العولمة: عالم اكثر ثراءا واقل مساواة..والخوف من الآخر هاجس الجميع

اعداد/ صباح جاسم 

شبكة النبأ: قبل انهيار جدار برلين كان سائقو سيارات الاجرة على طرفي المدينة يعتاشون على هذا الانقسام. وكانت اجور سيارات الاجرة ورواتب السائقين في غربي المدينة اعلى منها في شرقها، وبعد الاحداث التاريخية التي وقعت في التاسع من نوفمبر عام 1989، اصبح بوسع السائقين الذهاب الى اي مكان في المدينة، وبدأت اجور سيارات الاجرة ورواتب السائقين تتساوى. وعاد ذلك بالفائدة على برلين الغربية والخسارة على الشرقية. لقد اخذت الفروق في الدخل تتلاشى في برلين، لكنها تنامت قليلا في غرب المدينة. وقد استنسخت قصة سائقي التاكسي في برلين مع مضي العولمة قدما.

فمع سقوط الحواجز التجارية، كان يفترض بالتواصل الاكبر في العالم ان يزيد من دخل العمالة ذات المهارات البسيطة (العمالة الهامشية) في الدول الفقيرة وان يخفض من عدم المساواة والفروق، في حين ان انخفاض اسعار الواردات كان ينبغي ان يساعد الجميع في الدول الغنية وان يحد من اي تأثير للتجارة على العمالة الهامشية.

نظرية خاطئة

لكن هناك مشكلة واحدة كبيرة لهذه النظرية السعيدة وهي انها خاطئة. فكما اظهر تقرير صندوق النقد الدولي الاخير. ارتفعت حصة التجارة من الناتج العالمي من 36% الى 55% منذ عام 1980. وفي الوقت الذي تراجعت فيه الفروق العالمية في الدخل، فإن الفروق وعدم المساواة بين الاغنياء والفقراء داخل الدول ارتفعت تقريبا في كل مكان.

ولا يعني ذلك بالضرورة امرا سيئا مع ارتفاع الدخل بين الفقراء، لكن الفجوة المتنامية بين الاغنياء والفقراء زعزعت الرأسمالية وقوضت الدعم للعولمة والتجارة.

وكان بن برنانكي، رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الاميركي اعرب عن قلقه في كلمة له في فبراير الماضي حين اعرب عن اعتقاده بأن تأثير التجارة على عدم المساواة 'معتدلة'، لكنه اضاف 'لسوء الحظ، كثير من البحوث المتوافرة حول تأثير التجارة على عدم المساواة والفروق في الدخل يعود تاريخها الى الثمانينات والتسعينات، وبالتالي لا تعكس التطورات الاخيرة على هذا الصعيد'.

وتعمل هذه المخاوف على تقويض الفرصة التي كان بإمكان صانعي السياسات الحصول عليها من مراجعة الاقتصاد العالمي بعد 4 سنوات قياسية من التوسع. وهو ما جعلهم يطرحون سؤالين وهما: لماذا ازدادت الفروقات وعدم المساواة بهذا المعدل والاستمرارية؟ وما الذي يمكن فعله للحد من زيادات اخرى؟

وقد قدم صندوق النقد الدولي رؤية جيدة للسؤال الاول في تقريره الاخير باستخدام بيانات عن توزيع الدخل في الدول النامية والمتقدمة على حد سواء وتقنيات احصائية متطورة شملت التمييز بين التجارة والتكنولوجيا والعولمة المالية. بحسب الشرق الاوسط.

وقد اظهرت النتائج، فروقات صارخة بين الدول المتقدمة والنامية ففي الدول المتقدمة، يتقاسم اسباب اتساع الفجوة وعدم المساواة كل من العولمة والتكنولوجيا، فالعولمة كما يدعي المحتجون عليها قد اضرت بالفقراء.

اما بالنسبة للدول النامية فتعزى جميع اسباب اتساع الفجوة تقريبا الى التكنولوجيا وليس الى الصلات الجيدة مع العالم.

الاستثمارات المقبلة

ويصعب فصل التكنولوجيا الجديدة عن اشكال معينة من الاستثمارات المقبلة التي يمكن ايضا ان تجلب معها افكارا وعمليات جديدة للبلاد لكنها من الواضح انها تفضل الاثرياء.

