هل وجد الأمريكان ضالتهم في العراق؟

عدنان الصالحي/مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

سقوط نظام صدام لم يكن شيء سهلا في حسبان القيادات العسكرية،  والخطط التي وضعت لذلك  أخذت بكل عوامل القوة لإنجاحها، على أساس ما يشاع ويعرف عن ذلك النظام من امتلاك لأسلحة كيمائية أو جرثومية إضافة الى القبضة الحديدية التي يمتلكها في إدارة الأمور في البلاد،  إلا إن كل ذلك لم يكن بحسن تقدير للمعركة، فمعركة سقوط بغداد أثبتت عكس ذلك حين تبين أن أكثر الكلام لم يكن دقيقا عن تلك الأسلحة  وان اغلب القيادات العسكرية هي الأخرى اضمحلت في غبار المعركة التي لم تحدث إلا بأشياء بسيطة، وبالتالي كانت المعركة الأخيرة( معركة المطار)عبارة عن شربة ماء للأمريكان.

  هذا الحال كان مبلغ سرور الأمريكيين الذين تحدثوا عن قدرة فائقة في الوصول الى الهدف وتحقيق النتائج بوقت قياسي ولكنهم اخطئوا مرة أخرى، هذه المرة كان الخطأ قاتلا تقريبا، فسوء التقدير لما بعد السقوط كان بمثابة خسارة المعركة الحقيقية،  ليقف الأمريكان في وسط دمار كبير لبلد تعطلت فيه جميع الخدمات تقريبا، إضافة إلى تهدم البنى التحتية وقرار حل لأجهزة أمنية وآلة عسكرية تمسك مساحة واسعة من الأراضي والمنافذ المهمة، وتضارب لمصالح الفئات والأحزاب في نفس الطائفة الواحدة فضلا عن باقي الطوائف والمكونات الأخرى.

   حاول الأمريكيون أن يكونوا إداريين قدر الإمكان لبلد حرروه بقوة السلاح لكنهم فشلوا في ذلك، وبعد فترات ليست بالقصيرة من التجارب استخدمت فيها القوة العسكرية بكل ثقلها إضافة الى الاعتقالات والمطاردات، لكن لا نتيجة حقيقية في البلاد من حيث ضبط الامن  وما يترتب عليه من آثار أخرى.

   وبعد أربعة أعوام يبدو أن الأمريكيين فضلوا البحث عن نواب لهم، ليسوا في البرلمان بل في انجاز بعض الأعمال، حيث تتلخص المشكلة الأمنية للأمريكان بوجود تنظيم القاعدة وبقايا النظام السابق في ساحة الطائفة السنية تقريبا في العراق واللذان شكلا تحالفا ولو مؤقتا، والجهة الأخرى المليشيا الشيعية الرافضة للتعامل مع القوات الأمريكية ويتصدر هذا العنوان التيار الصدري وجناحه المسلح (جيش المهدي) وبعض العناوين غير المرتبطة بجهات معينة، أما العناوين الأخرى كوجود مخابرات دول أخرى فهو لايمثل خطا واسعا بقدر ماهو تحرك ضمن المساحتين المذكورتين، والذي  يشكل الجانب العسكري الجزء الأكبر منه.

أما الجانب السياسي فوجود الأضداد منذ بداية العملية السياسية شكل حلا سهلا لها رغم صعوبة الحالة الأمنية على الأرض، واختلاف وجهات النظر حتى لمتبنى العملية السياسية وأسلوب تعاملهم مع الوضع الداخلي،  المصلحة الوطنية لم تكن في مقدمة الركب وهذا شيء يعترف به حتى من داخل العملية السياسية والتكتلات الكثيرة بل غلبت الحالة الطائفية والمذهبية على الأولى، وبدوره سبب حرجا كبيرا للأمريكان فهم لايرغبون برؤية عراق يسيطر فيه الشيعة على مقدرات السنة ولا العرب على الأكراد ولا العكس،  وميزان القوى الذي يفكر به الأمريكيون هو عالم الترهيب والترغيب على أساس الضد بالنوع.

  هذا الأسلوب شكلا حلا مؤقتا لهم، ولكنه لم يكن بالمستوى المطلوب لفترات طويلة، وعليه فتش الأمريكان طويلا ليجدوا من سيكون اللاعب الأساس في التشكيلة الجديدة.

