عوامل الصراعات العالمية في القرن الماضي تتصاعد من جديد

شبكة النبأ: في اشارة واضحة الى ان الخطر الاكبر الذي يحيق بالبشرية هو الحرب والنزاعات المسلحة وليست تغيرات المناخ وان كانت هي الاخرى تصب في نفس السياق تحدث أستاذ التاريخ في جامعة هارفرد، نيال فيرجسون، أخيرا أمام مؤتمر للإدارة العالمية عقد في كلية لندن للنشاطات العملية، حول مقارنة الحقائق القديمة والجديدة: هل أننا متجهون نحو الماضي ؟.

وحدد أربعة عوامل تسببت في الصراعات الكبرى والغليان في القرن الماضي، وهي عدم الاستقرار الاقتصادي، والتفكك العرقي في جنوب شرق أوروبا، وتراجع الإمبراطوريات، والتمرد الشرقي. وهو يرى أن هذه العوامل موجودة في أيامنا هذه، حيث عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، والتفكك العرقي في العراق، وتراجع الإمبراطورية الأمريكية، وتقدم الصين، وإيران.

ويرى أن الولايات المتحدة التي تخفق في النظرة إلى نفسها كقوة استعمارية تعاني ثلاثة مصادر للعجز في الشأن المالي، والقوى البشرية، وتحديد التوجهات. وهو يرى كذلك أننا على شفا حفرة "الحرب الشرق أوسطية الكبرى" التي تشعلها الحرب الأهلية في العراق، والضربة العسكرية الأمريكية المحتملة لإيران.

وفي بحثه عن حالات تاريخية متشابهة، أشار إلى المرحلة الأخيرة من الاستعمار بين عام 1880 وعام 1914 التي شهدت اختلافاً في وجهات النظر بين الصحافة المالية التي كانت على ثقة تبلغ مرحلة الرضا عن الذات أن الأوضاع الاقتصادية سليمة، حيث كانت الفوائد متدنية، والصحافة السياسية التي كانت على وعي بالمخاطر المقبلة.

وأخفقت صحيفة "التايمز" قبيل اغتيال القنصل النمساوي، فرانز فيردنياند، عام 1914، الذي أدى إلى إعلان النمسا الحرب على صربيا، وجرّ بعد ذلك الحرب العالمية الأولى، في توقع أي مخاطر مالية.

غير أن تلك الصحيفة بدأت تكشف عن تلك المخاوف بعد حادثة الاغتيال مباشرة. وبعد ذلك بفترة وجيزة في الأول من آب (أغسطس) 1914، أغلقت الأسواق العالمية لمدة خمسة أشهر بعد أن غاص العالم في وحول الحرب. وحدثت أكبر أزمة مالية في القرن الماضي، حيث كانت أكبر من تلك التي شهدتها الأسواق العالمية عام1929، بسرعة مذهلة للغاية.

وقال الأستاذ فيرجسون في مقابلة خاصة مع" وورلدبزنس" إنه ما زال يعتقد أن البشر، وليس التغير المناخي، هم الذين يشكلون أكبر تهديد للعالم في القرن الحالي. وقال إن الحرب وليس التغير المناخي، هي الخطر الأكبر.

وطرحت عليه الصحيفة أسئلة مختلفة تلخصت في التالي:

- كم نحن قريبون من عام 1914؟

لا أعتقد أننا سندخل حرباً عالمية. وأقول ذلك لأني أرى من الصعب تصور وجود قوة كبرى أخرى تقف إلى جانب إيران في مواجهة الولايات المتحدة، بينما تحرك الجميع للمشاركة في الحرب العالمية الأولى، وانجرت إليها الولايات المتحدة. ويعود السبب في ذلك جزئياً إلى وجود توازن عسكري بين مختلف القوى في ذلك الحين. أما اليوم، فإن الولايات المتحدة تسطير على مختلف المستويات، ما عدا مستوى الشارع.