ويحب الاقتصاديون استخدام مصطلح 'التغير الفني المتحيز للمهارات' لوصف العملية التي في ظلها يحصل ذوو المهارات العالية على وظائف افضل واجور اعلى مع التكنولوجيا وعلى حساب العمالة ذات المهارات المنخفضة او الهامشية والذين يجدون ان وظائفهم اصبحت فائضة عن الحاجة.

كما ان صندوق النقد اكتشف ان ازالة العوائق امام التجارة قد خففت من الفروقات وعدم المساواة في كل مكان، في حين ان الاستثمارات الاجنبية المباشرة تزيد من التباينات في الدخل.

ففي الدول الغنية، تمثل الاستثمارات الاجنبية المباشرة الخارجة منها الى خفض اجور العمالة ذات المهارات البسيطة في حين ان تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة في الدول الفقيرة هو في مصلحة ومنفعة ذوي الكفاءات والمهارات العالية.

لذلك فعندما تنقل شركة تشغيل دائرة فيها من الولايات المتحدة الى الهند فإن ذلك يزيد الفجوة بين الغني والفقير في كلا البلدين.

هذه العملية سيصعب توقيفها والحد منها، لذا يرى بعض الاقتصاديين انه في سبيل مواجهة هذه الفجوة المتزايدة خصوصا وان العولمة المالية والتكنولوجيا تنتشر في انحاء العالم، يجب انشاء الحواجز، لكن جميع الاقتصاديين تقريبا، وعلى اختلاف توجهاتهم السياسية، يعتقدون انها فكرة سيئة.

معايير التعليم

ويرون ان الرد على هذه المشكلة يكمن في رفع معايير التعليم والتخفيض من الم الخاسرين عبر برامج اجتماعية حمائية لتعويض الدخل المفقود وتعليمهم لمساعدتهم على العثور على وظيفة اخرى.

يقول البروفسور بول كروغمان من جامعة برينستون: مشكلة عدم المساواة انني اؤيد الحمائية انها تعني انه يتعين على القيمين على التجارة الحرة ان يجدوا اجابات لمخاوف اولئك الذين قد ينتهي بهم الامر، وقد فقدوا جانبا من العولمة.

لاشك ان التعليم هو جوهر الحل، كونه يقلل من المنافع التي يحصل عليها الاثرياء من التكنولوجيا الحديثة والاستثمارات الاجنبية المباشرة، لكن كما قال جيم اونيل وايريك نيلسين من غولدمان ساكس، ان الكلام اسهل من الفعل.

الأميركيون خائفون من الغزو الثقافي!

وفي نادرة، يخشى اكثر من نصف الامريكيين من فقدان تقاليدهم بسبب الانفتاح الغير محدود على العالم والذي تفرضه العولمة، والاستفتاءات العديدة التي أجرتها مؤسسة «بيو» الأميركية اخيراً، حول العولمة والثقافات المحلية، بينت أن «الخوف» هو الشعور الأقوى الذي يحرك الشعوب. «الخوف من الآخر» ليس حكراً على شعوب بعينها، بل هو يغزو أوروبا وأميركا الشمالية كما الجنوبية وآسيا.

الجميع خائفون، وقلقون ومضطربون. والأنكى أن الأميركيين أنفسهم، باتوا يخشون الانفتاح كما التبادل الحر، اكثر من اي وقت مضى. الأرقام تتكلم وحدها، والاستفتاءات الجديدة لمؤسسة «بيو» تستحق نظرة متأملة، خاصة أن الاميركيين، قادة العولمة والرأسمالية، كشفوا بأنهم، منذ خمس سنوات، يزدادون خوفا من تأثير العولمة والرأسمالية عليهم. فماذا حدث خلال السنوات الخمس الأخيرة؟ وأي مشاعر تجتاح عالم اليوم وتوجه بوصلته؟

وأصدرت اخيراً، مؤسسة «بيو» الاميركية للاستفتاءات نتائج، تحاول فهم العلاقات بين العولمة والثقافات المحلية. اجريت الاستفتاءات في 46 دولة (منها ست دول عربية: لبنان ومصر والكويت والمغرب والاردن وفلسطين)، وعشر دول اسلامية، نصفها في افريقيا، واستغرق اجراؤها شهرين كاملين، وشملت اكثر من 45 الف شخص، سألهم كلهم مندوبون، بالتليفون او وجها لوجه.  بحسب تقرير للشرق الاوسط.

