
شبكة النبأ: تتبدى الأدلة على انهيار
اليسار الاوروبي في اليونان في الجنوب وفي بولندا في الشرق وفي هولندا
في الغرب. لكن مشاكله اكثر في اكبر دولتين في القارة.. ألمانيا وفرنسا
حيث تمكنت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا
ساركوزي وهما محافظان، من سجن افكار اليسار ومحاصرة زعمائه.
انهم الان يناضلون في ألمانيا ويترنحون في فرنسا وتراجعوا الى وضع
الدفاع في بريطانيا ويتشبثون بالسلطة في ايطاليا لكنهم بخير في
اسبانيا.
فبعد مرور عقد على هيمنتهم على الحكومات في شتى أنحاء اوروبا على
وعد في الاغلب بانتهاج "طريق ثالث" عصري تمر الاحزاب اليسارية بأزمة
يتشاحنون خلالها على وسيلة الرد على قوى العولمة ويجدون انفسهم محصورين
بين قطبي الطيف السياسي.
في المانيا شهد الحزب الديمقراطي الاشتراكي وهو حزب يسار وسط ومشارك
صغير في "الائتلاف الحكومي الكبير" في برلين تراجعا كبيرا في نسبة
التأييد في استطلاعات الرأي الى 25 في المئة وهو أدنى مستوى له منذ
سنوات بعد ان تخلى عنه الناخبون لصالح المحافظين بزعامة ميركل ولصالح
جماعة جديدة في أقصى اليسار تعرف باسم "دي لينك" او الجسر. بحسب
رويترز.
ومثلهم مثل الاشتراكيين في فرنسا الذين يتعافون من هزيمة مزدوجة هذا
العام في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية يخوض الحزب الديمقراطي
الاشتراكي حربا داخلية بين المعتدلين الذين يدعون لاصلاح نظام الرعاية
الاجتماعية للدولة وبين أقصى اليسار الذين يدافعون عن الحزب مهما كان
الثمن.
وشوهت هذه الانقسامات صورتهم لدى الناخبين من العمال الذين فروا الى
احزاب أخرى تقدم لهم رسالة أوضح عن قضايا منها العولمة والامن والهجرة.
وقال ايمانويل لو ماسون خبير العلوم السياسية، أعتقد ان هذين
الحزبين يواجهان نفس المشكلة.
واضاف، بعض الاعضاء يعتقدون ان الية الرعاية الاجتماعية للدولة
يستحيل الحفاظ عليها في السياق الاقتصادي الحالي بينما يود اخرون
الحفاظ على الحل الوسط الاشتراكي الذي تحقق منذ نهاية الحرب العالمية
الثانية.
تجلى هذا الانقسام بوضوح في المؤتمر العام للحزب الديمقراطي
الاشتراكي الذي عقد الاسبوع الماضي وخرج بمزيج من المقترحات من بينها
العدول عن الاصلاحات التي اقترحوها هم في سوق العمل.
والانقسامات التي تعيشها احزاب يسار الوسط في أوروبا هي جزء من
التركة التي خلفها زعماء.. مثل جيرهارد شرودر في المانيا وتوني بلير في
بريطانيا.. دفعوا بأحزابهم من اليسار الى الوسط مما جعل الناخب العادي
لا يفرق كثيرا بينهم وبين منافسيهم المحافظين.
ويشعر جوردون براون رئيس الوزراء البريطاني بذلك أكثر من أي شخص اخر
منذ ان خلف بلير الصيف الماضي.
فهو يتعرض لضغوط من داخل حزب العمال الذي يتزعمه للتحول أكثر صوب
اليسار في الوقت الذي يكسب فيه منافسه ديفيد كاميرون زعيم حزب
المحافظين المعارض أرضا في قضايا مثل الهجرة والسياسة الضريبية.
ويمكن ان يكون ملل الناخب مبررا ولو جزئي لمتاعب براون وبدرجة أقل
لمتاعب الحزب الديمقراطي الاشتراكي في المانيا. فحزب العمال حكم
بريطانيا طوال العقد الماضي كما قاد شرودر المانيا طوال ثماني سنوات
وحتى هزمته ميركل بفارق ضئيل عام 2005 .
وقال ديفيد دنفر استاذ العلوم السياسية بجامعة لانكستر عن الناخب
البريطاني "الناس ملوا. ظلت الحكومة في السلطة فترة طويلة جدا.
المحافظون هم الحزب المعارض وحين يمل الناس يتجهون صوبه."
لكن الاشتراكيين في فرنسا لا يسعهم القاء اللوم في المشاكل التي
تواجههم على ملل الناخب. فالنصر الساحق الذي حققه ساركوزي على منافسته
الاشتراكية سيجولين روايال هذا الربيع جاء بعد ان ظل رفيقه المحافظ جاك
شيراك في السلطة 12 عاما.
ومن الضربات القاصمة ليسار الوسط في اوروبا هي غياب الزعماء
المفوهين المتمتعين بجاذبية خاصة بين الناخبين.
فبراون في بريطانيا يفتقر الى السحر البلاغي لبلير اما كورت بيك
زعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي في المانيا فيوصف بانه محلي باهت
مقارنة بسلفه شرودر.
اما الاشتراكيون في فرنسا فمازالوا يبحثون عن زعيم ينتشلهم من
مأساتهم بينما يتصدى رومانو برودي رئيس الوزراء الايطالي اليساري
لهجمات متواصلة من سلفه اليميني المحافظ سيلفيو برلسكوني الذي يسرق منه
الاضواء ويتقدمه في استطلاعات الرأي.
لكن في مدريد يتقدم رئيس الوزراء الاشتراكي خوسيه لويس رودريجيث
ثاباتيرو بفارق كبير على منافسيه المحافظين قبل الانتخابات التي تجري
في مارس اذار لتظل اسبانيا المعقل الاوروبي الصامد الوحيد الذي بقي فيه
اليسار بخير. |