شمال العراق أولا، حيث الأحزاب الكردية التي شكلت عامل مهم في العملية السياسية ورسم خطوط الحكم ودفع بعض الأحزاب الى المقدمة وتأخير من لا يأتي على هواها، هذه الأحزاب  لا نعتقد أنها ستكون موضع ثقة دائم بالنسبة للإدارة الأمريكية وبتغيير الظروف قد تصبح عكس ذلك وان لم يكن في المستقبل القريب، ولضمان ذلك الشيء فلابد للأمريكيين من البحث عن عامل ضاغط ثابت لتلك الجهة لجعل مهربها في حالة الضرورة تجاه الأمريكيين وبذلك يكون قد وجدوا الحل لشمال العراق وقيادته، هذا الحل يبدو إن الأتراك في الوقت الحاضر سيرتقونه ويملئون المنصب بكل جدارة وبالتماشي مع مصالحهم طبعا، وهذا ما أدركه الأكراد أنفسهم بعدما حاولوا التمرد على بعض الشروط الأمريكية وإعطاء بعض الاستثمارات لشركات غير أمريكية في حقول النفط والحركة بوتيرة أعلى من المطلوب فما كان من الأمريكيين إلا غض الطرف أو التحدث بصوت هادئ مع الأتراك، رغم إن الأخيرة تجيش جيوشها للتوغل في داخل الأراضي العراقية من جهة الإقليم، ومن خلال التحركات الأخيرة يبدو أن الأمريكيين وجدوا ضالتهم في هذا الموقع وهم متأكدون من إن المصالح بهذا الاتجاه ستسير مع الأتراك وفق خطة التوازن  وقد تلحق سوريا بهم من هذا الباب على أساس رفض قيام دولة كردية على الحدود التركية العراقية السورية.

بقي ماذا سيفعل الأكراد ليتخلصوا من هذا العامل الضاغط  كي يتحركوا مستقبلا بحرية أكثر، هذا ما تقع مسؤوليته على قياداتهم؟

المنطقة الغربية وأجزاء من الوسطى والتي تكاد تكون الغلبة فيها للطائفة السنية وهي تعرف على أساس ذلك فان الحل الذي ارق الأمريكان فيها قد أوجدته لهم (صحوة الأنبار) والتي انبثق منها مفهوم جديد سريعا ما انتشر ليكمل أجزاءه في ضرب تنظيم القاعدة في مواقع يعشعش فيها منذ بداية قدومه للعراق، وعليه فقد دخل الأمريكيون باسم تلك الحالة الى مناطق الأنبار، ديالى، صلاح الدين والأجزاء الغربية من العاصمة العراقية كأبو غريب والعامرية والطارمية،  فيما تحرك أهالي المناطق الجنوبية للعاصمة على نفس الأثر لتشكل مجالس الصحوة في اللطيفية واليوسفية والمحمودية، هذا الانتقال شكل عامل مفاجئة كبير لتنظيم القاعدة الذي كان يجد في تلك المواقع أماكن آمنة للمباغتة والهجوم.

لكن ماذا تنتظر مجالس الصحوة من هذا التحرك؟

هنا لايمكن إجمال الإجابة على إجمالية السؤال، بل قد يتفرع الموضوع الى عدة أفرع، فالحس الوطني والهاجس الأمني والاستقرار قد يكون موجود فعلا في أفكار ومنطلقات بعض هذه المجالس غير إن البعض لم يتحرك نتيجة هذا العامل بل قد يكون لدوافع أخرى كان تكون مادية أو وجهائية أو لحساب جهات معينة وبغض النظر عن المسميات يبقى الفيصل في ذلك كله هو متى تحقق الهدف لكل واحد من المتقدمين نحو هذا الموضوع سيتخذ بعدها قرار بترك المكان وعندها لا نعتقد بان الأمريكيين قادرين على أخضاع ذلك المجموع في السير الى ملا نهاية معهم وقد يكون الأمريكيون قرروا البحث ولو مؤقتا في حل أزمة القاعدة وبعدها سيكون لكل حدث حديث.

   في جنوب العراق ومناطق الوسط منه، فان الحالة متشابكة والتداخلات ليست بالبسيطة على الإطلاق، والسبب يكمن في كون ثقل الأغلبية كما يعبرون ينعكس سلبا وإيجابا على الحالة الأمنية والسياسية بقدر الثقل الذي تمثله هذه الشريحة وكون هذا العنصر غير متفق في طريقة تسيير الأمور أو التفاهم على الكثير من أساسيات العمل في إدارة الدولة مما ولد نزاعا كبيرا وصل الى حد الاقتتال في بعض الحالات، هنا حاول الأمريكيون زج القوة العسكرية في الموضوع لكن الأمور لم تأتي بثمرة رابحة تجاه التيارات المتشددة وأجنحتها العسكرية، فعاد الأمريكيون مرة أخرى للبحث عن  النائب عنهم في التصدي للمشكلة الامنية وحسب البيئة المتعايش فيها، (مجالس الصحوة) فكرة لم تلقى ترحيبا واسعا كما وجدت في المساحة الغربية والسنية بالذات،  وهنا يبدو أن العناصر المتشرذمة والعصابات غير المرتبطة بجهة معينة إضافة الى استدراج بعض العناصر في المليشيات المسلحة الى معارك جانبية مع القوات الأمنية العراقية كانت هي الحل لامن الوسط والجنوب هذه العوامل هيأت الأرضية الملائمة لتفكيك العلاقة العاطفية بين بعض المليشيات المسلحة وبين القواعد الشعبية لها أو المساندين  في مواجهة الأمريكان على مبدأ (عنوان الاحتلال).