ورغم ان الاميركيين اشهروا بفخر، من خلال هذه الاستفتاءات، ان ثقافتهم احسن من الثقافات الاخرى، لكنهم وللغرابة، كشفوا انهم، مثل غيرهم من الشعوب، خائفون من الاجانب، وثقافات الاجانب، وعادات الاجانب. يشعر الأميركيون بتغيرات جذرية طالت حياتهم في السنوات الخمس الأخيرة: فقد زادت هجرة الشركات الاميركية الى دول العمالة الرخيصة، واتسعت الشقة بين الاغنياء والفقراء داخل اميركا. ووقع خلال هذه الفترة هجوم 11 سبتمبر، واثبتت ان العولمة طريق باتجاهين، متعاكسين على الارجح. كما وتبين ان العولمة هي مزيج من اقتصاد وسياسة ودين وحرب، و«ارهاب».

في نفس الوقت، تحمس للعولمة الصينيون والهنود. ولا غرابة في ذلك، فهم اكثر شعوب العالم تنمية (نسبة 10% واكثر). وهم ارخص شعوب العالم عمالة (متوسط دولار في الساعة). والشركات الاميركية والاوروبية تهرول نحوهم لتبني مصانع رغم احتجاج نقابات العمال في دولها.

وطبعا، زاد هذا من قلق هذه الشعوب. وقال اندرو كوهوت، مدير قسم الابحاث في مركز «بيو»: «يوجد قلق وحيرة عالميين بسبب تزايد التناقضات. فبقدر ما ترحب بعض الشعوب بالعولمة، تخاف من زوال هويتها وثقافتها.  وبقدر ما تتحمس بعض الشعوب للاستمتاع بالبضائع الاجنبية، تخاف من هبوط دخلها، وفرص تعليمها وعلاجها. وبقدر ما تتحمس بعض الشعوب للحرية، تشك في نيات الحكام والسياسيين، وفي وجود انتخابات نزيهة، وقضاء مستقل، وتسامح ديني».

اوضحت استفتاءات «بيو» المتعددة ان اكثر أنواع الخوف تنامياً وسط كل الشعوب هو الخوف من الاجانب، و«الثقافات الدخيلة». وعلى رأس الخائفين الشعب الاميركي، قائد الغزو الثقافي في العالم. 

طلبت نسبة 75% من الاميركيين التشدد في دخول الاجانب القانونيين، ومنع الذين يدخلون بطرق غير قانونية. أما الكنديون، الذين يشتهرون بالترحيب بالمهاجرين، فقد طلبوا ذلك بنسبة 62%. لكن، جاء الايطاليون في المقدمة: نسبة 90% (ربما لأن ايطاليا تمتد داخل البحر الابيض المتوسط، وكأنها تبسط ذراعيها للاجانب. ليس فقط من الدول العربية والافريقية، عبر ليبيا ومالطا، ولكن، ايضا، من دول شرق اوروبا، عبر بحر الأدرياتيك).

وحتى شعوب العالم الفقيرة ترفض الاجانب، وتخاف منهم: 80% في فنزويلا، و70% في البرازيل. حتى المكسيك التي يهاجر الملايين منها بطرق غير قانونية الى الولايات المتحدة، طلبت نسبة 70% منهم التشدد في هجرة الاجانب اليها. وحتى البيرو، وهي واحدة من افقر الدول في اميركا الجنوبية، التي ربما لا يريد اي شخص ان يهاجر اليها، طلبت نسبة 50% التشدد في هجرة الاجانب اليها.