ولذلك، فإنني أرى أن الحرب المقبلة إقليمية على مستوى الشرق الأوسط. وأنا أركز على هذه المنطقة نظراً للحالة الشديدة من عدم الاستقرار التي تسودها. ولا أتصور أن ترغب روسيا، أو الصين، أو أي جهة أخرى الانخراط في مثل هذه الحرب. وأعتقد أنهم سينخرطون فيها بشكل غير مباشر، وأقصد هنا الروس، لأن لديهم حافزاً في جعل هذه الأمور تحدث في هذه المنطقة. فهم يكسبون من عدم استقرار الشرق الأوسط لأن من شأن ذلك رفع أسعار النفط إلى مستوى 100 دولار أمريكي للبرميل. ولكنني لا أعتقد أن الأمور سوف تتطور إلى حرب عالمية. غير أني أشعر أننا قريبون من ذلك العام فيها يتعلق بالتوقيت. وأعتقد أنه إذا كان هنالك هجوم عسكري ضد إيران، فإنه سوف يتم خلال هذا العام. ومن المحتمل أن يتم خلال الصيف الحالي لأن الوقت ينفد من بين يدي الرئيس بوش، وهو لا يعتقد أن خليقته في الرئاسة لديه الشجاعة للقيام بذلك. ولذلك أعتقد أن هنالك احتمالاً قوياً لاتخاذه مثل هذه الإجراء. ويمكن لهذا الأمر أن يطلق سلسلة من الأحداث لا يعلم أحد مداها. وإن السبب الوحيد الذي يمنعه من ذلك حالياً هو ما يمكن أن يحدث للقوات الأمريكية الموجودة في العراق. ولذلك، فإنني أعتقد أننا أقرب إلى حرب في الشرق الأوسط مما تعتقده الدوائر في سوق لندن المالية أو في وول ستريت التي تعتقد أن كل ما يقال حول ذلك ما هو إلا جلبة وصراخ.

- كيف يمكن لنهوض الصين أن يغير الوضع الجيوبوليتيكي العالمي؟

كان الخطأ الصيني التاريخي هو إهمال القوة البحرية. وهم الأن يبنون قوتهم البحرية الخاصة بهم بوتيرة سريعة للغاية. وليس هنالك من شك بأن للنهوض الصيني جانبه العسكري. وهنالك توجهات استعمارية فيما تقوم به الصين، حيث إن الأمور لا تقتصر على الاقتصاد دون غيره، إذ أن الصينيين يفكرون بأبعاد استعمارية، ولذلك تحركوا لاستغلال الموارد الطبيعية الإفريقية، حيث هنالك مستعمر واحد الآن لتلك الموارد. ولذلك، فإن علينا أن ندرك أن الصين تتطلع إلى أبعاد استراتيجية واستعمارية من وراء نهوضها الاقتصادي. وهم يتحدثون الآن بنبرة هادئة، ولا يريدون الدخول في صراع. ولكنني لا أرى أسباباً لاستمرار ذلك إلى الأبد. وأنا متأكد من أنهم سوف يحافظون على أفضل سلوك لديهم من الآن حتى الألعاب الأولمبية. ولكن سوف يبرز نوع من تضارب المصالح، إن عاجلاً أو آجلاً. وسوف تكون هنالك صراعات جيوبوليتيكية حول مستقبل كوريا، وتايوان، وأمن اليابان. ولا أعتقد أن ما حدث من دعم المدخرات الصينية، وشراء شهادات الخزانة الأمريكية، لزيادة الإنفاق الاستهلاكي الأمريكي، وزيادة الطلب بالتالي على المنتجات الصينية، سوف يمثل حلاً دائماً.

ويمكن أن يشبه ذلك العلاقة الإنجليزية الألمانية التي شهدت فترة من الصداقة، ثم انقلبت إلى عداوة شديدة بسبب بلد غير مهم على الإطلاق، هو بلجيكا، مما أدى إلى حرب مع بريطانيا. وإنني أرى تايوان بمثابة بليجيكا في أيامنا هذه. ولا تزال الولايات المتحدة ملتزمة حتى الآن باستقلال تايوان. ولكن إذا قامت الصين بأي هجوم مفاجئ، فإن أي رئيس أمريكي سوف يجد نفسه في ورطة. وسوف يكون عليه إما أن يفي بالتزاماته، أو أن يتراجع, وفي كلا الأمرين معضلة.

- كيف يمكن للإمبرطورية الصينية أن تشكل العالم؟

ليس من المحتمل أن تكون الصين إمبرطورية دون أجندة عمل. ولدى كل الامبرطوريات شعور بأهمية تصدير أسلوبها في إنجاز الأمور وحضارتها للآخرين. والأمر المهم في الصين هو عداوتها للديمقراطية الغربية والكيانات المؤسسية. وإن فرضيتهم الأساسية هي عدم الحاجة إلى كل ذلك في ظل وجود حزب واحد حاكم. وحين يخرجون إلى الخارج، فإنهم لا يقولون للآخرين إن هذه هي شروطنا لنمنحكم المساعدات المالية، وذلك بأن تراعوا حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية. بل إنهم يخاطبون العالم الخارجي بأن لديه موارد طبيعية ينبغي أن يلتزم ببيعها للصين. ولذلك فإنني أعتقد أنهم يمثلون نهجاً معاكساً للبعد اللبرالي في اللعبة الاستعمارية. ويشعر الحكام المستبدون في إفريقيا بالمزيد من الراحة كلما تحرك الصينيون عبر تلك القارة.

