسات المعنية بها في كل من البلدان المرسلة والمستقبلة للمهاجرين، والتي ستؤدي إلى نتائج إنمائية أفضل. ويُكمل ذلك برنامج عمل نشط بشأن التحويلات يهدف إلى تحسين البيانات الحالية الخاصة بها، وتخفيض تكاليف المعاملات، وتعزيز نزاهة أنظمة تحويل الأموال.

وقد انخرط البنك الدولي بصورة نشطة في محاولة لتحقيق اتساق في السياسات العالمية بشأن التعامل مع الهجرة عن طريق زيادة الشراكات والتنسيق. واشترك أيضاً (مع بنك التسويات الدولية) في رئاسة فريق عمل لتفعيل التنسيق الدولي بشأن نظم المدفوعات عن طريق التحويلات. ويشترك البنك الدولي مع العديد من المنظمات الدولية الأخرى في عضوية الفريق العالمي المعني بالهجرة. وقدم البنك أيضاً آراء فنية لمجموعة الدراسات المعنية بانتقال الأيدي العاملة والعوامل الديموغرافية التابعة لمجموعة العشرين. ويعمل البنك بصورة وثيقة مع المنتدى العالمي المعني بشؤون الهجرة والتنمية، وقد عُقد أول لقاء له في بروكسل في يوليو/تموز 2007.

وقد تم إنجاز عمل اقتصادي وقطاعي بشأن الهجرة والتحويلات في العديد من المناطق، وتضمن ذلك دراسات إقليمية عن منطقتي أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، وشرق أوروبا وآسيا الوسطى، وشرق آسيا، ودراسات تشخيصية استشرافية عن الممارسات الجيدة وقدرات الحكومات على إدارة شؤون الهجرة، وإستراتيجيات المساعدة القُطرية في نيبال وطاجيكستان، على سبيل المثال لا الحصر، التي تأخذ التحويلات بعين الاعتبار. وأسس البنك مع مصرف التنمية الأفريقي صندوقاً استئمانياً متعدد الجهات المانحة لدراسة الهجرة، والتحويلات، والتنمية في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء.

تقرير جديد يدعو قادة العالم إلى حماية حقوق الإنسان للمهاجرات(13)

   أصبح الآن نصف جميع المهاجرين الدوليين ـ 95 مليوناً ـ من النساء والفتيات. ومع ذلك، ورغم مساهماتهن الكبيرة في أسرهن في أوطانهن وفي المجتمعات الموجودة في الخارج، مازالت احتياجات المهاجرات تُغفل وتكون موضع تجاهل.

ويتناول تقرير حالة سكان العالم، عبور إلى الأمل: النساء والهجرة الدولية الصادر هذا العام نطاق واتساع هجرة الإناث، وتأثير الأموال التي يرسلنها إلى أوطانهن لإعالة أسرهن ومجتمعاتهن، وتعرضهن بدرجة غير متناسبة للاتجار بالبشر وللاستغلال والإيذاء.

ويكشف التقرير، الذي يعده ويصدره صندوق الأمم المتحدة للسكان كل عام، أنه على الرغم من مساهمة المهاجرات ببلايين الدولارات نقداً وعلى شكل خدمات، مازال واضعو السياسات يتجاهلون مساهماتهن وضعفهن، حتى رغم أن المهاجرات يرسلن عادة نسبة من إيراداتهن الأقل إلى أوطانهن أعلى بكثير من النسبة التي يرسلها نظراؤهن من الذكور.

تقول السيدة ثريا أحمد عبيد، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، "إن هذا التقرير يهيب بالحكومات والأفراد الاعتراف بمساهمات المهاجرات وتقديرها حق قدرها، وتعزيز واحترام حقوقهن الإنسانية. وثمة حاجة ماسة إلى تعاون أقوى بين البلدان لجعل الهجرة أكثر أماناً وإنصافاً. كما توجد حاجة شديدة إلى اتخاذ تدابير على نطاق أكبر لمعالجة نقص الفرص وانتهاكات حقوق الإنسان التي تدفع نساء كثيرات إلى الهجرة في المقام الأول".