العرب والخوف من الأجنبي

وينطبق عدم الترحيب بالاجانب على العرب ايضا. فقد قالت نسبة 70% من المصريين، والمغاربة، والاردنيين، واللبنانيين، بأنها لا ترحب بالأجنبي. والغريب ان الفلسطينيين اقل الشعوب في كل العالم رفضا للاجانب: نسبة 40 في المائة فقط. ربما عطفا على اخوانهم المهاجرين من الكويت ومن العراق، وربما عطفا على العراقيين الذين صار بعضهم، مع بداية القرن الحادي والعشرين، لاجئين مثلهم.

لا يحب الاجانب اي شعب. حتى في آسيا: 90% في اندونيسيا، وفي الهند، وفي ماليزيا. واذا كانت هذه الشعوب تتطور بنسبة اعلى من غيرها، حتى الشعوب التي لا تتطور بنفس النسبة، مثل الباكستانيين والبنغلاديشيين، قال 70% منهم انهم لا يريدون الاجانب في بلادهم. حتى افريقيا، افقر قارات العالم، لا تحب الاجانب، وبنسبة اعلى من اي دول اخرى في العالم. قالت ذلك نسبة 94% في ساحل العاج، ونسبة 90% في جنوب افريقيا وتانزانيا. حتى في مالي، واحدة من افقر شعوب العالم، قالت ذلك نسبة 80%.

الثقافة الغربية «مخيفة»

طبعا، لا يهاجر الى العالم الثالث غربيون (سوى حالات فردية)، ولا تخاف شعوب العالم الثالث من وجود هؤلاء، بل ترحب بالخبراء والمستشارين منهم. ولكن، تخاف شعوب العالم الثالث من الثقافة الغربية. تخاف من تأثير الافلام الاميركية والمسلسلات التلفزيونية الاميركية. مثل مسلسل «سكس اند ذا سيتي» (الجنس والمدينة)، ومسلسل «باي ووتش» (مراقبة البلاج)، والممثلة الشقراء باميلا اندرسون وهي ترتدي البيكيني على البلاج.

يوجد اختلاف بين الرغبة في مشاهدة هذه المسلسلات والافلام في دول العالم الثالث، والخوف من تأثيرها على الثقافات المحلية، وذلك بسبب القيم والعادات القبلية والعائلية والدينية. وللدين دور كبير في ذلك.

لكن، اوضحت الاستفتاءات ان الاميركيين، الذين يصدرون هذه المسلسلات والافلام، يصرون، في نفس الوقت، على انهم اكثر شعوب العالم تدينا. قال 90% منهم انهم يؤمنون بالله، وقال 70% انهم يصلون بانتظام، وقال 60% انه لا توجد اخلاق مثالية من دون ايمان. وقالت نفس النسبة انه لا يوجد ايمان من دون الايمان بالله.  لكن، اوضحت الاستفتاءات ان الاميركيين لا يحتكرون الايمان بالله. بالعكس، كلما زاد الفقر، زاد الايمان.

ما هو التدين؟

وضع مركز «بيو» نظام النجوم لقياس تدين الناس (مثل نجوم الفنادق: كلما زادت ارتفع مستوى الفندق). وقال المركز ان هناك ثلاثة مقاييس للتدين: اولا: الايمان بالله. ثانيا: الصلاة. ثالثا:ممارسة الدين في الحياة اليومية. هذه النقطة الاخيرة مهمة، وذلك لان هناك فرقا بين الايمان وممارسته في الحياة اليومية.

جاء السنغاليون في المقدمة: ثلاثة نجوم في التدين، ومائة دولار متوسط دخل الفرد في الشهر. وجاء الكويتيون في الوسط: نجمتان ونصف نجمة في التدين، والفا دولار متوسط دخل الفرد في الشهر. وجاء الاميركيون في الوسط ايضا، ولكن بصورة مختلفة: نجمة ونصف نجمة تدين، واربعة آلاف دولار متوسط الدخل في الشهر.

وجاءت شعوب غرب اوروبا في مرتبة اقل: نجمة تدين، وثلاثة آلاف دولار متوسط الدخل في الشهر. وجاء البولنديون والتشيكيون والمجريون وبقية شعوب شرق اوروبا في اسفل القائمة: نجمة تدين، والف دولار متوسط الدخل في الشهر. 