- هل المجتمع الدولي مستعد لمواجهة الصراع الذي تعتقد أنه سوف يبدأ؟

إذا ما سألت نفسك: ما العواقب التي يمكن أن تترتب على هجوم نووي على لندن، فإن ذلك سؤال مهم. وإن لندن هدف رخو وسهل، وسبق لي أن قلت إننا يجب أن نتوقع هجوماً على غرار هجوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 على لندن، أكثر مما نتوقعه على نيويورك، حيث إن من شأنه أن يصيب عدداً من المنشأت التي تتفاوت من حيث الأهمية. وتفكر البنوك المركزية في ذلك، وتصوغه في شكل لعبة حرب، كما يلجأ القطاع الخاص عموماً إلى ذلك. ولذلك فإن علينا الاعتقاد أن لدى جولدمان ساتش خطة للتعامل مع ضرب مكتبه في لندن الذي يمثل مقره الرئيسي في الوقت الراهن. غير أن المشكلة هي من السعة بحيث تهم كلاً من الشرعيين ورجال المصارف. ولا يمكن تصور أي عملية لتقديم أموال الدعم من أجل الاستمرار دون أن تكون الحكومة طرفاً فيها.

وإن من المستحيل كذلك تصور حدوث مثل ذلك الأمر دون وجود رغبة في الرد، أو الانتقام، إذ أن الانتقام يشكل جانباً مهماً من السياسة الخارجية. وتركزت معظم السياسة الأمريكية الخارجية على الردود الانتقامية أكثر مما هي على العدوان (يشكل العراق مثالاً خارجاً عن هذا السياق). وأعتقد أن الأمر سوف يكون كذلك في بريطانيا، حيث سوف يحرك أي هجوم مماثل مشاعر الانتقام القديمة. وإذا كان مثل ذلك الهجوم لا يمكن أن يتسبب في ركود اقتصادي كبير، فإنه على الأقل لا بد أن يحدث هزة اقتصادية كبرى.

وإن أكثر ما يهمني هو الأسلوب السياسي الذي تم به التعامل مع مثل ذلك الأمر، وكذلك الشأن الاستراتيجي. وما زلنا حتى الآن عاجزين عن التصرف إزاء مشكلة الانتشارالنووي، كما أننا عاجزون عن السيطرة على الأسلحة في منطقة وسط آسيا، وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، ولذلك فإننا عاجزون على تقليص احتمالات هجوم نووي. وأرى أننا نركز كثيراً من جهودنا على أمور تافهة مثل جعل الناس يخلعون نعالهم في المطارات، ونهمل أموراً بالغة الخطورة مثل احتمال أن يتمكن أحد من تفجير قنبلة نووية في إحدى مدننا الرئيسية. وأعتقد أننا فاشلون تماماً في هذا الاختبار. وليس هنالك من جهد كاف يبذل في إطار منع الانتشار النووي، بل إن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية مهددة بالموت في عيد ميلادها الأربعين، العام المقبل. ولذلك فإنني أحس بشيء من العصبية. وأرى أن هنالك احتمالاً بتفجير قنبلة نووية في مدينة رئيسية، كما أن أرى عدداً من البجعات السود في الأفق. ولا بد لنا على الأقل من الجدية في دراسة مثل هذه الاحتمالات، والعمل على الحيلولة دونها. وإذا ما قدر لمثل هذا الأمر أن يحدث، فإنه ستكون هنالك حالة من الفوضى وردود الفعل المالية والسياسية. ولا يستطيع أحد أن يتوقع مدى الرد البريطاني، أو الأمريكي على مثل ذلك الهجوم. غير أنني لا أعتقد أن الرد سوف يتصف بالحكمة والعقلانية.

- هل تقع المسؤولية في الحيلولة دون المخاطر التي ذكرتها على الولايات المتحدة؟

نعم.