ويأتي صدور تقرير حالة سكان العالم 2006 قبل أسبوع فقط من الحوار الرفيع المستوى بشأن الهجرة الدولية والتنمية الذي سيجري في نيويورك. وهذا الاجتماع، الذي سيعقد في الأمم المتحدة يومي 14 و 15 أيلول/ سبتمبر، هو الأول من نوعه الذي يجمع حكومات العالم لكي تناقش ما تنطوي عليه الهجرة من تحديات وفوائد جمة. والتوقيت لا يمكن أن يكون أكثر أهمية من ذلك، ولا يمكن أن تكون القضايا التي يستكشفها التقرير المعنون عبور إلى الأمل: المرأة والهجرة الدولية أكثر تعقيداً وإلحاحاً.

ويبين تقرير عبور إلى الأمل أنه على الرغم من أن هجرة الإناث يمكن أن تحسن المساواة وتتيح للنساء فرصاً لا تتوافر في أوطانهن، فإنها يمكن أيضاً أن تفضي إلى انتهاكات بشعة لحقوق الإنسان، وهذه هي حالات الهجرة عندما تسوء.

وانتهاكات حقوق الإنسان للنساء اللائي يُتَّجر بهن هي انتهاكات موثقة جيداً. فالسياسات التقييدية للهجرة التي تحد من فرص الهجرة المأمونة والقانونية تؤجج مشاعر اليأس التي تدفع ملايين من النساء والفتيات إلى أن يعهدن بسلامتهن، وفي بعض الحالات بحياتهن نفسها، إلى متجرين منعدمي الضمير يقدمون أنفسهم على أن مهمتهم هي توظيف العمال بطريقة مشروعة. والآن، يمثل الاتجار بالبشر ثالث أكبر تجارة غير مشروعة بعد المخدرات وتهريب الأسلحة. ومع ذلك فإن النساء اللائي يتجر بهن يبقين مصدراً مستمراً "لدخل" يُستغل مرة تلو الأخرى إلى أن يصبحن مريضات بشدة ومستهلكات بشدة بحيث لا يستطعن الاستمرار. وتلقى كثيرات منهن حتفهن نتيجة لسخرتهن، إما كنتيجة مباشرة للعنف أو بسبب انتقال العدوى إليهن بأمراض كثيرة من بينها فيروس نقص المناعة البشرية الذي يكن عرضة للإصابة به. 

وتقول السيدة ثريا أحمد عبيد "على الرغم من تزايد الوعي والتدابير المتخذة ضد الاتجار بالبشر، ثمة حاجة ماسة إلى بذل المزيد لوضع نهاية لهذه الجريمة البشعة وللإفلات من العقاب الذي يصاحبها. ويدعو التقرير إلى زيادة التعاون بين البلدان وداخلها لتقديم المتجرين بالبشر للعدالة ولتقديم الخدمات وتوفير حماية حقوق الإنسان لضحايا الاتجار بالبشر".

واليوم، يظل الاشتغال بالخدمة المنزلية أحد أكبر القطاعات التي تُحرِّك هجرة الإناث الدولية من أجل العمل. ففي كل عام تهاجر ملايين من النساء من آسيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، كما تهاجر نساء من أفريقيا بدرجة متزايدة، إلى أوروبا وأمريكا الشمالية ودول الخليج والدول الصناعية في آسيا. ولكن قلما تحمي قوانين العمل المشتغلين بالخدمة المنزلية، ولا تسمح لهم بتكوين منظمات تحمي حقوقهم. وهذا يجعل ملايين منهم معتمدين على أرباب العمل ليستمر وجودهم القانوني في البلد المضيف، علاوة على اعتمادهم عليهم فيما يتعلق بالسكن والغذاء والأجر. وانعزال الاشتغال بالخدمة المنزلية، المقرون بتجاهل رسمي وبندرة سبل الحماية المناسبة لليد العاملة، يمكن أن يجعل المشتغلين بالخدمة المنزلية أقرب إلى حالة العبودية.