وجود بعض القوات الخاصة والمدربة تدريبا خاصا في هذا المضمار دفع بهم الأمريكيون الى الامام ليصلح عنوان الاقتتال عراقي – عراقي إن لم يكن من نفس الطائفة، هذا الاختلال في المساحة الإعلامية وبين تحول القضية من مواجهة الاحتلال الى فرض القانون وصبغة التمرد عليه أدى بالنتيجة الى تحول المليشيات بكل أصنافها الى عناصر مطاردة من قبل الأجهزة الأمنية قبال مراقبة أمريكية من خلف الكواليس في حالة أي احتياج لحضورهم في وقت ما.

بالنتيجة أصبح الحل بيد الأمريكيين في مواجهة أي تمرد سياسي أو امني بصيغ مختلفة في الأسلوب ومؤداها لنفس النتيجة، فيما بقي دور الحكومة المركزية والحكومات المحلية في كيفية رسم خريطة خاصة بها في كيفية التعامل مع تلك العناصر الجديدة ( الضغوط الخارجية – مجالس الصحوة – القوات الخاصة غير المرتبطة بوزارة عراقية)، في حد ذاته الموضوع ليس باليسير على الإطلاق ولاسيما في وقت مازال الحديث عن السلطة السيادية قيد التحقق وبنسب جزئية.

الحكومة العراقية تحاول قدر الإمكان أن تنفي أي ضغوط خارجية أو داخلية في سير عملها وحتى ضغوط الأمريكان وتشير إن لاشيء يحدث الابموافقتها أو علمها على اقل تقدير، ومجالس الصحوة والقوات الخاصة  وجه من تلك المشاكل التي تواجهها حكومة المركز والمحلية على حد سواء وان كان النفي جواب من قبل الأخيرتين  إلا إن الواقع يبقى هو الناطق الأخير.

 ضالة الأمريكيين يبدو إنها قد وجدت وهم يتحدثون بطريقة أو بأخرى عن رضاهم على ما يجري من تسيير لبعض الأمور  ولاسيما الأمنية وهذا يلمس من تطور في أهم المناطق الساخنة سابقا والتي شهدت تطورا واستقرارا جيدا، بقي ماذا على الحكومة المركزية عمله؟، كي لا تبقى صورتها هيكلية بدون وجود حقيقي.

في هذا الإطار نرى الآتي:

1-     هذا السباق على استغلال كل ماهو ممكن في الساحة العراقية قوبل بحراك بطيء جدا من قبل الحكومة العراقية، مما ولد حالة من النفور منها والتوجه صوب الأمريكيين وهو بحد ذاته سابقة خطيرة في تهميش مكانة الدولة وهيبتها.

2-     النظر في عنوان (روافد الحكومة) لا بعنوان النتائج يتطلب  ردة فعل سريعة وقوية من قبل الحكومة المركزية والحكومات المحلية تجاه تلك الخطوات تتلخص على اقل تقدير بربط مجالس الإسناد والصحوة بها مباشرة وإخضاع القوات الأمنية الخاصة بموافقتها على مساحة تحركها على اقل تقدير.

3-     التنسيق المباشر من حكومة المركز مع جميع الإدارات المدنية في المحافظة بغية وضع آليات خاصة لفرض هيبة الدولة حتى على العناصر والجهات المرتبطة بالقوات الأمريكية وإرسال الرسائل الضمنية بقوة الحكومة وفاعليتها في أي تحرك يبتغيه الأمريكيون.

4-     تحريك العنصر السياسي في مواجهة التحرك الدبلوماسي للأطراف الأمريكية ومحاولة جذب مسار الأمور الى التعامل المباشر مع الحكومة المركزية بعيدا عن أي تكتل سياسي أو قوات احتلال.

5-     العمل الفوري والجاد على فتح قنوات الحوارات الموسعة بين الطوائف والأفكار المتعددة وبأسلوب النقاش الهادئ المتبناة من قبل القواعد الشعبية والأطراف المعتدلة واستخلاص نتائج للتعامل مع جميع القواعد الشعبية  وعلى مقدار مساحتها وعدم التفريط أو الاستخفاف بأي مكون مهما كانت مساحته على ارض الواقع ما دام لا يرفض النظام السياسي الجديد.

6-     تفعيل الجانب الاقتصادي  ولاسيما الحركة الاقتصادية المعتمدة على القطاع الصناعي المحلي لما له تأثير على نفسية المواطن العراقي ماديا ومعنويا واستيعاب قدرات بشرية كبيرة  ما زال الشارع العراق مزدحم بها  نتيجة البطالة. 

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت 3 تشرين الثاني/2007 - 22/شوال/1428