المثال.. رمزية في ضرورة التاريخ الانساني

في ذكرى هدم قبور ائمة البقيع

عدنان عباس سلطان

شبكة النبأ:  لعل التاريخ المكتوب يمكن عده مثال من المثالات المادية في كونه يخبر عن تفاعل الانسان عبر الحقب الحياتية ومدى انتصاراته او اخفاقاته في مختلف الظروف التي مرت بحياة البشر بغض النظر عما ادرج في هذا التاريخ من حوادث مزيفة او صحيحة لكن كتاب التاريخ الذي نتداوله يبقى بالمحصلة العامة مجموعة من المثالات والعبر والحكمة التي تفتح صفحاتها امام الانسان في الحقب التالية، والله سبحانه وتعالى قد هدانا وامرنا ان نبقي هذه المثالات امام عيوننا لتظل ترشدنا الى الحكمة سواء كانت هذه المثلات تبين لنا فعل اهل السوء او اهل الصلاح،

فالاهرامات التي ترمز الى آل فرعون وطغيانهم يجب ان تبقى شاخصة ما دام الانسان يحيى في الارض ليستدل على عنجهية اهل السلطة المتعسفة وقبر النبي يجب ان يظل شاخصا ليدلل عن الرسالة الربانية وبيت المقدس وطاق كسرى فمن جهة القياس ان الله سبحانه وتعالى قد وضع الرمز الطيب والرمز السيئ فلا غضاضة ابدا من ان يكون بعض الافراد من البشر مثالات في جانبهم السيئ ليكونوا عبرة ونموذج تاريخي على الظلم والاستبداد والباطل وان يكون المصلحون مثالات للمحبة والتعاون والفكر النير والتفاني في خدمة المجموعة البشرية بما يوصلهم الى دنياهم وآخرتهم واشاعة العدالة والحق والابتعاد عن الباطل والظلم.

والحكمة الالاهية قد اوجدت في كل خلق مثاله الذي يحميه فالارض جعل فيها الجبال لكي لا تميد والسماء جعل فيها النجوم لرجم الشياطبن

فالمثالات الاخلاقية بشقيها السيئ والحسن تجدد الفهم والاندفاع الى صلاح الارض اي انها تحمي الجانب الاخلاقي.

الجبال تحمي الارض ان لا تميد.

النجوم تحرس السماء من الشياطين.

القرآن المحفوظ يحمي الدستور الرباني

التاريخ يحمي العبرة والحكمة.

ان طبيعة الانسان وسجيته تنزع دائما الى ان تتخذ القدوة مثالا بما هي قدوة فاذا كانت مادية وملموسة ولها طابع المداومة اتخذها كما هي مثل الكتاب الكريم الذي انزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وان كان شئ ليس له جانب المداومة في الوجود كالفكر او صاحب الفكر الصالح يتخذه الانسان مثالا بعد ان يتحول الى رمز على غرار قبور الصالحين والاتقياء او في صورة المقامات كمقام ابراهيم، والحجر الاسود.

والرمز لو لم يكن من ضمن الإرادة الإلهية لما كان رمي الجمرات في شعائر الحج وهو متحول معنوي لترميز الشيطان الى صورة تخيلية مادية بصورة المكان او الصرح كذلك بئر زمزم وهو ايضا متحول من كينونة اخرى الى شئ ملموس وبيت الله الكعبة متحول من مستحيل الوجود الى قابل الوجود فان الله سبحانه وتعالى ليس له ما لسائر الخلائق لكنه في المعنى الذي يدركه الانسان صار لله بيتا اي انه متحول في المدركات البشرية وهو ايضا مثالا يحمي الشعائر والاواصر بين المسلمين ويجدد التواصل مع الروح العليا,.

والحضارة بجذرها انما هي حضارة سماوية في اصلها منذ ان علم الله سبحانه وتعالى آدم الاسماء كلها وانزله في فيض الارض ليكون مثالها على الصلاح والتفاعل في ضمن الاختيار المشروط في تلك الاسماء التي علمها لآدم وتوالى الرسل والانبياء كلما ضعف الاخذ بتلك الاسماء اي بالعلوم الاخلاقية التي ارادها الله ان تنسجم مع القانون الكوني السائر في طريق الكمال.

وللحضارة صروح وشواهد حيث يقول الله في كتابه الكريم سيروا في الارض وانظروا ...

اي انظروا سيرة الذين كفروا بارادة الله او انظروا عاقبة الصالحين وهي آيات كثيرة يحث فيها الله سبحانه وتعالى ان يتفكر الانسان بالرؤية والمشاهدة لتلك الآثار والشواهد.

واذن فان الحضارة هي مجموعة السير والمتخلفات الموحية والشواهد التي اعطت للانسانية دفقها وكانت ملهمة لافكار متطورة وستظل الى ما لا نهاية تحث البشر الى مزيد من التطور والتجديد والارتقاء فان انكار تلك الشواهد والآثار او القيام بمحوها انما هو تهديم للحضارة مهما كان نوعها فكيف وهي الحضارة الاسلامية ولا يبقى معنى للآية الكريمة التي تامرنا بمشاهدة او نظر تلك الشواهد التي اضيفت في جسد الرسالة المحمدية، فلو تصدينا الى تهديم كل الآثار والعبر المادية والترميزات التي تدل على الاشياء المتميزة في الذهن والمكان والوجود نصل في نهاية المطاف الى فقد للذاكرة المعنوية وينسحب ذلك الى فقد الجذوة المتطلعة الى المستقبل والسير في طريق الكمال الذي هو مآل الروح العاقلة المتمثلة بالبشر كوحدة فعالة في اصلاح الارض.

وتهديم البقيع انما هو كارثة كبيرة ووصمة عار في جبين الانسان الذي يقوم بهدم ذاكرته الحضارية وتخريب المعنى الرمزي الملموس خارج الوجدان ليتم بعد ذلك محو المعنى المحسوس في ذات الانسان المسلم، وهو بالتالي منسحب الى السلوك كشئ انعكاسي في الوقت الذي لا يجد القدوة الحسنة والمسرى الصالح المتمثل في اهل بيت النبوة والشخوص الاسلامية الاخرى في غيرهم من الصالحين والانسانيين والمرشدين الى حدود الله سبحانه وتعالى.

ان هدم الشواهد الحسنه انما هو فعل طوعي في التخلي عن المعنى وفقدان الذاكرة وهتك للوشائج وعدم اعتراف بالمثالات التي اشار اليها رب العالمين ان تظل كنذير او كتحذير في الرؤية الواضحة المرئية والمحسوسة والمتجسدة في واقع الحياة.  

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 21 تشرين الاول/2007 - 9/شوال/1428