ومن المظاهر الأخرى لهجرة الإناث التدفق الهائل للممرضات من العالم النامي إلى البلدان الصناعية. فشيوخة السكان، المقرونة بوجود نقص في الممرضين والأطباء في البلدان المضيفة، يؤجج الطلب على الممرضين والأطباء، بينما تؤدي النظم الصحية المتداعية ويؤدي الفقر في البلدان النامية إلى وجود معروض منهم. وهجرة 000 20 من الممرضين والأطباء ذوي المؤهلات العالية سنوياً من أفريقيا تؤدي إلى تفاقم وضع خطير أصلاً بالنسبة لمنطقة يفتك بها فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والملاريا وارتفاع أعداد وفيات الأم والطفل. وتقول السيدة ثريا عبيد "لقد آن الأوان لقيام رؤية وقيادة لصالح المهاجرات. وحماية حقوق العمل والحقوق الإنسانية ووجود سياسات سليمة للهجرة يمكن أن يكفلا أن تكون الهجرة بالنسبة للنساء هي حقاً عبور إلى الأمل مثلما يوحي بذلك عنوان تقرير حالة سكان العالم الصادر هذا العام".

وعلاوة على هذا التقرير الرئيسي، يُصدر الصندوق مجلداً مصاحباً خاصاً بعنوان هجرة الشباب يستكشف موضوع الهجرة كما يصوغه الشباب المهاجرون بعباراتهم. وهو تقرير يبعث الحياة، من خلال قصص يرويها الشباب المهاجرون أنفسهم، في القضايا المثارة في تقرير حالة سكان العالم. وتقرير الشباب هو مبادرة جديدة ستصبح، من الآن فصاعداً، تقريراً سنوياً مشتركاً. ويريد الصندوق، باعتباره منظمة تركز تحديداً أيضاً على الشباب، أن يعبر عن أحلامهم وتطلعاتهم وتحدياتهم وآمالهم.

***يدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان، وهو وكالة إنمائية دولية، حق كل امرأة ورجل وطفل في التمتع بحياة تتسم بالصحة وبتكافؤ الفرص. ويقوم الصندوق أيضاً بدعم البلدان في استخدامها للبيانات السكانية اللازمة لسياسات برامج مكافحة الفقـر وللبرامج التي تمكِّن من أن يكون كل حمل مرغوباً، وكل ولادة مأمونة، وكل شاب وشابة خالياً من فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، وكل فتاة وامرأة تُعامل بكرامة واحترام.

وتقرير حالة سكان العالم يُصدره الصندوق سنوياً منذ سنة 1978. وفي كل سنة، يركز التقرير على مسائل تكون مثار اهتمام حالياً وذات أهمية للمستقبل.

الهجرة في زمن العولمة: ظاهرة عالمية بحاجة إلى حلول دولية مشتركة (14)

تمثل الهجرة إحدى أهم القضايا التي تحتل صدارة الاهتمامات الوطنية والدولية في الوقت الحالي، لا سميا في ظل التوجه العالمي نحو العولمة الاقتصادية وتحرير قيود التجارة التي تقضي بفتح الحدود وتخفيف القيود على السلع وحركة رؤوس الأموال وما نتج عن ذلك من آثار اقتصادية على الدول النامية والفقيرة.  في هذا السياق عقدت المفوضية الدولية لشئون الهجرة واللجوء موتمرا لها في العاصمة الألمانية برلين يوم الأربعاء الماضي (31 مايو/أيار) وذلك لمناقشة التحديات المرتبطة بظاهرة الهجرة العالمية في القرن الحادي والعشرين وكذلك بحث الفرص الرامية إلى التوصل إلى سياسة عالمية للهجرة تأخذ في الاعتبار حقوق الإنسان وعملية التنمية في البلدان المصدرة للمهاجرين، إضافة إلى الآثار المترتبة على موجات الهجرة إلى الدول الصناعية المستقبلة للمهاجرين.

 هذا وقد أحتل موضوع التنمية السياسية والاقتصادية ومكافحة الفقر في الدول المصدرة للمهاجرين محور التقرير الدولي. كما ركز التقرير على مناقشة التحديات والمشكلات الناجمة عن الهجرة الدولية في كل من الدول المصدرة والمستقبلة، مستعرضا في هذا السياق سياسة الاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة والاندماج. كما تناول التقرير الآثار المترتبة على إعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية ولاسيما على عملية التنمية هناك. وبالنسبة للدول الصناعية المستقبلة للمهاجرين فقد تطرق التقرير إلى الآثار الاجتماعية والثقافية والدينية المترتبة على الهجرة الدولية إلى هذه البلدان.         