- ما مضامين الانتخابات الرئاسية؟

إن لها مضامين ضخمة. وإن ما يقلقني بصورة خاصة هو أن كثيراً من المرشحين يركزون حملاتهم الانتخابية على ضرورة الخروج من العراق، وهو أمر يتصف بإنعدام المسؤولية. وإن أي شخص لديه منطق سليم يدرك أن الانسحاب الأمريكي سوف يؤدي إلى اشتعال المزيد من العنف. ونحن الآن أمام أي من المرشحين الديمقراطين الأقرب إلى اللامسؤولية بين هيلاري كلينتون، وباراك أوباما. وإن أقرب المرشحين إلى المنطق السليم هو جون ماكين الذي يواجه عقوبات انتخابية في صناديق تحري الآراء بسبب دعوته إلى عدم الانسحاب من العراق. ولا يريد أحد أن يستمع إلى ذلك. وهنالك أمر يأتي في المرتبة الثانية من الأهمية حول ما إذا كانت الحمائية سوف تصبح في العام المقبل جزءا من القضية الانتخابية. وأعتقد أن ذلك سيحدث إذا تباطأ نمو الاقتصاد الأمريكي باتجاه الركود الذي لا أستطيع التقليل من احتمالات حدوثه في الوقت الراهن. ولذلك فإن بإمكان المرء توقع أمور سلبية أخرى إذا أصبحت قضية الحمائية أمراً مهماً في الحملات الانتخابية. ونلاحظ كذلك أن قضية الهجرة تأخذ بعداً واسعاً. ومن الممكن أن تتصدر خط النار العلاقات التجارية الأمريكية ـ الصينية. ومن أخطر ما في الانتخابات الأمريكية أن اعتباراتها المحلية يمكن أن تطغى على أبعادها الجيوبوليتيكية. وإنني أرى أن من يتحدثون بمنطق سليم يواجهون عقوبات في صناديق قياس آراء الناخبين قصيري النظر الذين ملوا مما يحدث في العراق، ويريدون لتلك القصة أن تنتهي، وهم بالتالي على استعداد لتغيير توجهاتهم.

هل نحن بحاجة إلى قادة أكثر تصميماً للوقوف في وجه هذا الاتجاه؟

ذلك أمر مؤكد، حيث سيكون من الأمور العظيمة أن نجد نوعاً من الحكمة في السياسة الأمريكية. ولو توافر مثل ذلك النوع من الحكمة لكان مرشح مثل ماكين في الطليعة، غير أنه يتراجع بصورة مستمرة أمام مرشحين لا يعرفون شيئاً عن هذه الأمور. فما الذي يعرفه باراك أوباما بالفعل عن العلاقات الدولية؟ الحقيقة أنه لا يعرف شيئاً، إذ ليست له الخبرة المطلوبة. كما أن الخبرة المحدودة لدى هيلاري كلينتون هي تلك التي اكتسبتها أيام كانت السيدة الأولى، إذ أن كل ما قامت به كان يخص الشؤون المحلية. وأما المرشحون الذين يمثلون شخصيات كتب كوميدية، مثل فريد تومسون، فوصلوا إلى سباق الرئاسة من قبل الجمهوريين غير المؤيدين للسيناتور ماكين. وإن مما يجعلك تبكي هو أن احتمالات وصول من يفهم السياسة الخارجية أصبحت قليلة، إذ أنها لا تصل إلى واحد من عشرة في أفضل الأحوال. وكانت آخر مرة واجهت فيها الولايات المتحدة ظهور رئيس مستجد على السياسة الخارجية هي حالة الرئيس الحالي جورج بوش. وبعد أكثر من ست سنوات على ذلك، فإنه لا يبدي أي تحسن.

- هل تعتقد أن مشكلة التسخين العالمي تمثل بجعة سوداء يفترض أن تثير مخاوفنا؟

إنني لا أقلل من أهمية هذه المشكلة، حيث من المتوقع حدوث مشاكل كبرى في انتظام أمور الطقس عالمياً. غير أنني أكثر قلقاً من احتمال هجوم نووي إرهابي، وأعتقد أنه رغم أنه علينا أن نعمل على تقليص انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون، فإنه ليست لدينا وسائل لجعل الصين، أو الهند، أو أي دولة سريعة النمو، تتوقف عن زيادة انبعاثات ذلك الغاز. ويبدو لي أن المشكلة سوف تغير التوجهات العامة، بحيث يكون على الولايات المتحدة أن تقوم بشيء يمكن أن يصبح فاعلا، كما أننا مازلنا بعيدين تماماً عن ضريبة كربون عالمية. وأشعر أن الأمر يشبه الفقر في إفريقيا، حيث إن الناس يميلون إلى التحدث عنه، دون فعل الكثير لإيقافه. ونلاحظ أن أولئك الذين يقلقون بخصوص التغير المناخي هم ذاتهم الذين يبدون مخاوفهم إزاء الفقر في إفريقيا. وطبيعي أنهم إذا ما استطاعوا حل مشكلة الفقر في إفريقيا، فإنهم سوف يفاقمون أزمة تغير المناخ، لأن التقدم الاقتصادي المطلوب لمكافحة الفقر يعمل على زيادة مشكلات الطقس. وإنني أرى أن أكبر مصادر الخطر على العالم في الوقت الراهن هم البشر، وذلك من خلال احتمال نشوب الحروب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6 تشرين الثاني/2007 - 25/شوال/1428