المثلية الجنسية حسابات وأرقام

لهذا، يمكن القول، بصورة عامة، انه كلما زادت العلمانية في الثقافة، قل التدين (وزاد متوسط الدخل)، ما عدا استثناءين: اميركا والكويت. لكن، هناك فرقا بين تدين الاميركي وتدين الكويتي. وذلك لأن الاميركي اكثر علمانية، واكثر حرية، واكثر تعليما، واكثر فردية، واقل تدخلا في شؤون الآخرين. 

ويظهر ذلك في مواضيع مثل المثلية الجنسية (الشذوذ الجنسي).  تعارض نسبة 40% من الاميركيين المثليين جنسيا، بينما تعارضهم نسبة 90% من الكويتيين.

اقل الشعوب معارضة للمثلية الجنسية هم السويديون: نسبة 10% فقط. وتبلغ نسبة المعارضين 20% فقط وسط البريطانيين والفرنسيين، لكنها ترتفع الى 70% وسط الروس والاوكرانيين (بسبب تأثير الكنيسة الارثوذكسية).  

وتزيد نسبة المعارضين للمثلية كثيرا وسط العرب: 100% تقريبا وسط المصريين، و90% وسط الكويتيين والاردنيين، و80% وسط اللبنانيين (اكثر العرب تحررا؟). وترتفع نسبة المعارضين وسط المسلمين في جنوب آسيا: 100% تقريبا في اندونيسيا، و90% في ماليزيا.

ورغم ان الافريقيين في مؤخرة اي قائمة حضارية في العالم، يتقدمون الصفوف في معارضة المثلية الجنسية، وهم في ذلك اكثر تشددا من العرب. تعارض المثلية نسبة 100% تقريباً في نيجيريا، والسنغال ومالي، وكلها دول مسلمة. لكن، لا يقتصر الموضوع على المسلمين، لأن نفس النسبة تعارضها وسط الشعوب غير المسلمة، مثل التانزانيين والغانيين.

الأميركيون يكتشفون عيوب الرأسمالية

قالت اغلبية الاميركيين انها تخاف من زيادة الشقة بين الاغنياء والفقراء، واعتبرت ان هذا أحد عيوب الرأسمالية، واقترحت ان تتدخل الحكومة لوقف ذلك. قبل عشرين سنة، سألت مؤسسة «غالوب» للاستفتاءات عن وجود «انقسام طبقى» وسط الاميركيين، واجابت نسبة الربع بالايجاب. لكن تضاعفت النسبة في استفتاء «بيو» هذا الى النصف. وتضاعفت نسبة الذين قالوا انهم فقراء من 15% قبل عشرين سنة الى اكثر من 30% في الوقت الحاضر. وكتب الاقتصادي هارولد مايرسون في جريدة «واشنطن بوست»:«لم تختف الطبقة الوسطى، لكنها صارت بدون ضمان صحي، وبدون رصيد معاشي، وبدون وظيفة مضمونة». واضاف: «حوّل بوش والجمهوريون مشاكل اميركا الى ارهاب واجانب، ونسوا الرأسمالية المتطرفة التي لا يقدر الاميركيون على الدفاع عن انفسهم ضدها». ولهذا، لم يكن غريبا ان نسبة 60% من الاميركيين رحبت بالانفتاح التجاري العالمي، بعد ان كانت النسبة 80% قبل خمس سنوات.

بالاضافة الى انخفاض الترحيب بالانفتاح التجاري، انخفضت ايضا الاشادة به. قالت نسبة 15% فقط من الاميركيين انه «ممتاز»، وقالت ذلك نسبة 20% من الفرنسيين، و30% من الالمان. لكن، اشاد بعض العرب بالانفتاح التجاري (ربما لأنهم يفتقدون الانفتاح السياسي). واكثر العرب اشادة هم الكويتيون (نسبة 60%)، واقلهم المصريون (اقل من 20%). وربما سبب ذلك هو ثروة الكويت التي تقدم خدمات للمواطنين اضعاف ما في مصر، بل واكثر مما في اميركا ودول غربية اخرى.

المصريون على رأس الخائفين

اكثر الشعوب التي تؤمن بأهمية حماية ثقافتها توجد في العالم الثالث: 80% في البرازيل والمكسيك. لكن الروس من اكثر الشعوب خوفا على فقدان ثقافتهم، وذلك لأن نسبة الذين يؤمنون بالدفاع عنها اكثر من نسبة الذين قالوا انها تضمحل.