 ظاهرة عالمية تستلزم تعاون دولي

 وفي مقابلة مع موقع دويتشه فيله، قالت رئيسة البرلمان الألماني السابقة ريتا زوسموث التي شاركت في إعداد التقرير الدولي عن الهجرة إن الهجرة ظاهرة عالمية وهو ما يفرض بالتالي انتهاج سياسة عالمية تشترك فيها الأسرة الدولية. وتشير بصفة أسياسة إلى أسباب الهجرة القسرية الناجمة عن الفقر والحروب والعنف السياسي مطالبة بمعالجة مسألة الهجرة على أرضية تراعي فيها حقوق الإنسان لتوفير حياة إنسانية حرة وكريمة للمهاجرين. وتشير زوسموث إلى أن التحديات الأساسية التي تستدعي حلولا عالمية لظاهرة الهجرة تتمثل من ناحية في أن توقعات المهاجرين كبيرة في العيش الرغيد في الدول الصناعية، بينما تعاني بعض هذه الدول من نسبة البطالة فيها، ما يخلق ظاهرة الهجرة السرية. أما التحدي الآخر هو أن مناطق من العالم تعاني من الانفجار السكاني بينما تعاني مناطق أخرى من تراجع معدل النمو السكاني. وتعوِل زوسموث، رئيسة البرلماني الألماني سابقا، بالدرجة الأولى على تعاون وتكامل دولي لمعالجة مسألة الهجرة واللجوء    

الهجرة خاصية إنسانية ـ سكانية

 تعتبر الهجرة خاصية إنسانية سكانية تتمثل في الانتقال من مكان إلى آخر إما بحثا عن حياة أفضل أو هروبا من وضع سيئ. هذه الخاصية الديموغرافية المتمثلة في حق التنقل تم الاعتراف بها عالميا منذ أكثر من ربع قرن ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. من ناحية اقتصادية يمكن أن يكون للهجرة المنظمة مردودا إيجابيا كبيرا، سواء على المجتمعات المُهاجَر منها أو المُهاجَر إليها بما في ذلك نقل المهارات وإثراء الثقافات. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد المهاجرين في العالم وصل إلى حدود 200 مليون شخص. ولكن بقدر ما يسهم المهاجرون في بناء المجتمعات المستضيفة، بقدر ما يمثل ذلك خسارة موارد بشرية للدول المُهاجَر منها أي ما يعرف بهجرة العقول والكفاءات. كما أن الهجرة قد تتسبب في خلق توترات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية في البلدان المُهاجَر إليها. وهو ما جعل موضوع الهجرة الدولية ينتقل إلى صدارة الاهتمامات الوطنية والدولية. وأصبحت الهجرة الوافدة من المسائل المقلقة في عدد متزايد من البلدان الأمر الذي حدا بهذه البلدان، لاسيما في السنوات الأخيرة إلى تشديد الإجراءات تجاه المهاجرين إليها وطالبي حق اللجوء. 

 ................................................................

 1- ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

 2- أ.د. إبراهيم قويدر/ موقع  ليبيا اليوم

 3-  محمد عبد العزيز ربيع / جريدة البيان الاماراتية

 4- جريدة الوطن

 5- موقع البنك الدولي

 6- أمين إبراهيم/ المجلس الوطني للسكان اليمني

 7- أمياي عبد المجيد/ شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20 آيار/2007 -2/جمادي الأول/1428

 8- عبد الله الساعدي/ مجلة النبأ/  العدد 32ـ33

 9- موقع الملف برس

 10- غالب السهلي / جريدة الجزيرة السعودية

 11- د. عبد الفتاح العموص/ مجلة افكار

 12- موقع البنك الدولي

 13- جريدة الاتحاد الاماراتية

 14- عبده جميل المخلافي / موقع تلفزيون المانيا الاتحادية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 11 تشرين الثاني/2007 - 30/شوال/1428