وارتفعت نسبة الخوف من الثقافات الاجنبية، واهمية الدفاع عنها، وسط شعوب العالم الثالث: 90% وسط الهنود، والماليزيين، والاندونيسيين، والكينيين، والتانزانيين، والاثيوبيين، والسنغاليين.

اما وسط العرب، جاء الكويتيون والمغاربة في مقدمة الشعوب التي اعترفت بأن ثقافات اجنبية تؤثر على ثقافاتها (80%). وربما يعنى ذلك انها اكثر الشعوب العربية تعرضا لثقافات اجنبية (بريطانية واميركية في حالة الكويت، وفرنسية في حالة المغرب). لكن قالت ذلك نسبة اقل، وهي 50% من المصريين والفلسطينيين والاردنيين. هل لا بد من حماية الثقافة العربية ضد الثقافات الاجنبية؟

جاء المصريون في المقدمة، وايدت ذلك نسبة 90%. وجاءت بعدهم بقية الشعوب العربية التي شملتها الاستفتاءات (80% تقريبا).

الحاكم القوي أهم من الديمقراطية

تخاف شعوب العالم الثالث من الثقافة الاميركية (وثقافات غربية اخرى) لأنها تراها اكثر اباحية واكثر جنسا واكثر فردية، واقل اخلاقا واقل تدينا واقل انسجاما. ويخاف الاميركيون (وبقية الغربيين) من ثقافات العالم الثالث لأنهم يرونها اقل حرية واقل حضارة واكثر فوضوية واكثر فسادا.

ورغم سقوط النظام الشيوعي في روسيا، وتأسيس نظام ديمقراطي، ترى اغلبية الاميركيين ان الثقافة الروسية اقل حرية واقل حضارة. بل يبدو ان الروس انفسهم يوافقون على ذلك، لأن 60% منهم قالوا: «نفضل رئيسا قويا على نظام ديمقراطي حقيقي».

وفي هذا قال كوهورت، مدير مركز «بيو»: «يتردد الاميركي الذي يرى بلده قائدة الحرية في العالم ان يفهم، ناهيك عن ان يثق، في شخص يقول مثل هذا الرأي». وبينما فضل الكويتيون واللبنانيون حكومة ديمقراطية على حكم فرد قوى، انقسم المصريون والاردنيون الى قسمين متساويين تقريبا. وفضل الفلسطينيون حاكما قويا (ربما لأن دولتهم لا تزال لم تتحقق). لكن، تفوق الافارقة على العرب في هذه النقطة، وفضلت نسب عالية جدا الديمقراطية على حكم الفرد القوي: 90% في ساحل العاج، و70% في اثيوبيا.

الطعام أفضل من الحرية

وهناك شيء آخر يخيف الاميركيين وبقية الغربيين من ثقافات العالم الثالث، وذلك، كما اوضحت الاستفتاءات، لأن هذه الثقافات تفضل الطعام على الحرية (عكس شعار الحرية المسيحي: «ليس بالخبز وحده يحيا الانسان»). وكما قال كوهوت، يوجد حتى داخل اميركا من يرى ان حرية الطعام اهم من الحرية السياسية، لكن لا يقدر الاميركيون على ان يثقوا في شعوب لا تتحمس للحرية.

وهناك صلة وثيقة بين رغبة الاميركيين في التشدد ضد دخول الاجانب (حتى بطرق قانونية)، وبين شكوكهم في ثقافات الاجانب، ان لم يكن اعتراضهم عليها. واهم سبب هو اعتقاد الاميركيين ان الشعوب الاخرى لا تقدر الحرية التي يعتبر الاميركيون انفسهم قادتها وحملة شعلتها. وعلى رأس هذه الشعوب الاجنبية الروس. في الاستفتاءات فضلت نسبة كبيرة من الروس (اكثر من 70%) نهضة اقتصادية قوية، على الحرية السياسية. واتفقت مع الروس شعوب في شرق اوروبا، مثل اوكرانيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 7 تشرين الثاني/2007 - 26/شوال/1428